q

تسعى أوبك منذ فترة وبشكل حثيث من خلال الاجتماعات والاتفاقيات التي تعقدها بين أعضائها الى محاولة للحفاظ على ماء وجه أسعار النفط المصدر، وعلى الرغم من المخاض العسير الذي تقوده أوبك فيما بين أعضاءها، الا انها نجحت في تحقيق بعض النجاحات على هذا الصعيد، اذ ارتفعت أسعار النفط بنحو 70 بالمئة منذ أن أشارت أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية للمرة الأولى في فبراير شباط إلى أنها قد تكون مستعدة لتقييد الإنتاج للمساعدة في تقليص فائض في الإمدادات استمر لعامين وأدى إلى انخفاض سعر النفط إلى النصف.

ويرى مدير صندوق التحوط بيير أندوران الذي يجري تحليلات لنحو عشرة آلاف حقل نفطي حول العالم ويقول إن تقلص حجم إنتاج المستقلين مثل الولايات المتحدة من الخام والانخفاض التدريجي في حجم المخزونات أقنعاه بأن موجة ارتفاع الأسعار هذا العام ستظل مستمرة، حيث بين أندوران لقمة رويترز للسلع الأولية "في 2014 الفرصة الكبرى كانت لانخفاض الأسعار والآن الفرصة الكبرى هي لارتفاع الأسعار.

وقد كشفت أوبك في وقت سابق التي تضخ نحو ثلث إنتاج النفط العالمي الشهر الماضي النقاب عن خطط لتقييد الإنتاج إلى نطاق يتراوح بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا مقارنة مع نحو 33.4 مليون برميل يوميا حاليا.

وفعلا ارتفع سعر النفط لأعلى مستوى في عام لكن حالة الضبابية بشأن كيفية تقاسم أعضاء أوبك عبء خفض الإنتاج كبحت الصعود إذ من المرجح أن تكون هناك استثناءات لبعض الدول، وعلى سبيل المثال تكافح نيجيريا وليبيا من أجل تعويض فاقد الإنتاج الناجم عن العنف والاضطرابات المدنية بينما تسعى إيران إلى استعادة حصتها السوقية بعد رفع العقوبات الغربية عنها هذا العام.

غير أن وجهة نظر أندوران تتناقض مع توقعات بعض أكبر شركات تجارة النفط في العالم إذ يعتقدون أنه من غير المرجح استعادة التوازن بين الإمدادات والطلب بشكل كبير حتى فترة متقدمة من 2017، الا ان أندوران اشار الى ان تخفيض الإنفاق الرأسمالي (من قبل منتجي النفط) الذي رأيناه وما زلنا نراه... لا نتوقع إمدادات كثيرة في 2017 بل نرى العكس... حتى بدون خفض أوبك فإن السوق تتحسن ونحن ماضون باتجاه الصعود.

ويتوقع أندوران الذي تضم قائمة عملائه مؤسسات استثمارية مثل صناديق معاشات التقاعد وصناديق المنح الجامعية والعائلات الثرية الكبرى أن يصل سعر النفط إلى 60 دولارا للبرميل بنهاية العام وإلى 80 دولارا في 2017 وهو صعود قال إنه سيحدث سواء بأوبك أو بدونها.

اما إيان تيلور الرئيس التنفيذي لشركة فيتول فأنه يرى ان سوق النفط قد تشهد استعادة التوازن بين العرض والطلب إذا ما اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا علي خفض كاف للإنتاج لكن تحقيق التوازن قد يستغرق حتى النصف الثاني من 2017، واتفقت أوبك في الجزائر الشهر الماضي على خفض الإنتاج لتسريع وتيرة تحقيق التوازن بين معروض النفط والطلب، اذ رجح تيلور انه في حال اذا خفضوا إنتاجهم حقا بواقع مليون برميل يوميا أعتقد أنه يمكننا القول إن النفط سيبلغ أواخر الخمسينات وأوائل الستينات" في إشارة إلى سعر برميل النفط بالدولار، وأضاف "هذا بالتأكيد سيبدأ في التأثير... وسيعيد للسوق توازنها في النصف الثاني من 2017. لكن هل يمكن حقا خفض الإنتاج مليون برميل يوميا بالتعاون بين أوبك والمنتجين خارجها؟ هذا أمر يصعب تحديده ؟.

من جهة أخرى يؤيد هذا المسار جاري روس رئيس مجموعة بيرا إنرجي الذي أكد إن قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بتبني خفض الإنتاج سيدفع أسعار الخام صوب هدف في نطاق 50 إلى 60 دولارا للبرميل، خاصة بعد تغير سياسة أوبك مع استهداف السعودية ذلك النطاق السعري واستعداد إيران للقبول باتفاق، اذ وضح روس إن فائض المعروض النفطي يتآكل منذ الربع الثاني من العام متوقعا أن "يتلاشى" بحلول النصف الثاني من 2017.

الا انه هناك من يعارض هذه التوقعات ويرى فيها مجرد تكهنات لااكثر لاتستند الا على موجه تفاؤلية غير واقعية وقراءة غير دقيقة لمجريات الاحداث، ومن ضمن هؤلاء بنك جولدمان ساكس في الولايات المتحدة والذي خفض توقعه لسعر النفط في الربع الأخير من العام سبعة دولارات للبرميل مشيرا إلى تنامي تخمة المعروض من الخام وهو ما قد يبطل تأثير أي دعم قصير الأجل للأسعار من اتفاق محتمل بين كبار المنتجين لفرض قيود، وخفض البنك توقعاته لسعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في الربع الأخير إلى 43 دولارا للبرميل من 50 دولارا، اذ اشار الى انه في ضوء عدم تغيير توقعاتنا للطلب ومع نمو على أساس سنوي قدره 1.4 مليون برميل يوميا فإننا نتوقع الآن زيادة المخزونات في الربع الأخير من 2016 بمقدار 400 ألف برميل يوميا مقابل توقعاتنا السابقة لزيادة قدرها 300 ألف برميل يوميا خلال الربع، ومن الاسباب لذلك أنه يتوقع زيادة محدودة في إنتاج ليبيا ونيجيريا بنحو 90 ألف برميل يوميا مقارنة مع تقديرات الإنتاج الحالي، وأبقى جولدمان على توقعاته لمتوسط سعر برميل النفط في 2017 دون تغيير عند 52 دولارا.

ويتفق مع هذا الرأي، وكالة الطاقة الدولية التي تتوقع أن تتجاوز الإمدادات العالمية الطلب في العام القادم وذلك بعد شهر واحد فقط على تقديراتها السابقة بأن تشهد السوق اختفاء تخمة المعروض في الفترة المتبقية من العام، وفي توقع مماثل أظهر تقرير شهري من أوبك أن أكبر المنتجين في العالم يتوقعون تسارع وتيرة الإنتاج من خارج المنظمة مما يشير إلى احتمال وجود فائض ضخم من المعروض في السوق في 2017، كما يرى فيم توماس كبير مستشاري الطاقة لدى شل إن الفائض الضخم في المعروض العالمي من النفط الذي ضغط على الأسعار في العامين الأخيرين قد بما لن ينحسر حتى النصف الثاني من 2017، وقد تؤخر العودة المحتملة لنحو 1.5 مليون برميل يوميا إلى السوق من ليبيا ونيجيريا إضافة إلى الغموض بشأن مستويات إنتاج إيران والعراق إعادة التوازن التي يأملها كثيرون في القطاع، وأضاف أن أكثر الاحتمالات تفاؤلا هو أن يعود التوازن هذا العام مما يعني استيعاب الكميات الضخمة من مخزونات الخام وأن شل مستعدة لجميع الاحتمالات، ويرى توماس إن هناك ثلاثة احتمالات ربما تؤثر على الموقف الحالي. فالطلب على النفط من الدول العطشى للطاقة مثل الصين والهند سيكون محركا رئيسيا لأسعار الخام إضافة إلى مرونة منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة تجاه ضعف الأسعار وأيضا أي اتفاق قد تتوصل إليه منظمة أوبك لتثبيت الإنتاج بما قد يفضي إلى قفزة مفاجئة للأسعار.

وعلى الصعيد العربي، صرح الرئيس التنفيذي لمجموعة ارامكو السعودية العملاقة للنفط ان السوق النفطية تتحسن لكنها تبقى ضعيفة، وذلك قبل يومين على اجتماع غير رسمي لمنظمة الدول المنتجة للنفط (اوبك) لبحث امكانية تجميد الانتاج لدعم لاسعار، ولحد الان لم تحدد السعودية وروسيا، المنتجان الاولان للنفط الخام عالميا، اي اجراء للتخلص من فائض العرض الذي يثقل الاسعار منذ منتصف 2014 والناتج عن ازدهار المحروقات الصخرية واستراتيجية اوبك القاضية بالابقاء على الفائض للاحتفاظ بحصتها في السوق، وقد أشار وزير النفط الفنزويلي إيولوخيو ديل بينو إن معروض النفط العالمي البالغ 94 مليون برميل يوميا ينبغي أن ينخفض نحو العشر لكي يوازي الاستهلاك، اذ وضح ديل بينو التي تضغط بلاده كي يتوصل المنتجون من أوبك وخارجها إلى اتفاق لتعزيز أسعار الخام إن "السعر العادل" في حدود 70 دولارا للبرميل.

ومن زاوية اخرى، رجح صندوق النقد الدولي ان يترك اي تعافٍ متواضع في اسعار النفط عالميا تأثيرا محدودا على النمو في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وذلك في تقريره الدوري عن توقعات الاقتصاد العالمي، اذ ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستواصل مواجهة تحديات صعبة بسبب الاسعار المنخفضة للنفط، وآثار التوترات الجيوسياسية والنزاعات في بعض دولها، ويتوقع الصندوق ارتفاع سعر البرميل تدريجا، من معدل 43 دولارا هذه السنة، الى 51 دولارا في 2017، وابقى الصندوق على تقديراته الصادرة في تقريري نيسان/ابريل وتموز/يوليو، بالنسبة لمعظم الدول المنتجة للنفط في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، الا انه رفع من تقديراته للنمو في ايران والعراق، اذ عزز الصندوق توقعاته بالنسبة لايران التي تزيد انتاجها النفطي بشكل تدريجي منذ رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عنها مطلع هذه السنة بموجب الاتفاق حول ملفها النووي مع الدول الغربية. ويتوقع الصندوق نمو الاقتصاد الايراني 4,5 بالمئة في 2016 بدلا من اربعة بالمئة (توقع نيسان/ابريل)، و4,1 بالمئة في 2017 (بدلا من 3,7 بالمئة)، اما العراق، احد اكبر الاعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، فيتوقع ان ينمو اقتصاده 10,2 بالمئة هذه السنة (بدلا من 7,2 بالمئة بحسب توقعات نيسان/ابريل)، في ظل زيادة انتاجه النفطي بأكثر من المتوقع. اما في 2017، فسيكون النمو محدودا بشكل كبير (0,5 بالمئة فقط) في ظل التحديات الامنية وتراجع الاستثمار النفطي. بحسب مانشرته لندن (رويترز).

يتضح ان جهود أوبك قد يطالها الفشل اذا ما لم تتفق جميع اعضائها، هذا اذا ماعلمنا أن أسعار النفط تتحرك وفقاً للتجاذبات السياسية أكثر مما تتحرك وتتأثر وفقاً للمتغيرات الاقتصادية، وبالتالي في ظل التصادم السياسي داخل اعضاء أوبك فأن من شأن ذلك أن يقوض أي إتفاق قد تصل اليه أوبك، خصوصاً وانه هناك دول مازالت تعتمد وبصورة كبيرة على تصدير النفط والتي منها العراق وليبيا وفنزويلا وحتى ايران التي تريد الاستفادة من فرصة تخلصها من العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها سابقاً، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فأن أوبك تستطيع ان تقوم بتقييد الانتاج وتحقيق ماتصبو اليه عبر مراحل من التقييد والضغط على تحديد الاسعار لا الكميات، اي فرض اسعار خاصة للتصدير لا تقييد الانتاج وحسب، وهذا ما سيرجع الهيبة لأوبك التي فقدتها منذ زمن طويل.

اضف تعليق