q

علي حسن الفواز

 

اختبار النيات في السياسة العراقية أمرٌ غير واقعي، لأنّ السياسة هي فن المصالح دائما، وحين يمارس فريق سياسي معين نياته بنوع من (المكر) فإن ذلك سيكون تجاوزا على الواقع، وسيصطدم بحسابات الآخرين، وبمصالحهم وبرؤيتهم للمشروع الوطني.

حرب تحرير الموصل تحولت الى (صراع) تجاذبات ونوايا بين قوى محلية واقليمية ودولية، وأن العديد من هؤلاء يضع في سلته الكثير من تلك النوايا، والكثير من الاحتمالات لمستقبل ما يمكن أن يحدث بعد التحرير.

الأميركيون ما زالوا يضعون الرهانات على معطيات سياسية، ولوجستيات افتراضية أكثر منها واقعية،

وأصحاب الأجندات الاقليمية يتقاطعون في النظر الى مسار الأحداث، والى طبيعة الخارطة الجديدة في المنطقة، وعلى وفق (نوايا) ما يمكن أن يحصلوا عليه من امتيازات لا تغيّر من قواعد الصراع شيئا، وربما تُعطي للبعض منهم موطىء قدم للسيطرة والرقابة، ولفرض الحساب السياسي بحساسيته المكوناتية في الجغرافيا المأزومة، ولعل ما صرح به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مؤخرا عن امكانية اجراء عسكري تركي في شمال العراق مثلما حدث في سوريا يؤكد هذا المعطى، والذي سيدفع إيران للمناورة باتجاه آخر لمنع فرض الأجندة الاقليمية المشبوهة على المنطقة.

أخطر الرهانات تكمن في الأجندة الداخلية، بوصفها أجندة نوايا بامتياز، فصراع الفرقاء فيه الكثير من الاستعراضية، ومواقف الكتل السياسية وجماعاتها العسكرية تفتقد الكثير من الواقعية، وأنّ جل ما تبحث عنه في الظاهر والخفاء يتمثل في توزيع الأدوار والعطايا، لا سيما بعد أن فرضت وقائع تحرير مدن كبرى مثل الرمادي وصلاح الدين والفلوجة نفسها على المشهد، ووضعت الجميع أمام حسابات قد لا تروق للبعض، مثلما ستروق لبعض آخر.

تحرير الموصل يعني الكثير، وهذا ما يُفسّر الزخم الأميركي والزيارات المكوكية لمسؤوليها، ولدفعها المزيد من القوات العسكرية، وتحت مسميات متعددة للمشاركة في عمليات التحرير، مثلما يُفسّر من جانب آخر الغلو في تصريحات كتل سياسية معينة مثل(اتحاد القوى) والذي ينظر للأمر بعين طائفية، أو بعين المصالح التي ستحدَد ملامحها، فضلا عن موقف الكرد الملتبس والغامض، والذي يدخل في رهانات تضمن المصالح النفطية والأمنية والديموغرافية قبل كل شيء، فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ينظر للأمر وكأنه (دجاجة الذهب) تلك التي تضمن له أفقا مع الجميع، بما فيهم الولايات المتحدة، ولتحديد (هوية) تحرير المدينة، فتصريح بارزاني واضح في أن تحرير الموصل ينبغي أن يسبقه اتفاق بين بغداد وكردستان، وهو مايعني قياس حساب المصالح، وسمات مستقبل المنطقة، وما هي الخارطة الجديدة الضامنة لجميع مكونات المدينة.

حرب الموصل وحزام بغداد

وضع الأميركان جلّ عملهم حول تحرير الموصل، وباتت خططهم وتصريحاتهم عالية، مثلما هو الحديث الحكومي الذي يرى في تحرير المدينة نوعا من اعادة الهيبة والاعتبار لمؤسسات الدولة ولسيادتها التي تعرضت للخرق بعد احتلال داعش للموصل في حزيران عام 2014، لكن الكثيرين في هذه العجالة يتجاوزون على حقائق الأرض، وعلى معطيات ينبغي ادراكها ومعالجتها قبل الشروع بالعمل العسكري في الموصل، لاسيما طبيعة التعقيدات في حزام بغداد، والتهديدات التي تشكلها العديد من مناطقه الرخوة.

وضع حدث التحرير في سياق سياسي، يكتسب أهميته من خلال المجاهرة بالمواقف الدولية حول التصريح بإنهاء داعش، وبحسابات النوايا التي تعني إعادة ترتيب ملفات المنطقة، وعلى وفق ماتتطلبه عملية توزيع المغانم، وهذه المواقف المعلنة تتقاطع مع مواقف أخرى ترى أن مفهوم التحرير ينبغي أن يكون واقعيا وسياديا وذا هوية عراقية، وهو ما يعني مشاركة الجميع، بما فيهم الحشد الشعبي، مثلما أن تلك المواقف ترى أيضا بشمولية النظر الى واقعية التحرير وشموليته، والذي يرتبط بالسيطرة على كل (الممرات) التي يمكن من خلالها عودة داعش، أو تركه في مناطق معينة، يمكنه عبرها أن يُشكّل خطرا وتهديدا لمدن مهمة مثل بغداد وكربلاء، وهو ما صرّح به الشيخ قيس الخزعلي الأمين العام لعصائب أهل الحق، بأنه يملك معلومات أكيدة عن وجود تهديدات حقيقية لبغداد وكربلاء.

واقعية العمل السياسي والأمني تصطدم بالخروج من حقل النوايا، وإدراك ما ينبغي إدراكه في علاقة هذا العمل مع المسارات الأخرى،والتي تعني وضع التصورات العملياتية لمرحلة مابعد داعش، وللبدء بعمليات مصالحة وتنمية حقيقية، إذ إنّ غياب هذه التصورات يضع الواقع العراقي أمام المجهول، أو أمام تدخلات دولية واقليمية، وحروب داخلية، وهو يعني التعبير عن العجز في تحويل النصر/ التحرير الى عملية سياسية مُنتصِرة، وقادرة على تأهيل الواقع المأزوم ليكون بمستوى التحديات الوطنية أمنيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا.

اضف تعليق