q

الصراع هو السمة البارزة في العلاقات بين المجتمعات الانسانية في هذه الظروف الراهنة، فحتى اكثر الدول صداقة نسمع عن علاقات متبادلة على اساس مصالح الطرفين، اما الاحكام القيمية فغالبا ما تقف في الخطوط الخلفية لخطابات زعماء العالم، وان تم ذكرها فلا تتعدى حدود المصلحة المتبادلة بين الفائدة المرجوة من النص والشخص الذي يوظف الحديث القيمي لإظهار نفسه كشخص حامي حمى الانسانية.

التطرف في الاتجاهات والسلوكيات كان النتيجة الحتمية لغياب حكم القيمة وانتشار حكم المصلحة او (المصالح المتبادلة، الكليشة الجاهزة لأي زعيم سياسي في العالم)، ورغم ان التطرف ارتبط عمليا بالطبقات الحاكمة الا ان ترسباته غالبا ما تنساب بشكل سريع الى قاعدة الهرم الاجتماعي وتصل الى الطبقات العريضة من المجتمع، وعندما يصل التطرف الى هذه النقطة يصبح قد اكمل دورة حياة كاملة، لكنها ما تلبث ان تعود بشكل معاكس لتنتقل حمى التطرف واصدار الاحكام الجاهزة من عامة الناس الى الطبقات الحاكمة، وفي هذه المرحلة يطلق على القيادات التي تتبنى افكار عامة الناس بـ(الشعبويون او الشعوبيين).

تصبح احكام الشارع الجاهزة التي تطلق على هذه الفئة الاجتماعية او تلك هي السمة البارزة للكثير من المجتمعات، فيما يسمى بخطاب التعميمات الجاهزة والتي لا تستند الى الواقع بقدر استنادها الى احكام معلبة اما أطلقتها الطبقة الحاكمة من اجل الاستفادة منها في ظرف معين، او انها نفس تلك الافكار وتم الاضافة عليها او الحذف منها بعدما التقطتها عامة الناس وراحوا يروجون لها، لتضطر الطبقة الحاكمة الى تبنيها من جديد حتى وان كانت لا تتوافق مع قواعدها السولكية العامة وبرامجها التي تتبناها.

باختصار فان التعميم السطحي هو نتيجة لتوظيفه من قبل الطبقات الحاكمة في ظروف معينة وقد يتناقض مع الاهداف العامة لمروجيه لكن يتم استخدامه لأهداف محددة ومؤقتة، على القاعدة الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة). لكن التعميم السطحي دائما ما يؤدي الى غبن فئات اجتماعية لم تتبنى ما يروج له وهو ما يؤدي بالبعض الى الوقوع فريسة الظلم لتلك الفئات الاجتماعية التي لا ناقة لها ولا جمل في كل ما يصدر من احكام ضدها، وكل ما ارتكبته من جرم انها كانت ضمن تكتل اجتماعي نشأ على قيم ومعايير محددة تم اختراقها من قبل فئة قد تقل او تكثر، لكن الاكيد ان ذلك الفعل لم يكن مقبولا لدى جميع المنتمين لهذه الشريحة الاجتماعية التي قد تكون حزبا او مجموعة دينية او قومية، وبالتالي يمكن تقسيم اي جماعة بشرية الى ثلاثة مجموعات تفرض علينا اخذها في الحسبان قبل اصدار اي حكم ضدها بغية عدم الانسياق وراء التعميمات السطحية وهي كالاتي:

1- المتشددون: وهم غالبا المتمسكون بقيم الجماعة بكل تفاصيلها ويرفضون أي وجهة نظر مغايرة، وهذا بالطبع سيؤدي الى انتهاك حقوق الجماعات الأخرى اذا ما اخذنا في الحسبان التطرف القائم على الغاء الاخر وتكفير (التكفير هنا كل فعل الغائي يرى في الاخر غير مؤهل لاخذ دوره في الحياة وهو لا يقتصر على التكفير المعروف لدى الجماعات الدينية).

2- المعتدلون: وهم الذين يتبنون أفكارا تتسم بطابع القبول بالاخر ولا ترفض التعاون مع الجماعات الأخرى، ورغم انهم يؤمنون بقيم الجماعة التي ينتمون اليها لكنهم يتخذون من الحوار والانفتاح على الاخر طريقا ومنهجا في التعامل.

3- المحايدون: وهؤلاء ليسوا متطرفين ولا معتدلين بل قد لا يتبنون أفكار الجماعة التي يعيشون في كنفها أصلا. وقد تكون الجغرافيا او عوامل أخرى قد أدت الى دمجهم مع جماعة او دولة معينة او إقليم معين، ولأسباب عدة اكتسبوا بعض خصائص الجماعة مثل اللغة لكن تبقى لهم اراء خاصة قد تختلف مع أفكار الجماعة التي يعيشون معها.

المتطرفون وأصحاب الاحكام السطحية لا يفكرون بهذه الذهنية ولا يفصلون بين تلك الفئات المشار اليها انفا، وبالتالي هم يعممون اي فعل يقوم به شخص واحد او مجموعة اشخاص ينتمون لطائفة دينية او قومية على المجموعة الدينية كلها، والمثال الأبرز هنا مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الامريكية، والذي يتبنى موقفا متشددا من المسلمين جميعا لان إرهاب داعش تبنت اعمالا إرهابية ضد أمريكا، رغم ان داعش قتلت من المسلمين عشرات الاضعاف مما قتلت من غيرهم.

ان السبيل الانجح لسيادة العيش الكريم للإنسانية يقتضي الابتعاد عن التعميمات الجاهزة والتفكير السطحي، بل ان اختصار عمل شخص واحد على جماعة كاملة لا يمثل ذكاء من قبل مطلقي تلك الاحكام التعميمية بل يعبر عن قصر النظر وسطحية التفكير.

اضف تعليق