q

خاضت السعودية أكبر مغامراتها في السياسة الخارجية خلال تأريخها المعاصر بشن الحرب على اليمن بعد شهرين فقط من تسنّم ملك العربية السعودية سلمان منصبه اذ تفصح القراءة التأريخية لطبيعة التدخل السعودي في اليمن بأنها كانت بشكل غير مباشر، فقد اتسم تدخلها في الشأن اليمني عبر استخدام دبلوماسية البترودولار كما بدا واضحا في الستينات من القرن المنصرم والحقبة التي تلتها.

واذا ما أخذنا بعين الاعتبار المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، تلوح جملة من الدوافع لهذه الحرب الخاسرة، فهذه الحرب تأتي في سياق عملية إعادة النظر في السياسة الخارجية السعودية التي أخذت بوادرها تلوح بالأفق في أعقاب مايسمى بـ(الربيع العربي)، وأخذت وتائره تتسارع بتسنم سلمان العرش وابنه محمد وزيرا للدفاع في العام 2015، أضف إلى ذلك ان المملكة تعاني من مشاكل داخلية منها اقتصادية واجتماعية ناجمة عن انخفاض اسعار النفط وتزايد معدلات البطالة وكذلك المخاطر الجدية من قيام داعش بتنفيذ عمليات إرهابية داخل المملكة، فالأخيرة بحاجة الى عدو خارجي لصرف الأنظار عن هذه المشاكل، لذا بالغ الاعلام السعودي، المسيطر عليه من قبل الدولة، بأهمية هذه الحملة العسكرية.

اضف الى ذلك فقد شهدت حقبة التسعينات من القرن الماضي زيادة حادة في عقيدة الوهابية السعودية ودعاوى معادية للزيدية في مرتفعات شمال اليمن بالقرب من مدينة صعدة، وهي المنطقة التي يسيطر عليها أتباع المذهب الزيدي. وفي ذلك الحين دأب الحوثيون، لإعادة تثقيف القبائل الشمالية على التقاليد الزيدية والرد على تهديدات من قبل الوهابيين المتطرفين. وفي الوقت نفسه، أصبح رضوخ صالح لموضوع الحدود والتأثير السعودي المتزايد على السياسة الداخلية اليمنية إحدى المظالم الرئيسة للحوثيين ضد الحكومة المركزية. وبعد مقتل زعيم الحركة حسين الحوثي، في عام 2004، بدأت القبائل المتحالفة مع عائلة الحوثي تخوض صراع عسكري طويل ضد الحكومة. وبإدراكها في عام 2009 أن الحركة تشكل تهديداً خطيرا للقيادة الموالية للسعودية في صنعاء، أرسلت الرياض قوات لقتال الحوثيين عبر الحدود أسفرت عن نتائج كارثية، حيث قتل أكثر من 130 جندياً سعودياً لم يكونوا قد حصلوا على التدريب اللازم لمثل هذه المهمة.

ومن هنا فأن جذور التدخل الحالي تعود إلى الخوف السعودي المتزايد من شعبية الحوثيين وتزايد قوة تحالفها مع القبائل اليمنية، وبالتالي فان استيلاء الحوثيين على صنعاء، والتوسع العسكري السريع تشكل جميعها تهديداً خطيراً للإستراتيجية الإقليمية للسعودية ولاسيما وان القادة الحوثيين لم يخفوا نفورهم حيال النظام الملكي السعودي. وإلى جانب المكاسب العسكرية، ظهر الحوثيون كقوة سياسية محتملة يمكن أن تشكل حكومة مركزية قوية مع أجندة معادية للسعودية، أو على الأقل غير متماهية معها.

ولابد من الذكر هنا انه على مدى عقود، كانت السعودية شبه مذعورة من اليمن ومن بين الاسباب الكامنة وراء ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أسباب ديموغرافية، اذ يرى العديد من المراقبين أن الإحصاءات السكانية السعودية غالباً ما تميل إلى إظهار أن عدد سكان المملكة أكبر من عدد سكان اليمن، الأمر الذي يؤثر سلباً على أية عملية تقوم بها اليمن لاسترجاع الأراضي التي فقدتها البلاد تاريخياً. وفي هذا الصدد، يشير كتاب (حقائق العالم World Facts) لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA إلى أن عدد سكان السعودية هو 27.3 مليون نسمة، من بينهم عدة ملايين من الوافدين، مقابل 26 مليون نسمة في اليمن.

تسويق الحرب في الإعلام العربي الدولي

منذ السنة الأولى للحرب، أثارت الغارات التي شنها تحالف السعودية على اليمن الكثير من الانتقادات لخرقها قوانين الحرب وكذلك تزايد عدد الضحايا جراء تلك الطلعات التي راح ضحيتها أكثر من 9000 مواطن قتل بضمنهم 3200 مدني اغلبهم عن طريق الغارات الجوية التي وصلت إلى 199 طلعة في السنة الأولى للحرب. ويقدر معدل الكلفة الإجمالية للحرب بين 50 الى 70 مليار دولار في العام 2015 إلا أن الصحافة السعودية تجاهلت تلك الحقائق على الرغم من أنها ساهمت وبشكل رئيس في العجز بموازنة المملكة في العام 2015 ومن الجدير بالذكر في هذا الخصوص ان تغطية كلفة الحرب هي واحدة من الخطوط الحمر الموضوعة على الإعلام السعودي التي يتحاشى الخوض فيها علاوة على ذلك فأن التطرق إلى هذه الأمور قد تضر بسمعة سلمان والسلطة.

من جهته رفض الإعلام السعودي تلك الانتقادات، وكجزء من إستراتيجية حملة العلاقات العامة الدولية والمفارقة هنا التبريرات التي ساقها الاعلام السعودي في تبرير الحرب في الاوساط الدولية تختلف عن تلك التي روج اليها في الاوساط العربية. فالصحف الصادرة باللغة الانكليزية مثل الأخبار العربية، هي موجهة بالأساس إلى الأجانب المقيمين داخل وخارج المملكة، فقد تحاشت الخوض في الحجج الأيديولوجية والدينية من اجل شرعنة أو إضفاء الشرعية على الحرب في اليمن بل عوضا عن ذلك ركزت على الأبعاد السياسية والأمنية، لكن على النقيض من ذلك فقد كانت وسائل الإعلام العربية حبلى بالطروحات الدينية والطائفية والأيديولوجية. فالأهداف المعلنة، حسبما سوقته وسائل الإعلام السعودية لتبرير الحرب كانت الدفاع عن مصالحها وغلفت ذلك باطار ديني وعبر التحشيد الطائفي وربط (الحوثيين) بالتحالف مع ايران.

وهنا وقعت السعودية في تناقض ففي الوقت الذي اكد فيه الاعلام السعودي امام المجتمع الدولي عن وجود داعش في البلاد ولاسيما بعد وقوع عدة هجمات إرهابية حصلت في المنطقة الشرقية منذ أواخر عام 2014 فصاعدا، إلا أنها بإزاء ذلك غضت الطرف عن تنظيم القاعدة (القاعدة في جزيرة العرب) الذي اخذ بالتوسع في اليمن وهذا حصل بفضل فراغ السلطة التي خلفته الحملة العسكرية السعودية الأمر الذي مكن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من السيطرة على مختلف المدن الجنوبية بضمنها مدينة المكلا إذ استفادت الجماعة من مشاعر العداء للحوثيين هناك.

والخلاصة هنا بعد أكثر من سنة منذ بدء الحملة العسكرية الإعلام الرسمي ظل خطابه العنصر الأهم في دعاية الحكومة السعودية التي وضعت نفسها وبوصفها لاعبا إقليميا أساسيا في المنطقة، ولاسيما في ظل الفراغ الذي خلفه تراجع القوى الإقليمية الأخرى العراق وسوريا ومصر على التوالي، وجعلت من حرب اليمن المحور الذي تستند عليه في بلورة موقعها الجديد في المنطقة لملء الفراغ ولممارسة دور إقليمي أكبر، كما انها الوسيلة التي تصدر أزماتها ومشاكلها الداخلية المتعلقة بالسلطة والاقتصاد والأمن.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق