q

لا شك في أن واقعة الطف، المعركة الدامية في عام (61هـ)، التي أعلن فيها الإمام الحسين (عليه السلام) ثورته على طاغية عصره يزيد وظلم بني أمية الذي وقع على الأمة، هي من أهم الأحداث التي حصلت في تاريخ الإسلام، بل لعلها، إلى جانب الخلافة الظاهرية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أهم ما حدث في الإسلام بعد رحيل النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ذلك إن هدف ثورة كربلاء استعادة الإسلام، بعد أن شوهته السلطة الأموية وحولته إلى مجرد مظاهر بدون مضمون، كالذي يجري اليوم، حيث اختطف "داعش" وسائر التنظيمات الإرهابية الأخرى صورة الإسلام كدين السلام والعدل والرفاه، حتى بات اسم الإسلام لا يذّكر إلا بعمليات الذبح والسيارات المفخخة والانتحاريين.

كربلاء الرسالة

يقول الإمام الشيرازي(قده): "إن رسالة عاشوراء إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة، وهو ما كان يهدفه الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضته وشهادته، ذلك لأن الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلّغه رسوله (صلى الله عليه وآله)، وضحّى من أجله أهل البيت (عليهم السلام) وخاصة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل، والقانون الشامل، الذي باستطاعته وفي كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان، والمجتمع البشري، ويضمن له التقدم والرقي، والتطلع والازدهار، وذلك في ظل حكام استشاريين، غير مستبدين ولا ظالمين، نص الله على إمامتهم وولايتهم، وفي جوار حكومة عادلة، وإدارة حكيمة، ورعاية واعية، ونظام استشاري".

ولما كانت لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هذه الأهمية الاستثنائية في تاريخ الإسلام ومستقبله، حيث إنها انطلقت من الإسلام، وفي أدق تفاصليها تمسك جميع من شارك فيها بمثل الإسلام العليا، لإنجاز حاكمية الإسلام، ولذا استمدت ثورة كربلاء عالميتها من عالمية الإسلام، وأيضاً من مواقفها السامية وتضحياتها الاستثنائية، ونظراً لما لعاشوراء من مقام سامق على صعيد الانتصار للإنسان ولقيم العدل والخير، فقد احتلت ثورة الطف مكانة فريدة في وجدان الأحرار في العالم، وليس حكراً عند الشيعة، وقد امتلأ الأدب العالمي والتراث الإنساني بأجمل الكتابات حول الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته.

وفي الحقيقة، لا يمكن إدراك حقيقة الحدث العاشورائي بكامل أبعاده، إذا اقتصر نظر قارئ ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) على أنها مجرد ردة فعل على سلطان جائر، إذ لابد من إدراك أهمية التهديد الذي شكلته السلطة الأموية –آنذاك- للدين الحنيف "مظهراً وجوهراً"، فعند انطلاق الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة المكرمة نحو الكوفة، أوصى (عليه السلام) أخاه محمد بن الحنفية بما أراد أن يوصيه به، ثم قال له: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي (صلى الله عليه وآله) وسيرة أبي علي بن أبي طالب).

وبهذا الإعلان أوضح الإمام الحسين (عليه السلام) دوافع ثورته الإيمانية والإنسانية، وبيّن المنهج الذي سيسير عليه، والهدف العظيم الذي يسعى ويبذل له دمه وولده وأهله وصحبه وكل غالٍ ونفيس من أجل تحقيقه.

وهو المنهج الذي يجب ألا يغيب –أبداً– ولا يُغيّب عن أذهان وأنظار المحتفين بواقعة كربلاء التي قُتل فيها آخر ابن بنت نبي على وجه هذه الأرض، ومعه أهله وصحبه، لاسيما في هذا الزمن، حيث تراق دماء الشيعة في أكثر من بلد، وآخرون يعيشون فقراً ويكابدون ألماً.

وهو أقل الوفاء لمولانا إمام الشهداء، وسيد العطاء والوفاء.

اضف تعليق