q

جيفري فرانكل

 

كمبريدج - لقد زاغ القطار السياسي الأمريكي عن سِكته، ويبدو أنه أبعد من أي وقت مضى من العودة إلى المسار الصحيح. وتخللت اتهامات كثيرة المشهد السياسي، مع إفصاح المعلقين عن قضايا مثل الغش، وارتفاع عدم المساواة الاقتصادية، والخلل في نظام تمويل الحملات الانتخابية، والصحافة غير المتوازنة. ولكن يستحيل للشارع معالجة هذه العيوب الحقيقية في النظام بصفة مباشرة. ما يمكنه القيام به هو معالجة مشكلة أساسية أخرى: انخفاض نسبة مشاركة الناخبين.

من حسنات الديمقراطية أن الناس بإمكانهم إحداث تغيير إذا هم صوتوا. قد لا يحدث التغيير بالسرعة التي يريدون، وقد لا يكون المرشحون مثاليين دائما. ولكن يمكن للناخبين رسم مستقبل بلدهم.

في الوقت الحاضر، يشعر العديد من الناخبين بخيبة أمل من الناحية السياسية. ونظرا لكون الأغنياء والأقوياء يمسكون بالخيوط، يشعر الناس العاديون بأن ليس لديهم أي تأثير على نتائج الانتخابات. ويستنتجون أنه من الأفضل عدم التسجيل أو المشاركة في التصويت. ويسود هذا السلوك في أوساط الشباب وبعض الأقليات العرقية، ولاسيما اللاتينيين والآسيويين الأميركيين.

وبالتأكيد فإن الشكاوى حول السياسة الأميركية مبررَة، بحيث عدم المساواة في الدخل آخذ في الارتفاع، باعتبار أن 1٪ من السكان يملكون كمية غير متكافئة من الثروة، في حين لا يزال دخل أفراد الطبقتين المتوسطة والدنيا راكدا إلى حد كبير. وتخضع السياسة إلى سلطة المال، التي تتجسد في نفوذ جماعات المصالح مثل الجمعية الوطنية للبنادق.

ومن الجدير بالذكر أنه في السياسة الأمريكية، يُصرف المال على نطاق واسع في الدعاية والأنشطة الأخرى المتعلقة بالحملة الانتخابية، ولا يذهب إلى جيوب المسؤولين الفاسدين. ولكن لا تزال هناك حاجة ملحة لمعالجة دور كبار المتبرعين. ينبغي إلغاء قرار المحكمة العليا لعام 2010 في قضية المنظمة غير الحكومية "سيتيزنز يونايتد" (بشأن تمويل الحملات الانتخابية)، الذي فتح الباب على مصراعيه للمساهمات السياسية من قبل الشركات. كما يجب اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق المساواة في الدخل.

ولكن هناك طريقة يمكن للموطنين من خلالها معالجة عدم المساواة وتمويل الحملات الانتخابية: التصويت.

المواطن الذي يبقى في البيت، بدلا من التصويت لصالح المرشح الذي يفضله، هو مجرد شخص يعزز تأثير القط السمين الذي يتبرع للحملة الانتخابية لصالح المرشح المنافس. فإذا كان الناس يرغبون في التأثير على مستقبل بلدهم، فيجب عليهم القيام بدورهم في انتخاب المرشح الأنسب.

كما جرت العادة، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، ستقوم مرشحة الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، بالدفاع عن برنامجها السياسي الذي من شأنه تشجيع المزيد من المساواة الاقتصادية، بما في ذلك نظام ضريبي أكثر تقدمية، وارتفاع الأجور، والتأمين الصحي الشامل. وبدعم من الكونغرس، ستستطيع كلينتون تنفيذ هذه السياسات. أما المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، فيفضل سياسات معاكسة: خفض الضرائب على الأغنياء، والحفاظ على انخفاض الأجور، والتراجع عن إصلاحات الرعاية الصحية.

وبالمثل، فإن الديمقراطيين يريدون إلغاء قرار المحكمة العليا لصالح تمويل الحملات الانتخابية، في حين أن الجمهوريين يفضلون الإبقاء على هذا القرار. وبما أن الرئيس القادم للولايات المتحدة سوف يقوم بتعيين على الأقل قاض واحد في المحكمة العليا (وربما ما يصل إلى أربعة قضاة)، فإن التصويت لكلينتون قد يكون تصويتا لإبطال هذا القرار الذي ساهم في خيبة أمل الناخبين. وإذا كانت هذه النتيجة غير مضمونة، فهناك شيء واحد مؤكد: إن الموقع الإلكتروني الغاضب (بلوڱ) بسبب التلاعب في النظام، أو التصويت لصالح مرشح حزب ثالث لا يتوفر على أي فرصة للفوز، لن يكون له أي تأثير - أو ربما سيكون له تأثير أسوأ.

في الواقع، يمكن للتصويت الاحتجاجي أو العقابي لصالح مرشح حزب ثالث أن يُسفر عن نتيجة أبعد بكثير من القيم التي يؤمن بها الناخب بالمقارنة مع التصويت لمرشح لديه رؤية تشبه إلى حد كبير الخيار "المثالي". في عام 2000، صوت 2.9 مليون ناخب من الذين أدلوا بأصواتهم لصالح مرشح حزب الخضر، رالف نادر، ما ساهم في فشل المرشح الديمقراطي آل غور في الانتخابات.

وإذا لم يكن جميع الذين صوتوا لصالح نادر يفضلون آل غور على منافسه الجمهوري، جورج دبليو بوش، فإن الأدلة تشير إلى أن واحدا من اثنين كانوا يحبذون غور. ولو صوت أنصار نادر لصالح مرشح حزب كبير، لمنحوا غور ما يكفي من الأصوات لتأمين فوزه -خسر فلوريدا فقط ب537 صوتا– ولانتخبوا رئيسا أكثر تلاؤما مع قيمهم.

في الانتخابات المقبلة، يهدد مرشح جديد لحزب الخضر، جيل شتاين، باجتذاب أصوات من كلينتون، لصالح ترامب. بينما قد لا تكون كلينتون المرشحة المثالية بالنسبة للعديد من الذين سيصوتون لشتاين، فإن برنامجها بالتأكيد أقرب بكثير من "الخُضر" وليس من ترامب. التصويت الاحتجاجي، جنبا إلى جنب مع مقاطعة الانتخابات احتجاجا، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية أو عكسية بالتأكيد.

وينبغي أن يكون هذا الخطر واضحا بشكل صارخ. بالرجوع إلى تجربة المملكة المتحدة في استفتاء يونيو على عضوية الاتحاد الأوروبي، عندما تبين أن 52٪ من الأصوات كانت لصالح "ترك" الاتحاد الأوروبي، غضب الكثير من الشباب. ما يقرب من 75٪ منهم في سن 18-24- كانوا يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن الثلث منهم فقط صوتوا في الواقع. وفي الوقت نفسه، أكثر من 80٪ من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 وما فوق أدلوا بأصواتهم، إلى حد كبير لصالح البريكسيت. ولو ذهب الشباب إلى صناديق الاقتراع، فقط بنسبة تعادل نصف المسنين، لتحولت النتيجة لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وقد وجدت بعض الدول وسيلة ناجعة لتعزيز مشاركة الناخبين. على سبيل المثال، جعلت أستراليا التصويت إلزاميا، مع غرامة مالية صغيرة لعدم الامتثال. ونتيجة لذلك، فإن نسبة مشاركة الناخبين تصل إلى 94٪، في المتوسط، مقارنة مع 57٪ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2012. ومن شأن خطوة أقل جذرية، والتي قد تتخذها الولايات المتحدة، المساعدة على ذلك، كنقل يوم الانتخابات من يوم الثلاثاء إلى عطلة نهاية الأسبوع، لإتاحة الفرصة للذين لا يستطيعون ترك عملهم.

ويمكن للمرء أن يجادل بأن التصويت يتطلب بعض الجهد والتحفيز، من أجل إقناع أولئك الذين لا يعلمون أو لا يهتمون بالسياسة. لكن هذه الحجة تنطبق فقط على بعض من أولئك الذين لا يصوتون. العديد من الناس الآخرين، وخاصة في الولايات المتحدة، يتابعون الأخبار ويهتمون بالسياسة الوطنية، ولكن يمكثون في بيوتهم يوم الانتخابات مُعتقدين أن أصواتهم لا تهم. ولكن الحقيقة هي أن أصواتهم تحدد نتيجة الانتخابات.

قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما في المؤتمر الوطني الديمقراطي في يوليو/ تموز عندما صرخ عدد قليل من المندوبين عند ذكر اسم ترامب: "لا تصرخوا. صوتوا! " وهذه هي الرسالة التي يجب تكرارها، مثل أغنية، حتى حلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني.

* أستاذ في كلية كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد، وشغل سابقا منصب عضوا في مجلس الرئيس بيل كلينتون للمستشارين الاقتصاديين

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق