q

مع انهيار التهدئة في سوريا، حلب بخاصة، انهارت الآمال بقرب استئناف المسار السياسي للحل الأزمة السورية... ومن الراجح أن تكون الأشهر الأربعة أو الخمسة القادمة، الأكثر دموية في تاريخ الأزمة الذي تقارب إتمام عامها السادس، وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً وفقاً لمراقبين كثر، وهو سيناريو مفتوح على إطالة أمد الأزمة السورية ربما لسنوات أخرى قادمة.

ثمة سيناريو آخر، أقل كارثية، ويتعلق بفرص استئناف التفاوض الأمريكي – الروسي لإعادة انتاج اتفاق جديد للتهدئة... يبدو أن ثمة مراكز مؤثرة في واشنطن، لم تستطع ابتلاع "تنازلات" كيري لنظيره لافروف، فأخذت على عاتقها مهمة عرقلة تنفيذ الاتفاق، توطئة للإطاحة به... في هذا السياق، نستحضر الغارات الأمريكية على مواقع الجيش السوري في دير الزور، والتي عُدّت ضربة موجهة في الصميم لتفاهمات كيري – لافروف، من قبل البنتاغون ودوائر مؤيدة له في مجلس الأمن القومي الأمريكي و"السي آي إيه".

ثمة مؤشرات على أن الأطراف الرئيسة في الحرب الدائرة شمال سوريا، قررت الذهاب إلى خنادقها المتقابلة، هناك سيجري التفاوض على شروط الاتفاق الجديد، وهناك سترسم ملامح الحل السياسي الذي يُجمع العالم، على أنه وحده الكفيل، بوضع حد لحرب السنوات الست... روسيا التي احتفظت بمسافة عن مواقف حلفائها الإيرانيين والسوريين، يبدو أنها قررت المضي في خياراتهم العسكرية الصارمة، والحرب الدائرة على الأحياء الشرقية لحلب، تعكس هذا التوجه الروسي، وتتم بضوء أخضر من موسكو، ومشاركة من سلاحها الجوي والصاروخي.

في المقابل، تعمل واشنطن وحلفائها على محوريين اثنين: الأول، تعزيز الدعم والإسناد للقوات الحليفة على الأرض، وعبر البوابة التركية (تجري محاولات حثيثة لاسترضاء أنقرة وإبعادها عن موسكو وطهران)، اما الثاني، فيتجلى في الحرب الشعواء التي تشن على موسكو في المحافل الدولية ومن على منصة مجلس الأمن، وصولاً إلى حد اتهامها بالبربرية والتهديد بتحويلها وحلفائها إلى محكمة جرائم الحرب.

إنها الحرب الباردة، تشتعل مجدداً على ساحات حلب وأكنافها، فإن لم يكن ما جرى في مجلس الأمن خلال الأيام القليلة الفائتة، هي الحرب الباردة، فما هي هذه الحرب إذن؟... والمرجح أن يشتد سعير الاشتباك السياسي والدبلوماسي بين المعسكرين، إذا ما قُدّر لقوات النظام السوري وحلفائه، تحقيق اختراقات على جبهة حلب وجوارها، وهو أمر يبدو أن هذا المحور مصمم على انتزاعه، ما لم تفاجئ موسكو حلفائها، باستدارة جديدة نحو تهدئة بشروط جديدة، وهو خيار مستبعد على أية حال، في ظل المواقف المتشددة لموسكو، والمشددة على رفض تقديم أية "تنازلات من جانب واحد".

يبدو أن مختلف الأطراف، تنزلق من حيث تريد أو لا تريد نحو مواجهة شاملة ومفتوحة، حيث تتقلص فرص الاستمرار في إدارة "حروب الوكالة"، ويحضر اللاعبون الكبار، دوليون وإقليميون، بجيوشهم على الأرض، وفرص الاشتباك المباشر، باتت أعلى من أي وقت مضى، حتى وإن قيل بأنه خطأ غير مقصود، ويجري الاعتذار عنه في وقت لاحق، كما حصل عند إسقاط الطائرة الروسية من قبل الأتراك (ولاحقاً اعتذار أردوغان لبوتين)، وكما حصل عندما ضربت الطائرات الأمريكية والبريطانية والاسترالية، مواقع الجيش السوري في دير الزور (ولاحقاً اعتذار واشنطن للأسد عن طريق موسكو).

أمام فداحة الأخطار المحتملة للانتقال إلى المواجهة المباشرة بدل حروب الوكالة، تحرص الأطراف على إبقاء "شعرة معاوية" ممدودة فيما بينها، ما يُبقي جذوة الأمل مشتعلة، رغم هزالها، موسكو لم تنع الاتفاق بعد، وواشنطن لا تطالب بدفنه، وثمة ما يشي بوجود قنوات اتصال غير معلنة، تبحث في فرص إعادة انتاجه، وتغيير بعض شروطه وأولوياته، باعتباره آخر أمل للسوريين والإقليم بحل سياسي للأزمة العالمية الأكبر في الأزمنة الراهنة.

والراهن، أننا لسنا بإزاء صراع بين معسكرين على جبهات حلب وجوارها فحسب، فداخل كل معسكر منهما، ثمة صراع وسباقات تجري لكسب الوقت وانتزاع الانتصارات الموضعية... المعارضة السورية، ومن خلفها الحلفاء الإقليميون والعرب، تسعى في إطالة أمد المعركة بانتظار مجيء هيلاري كلينتون، أقله من خلال الثبات في المواقع والمرابطة على خطوط التماس القائمة حالياً... في المقابل، يسعى النظام وإيران، ومن يقاتل معهما من ميليشيات، إلى حسم معركة حلب على أقل تقدير، قبل مجيء الرئيس الجديد للولايات المتحدة... المعارضة وحلفاؤها، لا أمل لهم بموقف أمريكي حاسم على الأرض، قبل يناير/فبراير القادم، ودمشق تخشى أن تعود حليفتها روسيا إلى ممارسة عادتها القديمة، فتفرض عليها هدنة ثالثة تحد من اندفاعة قواتها المسلحة، قبل تحقيق ما ترتجيه من أهداف... إذن، السباق ليس محصوراً بين موسكو وواشنطن، وإنما بين كل منهما من جهة، ودائرة حلفائه المقربين من جهة ثانية.

وإلى أن ترتسم من جديد، ملامح أفق جديد لمعالجة سياسية للأزمة السورية، وهي غير مرتسمة حتى الآن، فإن مختلف الأطراف ستصب جام غضبها وحممها على الأطراف المقابلة، من دون اعتبار للمدنيين والعزل على ضفتي حرب تعد واحدة من أقذر حروب العصر.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق