q

يعج عالم اليوم بالعقائد والأفكار والرؤى المختلفة، وقد يتحاور أصحابها أو يتجادلون أو يتنازعون، وصولا الى التناحر.

وأصحاب كل عقيدة يتربصون بالأخرى ليجدوا نقطة ضعف او خلل يتهجموا بها عليها وعلى أصحابها.

وقد يحاول اصحاب كل عقيدة الإجابة عن التساؤلات او الإشكالات أو الشبهات.

كما يحاول بعض أصحاب العقائد التصحيح أو التغيير، إما أدراكا منهم بالخطأ، أو انهزاما أمام الآخرين، أو لأية جهة أخرى.

ومن نعم الله تعالى على المسلمين أن اختارهم لحمل العقيدة الصحيحة بينها الرسول صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام حيث أجابوا عن التساؤلات والشبهات.

فرغم أن أصحاب الأهواء والمصالح حاولوا الدس والتحريف، إلا أن الله صان العقيدة الصحيحة، وقيض لها حملة في جميع العصور، لذا فالعقيدة المشهورة بين اتباع أهل البيت هي العقيدة الحقة والتي دل عليها العقل والنقل الصحيح، رغم وجود آراء ومرويات شاذة تجاوزها العلماء الربانيون وجمهور التابعين لهم.

إلا أنه في الآونة الاخيرة ظهرت دعوات لتصحيح مزعوم للتراث العقدي، فمع قطع النظر عن الأشخاص الداعين الى ذلك وحسن نية بعضهم، فإن عامة هذه الدعوات لا تستند الى أسس علمية رصينة، بل تنتهج أسلوب الاستحسان والاستبعاد وعرض إشكالات لاتصمد أمام النقد العلمي، وغالبا تنطلق لخطأ منهجي.

وقد أثير مؤخرا تساؤل حول مدى صحة ما يقال من أن مصدر بعض العقائد روايات ضعيفة! أو أدعية وزيارات غير معتبرة تساهل العلماء تجاهها من باب التسامح في أدلة السنن مع أنها قاعدة مختلف فيها! وأن معجزات الأئمة لم ترو إلا بأسناد ضعيفة رواها الغلاة غالبا! وحتى على فرض صحة السند فإنه لا يمكن الاعتماد عليها لأنها ترتبط بأصول الدين مع أنه لا تثبت مسائل أصول الدين إلا بالقطع، كما أن الكثير من القصص المتعلقة بهم لم ترو إلا بأسناد ضعيفة والتساهل في نقلها كان بسبب قاعدة التسامح المختلف فيها!

وهذه شبهات ضعيفة، وسبب غالبها الخطأ المنهجي وقلة التتبع والبحث، نحاول الإجابة عنها باختصار:

أولا: أجمع الفقهاء جميعا على ثبوت الثواب على العمل الذي ورد الثواب عليه في رواية ضعيفة السند، وذلك لدلالة روايات مستفيضة على ثبوت الثواب (لعلها تبلغ تسع روايات) بعضها صحيحة السند.

إنما الخلاف في أن مدلول هذه الروايات هل مضافا الى الثواب هو إثبات الاستحباب كحكم شرعي (وعليه أكثر المتقدمين على الشيخ الأنصاري)، أم أن مدلولها هو فقط إثبات الثواب (وعليه أكثر المتأخرين عنه).

فمنكر القاعدة ليس إنكاره لثبوت الثواب، وإنما إنكار للاستحباب، بمعنى أنه يقول لا يترتب على روايات الضعيفة في السنن إلا الثواب، دون آثار الحكم الشرعي.

ثانيا: لم يعتمد العلماء في العقائد إلا على الأدلة المعتبرة، كالعقل والكتاب والسنة القطعية. بعد ثبوت المسائل العقدية بالأدلة المعتبرة القطعية لا بأس بذكر الروايات ضعيفة السند التي تتفق مع تلك الادلة المعتبرة، مثلا دل القرآن على أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله، ووردت روايات مرسلة في قصص إحياء عيسى للموتى، فلا بأس بذكر تلك القصص رغم ضعف سندها، لأنها متوافقة مع الدليل المعتبر الذي هو القرآن الكريم.

مثلا هذه الرواية المرسلة (يعني ضعيفة السند): تفسير العياشي: عن محمد بن أبي عمير، عمن ذكره رفعه قال: إن أصحاب عيسى عليه السلام سألوه أن يحيي لهم ميتا، قال: فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح، فقال له: قم بإذن الله يا سام بن نوح، قال: فانشق القبر، ثم أعاد الكلام فتحرك، ثم أعاد الكلام فخرج سام نوح.... الخ.

فادعاء أن بعض العقائد مبتنية على روايات ضعيفة او موضوعة، ناشئ عن الخلط بين ذكر رواية متطابقة مع الأدلة المعتبرة وهذا ما يصنعه العلماء وبين الاعتماد عليها في تأسيس عقيدة وهذا ما لم يتحقق أبدا في العقائد المشهورة.

وبعد وجود الأدلة المعتبرة القطعية على أن للرسول والأئمة (عليه وعليهم الصلاة والسلام) كرامات ومعاجز بإذن الله تعالى، فالروايات التي تتضمن معاجز لهم بإذن الله، متطابقة مع تلك الأدلة المعتبرة، فلا معنى لإنكارها.

كما أن إثبات معجزة لهم ليس من الغلو، إنما الغلو هو رفعهم الى مستوى الخالق تعالى، أما مع تنزيلهم عن الربوبية وقيام الأدلة المعتبرة على أصل تلك الكرامات، فليس إثبات الجزئيات من الغلو أبدا حتى لو ثبتت تلك الجزئيات بروايات ضعيفة، وذلك لأنها متوافقة مع سائر الأدلة المعتبرة.

ثالثا: أما الأدعية والزيارات فقد رواها علمائنا الأبرار في كتبهم المعتبرة، وليس فيها شيء من الغلو أو من العقائد غير الثابتة، بل كل ما فيها من امور عقدية فإنما هي ثابتة بأدلة أخرى معتبرة من القرآن او السنة القطعية او إجماع أو روايات صحيحة أخرى، فادعاء ابتناء بعض العقائد على الادعية والزيارات الضعيفة ادعاء باطل.

مضافا الى أن بعضها رويت بأسناد معتبرة كالزيارة الجامعة التي رواها الصدوق بسند معتبر في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام، وتواتر معاني بعضها تواترا معنويا قطعيا كزيارة وارث.

كما أن الارسال لا يعني الضعف او الوضع، بل هناك طرق متعددة لإثبات اعتبار الرواية...

منها: تطابق المضمون مع الادلة المعتبرة فدعاء كميل مثلا مرسل سندا لكنه متطابق مع القرآن كاملا.

ومنها: قوة المضمون وجزالة الالفاظ مثل نهج البلاغة فهو أحاديث مرسلة لكن لا يشك احد في نسبة خطبه ورسائله الى امير المؤمنين عليه السلام.

ومنها: اعتماد وعمل المشهور بها وبمضامينها.

ومنها كثرة روايتها في الكتب المعتبرة.

ومنها: غير ذلك مما هو مذكور في البحوث الفقهية والأصولية.

رابعا: عامة التاريخ وعامة السيرة النبوية، لم تصلنا إلا بروايات مرسلة او ضعيفة السند، فلا الطبري ثقة بل ثبت تحريفه في بعض الامور، ولا ابن الاثير ولا غيرهما من كبار المؤرخين حيث لم يوثقهم علمائنا الرجاليين، بل أسنادهم الى الواقعة غالبا إما مراسيل أو مجاهيل، فعلى مبنى هذه الشبهات لابد من إلغاء عامة التاريخ الاسلامي وعامة سيرة النبي صلى الله عليه وآله، ولا أدري كيف يتم الإشكال على الشهيد الثاني في إعتماده على التسامح في القصص! وهل السيرة والتاريخ الاسلامي إلا قصص ضعيفة السند.

أما نحن فنقول يصح الاعتماد على السيرة والتاريخ اذا لم يتضمن حكما إلزاميا ولم تتعارض اخبار السيرة مع الامور العامة التي ثبتت بالأدلة المعتبرة، وهذا بالمئال يكون كالتسامح في ادلة السنن! مع تجميع القرائن في إثبات صحة أو سقم المنقول.

خامسا: إدعاء أن المعجزات والكرامات لا تؤخذ من الخبر الواحد بل لابد من التواتر... ادعاء غير مستند الى دليل، وذلك لشمول أدلة حجية الخبر الواحد لأخبار المعجزات، ولا وجه للتقييد، وخاصة مع تطابق أخبار المعجزات هذه مع الادلة القطعية الدالة على تحقق المعاجز على يدي الرسول والأئمة.

وما يقوله البعض من أن العقائد لابد من قيام الادلة القطعية عليها... ليس بشكل مطلق، بل أصول العقائد كالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد لابد من الاستدلال لها بالأدلة القطعية، وأما تفاصيل العقائد فقد يكتفى فيها بالخبر الواحد المعتبر، بل أحيانا حتى الخبر الضعيف اذا تطابق مع الادلة المعتبرة، كبعض تفاصيل الجنة والنار، فهذه التفاصيل مسائل عقدية ولا يحتاج إثباتها إلى تواتر بل يكفي حديث متطابق مع القرآن او السنة القطعية حتى لوكان ذلك الحديث ضعيفا.

وبعد الثبوت القطعي أن للرسول والأئمة معاجز، فلا نحتاج الى تواتر في كل معجزة معجزة، لإطلاق الأدلة اللفظية لحجية الخبر الواحد، وأيضا عموم ملاك الأدلة اللبية في حجيته.

اضف تعليق