q

العلاقات الأمريكية السعودية التي تدهورت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب اقرار قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب والمعروف بقانون جاستا الامريكي، باتت من اهم المواضع في الولايات المتحدة الأمريكية ونظيرتها في الأزمة المملكة العربية السعودية، حيث يرى بعض المراقبين ان هذا القانون والتطورات المرتقبة يمكن ان تسهم بتعقيد الامور وتنهي عقود من التحالف الاستراتيجي بين البلدين، خصوصا وان هذا القانون الأمريكي الذي يسمح لأسر ضحايا هجمات الـ 11 سبتمبر، بمقاضاة مسئولين في حكومة السعودية بما فيهم الملك سلمان بن عبد العزيز وباقي اعضاء الاسرة الحاكمة في السعودية، التي اعلنت في وقت سابق انها ستعيد تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة في ضوء التغيرات، وهددت بسحب أرصدتها واستثمارتها من أمريكا حال تطبيق القانون، وتقدر الأرصدة السعودية في أمريكا بحوالي 750 مليار دولار. ولا يبدو هناك نوع من التفاؤل أن تعود العلاقات إلى سابق عهدها في الفترة الرئاسية الأمريكية الجديدة، خصوصا مع وجود شكوك سعودية بوجود تقارب كبير بين أمريكا إيران العدو الاول للمملكة. كما هاجم وزير الاستخبارات السعودية سابقًا، الأمير تركي الفيصل، في مؤتمر المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية العربية، قانون جاستا قائلاً إن هذا القانون ستكون له تداعيات سلبية على العلاقات السعودية الأمريكية.

وحذّر من أن هناك أطرافًا خارجية أو قوى خارجية قد تستفيد من أي ضرر يلحق بالعلاقات السعودية الأمريكية، مؤكدًا أن السعودية كانت وما زالت لاعبًا مسؤولاً على المسرح الدولي، من جانب اخر اكدت بعض المصادر، ان الولايات المتحدة الامريكية وبعد الضجة العالمية الكبيرة، التي تسبب بها قانون جاستا ربما ستسعى الى اجراء تعديلات جديدة لإصلاح هذا القانون من اجل الحفاظ على مصالحها الخاصة، وكان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جون برينان، قال في وقت سابق إن القانون ستكون له "عواقب وخيمة" على الأمن الوطني الأمريكي، وقال إن "اخطر العواقب وأكثرها ضررا سيتعرض لها اولئك المسؤولون الحكوميون الأمريكيون الذين يعملون في الخارج نيابة عن بلادنا"، واضاف "إن مبدأ الحصانة السيادية مبدأ يحمي المسؤولين الأمريكيين كل يوم، وهو مبدأ مبني على التبادلية"، مضيفا "إذا تخلينا عن تطبيق هذا المعيار بالنسبة للدول الاخرى، فسنعرض مسؤولي بلدنا إلى مخاطر". ويعدل التشريع الجديد قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي سيعطي الحق لأسر ضحايا هجمات الـ 11 من سبتمبر في مقاضاة اي مسؤول في الحكومة السعودية يشك في لعبه دورا في هذه الهجمات.

بيد أن المدافعين عن القانون يردون بأنه يطبق على فعل إرهاب وقع على التراب الأمريكي فقط. وبات التساؤل المهم الآن كيف يمكن للرياض أن ترد على مثل هذا القرار الذي بلا شك سيؤثر بشكلٍ سلبي على مستقبل العلاقة بين البلدين، فالمملكة تحتكم إلى عددٍ كبير من الوسائل التي تكفل لها رد الفعل من ضمنها تجميد الاتصالات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأميركي وإقناع دول مجلس التعاون الخليجي على الحذو حذوها واتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والتراجع عن السماح للقوات المسلحة الأميركية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية.

الملك أمام القضاء

في هذا الشأن أصبح من الممكن جدا أن يمثل الملك السعودي أمام القضاء الأمريكي بموجب قانون "جاستا"، الذي يتيح لضحايا اعتداءات إرهابية ملاحقة حكومات وزعماء دول أجنبية، ويعتبر مراقبون أن هذا القانون قد يخلق نوعا من الفوضى في القانون الدولي، لتهديد عدة بلدان بتبني قوانين مماثلة تستهدف مسؤولين أمركيين.

وكان الكونغرس الأمريكي أقر في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي قانون "جاستا" وهو اختصار لـ"قانون العدالة بمواجهة مروجي الإرهاب"، متجاهلا فيتو الرئيس باراك أوباما، ما سيؤدي إلى مزيد من التأزم القائم أصلا في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، والامتعاض إزاء هذا القانون لا يقتصر على المملكة، بل أن دولا حليفة عديدة للولايات المتحدة لم تخف قلقها إزاء إعادة النظر بالمبدأ شبه المقدس في القانون الدولي وهو حصانة الدول. حتى أن دولا في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وهولندا هددت بتشريعات مماثلة ردا على القانون الأمريكي، ما قد يتسبب بسلسلة طويلة من الملاحقات القضائية على المستوى الدولي ضد الولايات المتحدة وممثليها في الخارج من دبلوماسيين أو عسكريين.

ولم يخف وزير الخارجية الأمريكي بدوره جون كيري امتعاضه من إقرار قانون "جاستا"، معتبرا أنه "يشكل مجازفة كبيرة" للولايات المتحدة، منددا قبل أيام وهو يقف إلى جانب نظيره السعودي عادل الجبير ب"التأثير السلبي جدا لمفهوم الحصانة السيادية على مصالح الولايات المتحدة". وقال كيري أمام الجبير إن هناك "وسائل لإصلاح" هذا القانون، فيما أكد خبراء أن الأمر لا يمكن أن يحصل ما لم يتم الالتفاف عليه عبر قوانين جديدة للحد من قدرة الأمريكيين على تقديم شكاوى، حتى أن الوزير السعودي حذر من مخاطر الوصول إلى "فوضى في النظام الدولي"، وقد يفتح القانون على المستوى الدولي الباب أمام فوضى بحسب ما يحذر حسين إيبش الاختصاصي في شؤون دول الخليج. كما أن الاتحاد الأوروبي حذر في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي من أن "دولا أخرى قد تسعى لإقرار قوانين مماثلة ستؤدي إلى مزيد من الإضعاف لمبدأ حصانة الدول". وجاء هذا التحذير في رسالة موجهة إلى الإدارة الأمريكية. وتباحث نواب فرنسيون وهولنديون وبريطانيون في مشاريع قوانين للرد على القانون الأمريكي، كما برزت اعتراضات عليه من دول الخليج العربي وتركيا والعراق والأردن وباكستان وحتى اليابان.

وذهب البروفسور في جامعة برنستون برنار هيكل إلى سيناريو كارثي نظريا قائلا: "إن العاهل السعودي نفسه قد يدعى للمثول أمام محكمة في نيويورك ليستجوبه نائب عام (...) وفي حال لم يمثل فقد يصدر حكم ضد المملكة".

وتشهد العلاقات بين الرياض وواشنطن فتورا شديدا منذ ثلاث سنوات خصوصا بسبب السياسة المترددة جدا للرئيس أوباما بشأن سوريا والتقارب الأخير بين واشنطن وطهران. وأضاف هيكل أن "هذا القانون يؤكد للقادة السعوديين أن إدارة أوباما تخلت بشكل أو بآخر عن حلفائها في المنطقة من أجل سياسة أكثر تقربا من إيران". بحسب فرانس برس.

وتنفي الرياض بشدة أي علاقة لها بهذه الاعتداءات (15 من منفذي الاعتداءات من أصل 19 هم سعوديون) وقامت لجنة تحقيق أمريكية عام 2004 بتبرئتها من أي علاقة لها بالاعتداء. واعتبر المدير السابق للاستخبارات السعودية الأمير تركي الفيصل، في كلمة أمام مؤتمر في واشنطن حول تداعيات هذا القانون، أنه "وضع لمهاجمة أوفى صديق للولايات المتحدة خلال الأعوام السبعين الماضية". ولا يشير قانون "جاستا" أبدا إلى السعودية إلا أنه يسمح من الآن فصاعدا للناجين من هجمات إرهابية أو لأقارب ضحايا اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمر بملاحقة المملكة قضائيا.

زيارة امريكية

الى جانب ذلك التقى قائد القيادة الاميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتل مسؤولين سعوديين في الرياض، في زيارة غير معلنة تأتي وسط تباينات متزايدة بين الحليفين التقليديين، على خلفية النزاع في اليمن. وشملت لقاءات قائد القيادة الوسطى التي يعد الشرق الاوسط من ضمن نطاق عملياتها، ولي العهد وزير الداخلية الامير محمد بن نايف، وولي ولي العهد وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

وافادت وكالة الانباء السعودية ان فوتل ركز في مباحثاته مع بن نايف على "مكافحة الارهاب"، ومع بن سلمان على "المجال الدفاعي"، علما ان الولايات المتحدة تعد من ابرز موردي الاسلحة للمملكة. ولم تخف واشنطن خلال الفترة الماضية انتقاداتها للتحالف العربي بقيادة السعودية الداعم للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مواجهة الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، على خلفية ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين خصوصا جراء الغارات الجوية في اليمن.

وبلغت الانتقادات الاميركية مستوى حادا في اعقاب قصف جوي طال في الثامن من تشرين الاول/اكتوبر، قاعة عزاء في صنعاء، وادى الى مقتل 140 شخصا على الاقل واصابة 525 بجروح. ونفى التحالف بداية ضلوعه. الا ان فريق تحقيق تابعا له أقر بمسؤوليته عن الغارات، قائلا انها استندت لمعلومات مغلوطة. واضافة للتباينات حول اليمن، يشكل قانون "جاستا" الذي اقره الكونغرس الاميركي في ايلول/سبتمبر، موضع خلاف اضافي بين واشنطن والرياض. ويجيز القانون لعائلات ضحايا اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001، مقاضاة السعودية في المحاكم الاميركية على خلفية ضلوع محتمل لها في الاعتداءات.

وقال فوتل ان "الامر الاول الذي نحاول القيام به هو الاستماع لما يقولوه لنا المسؤولون السعوديون، ومن المهم الحفاظ على الثقة في العلاقة". وبدأ التحالف عملياته في اليمن نهاية آذار/مارس 2015 ضد المتمردين الذين سيطروا على صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014، وواصلوا التقدم للسيطرة على مناطق في وسط اليمن وجنوبه. ووفرت الولايات المتحدة للتحالف دعما شمل مستشارين وطائرات للتزود بالوقود في الجو ومعلومات استخبارية. بحسب فرانس برس.

وفي خضم تصاعد حملة الانتقادات الدولية للتحالف على خلفية اعداد الضحايا المدنيين، كشفت واشنطن في آب/اغسطس انها خفضت عدد مستشاريها، نافية ارتباط هذه الخطوة بحصيلة المدنيين. وبعيد الغارة على قاعة العزاء في صنعاء، اعلنت واشنطن اجراء "مراجعة فورية" لتعاونها مع التحالف. واعتبر المتحدث باسم مجلس الامن القومي للبيت الابيض نيد برايس في حينه الغارة "استمرارا للسلسلة المقلقة من الهجمات التي تضرب المدنيين اليمنيين"، مشيرا الى ان التعاون الاميركي مع الرياض "ليس شيكا على بياض". وتواصل واشنطن منذ اعوام تنفيذ غارات جوية بطائرات من دون طيار تستهدف فرع تنظيم القاعدة في اليمن الذي تعتبره اخطر اذرع التنظيم في العالم. وافاد التنظيم وتنظيم داعش من النزاع بين الحكومة والمتمردين، لتعزيز نفوذهما في البلاد لا سيما في مناطقها الجنوبية.

المعاملة بالمثل

على صعيد متصل اهتمت صحف عربية برفض الكونغرس الأمريكي حق النقض الذي استخدمه الرئيس باراك أوباما ضد قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف بـ "جاستا" الذي يفتح الطريق لأسر ضحايا هجمات سبتمبر لمقاضاة السعودية، ويرى عدد من الكُتاب أن على الرياض اتخاذ إجراءات في مواجهة واشنطن التي لا يجب المراهنة عليها كحليف. وتحلل افتتاحية الرياض السعودية تبعات إصرار الكونغرس على تمرير القانون قائلة إن "القانون سابقة خطيرة تعرِّض مصالح ومواطني الولايات المتحدة للخطر كون تنفيذه لن يقف عند الحدود الأمريكية دون حدود الدول الأخرى، فمن حق مواطني أي دولة ان يرفعوا دعوات على الحكومة الأمريكية في بلادهم اذا رأوا ان ذلك يحقق مصالحهم".

ويندد خالد بن حمد المالك في الجزيرة السعودية بالقرار قائلاً: "أمريكا التي وقفنا معها، واستوعبنا مواقفها وسياساتها، وعلّمنا أبناءنا في جامعاتها، واستقدمنا الخبراء منها، ووضعنا في مؤسساتها المالية جزءًا كبيرًا من احتياطياتنا المالية، وتفاهمنا وتعاونا على تنفيذ مجموعة من المشروعات العملاقة في كل المراحل بإعطاء الأولوية لأمريكا دون غيرها من الدول، هي أمريكا التي تتآمر علينا، وتفصح من خلال تمرير قانون (جاستا) عن مواقف غريبة ومشبوهة منا لم نكن نتوقعها في أي يوم".

وتقول الدستور الأردنية إن السعودية "تشعر بطعنة أمريكية في الظهر بعد إقرار قانون 'جاستا'". وتوضح الجريدة أن " القانون الجديد الذي عارضه أوباما بشدة واستخدم حق النقض ضده، من الخطوات الأمريكية النادرة ضد السعودية". وفي السفير اللبنانية يعتقد سليمان نمر أن قرار الكونغرس يؤكد "حقيقتين مهمتين"، هما أن "الولايات المتحدة لا يمكن أن يراهن عليها حليف قريب أو بعيد" وأن " السعودية لم تنجح في أن توجد لها 'لوبي' أو جماعة ضغط في الكونغرس الأمريكي أو عند مراكز صنع القرار في واشنطن".

ويناقش جميل الذيابي في عكاظ السعودية كيفية التعامل مع القانون، متسائلاً: "هل ستقف السعودية مكتوفة الأيدي واضعة اليد على الخد، وتكتفي بتنديد الأشقاء والأصدقاء والحلفاء والخبراء؟". ويجيب الكاتب قائلاً: "الأكيد أن المملكة ستعمد- قبل كل شيء- إلى تطبيق مبدأ "المعاملة بالمثل". فما دامت ممثلياتها في أمريكا لا تنعم بحصانة، فإن الممثليات الأمريكية في المملكة لن تكون محصنة ضد من يريدون مقاضاة الحكومة الأمريكية، أو الجيش الأمريكي، خصوصًا أن أمريكا لها تاريخ حافل بالدم، وقادت غزو العراق، وأفغانستان في الألفية الجديدة. كما أن هناك متضررين من معتقلاتها في غوانتانامو وغيرها". بحسب بي بي سي.

وتنتقد طفله الخليفة في أخبار الخليج البحرينية قرار الكونغرس قائلة "إن هذا الموقف متوقعًا من قبل سياسيي الولايات المتحدة الأمريكية، فعيونهم منذ فترة ليست بالقليلة على أموال الشقيقة العربية السعودية". وتقترح الكاتبة أن تقوم المملكة بحماية أموالها "وإبعادها عن متناول يد الولايات المتحدة" لأن "سياسييها ما فعلوا ذلك إلا ليجمدوا أموال الشقيقة السعودية ويصادروها إن قدروا على ذلك". ومن جانبه، يدعو محمد عبد الهادي علام في الأهرام المصرية إلى "التعامل مع القانون الأمريكي عبر قنوات الدبلوماسية الدولية من خلال المجموعات الإقليمية في الأمم المتحدة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في أحداث 11 سبتمبر لمعرفة المسؤول أصلاً عن هذا العمل الإرهابي".

اضف تعليق