q

علي هاشم

 

عندما أتى المرشد الإيراني الأعلى في 18 أيلول/سبتمبر على ذكر ما وصفه كمحاولات الولايات المتّحدة المشاركة في محادثات مع بلاده بشأن مواضيع إقليميّة، بدا الأمر تأكيدًا على التقارير الإعلاميّة الصّادرة في 14 أيلول/سبتمبر بأنّ واشنطن تواصلت مع طهران من خلال عمان مقترحة بدء محادثات أميركيّة-إيرانيّة-روسيّة لمناقشة الأزمة في اليمن. وإنّ التّقرير، الذي ورد أوّلاً في جريدة الأخبار اللّبنانيّة ونشرته لاحقًا وكالة أنباء فارس الإيرانيّة شبه الرّسميّة، اقتبس قول "مصدر مطّلع" بأنّ إيران لم ترحّب بالاقتراح ولم تردّ عليه. وذكّر المصدر عينه بحادثة مماثلة جرت أثناء الحرب العراقيّة الإيرانيّة بين عامي 1980 و1988، عندما قيل إنّ بريطانيا العظمى عرضت التّفاوض لكنّ طلبها قوبل بالرّفض من جانب المرشد الأعلى آنذاك آية الله روح الله الخميني.

قام دبلوماسي إيراني بارز تواصل معه المونيتور بشأن تقارير 14 أيلول/سبتمبر، بنفيها كاملة. وفي 18 أيلول/سبتمبر، كرّر المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الإيرانيّة بهرام قاسمي هذا النّفي، مضيفًا، "إنّ وزارة الشّؤون الخارجيّة لم تتلقّ أيّ رسالة على الإطلاق للمشاركة في محادثات مع أطراف ثالثة بشأن الأزمة في اليمن. هذا الادّعاء لا أساس له من الصّحّة أبدًا".

وبحسب ما أفاد به مصدر سياسي مطّلع جيّدًا في طهران، لم يكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يشير إلى رسالة اليمن المزعومة في خطابه يوم 18 أيلول/سبتمبر. وقال المصدر الإيراني للمونيتور شرط عدم الكشف عن هويّته إنّ "الخطاب أشار إلى مراسلات أخرى مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك المراسلات مع الرّئيس أوباما". وأضاف المصدر أنّ الولايات المتّحدة تعلم أنّ نفوذ طهران يجعلها أساسيّة لأيّ حلّ، لكنّ "الحلول التي تطلبها الولايات المتّحدة هي ضدّ مصالح شعوب المنطقة الحرّة".

بغضّ النّظر عمّا إذا كانت الرّسالة المذكورة موجودة فعلاً، لا يمكن فصل تصريحات الخامنئي عن التوتّر الحالي المحيط بعلاقات إيران في المنطقة، لا سيّما مع السّعوديّة. وهناك أيضًا سياق الجدل المحيط بالاتّفاق النّووي المبرم في العام 2015، الذي قد يكون في خطر بحسب المصدر الإيراني عينه.

في هذا السّياق، يبدو أنّ تصريحات الخامنئي يوم 18 أيلول/سبتمبر تهدف بشكل أساسي إلى نقل رسالة واضحة ومحدّدة للحكومة الأميركيّة بأنّ "أيّ نوع من الالتزام [الإضافي] ليس ممكنًا قبل تطبيق الاتّفاق وطالما أنّ الولايات المتّحدة لا تُظهِر نيّة جدّيّة بتغيير سياساتها القمعيّة تجاه إيران"، وفق ما أفاد به المصدر الإيراني للمونيتور. وأضاف أنّ "الاتّفاق النّووي كان درسًا لنتعلّم منه. قال المرشد الأعلى إنّ المفاوضات مع الولايات المتّحدة كانت مؤذية وبرهنت مجدّدًا أنّ الذين يراهنون على الأميركيّين سيخسرون دائمًا. وإنّ الأميركيّين أنفسهم يثبتون هذه النّقطة، وهذا ينطبق خارج إيران أيضًا".

منذ العام 2012، أدّى تدخّل إيران في سوريا، والعراق، ولبنان واليمن إلى تمديد حدود أمنها الإقليمي، ما جعل من المستحيل التوصّل إلى تسويات متعدّدة الأطراف في تلك الدّول المتخبّطة بالأزمات بدون موافقة طهران.

لدى إبرام الاتّفاق النّووي في صيف العام 2015، كان هناك تلميحات إلى أنّ إيران والولايات المتّحدة كانتا متّجهتين نحو فصل جديد من التّعاون في المنطقة. ففي العراق، رأينا مؤشّرات واعدة على إمكانيّة قيام التزام أميركي إيراني، على الرّغم من إصرار الفريقين على رسم خطوط حمر. بالفعل، كان واضحًا للجميع أنّهما كانا في الميدان يساعدان أحدهما الآخر لكن بدون تنسيق مباشر، كما جرى في المعركة ضدّ تنظيم الدّولة الإسلاميّة في صلاح الدّين شمال بغداد، ولاحقًا في الفلوجة.

في اليمن، لم نر أيّ دلائل تؤذن بالتّغيير نظرًا إلى تعقيد المعركة وكونها بين حليف قويّ للولايات المتّحدة، هو السعودية، ومجموعة مرتبطة بإيران. أمّا في سوريا، فكان المشهد مختلفًا تمامًا. صحيح أنّ سياسات أوباما لم تطرح أيّ تهديدات جدّيّة على أجندة إيران في البلد الذي تمزّقه الحرب، لكنّ طهران اتّهمت الولايات المتّحدة بالوقوف وراء المجموعات التي تقاتل من أجل الإطاحة بالرّئيس السّوري بشار الأسد. وقد اعتقدوا أنّ إيران كانت الطّرف الفعلي الوحيد على الأرض الذي يمكنه الجلوس إلى الطّاولة مع الولايات المتّحدة لإنهاء المجزرة، على الرّغم من تبقّي مواضيع رئيسيّة لم يجر الاتّفاق عليها ولو من قريب. وبقي الوضع على هذا الحال إلى أن قرّرت روسيا دخول اللّعبة في 30 أيلول/سبتمبر 2015.

زادت موسكو تأثيرها السّياسي المباشر على الأزمة السّوريّة، لينتهي بها المطاف، إلى جانب واشنطن، كالطّرف الفعلي الوحيد على طاولة المفاوضات، على الرّغم من الدّور الذي يؤدّيه حلفاء كلّ طرف. لكنّ فشل الاتّفاقيّة الموقّتة الأخيرة بين الولايات المتّحدة وروسيا بشأن سوريا صبّ في مصلحة طهران التي ترى العمليّة بأكملها عقيمة وحتّى مدمّرة. فإيران تعتبر أنّ الطّريقة الأفضل للتّفاوض بشأن سوريا هي باستعادة الأراضي. وقد دفعت هذه النّظرة بقيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى الضّغط لشنّ المعركة الجديدة من أجل شرق حلب التي بدأت في 22 أيلول/سبتمبر، عندما كان وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري يلتقي بوزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف في نيويورك.

تأثّر دور إيران السّياسي في سوريا "بشريك لها"، لكنّ هذا لم يثر قلق السّلطة الأعلى في البلاد، بحسب ما قاله مصدر مقرّب من مكتب المرشد الأعلى للمونيتور، مضيفًا، "لقد أنقذ المؤسّسة بأكملها من موجة جدل جديدة، شبيهة بتلك التي تبعت الاتّفاق النّووي، من شأنها أن تتسبّب بمزيد من التوتّر في البلاد". وشدّد المصدر على أنّه "بالنّسبة إلى آية الله خامنئي، إنّ التحدّث إلى الولايات المتّحدة هو تحويل الضّرورة إلى منفعة، نظرًا إلى شكّه القديم بواشنطن. يحدّد المرشد الأعلى عقيدته من خلال مثل هذه الخطابات. وتدعو الحرب النّاعمة التي شنّتها الولايات المتّحدة وحلفاؤها على الجمهوريّة الإسلاميّة إلى مزيد من اليقظة؛ إذ تجري محاولات لتغيير عقول شعبنا، وحتى مسؤولينا، وهذا عمل طرف يكنّ عداء لإيران الإسلاميّة".

هذه الرّواية هي جزء من نقاش جدّي لا نهاية له في إيران، نقاش تأثّر بشكل كبير بنتيجة الاتّفاق النّووي. تشعر شريحة هامّة من المجتمع الإيراني، دعمت سياسة المشاركة، بالمرارة نتيجة التّطبيق البطيء للاتّفاق، في حين أنّ أولئك الذين عارضوه يواصلون القول إنّهم كانوا على حقّ منذ البداية. في الواقع، إنّ كلّاً من داعمي سياسة الانفتاح ومعارضيها يفشلون حاليًا في تقديم خطّة جديّة لدعم استراتيجيّتهم. وكلّ ما قيل حتّى هذه اللّحظة هو كيف قد يؤثّر كلّ مسار على إيران، مع ذكر أحداث كثيرة من التّاريخ لدعم هذه المواقف، بدون أن يقال شيء عن كيف ستؤثّر إيران نفسها على العالم.

* علي هاشم، صحافي عربي ومدير شبكة مراسلي محطة الميادين الإخبارية. كان مراسلَ الجزيرة للشؤون الحربية حتى آذار/مارس 2012.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق