q

مارتن وولف

 

الهجرة تُثير قضايا محددة تماماً. عصر العولمة لم يكُن مصحوباً بالتزام عام لتحرير تدفقات الناس. لذلك سأُركّز هنا على التجارة وتدفقات رأس المال. الدليل في هذين المجالين يبدو واضحاً تماماً. العولمة وصلت إلى ذروة، وفي بعض المجالات، تنعكس.

تحليل أجراه معهد بيترسون للاقتصاد الدولي يُجادل بأن نسب التجارة إلى الناتج في العالم ثابتة منذ عام 2008، ما يجعل ذلك أطول فترة لمثل هذا الركود منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لمبادرة جلوبال تريد أليرت، حتى حجم التجارة العالمية كان راكداً بين كانون الثاني (يناير) من عام 2015 وآذار (مارس) من عام 2016، على الرغم من أن الاقتصاد العالمي استمر في النمو.

مخزون الأصول المالية عبر الحدود بلغ ذروته بنسبة 57 في المائة من الناتج العالمي في عام 2007، لينخفض إلى 36 في المائة بحلول عام 2015. أخيراً، تدفقات الاستثمارات المباشرة الأجنبية بقيت أقل بكثير من 3.3 في المائة من الناتج العالمي الذي تحقق في عام 2007، على الرغم من أن المخزون استمر في الارتفاع، وإن كان ببطء، بالنسبة إلى الناتج.

بالتالي، قوة الدفع نحو مزيد من التكامل الاقتصادي توقفت وفي بعض المجالات انعكست. العولمة لم تعُد تقود النمو العالمي. إذا كانت هذه العملية في الواقع تقترب من نهايتها، أو حتى تنعكس، لن تكون المرة الأولى منذ الثورة الصناعية، في أوائل القرن التاسع عشر، فقد حدثت فترة أخرى من العولمة، في عصر الإمبراطوريات، في أواخر القرن التاسع عشر.

الحرب العالمية الأولى أنهت تلك الفترة والكساد العظيم دمّرها. هناك تركيز رئيسي للسياسة الاقتصادية والخارجية في الولايات المتحدة بعد عام 1945 كان لإعادة خلق الاقتصاد العالمي، لكن هذه المرة بين الدول السيادية وتم توجيهه من قِبل المؤسسات الاقتصادية الدولية. إذا تم انتخاب دونالد ترامب، الذي تبّنى الحمائية وشوّه سمعة المؤسسات العالمية، رئيساً في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فسيكون ذلك بمثابة تنصّل من التوجّه الرئيسي للسياسة الأمريكية ما بعد الحرب العالمية الثانية.

بالنظر إلى السِجل التاريخي والسياسة الحالية للتجارة، ولا سيما في الولايات المتحدة، فمن الطبيعي التساؤل ما إذا كان نفس الشيء يُمكن أن يحدث للعصر الأكثر حداثة من العولمة. وهذا يتطلّب منا فهم الدوافع.

جزء من سبب التباطؤ هو أن عديدا من الفرص، إن لم تُستنفد، فإنها تقلّصت بشكل جذري. على سبيل المثال، عندما ينتقل جميع إنتاج شركات التصنيع الكثيفة بالعمالة أساساً من البلدان الغنية، لا بد أن ينخفض نمو التجارة في مثل هذه المنتجات. بالمثل، عندما تتباطأ أكبر طفرة استثمار في تاريخ العالم، أي في الصين، كذلك لا بد أن يتباطأ الطلب على كثير من السلع الأساسية. هذا سيؤثر في كل من أسعارها وجودتها. مرة أخرى، نهاية طفرة الائتمان العالمية التي تحدث مرة في العمر من المؤكد أن تؤدي إلى انخفاض في حيازات الأصول المالية عبر الحدود. أخيراً، بعد عقود من الاستثمارات المباشرة الأجنبية، مجموعة من الشركات التي لديها شيء تكسبه منها، ستكون قد أخذت فرصتها ونجحت أو، في الحالات المهمة، فشلت.

هذا ليس كامل القصة. تحرير التجارة توقف ونستطيع رؤية ارتفاع ثابت في التدابير الحمائية. الأزمة المالية جلبت معها تدابير تنظيمية، وكثير منها لا بد أن تؤدي حُكما إلى إبطاء التدفقات المالية عبر الحدود. ارتفاع مشاعر كره الأجانب والتباطؤ في التجارة من المرجح أن يُخفّضا نمو الاستثمارات المباشرة الأجنبية. باختصار، السياسة هي أقل دعما من قبل.

السياسة تُصبح حتى أقل دعما بكثير. مرة أخرى، الولايات المتحدة هي الجزء الرئيسي من القصة. ترامب هو المرشح الأكثر حمائية بكثير للرئاسة الأمريكية منذ الثلاثينيات، لكن، بشكل له دلالته. أما هيلاري كلينتون، فمُصمّمة "التمحور الأمريكي نحو آسيا" انقلبت ضد اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التي كانت فيما مضى واحدة من الداعمين المتحمسين لها.

اتفاقية الشراكة للتجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، التي يتم التفاوض عليها بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هي الآن في ورطة كبيرة. جولة الدوحة من المفاوضات التجارية متعددة الأطراف تحتضر.

المهم في الأمر هو أن الشرائح المهمة من الجمهور الغربي لم تعُد تعتقد أن زيادة التجارة مفيدة لهم. الأدّلة على الدخل الحقيقي النسبي والتكيّف مع ارتفاع الواردات يوفّر بعض الدعم لمثل هذه الشكوك.

العولمة في أحسن الأحوال توقفت. هل يُمكن أن تنعكس؟ نعم. هذا يتطلّب السلام بين القوى العُظمى. قد يُجادل البعض أيضاً أنه يتطلّب قوة مُهيمنة: المملكة المتحدة قبل عام 1914 والولايات المتحدة بعد عام 1945. في وقت الأداء الاقتصادي الضعيف في البلدان الرائدة ذات الدخل المرتفع، وارتفاع عدم المساواة والتحوّلات الكبيرة في موازين القوة العالمية، انهيار آخر لا بد أن يكون محتملاً. لننظر إلى تأثير أي قتال بين الولايات المتحدة والصين بشأن بحر الصين الجنوبي، على الرغم من أن مثل هذه الكارثة ستكون مُرعبة بسبب أكثر بكثير من مجرد آثارها الاقتصادية الضيقة.

هل توقف العولمة مهم؟ نعم. شهد عصر العولمة أول انخفاض في عدم المساواة في دخل الأُسر منذ أوائل القرن التاسع عشر. بين عام 1980 وعام 2015، متوسط الدخل الحقيقي العالمي ارتفع بنسبة 120 في المائة. الفرص التي وفّرتها العولمة حيوية. مستقبلنا لا يُمكن أن يكمُن في إبعاد أنفسنا عن بعضنا البعض.

الفشل - وهو فشل عميق - يكمُن في عدم ضمان أن المكاسب تتم مشاركتها بمساواة أكثر، ولا سيما في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع. الأمر المُحزن بالمثل كان فشل حماية المتضررين.

لا يُمكننا إيقاف التغير الاقتصادي. علاوة على ذلك، التأثير في الوظائف، وأجور الإنتاجية المرتفعة، والتكنولوجيات الجديدة، قد تجاوز بكثير الواردات المرتفعة. العولمة لا يجب أن تكون كبش فداء لجميع العلل التي نُعانيها.

لقد توقفت الآن، وكذلك السياسات التي توجهها. قد تنعكس. حتى التوقف من شأنه إبطاء التقدم الاقتصادي والحد من الفرص بالنسبة إلى الفقراء في العالم. دفع العولمة إلى الأمام يتطلب سياسات محلية وخارجية مختلفة عن السياسات التي كانت سائدة في الماضي. مستقبل العولمة يعتمد على الإدارة الأفضل. هل سيحدث ذلك؟ مع الأسف أنا لست متفائلاً.

اضف تعليق