q

للدخول في معمعة حملة انتخابية عاصفة، تجري في وقت بالغ الدقة وحافل بالتحديات على كل المستويات كما هي حال العراق اليوم. لن يكون من السهل على التحالف الوطني وقياداته النزول من أبراج السلطة العاجية والخروج من العباءة الحزبية وعباءة المناصب الرسمية، لكي يخوض سجالات وشجارات الانتخابات القادمة، بما تقتضيه من حشد وتعبئة وخطاب شعبي وأحياناً شعبوي في مستوى استقطاب سياسي قوي جدا وأكثر من ذلك تعقيداً، الكيفية التي سيوفق بها بين الدفاع عن أدائه خلال أكثر من عشر سنوات مضت، وفي الوقت نفسه التبشير بمشروع جديد لأربع سنوات مقبلة.

وبعبارة أخرى، كيف سيهرب من الماضي، وكيف سيبشر بمستقبل مختلف ومشروع جديد؟ وهل سيقنع الناخبين بأن في مقدوره غداً تحقيق ما عجز عن تحقيقه بالأمس، وبالتالي الرهان على أنه سيكون هو خيار المستقبل لجمهوره، والمنقذ المنشود؟

لا بد من البحث له عن إجابات مقنعة خلال الأشهر المقبلة، وهي مهمة تبدو صعبة بكل المقاييس نظراً لتراجع الثقة الشعبية فيه، ولتزاحم التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية الراهنة في العراق، بل وفوق ذلك، فالتحالف يواجه الآن أيضاً تحدياً كبيراً آخر بتنامي شعبية اطراف من معسكر الحشد الشعبي الذي يستفيد من تسويق بطولاته الميدانية، ومن تراجع شعبية احزاب التحالف الوطني الحاكم، الذي بات شبه منفصل عن نبض الواقع والشارع. بل إن ثمة قطاعات شعبية من الوسط والجنوب لم تعد تؤيد إعادة منح الثقة للتحالف، حيث يتواتر ظهور منافسين محتملين له داخل معسكره الشيعي، وهو ما يضيف مصاعب أخرى تزيد من تآكل شرعيته وشعبيته.

وأما عن حصيلة سنوات حكم التحالف الوطني، فلعل أكثر الملفات التي جرى عليها النقد الشديد هي جهود ترسيخ الامن في بغداد والمحافظات وملف الخدمات والبطالة، ومعالجة مشكلات الإقصاء والتفاوت مع القوى الاخرى، الى الان يمكن القول إن مقاربات التحالف تجاه الملفات اعلاه لم تؤت أكلها، ولم تصب نحو نجاحاً يذكر، على الأقل ولا اظن ان مأسسة التحالف واختيار قيادة جديدة ونظام داخلي وحتى ايجاد وحدة مصطنعة داخل مكوناته قادرة على تقديم بديل مقنع لقواعده ازاء فشله السابق بأدنى الاداءات.

ولكن على رغم كل هذه المحبطات، والظروف غير المواتية، يُفهم من اختيار قيادة جديدة للتحالف الوطني بشخصية السيد عمار الحكيم ومن بعده نوري المالكي خلال شهر ايلول الجاري، أنه ما زال بعيداً عن رفع الراية البيضاء، وأنه يستجمع إرادة قوية لتأهيل وضعه من جديد، لكن رفع قفاز التحدي في وجه كل هذه الظروف والتحديات الراهنة.

ينبغي تقديم طروحات سياسية ملائمة ومقنعة ومقاربات امنية مؤثرة لمواجهة تهديد الإرهاب، يبدو ان التحالف ما زال مصمماً على تقديم نفسه في صفة المؤسسة الحامية لكن في مواجهة التطرف والارهاب الأصولي لابد للتحالف ان يتحدث عن سياسة دفاع حازمة ورادعة ولكن متمسكة أيضاً بروح الديمقراطية والقيم السياسية الحداثوية.

ومن أجل الفوز بهذه الحرب ضد الارهاب وترسيخ قيم الديمقراطية سياسيا على التحالف ان يرفع عالياً شعار «دولة القانون والمؤسسات»، ضد محاولات الترويج لـ«دولة الاستثناء والطوارئ» وأمام مخاطر اتساع الشروخ والانقسامات الاجتماعية، على التحالف ان يدعو إلى تقوية التضامن الوطني وسعة البال، وان يعارض أيضاً سياسة فرض التماسك والوحدة الوطنية بالقهر والقسر، إذ ان الوحدة الوطنية لا بد أن تكون مبنية على اقتناع واسع وإجماع عريض. وهو ما ينطبق أيضاً على وحدة الموقف للأطراف والقوى الاخرى. كما عليه ان يدافع كذلك عن النموذج الاجتماعي الضامن للوحدة والتماسك الوطني الضروريين.

وفي الأخير، رغم هذه الفرص القائمة الا أن التحدي يبقى قائماً أمام التحالف الوطني على رغم كل محاولات تجديد خطابه وممارساته وتوحيد قواه، وركوب موجة التحديات الراهنة، وإقناع العراقيين بأن في إمكانه اجتراح حلول واستجابات ناجعة لهم، وذلك نظراً لارتفاع مزاد الخطاب المراهن على الفشل الامني وبقاء داعش او المراهن على المتغيرات الاقليمية وانتظار التسويات المستقبلية لجرها على الوضع العراقي واستثمار هذه التحولات لتحقيق مآرب سياسية تقوض طموحات التحالف الوطني في تسويق مشروعه وبرامجه واهمها رئاسة الوزراء والحفاظ عليها والاطاحة بالمنافسين المحتملين في انتخابات مجالس المحافظات.

* الدكتور أحمد الميالي..أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وباحث مشارك في ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق