q

تطورات جديدة ومهمة تشهدها الحرب السورية، حيث تصاعدت في الفترة الاخيرة التي اعقبت انهيار اتفاق الهدنة، وتيرة الاشتباكات العسكرية في العديد من المناطق خصوصا في حلب وحماه وباقي المناطق الاخرى، التي اصبحت وبحسب بعض المراقبين اكثر سخونة وسط تغيرات هامة في خريطة السيطرة لصالح الجيش السوري الذي استطاع مكاسب عسكرية مهمة قد تكون سببا في تغير موازين القوى.

الامر الذي اثار قلق ومخاوف الولايات المتحدة الامريكية وباقي الأنظمة الداعمة للجماعات المسلحة، التي انهارت وخسرت مساحات كبيره من الأراضي والكثير من مقاتليها بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في هذه الحرب، التي قد تتحول الى كارثة كبيرة تهدد امن واستقرار المنطقة والعالم، خصوصا مع تصاعد حدة التوترات والاتهامات بين موسكو وواشنطن حول بعض القضايا والالتزامات المتفق عليها من اجل انهاء في الأزمة السورية، حيث هددت الولايات المتحدة بتعليق تعاونها مع روسيا، بعد ان ادركت ان مايحدث اليوم يمكن ان يكون سببا في فشلها وعدم تحقيق أهدافها في سوريا، وهو ما يعني استسلامها امام روسيا التي تسعى بحسب بعض الخبراء، الى إعادة هيبتها وإثبات موقعها كدولة عظمى ذات وزن مهم على الساحة الدولية، خاصة بعد استخفاف الولايات المتحدة بها في الموقف الذي عبر عنه أوباما في وقت سابق عندما وصف روسيا استصغاراً بأنها دولة اقليمية.

وهو امر مستبعد وغير وارد حيث اكد البعض ان امريكا ومع تحذيرها بتقويض التعاون مع الجانب الروسي، ستسعى ايضا وبالتعاون مع شركائها الأطلسيين لإحراج موسكو و العمل على إيقاف تقدم الجيش السوري بشتى الوسائل وسبل، كما انها قد تعطي الضوء الاخضر لبعض الدول والحكومات بتقديم معدات ومساعدات عسكرية عاجلة للمجاميع والتنظيمات المسلحة التي تدعمها من اجل تغيير مسار الحرب من جديد.

مكاسب جديدة

وفي هذا الشأن هاجمت قوات الحكومة السورية وحلفاؤها القطاع الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب على عدة جبهات في أكبر هجوم بري حتى الآن في إطار حملة عسكرية ضخمة جديدة أنهت وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة. وتقول الولايات المتحدة إن الهجوم على حلب يثبت أن الرئيس بشار الأسد وحلفاءه الروس والإقليميين قد تخلوا عن عملية السلام الدولية سعيا لتحقيق انتصار على أرض المعركة في الحرب المستمرة منذ نحو ست سنوات. وتقول واشنطن التي اتفقت مع روسيا على وقف لإطلاق النار الذي انهار بعد أسبوع واحد إن موسكو ودمشق ارتكبتا أعمالا "وحشية" وجرائم حرب باستهدافهما مدنيين وعمال إغاثة وشحنات مساعدات بغارات جوية.

ويعتقد أن أكثر من 250 ألف مدني محاصرون داخل الجزء المحاصر الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب الذي تعرض لقصف مكثف أدى إلى مقتل مئات الأشخاص الكثير منهم تحت أنقاض مبان انهارت بسبب القصف باستخدام قنابل خارقة للتحصينات. وقال بيبرس مشعل المتحدث باسم بالدفاع المدني إن غارة جوية قتلت 12 شخصا من أسرتين عندما أدت إلى انهيار منزل ليصل عدد القتلى في المناطق الخاضعة للمعارضة إلى أكثر من 30. وعرض تسجيل فيديو يفترض أنه للمنطقة عقب الهجوم عمال طوارئ ينتشلون جثة هامدة يغطيها التراب من بين الركام.

ولم يعد بالداخل سوى 30 طبيبا يتعاملون يوميا مع مئات الجرحى الذين يتلقون العلاج على الأرض في مستشفيات خالية من الإمدادات. ودعت منظمة الصحة العالمية إلى "فتح ممرات إنسانية فورا لإجلاء المرضى والجرحى" من الجزء الشرقي من المدينة. وخلال الهجوم سعت قوات موالية للحكومة لمهاجمة مدينة حلب القديمة قرب القلعة التاريخية وحول العديد من المداخل الرئيسية للمدينة. وقال معارضون إن القوات تقدمت من ريف حلب إلى الشمال والجنوب مما أدى إلى وقوع اشتباكات عنيفة. وقال الجيش والمرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب إن الجيش حقق بعض المكاسب لكن المعارضين شككوا في ذلك قائلين أنهم تصدوا له.

وقال مقاتلون بارزون من الجانبين إن القوات الموالية للحكومة تحتشد في عدة مناطق في حلب التي كانت أكبر مدن سوريا قبل الحرب وقسمت الآن إلى قطاع غربي يسيطر عليه الجيش وقطاع أصغر محاصر تسيطر عليه المعارضة. وقال قائد جماعة تقاتل في صفوف الأسد إن قوة ضخمة تقودها قوات النمر الخاصة التابعة للجيش السوري بدأت التحرك بمركبات مدرعة ودبابات للهجوم على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقد يحقق سحق المعارضة المسلحة في المدينة أكبر نصر للأسد حتى الآن في الحرب ويوجه صفعة قوية لأعدائه. ولم يتضح ما إذا كانت هناك خطة لشن هجوم شامل على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في وقت قريب. فذلك قد يتطلب هجوما ضخما للجيش مدعوما بقوة جوية روسية. وكانت إستراتيجية الحكومة في مناطق أخرى مثل دمشق وحمص هي استخدام الحصار لسنوات والقصف لإجبار المعارضين على الاستسلام في نهاية الأمر بدلا من محاولة اقتحام مناطق جيدة التحصين. غير أن حلفاء الأسد يقولون الآن صراحة إنهم تخلوا عن عملية السلام ويراهنون بدلا منها على انتصار عسكري.

ونسبت صحيفة الأخبار اللبنانية عن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قوله "لا آفاق للحلول السياسية... والكلمة الفصل للميدان." ونقل عن علي شمخاني رئيس مجلس الأمن الوطني الإيراني قوله إن مصير حلب لن يتحدد إلا "من خلال مواجهة قوية." وذكر التلفزيون الحكومي أن الجيش استعاد حي الفرافرة بالمدينة القديمة في حلب وأن وحدات هندسية تزيل الألغام من المنطقة. وقال مصدر بارز من المعارضة إن الجيش سيطر على بعض المواقع قرب هذه المنطقة لكنه أجبر على الانسحاب. ولم يتسن التأكد من أي من التصريحين. وقال المصدر المعارض إنه تم صد الجيش بعد قتال عنيف على أربع جبهات أخرى ووصف ما حدث بأنه أكبر موجة من الهجمات البرية. بحسب رويترز.

وقال زكريا ملاحفجي عضو المكتب السياسي لجماعة فاستقم النشطة في حلب إن الجيش حشد قوات المشاة والمركبات الثقيلة في المدينة. وأضاف أن محاولات التقدم تم التصدي لها حتى الآن. وقال المسؤول المعارض البارز إن القوات الموالية للحكومة تحتشد قرب حي الشيخ سعيد الذي تسيطر عليه المعارضة على المشارف الجنوبية للمدينة قرب الموقع الذي دار فيه أعنف قتال هذا الصيف في حلب. وقال المسؤول وهو عضو في فصيل معارض في حلب نقلا عن تقارير مقاتليه إن قوات الحكومة تعمل على التوسع من أي ثغرة تستطيع فتحها.

تسلح المعارضة

الى جاب ذلك قال مسؤولون أمريكيون إن انهيار أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا زاد احتمال قيام دول الخليج العربية بتسليح المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الطائرات السورية والروسية. وبرغم ذلك لا تزال الحكومة الأمريكية تعتقد أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لإنهاء حمام الدم بعدما كثفت قوات سورية مدعومة من روسيا قصفها لشرق حلب المعقل الحضري الرئيسي الذي يسيطر عليه المعارضون.

وتحطمت أحدث محاولة أمريكية لإنهاء الحرب السورية عندما تعرضت قافلة مساعدات إنسانية للقصف في هجوم ألقت واشنطن باللوم فيه على طائرات روسية. ونفت روسيا ضلوعها في الحادث. وبدأت الامدادات الطبية في شرق حلب تنفد حيث تدفق الضحايا على مستشفيات تعمل بالكاد. وقد تتمثل إحدى عواقب الفشل الدبلوماسي الأخير في زيادة دول الخليج العربية أو تركيا إمدادات الأسلحة لفصائل المعارضة المسلحة بما يشمل صواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف وهو ما منعت الولايات المتحدة- إلى حد بعيد- حدوثه حتى الآن.

وقال مسؤول أمريكي مشترطا عدم الكشف عن اسمه للحديث عن السياسة الأمريكية إن واشنطن حالت دون وصول كميات كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي تلك المحمولة على الكتف إلى سوريا بتوحيد الحلفاء الغربيين والعرب خلف هدف تقديم التدريب وأسلحة المشاة لجماعات المعارضة المعتدلة مع مواصلة الولايات المتحدة المحادثات مع موسكو. غير أن خيبة الأمل إزاء موقف واشنطن تتصاعد فيما يزيد احتمال ألا تواصل دول الخليج أو تركيا السير وراء الولايات المتحدة أو تغض الطرف عن أفراد أثرياء يتطلعون لتزويد جماعات المعارضة بتلك الأسلحة المضادة للطائرات.

وقال مسؤول أمريكي ثان "يعتقد السعوديون دوما أن السبيل الأمثل لإقناع الروس بالتراجع هو ما أفلح في أفغانستان قبل نحو 30 عاما- وهو تحييد قوتهم الجوية بتزويد المجاهدين بأنظمة الدفاع الجوي المحمولة." وتابع يقول "تمكنا حتى الآن من إقناعهم بأن مخاطر ذلك أكبر في يومنا هذا لأننا لا نتعامل مع الاتحاد السوفيتي وإنما مع زعيم روسي عازم على إعادة بناء القوة الروسية ومن غير المرجح أن يتراجع" في إشارة إلى الرئيس فلاديمير بوتين.

غير أن مسؤولا آخر بالإدارة الأمريكية قال "المعارضة لها الحق في الدفاع عن نفسها ولن تترك دون دفاع في مواجهة هذا القصف العشوائي." وأشار المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إلى أن "حلفاء وشركاء" آخرين للولايات المتحدة يشاركون في المحادثات الأمريكية الروسية لإيجاد حل للحرب. وقال المسؤول بالإدارة الأمريكية "لا نعتقد أنهم سينظرون بلا مبالاة إلى الإعمال الشائنة التي شاهدناها" مضيفا أنه لن يعلق بشأن "قدرات محددة قد يتم ضمها إلى المعركة". ورفض الإفصاح عن مزيد من التفاصيل.

في السياق ذاته قال قائد بالمعارضة السورية المسلحة إن من المتوقع أن تحصل المعارضة على أنواع جديدة من الأسلحة الثقيلة من الداعمين الأجانب ردا على انهيار وقف إطلاق النار وعلى هجوم للحكومة تدعمه روسيا لكنها لن تحصل على ما يمكن وصفه بتحول كبير في الدعم. وقال العقيد فارس البيوش قائد جماعة الفرقة الشمالية إنه يتوقع حصول المعارضة على أنواع جديدة من قاذفات الصواريخ الروسية الصنع والمدفعية ولكن لا يوجد ما يدل على موافقة الدول الأجنبية على طلب قديم للمعارضة بالحصول على صواريخ مضادة للطائرات. وأي زيادة ستكون "طفيفة". وفي حين أشار البيوش إلى أن قدرات المعارضة قد تزيد إلى حد ما فإنه قال إن أي تحول كبير سيكون في التكتيك لكنه لم يذكر أي تفاصيل.

وتقدم الدول المعارضة للأسد مثل السعودية وتركيا والولايات المتحدة دعما عسكريا إلى بعض المعارضين الذين يقاتلون تحت لواء الجيش السوري الحر منذ سنوات. وشمل هذا في بعض الحالات قذائف أمريكية الصنع مضادة للدبابات. وتشكو المعارضة المسلحة منذ فترة طويلة من أن الدعم الخارجي غير ملائم للتصدي بفاعلية لدمشق التي تتلقى دعما عسكريا قويا من إيران وروسيا. وقال البيوشي "هناك مؤشرات ..وبعض الوعود" بتقديم المزيد من الأسلحة رغم أنه لا يتوقع سوى "زيادة طفيفة". بحسب رويترز.

وأضاف أنه يتوقع الحصول على مزيد من الأسلحة الثقيلة مثل "راجمات صواريخ ومدفعية". وتابع عبر نظام رسائل عبر الانترنت "أتوقع أنواع جديدة من السلاح الروسي بالإضافة إلى زيادة الأنواع السابقة." وقال "انما المتوقع زيادة الوتيرة من حيث تنظيم المعارك بشكل مختلف لتكون النتائج مختلفة أي تغيير التكتيك."

النصر على الإرهاب

على صعيد متصل قالت سوريا إن إيمانها بتحقيق النصر بات الآن أكبر من أي وقت مضى بفضل الانجازات الكبيرة التي يحققها الجيش في "الحرب على الإرهاب". جاء ذلك في كلمة ألقاها وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن سيطر الجيش السوري والجماعات المتحالفة معه على منطقة شمالي حلب مما أحكم حصاره لشرق المدينة الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة. لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن مقاتلي المعارضة شنوا هجوما مضادا لاستعادة المنطقة التي استولت عليها القوات الحكومية شمالي حلب وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد إن القتال لم يحسم.

واتهم المعلم الولايات المتحدة وحلفاءها "بالتواطؤ" مع تنظيم داعش المتشدد وغيره من "التنظيمات الإرهابية" . وقال المعلم "إن ما يزيدنا ثقة بالنصر على الإرهاب هو الانجازات التي يحققها الجيش العربي السوري في حربه المستمرة على الإرهاب بدعم من الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري وفي مقدمتهم روسيا وإيران والمقاومة الوطنية اللبنانية." وألقى المعلم باللائمة على خصوم سوريا وهم قطر والسعودية وتركيا في تصعيد الأزمة من خلال دعمها للمعارضين الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. وتعتبر الحكومة السورية المسلحين "إرهابيين". ورفض المعلم اتهامات للحكومة السورية بأنها تعمد إلى تجويع شعبها ووضعه تحت الحصار. بحسب رويترز.

وقال في هذا الصدد "في حين تتباكى بعض الدول على أوضاع السوريين في بعض المناطق وتتهم الحكومة السورية بانتهاج سياسة الحصار والتجويع تستمر ذات الدول بدعم وتسليح الإرهابيين الذين يحاصرون المدنيين في تلك المناطق من الداخل ويتخذونهم دروعا بشرية ويستولون على المساعدات الإنسانية التي ترسل إليهم أو يمنعون دخولها أصلا." وتحث الأمم المتحدة بدعم من أمريكا وبريطانيا وقوى أخرى الحكومة السورية على إنهاء أي حصار. وأكد المعلم مجددا على التزام الحكومة السورية بالمضي قدما في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة.

من جانب اخر قال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة أجرتها وكالة أسوشيتد برس إن الحرب في بلاده "ستمتد" ما دامت جزءا من صراع عالمي تموله دول أخرى. وأضاف في المقابلة التي تحدث فيها باللغة الإنجليزية "عندما تتكلمون عنها كجزء من صراع عالمي وصراع إقليمي وعندما تكون هناك عوامل خارجية كثيرة لا تتحكمون فيها.. فستمتد." وشكك الأسد في نوايا الولايات المتحدة في سوريا وقال أنها "لا تمتلك الإرادة" لمحاربة المتشددين. وقال الأسد "لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للانضمام إلى روسيا في محاربة الإرهابيين في سوريا... الولايات المتحدة ليست صادقة بشأن التوصل إلى وقف للعنف في سوريا".

اضف تعليق