q

التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها بعض القوى الاقليمية والدولية، من اجل التوصل الى اتفاق سياسي ينهي الحرب في اليمن، وكما يرى بعض المراقبين قد لاتسهم بتغير الواقع الحالي لهذه الحرب، بسبب تعارض واختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا المهمة، يضاف الى ذلك الصراع الخفي والتصريحات المضادة لبعض الدول، التي تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة من خلال دعم حلفائها في هذا البلد الذي دمرته الحرب بشكل كبير، وهو ما قد يعرقل اي تحرك او اتفاق بهذا الشأن خصوصا وان كل جهة، تسعى الى فرض ماتريد لاثبات وخلق وقائع جديد يمكنها من تحقيق مكاسب اضافية.

من جهة اخرى اكد بعض الخبراء ان المملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف العربي في اليمن دعما للرئيس عبدربه منصور هادي، تواجه اليوم مشكلات وازمات كبيرة بسبب هذه الحرب وهو ما اجبرها على اتباع خطط واساليب جديدة من اجل انهاء هذا الصراع، فالسعودية كما نقلت بعض المصادر، لا تبدو قادرة على مواصلة الحرب من خلال محاولات لها عدة بتهدئة الحرب على حدها على عكس ما كانت عليه سابقًا عندما ضغطت على الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي بعدم التحاور مع الحوثيين وصالح، وأن يكون الحسم العسكري هو الفيصل الوحيد لهذه الحرب، إلا أن خسائرها المتلاحقة في الحد الجنوبي سمحت لهادي بالتحاور مع الحوثيين في جنيف والكويت.

ومع استمرار الحوار بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام مع الحكومة اليمنية، لم تنته حينها المعارك على الحدود وهو ما جعلت السعودية تتحاور مباشرة مع الحوثيين بوساطة عمانية وقبلية أفضى ذلك إلى تهدئة استمر لما يقارب الثلاثة الأشهر، لتندلع الحرب مجددًا لكنها أكثر ضراوة من سابقتها. لكن وعلى الرغم مما ماتزال السعودية تسعى الى فرض بعض ارائها ومقترحاتها، من اجل الحفاظ على مكانتها كقوة اقليمية منافسة لايران المتهمة بدعم الحوثيين.

وفيما يخص بعض تطورات هذا المللف قال وزير الخارجية السعودي إنه لن يسمح للحوثيين المتحالفين مع إيران بالاستيلاء على اليمن واتهم طهران بالسعي لنشر الاضطراب في أنحاء المنطقة. وعبر رئيس المجلس الحاكم المدعوم من الحوثيين عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات لإنهاء الحرب مع الاحتفاظ بحق التصدي لهجمات الحكومة المدعومة من السعودية. وانهارت المحادثات المدعومة من الأمم المتحدة لإنهاء القتال الممتد منذ 18 شهرا واستأنف الحوثيون والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح قصف السعودية.

وفشلت المحادثات بعد أن أعلن الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح تشكيل مجلس حاكم من عشرة أفراد في السادس من أغسطس آب ليتجاهلا بذلك تحذيرات مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد من أن هذه الخطوة تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن كيفية حل الصراع.

وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن الكرة في ملعب الحوثيين فيما يتعلق باستئناف المحادثات من عدمه. وأضاف "الشيء المؤكد ولا يقبل الشك... المؤكد أنه لن يتم السماح لهم بالاستيلاء على اليمن. انتهى. وبالتالي سيتم الدفاع عن الحكومة الشرعية." وأضاف "الفرصة المتاحة لهم هي الانضمام للعملية السياسية والتوصل لاتفاق من أجل مصلحة كل اليمنيين بمن فيهم الحوثيون."

وتتهم السعودية وحلفاؤها الحوثيين بأنهم أدوات في أيدي إيران وشنوا عملية عسكرية لتمكين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من ممارسة مهام منصبه. لكن الحوثيين صمدوا إذ تحالفوا مع صالح الذي يتمتع بدعم معظم الجيش. ويسيطر الحوثيون وحزب المؤتمر على معظم الجزء الشمالي من اليمن بينما تقتسم القوات الموالية للحكومة اليمنية السيطرة على بقية أنحاء البلاد مع قبائل. وقالت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن عشرة آلاف فرد قتلوا خلال الحرب أي ما يقرب من مثلي التقديرات التي استشهد بها مسؤولون وعمال إغاثة في معظم عام 2016 وبلغت ستة آلاف شخص. وفي وقت سابق انتقد الجبير إيران. وقال "نرى أن إيران تدعم الحوثيين في اليمن وتحاول الاستيلاء على الحكومة وتمد الحوثيين بالأسلحة وتهرب المتفجرات للبحرين والكويت والسعودية." وأضاف "نأمل أن نعود لحسن الجوار مثلما كنا قبل ثورة 1979... تعديل إيران لسلوكها أمر في يدها."

الحدود السعودية

الى جانب ذلك استهدفت قوات الحوثيين في اليمن منطقة نجران بجنوب السعودية بالصواريخ مجددا مما ينهي فترة هدوء استمرت عدة أسابيع. وتعقد الضربات الجهود الرامية لاستئناف المحادثات الرامية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ 18 شهرا في اليمن. وأطلق الحوثيون صاروخا من شمال اليمن سقط على نجران التي تقع على بعد 30 كيلومترا من الحدود. وأصاب الصاروخ ساحة للسيارات المتهالكة وأدى إلى مقتل خمسة سعوديين ويمنيين اثنين أثناء قيادتهم بالقرب من المكان. وأصاب صاروخ آخر محولا للكهرباء تابعا للشركة السعودية للكهرباء في نجران مما أدى إلى تسرب وقود الديزل من خزان فتسبب في تكوين برك سوداء في الشوارع المحيطة.

وبدأت هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية من جديد في أوائل أغسطس آب وهو أيضا الوقت الذي استأنفت فيه قوات التحالف التي تقودها السعودية ضربات جوية في اليمن ضد الحوثيين وحلفائهم. وتقول السلطات السعودية إن أحدث موجة من القصف قتلت 29 مدنيا وأصابت نحو 300 بجروح في مدينة نجران التي تحيط بها جبال تفصل السعودية عن اليمن. وهذه الأعداد أصغر بكثير من عدد المدنيين الذين قتلوا في غارات جوية للتحالف دعما للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا . وتعرضت السعودية لانتقادات شديدة من جماعات حقوقية تقول إن الضربات الجوية قتلت بشكل متكرر مدنيين في اليمن.

وأعداد القتلى في نجران تشير إلى الصعوبات التي يواجهها السعوديون في تأمين حدودهم ضد قوات الحوثيين والقوات المتحالفة معهم والموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح رغم أن أغلب الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على الأراضي السعودية هي صواريخ كاتيوشا غير المتطورة. وهدأت حدة القصف لعدة أشهر مع عقد محادثات سلام في الكويت. لكن الهجمات الصاروخية استؤنفت بعد انهيار المفاوضات.

ورافقت وزارة الإعلام السعودية الصحفيين الأجانب في جولة في أجزاء من مدينة نجران لحقت بها أضرار مباشرة جراء القصف. وقال العقيد علي الشهراني المتحدث الرسمي بمنطقة نجران "(الحوثيون يستهدفون) أحياء مدنية..مدارس..مستوصفات." وكان يطلع الصحفيين على صور الأضرار الناجمة عن الصواريخ التي أطلقت على نجران منذ بداية الحرب وعددها 10 آلاف صاروخ. وأضاف أنه لا توجد مواقع عسكرية داخل نجران موضحا أنه لا توجد سوى مناطق مدنية وسكنية.

وندد سكان نجران الذين جرى التحدث معهم في مستشفى الملك خالد بالمدينة بالهجمات واستخدموا المصطلحات التي أقرتها الحكومة لوصف الحوثيين وحلفائهم. وقال مانع الغباري وهو مدرس (39 عاما) في نجران "الحوثي شخص غير جدير بالثقة. إنه يكذب ويستهدف المدنيين." وأضاف "لا يستطيعون إصابة جيشنا أو جنودنا على الحدود لذا فإنهم يقصفون بدلا من ذلك المدنيين في منازلهم ." ورافق مسؤول بالحكومة السعودية مجموعة الصحفيين طوال اليوم وقام بتصوير المقابلات.

ورغم تسارع وتيرة الهجمات تمضي الحياة بشكل طبيعي على الأرجح في معظم أنحاء نجران. ولم تظهر دلائل على انتشار الجيش داخل المدينة فلا توجد نقاط تفتيش ولا دبابات ولا مستودعات ذخيرة شديدة الحراسة. ولكن المتاجر الواقعة على الطريق الرئيسي بالمدينة كانت مفتوحة ومفعمة بالحركة. وعلى مقربة كان هناك رجل يبيع البطيخ على ظهر شاحنة صغيرة ومتجر باسم باريس هيلتون يعلن عن حقائب وإكسسوارات فخمة. وقال الشهراني إنه على الرغم من أن صواريخ الحوثيين تصيب كلا من منشآت الكهرباء والمياه فإن تقديم الخدمات للسكان هناك لم ينقطع أبدا. بحسب رويترز.

وفي الشطر الصناعي الشرقي من المدينة والذي غالبا ما تستهدفه الهجمات كانت الأضرار أكثر وضوحا. وكانت برك من الديزل الأسود تغطي الشوارع بعد تسربها من شركة الكهرباء التي تعرضت للقصف قبل يوم. وغطى السواد المعدات التي أصابها التلف جراء النيران التي التهمت المنشأة بعد الهجوم. وقال متحدث باسم شركة الكهرباء السعودية إن خدمات الشركة للمدينة ثابتة وفعالة. وعندما سئل عن التأثير المالي للأضرار التي لحقت بالمنشأة فقال إنه لم يحدث أي تأثير لا على الشركة ولا على الزبائن.

امريكا والقصف السعودي

الى جانب ذلك اتهم عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين الولايات المتحدة بتوفير الدعم اللوجيستي والغطاء السياسي للضربات الجوية التي تقودها السعودية في الصراع اليمني المستمر منذ 18 شهرا. وفي أول مقابلة منشورة له منذ بدء الصراع قال الحوثي لمجلة "مقاربات سياسية" التابعة للحوثيين والتي تصدر كل ثلاثة أشهر إن الحوثيين مستعدون لحل سلمي للصراع الذي ذهب ضحيته عشرة آلاف شخص على الأقل. وتابع "مستوى الدور الأمريكي الرئيسي في العدوان ... ومنها الإدارة والاستطلاع والدعم اللوجيستي والقصف الجوي والقصف البحري وتقديم مختلف أنواع السلاح ... ومنها توفير الدعم والغطاء السياسي بشكل كامل للعدوان ومنها الحماية من الضغط الحقوقي من جانب المنظمات والأمم المتحدة".

والولايات المتحدة حليفة رئيسية للسعودية التي تتعرض لانتقادات من منظمات حقوق الإنسان بسبب الضربات الجوية التي أسفرت في عديد المرات عن مقتل مدنيين في اليمن. وتعتبر السعودية وحلفاؤها أن الحوثيين يخوضون الحرب بالوكالة عن إيران وتدخلوا في الصراع دعما للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وينفي الحوثيون ذلك ويقولون إن الغرب يحرك هادي والسعودية للهيمنة على اليمن وإبعادهم عن السلطة. بحسب فرانس برس.

وقال الحوثي في المقابلة إن خصومه لا يفهمون معنى الحوار الحقيقي. وأضاف "العقدة المؤثرة على سير المفاوضات والحوارات أن الطرف الآخر أراد أن يحقق بها ما سعى لتحقيقه بالحرب ولم يفهم أن مسار الحوار والسلام غير مسار الحرب". وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه اتفق في محادثات مع الأمم المتحدة ودول خليجية في السعودية على خطة لاستئناف محادثات السلام بشأن اليمن بهدف تشكيل حكومة وحدة. ورحب الحوثيون والحكومة اليمنية بفكرة العودة إلى المحادثات.

مسعى السلام

على صعيد متصل تعهد رئيس المجلس السياسي الأعلى المدعوم من الحوثيين بالاستعداد لاستئناف المفاوضات الرامية لإنهاء حرب اليمن لكنه احتفظ بالحق في مقاومة الهجمات التي تقودها الحكومة المدعومة من السعودية. وقال صالح الصماد المسؤول بحركة الحوثيين "نحن كما كنا سابقا لم نقفل باب السلام ولا باب المفاوضات." وأضاف "اعتقد أن هناك نوايا دولية لإيجاد السلام ونحن سنبذل كل ما في وسعنا لالتقاط أي فرصة لوقف العدوان ورفع المعاناة عن الشعب اليمني."

وتعثرت المحادثات بعد أن أعلن الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح تشكيل مجلس حاكم مؤلف من عشرة أعضاء. لكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال بعد محادثات في السعودية إن الولايات المتحدة ودول الخليج العربية والأمم المتحدة اتفقت على اقتراح بإعادة استئناف محادثات السلام بهدف تشكيل حكومة وحدة. وفي بيان رحب الحوثيون بالفكرة لكنهم قالوا إنهم لم يتلقوا أي اقتراحات مكتوبة بعد.

وأكد الصماد على هذه الموقف قائلا "إننا سنتعاطى بإيجابية مع أي مبادرة من شأنها أن تفضي إلى وقف العدوان ورفع الحصار." لكن الصماد قال إن الرياض تراجعت عن تفاهمات جرى التوصل إليها في وقت سابق هذا العام للالتزام بهدنة على الحدود مقابل وقف الغارات الجوية السعودية ومنع القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من مهاجمة اليمن من الداخل. وقال الصماد "تفاجأنا أنه لم يحصل شيء من هذا." وأضاف "من الطبيعي عندما تستمر الغارات لمئة غارة في اليوم الواحد مثلا.. نحن لا نمتلك طائرة ولا الأسلحة الفتاكة التي لديهم ولهذا من حق اليمنيين أن يذهبوا ليدافعوا عن أنفسهم." وتابع قائلا "ليس طمعا في الأراضي السعودية وإنما فقط لكي يشعر السعوديون بما يشعر به اليمنيون من مرارة وآلام القصف والعدوان" موضحا سبب هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية.

ورحبت حكومة هادي بأفكار كيري لكنها قالت إن أي خطة يجب أن تلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من المدن التي استولوا عليها منذ 2014. ويسيطر الحوثيون وحزب المؤتمر الشعبي العام على معظم النصف الشمالي لليمن بينما تتقاسم القوات العاملة مع الحكومة السيطرة على بقية البلاد مع القبائل المحلية. وقال الصماد إن الأمم المتحدة و18 دولة دعمت محادثات السلام الرامية إلى إنهاء الحرب لكنها أخفقت في إقناع السعودية بالسماح للحوثيين ببيع النفط المخزن في ميناء راس عيسى اليمني المطل على البحر الأحمر من أجل شراء الإمدادات الطبية وإمدادات الوقود.

وتسيطر القوات البحرية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية على دخول ومغادرة السفن من وإلى اليمن وتقول إن ذلك يهدف إلى منع وصول الأسلحة إلى أيدي الحوثيين. ورفض الصماد اتهامات هادي بأن الحوثيين يستخدمون البنك المركزي لأغراضهم الخاصة وقال إن "البنك المركزي بذل جهودا جبارة في إيجاد حلول للحفاظ على الحد الأدنى للاستقرار الاقتصادي." وأضاف "هذه مؤسسة سيادية مدعومة دوليا ليست محل أخذ ورد من قبل هادي ومن معه." وأشاد الصماد بجهود البنك المركزي في الحفاظ على قدر من الاستقرار الاقتصادي. بحسب رويترز.

وعلى الرغم من الإمكانات الهزيلة واصل البنك المركزي تقديم خطوط ائتمان ضامنة للواردات واستمر في دفع رواتب موظفي الدولة بمن فيهم القوات في الوحدات التي تقاتل على الجانبين. ومقر البنك في العاصمة صنعاء. ومع سيطرة الحوثيين على معظم المراكز السكانية وأجهزة الدولة وتمتعهم بدعم معظم الجيش فإن أنشطة البنك تعود عليهم بالنفع بشكل غير متناسب. وطالبت حكومة هادي المؤسسات المالية الدولية بمنع مسؤولي البنك المركزي من الحصول على أموال الدولة في البنوك بالخارج.

كارثة إنسانية

الى جانب ذلك وفي الصراع الدائر باليمن.. ارتأت الحكومة التي توجد خارج البلاد والمدعومة من السعودية أن البنك المركزي هدف أسهل من العاصمة التي تحصنها جبال وعرة تمتد على مسافة 60 كيلومترا وتعج بالمقاتلين. ويهدف مرسوم صدر بعزل البنك المركزي عن العالم الخارجي إلى ممارسة ضغوط اقتصادية لدحر الحوثيين الشيعة الذين يحكمون العاصمة ومعظم شمال اليمن منذ نحو عامين. ويعني هذا أن الحوثيين ربما يجدون صعوبة في دفع رواتب موظفي الدولة بمن فيهم المدرسون والأطباء وجنود جيش يقاتل معظمه بجانبهم في الحرب الأهلية.

لكنه يعني أيضا أن ملايين اليمنيين في المناطق التي يسيطر عليها أي من الطرفين سيزدادون فقرا وربما تعجز الدولة التي تستورد 90 بالمئة من طعامها عن توفير الاحتياجات الغذائية. ويقول دبلوماسيون وخبراء اقتصاد وموظفون في البنك المركزي نفسه إن قرار الحكومة يخاطر بقطع شريان الحياة عن ملايين الفقراء ويدفع أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية إلى شفا المجاعة.

وقال الوزير السابق رأفت الأكحلي "في الجبهة الاقتصادية أعتقد أن هناك توجها لمسناه من خلال الأشهر الماضية تقريبا منذ أبريل أو مايو. إن ما لم يتم تحقيقه عسكريا يمكن تحقيقه في الاقتصاد.. في الحرب الاقتصادية." وأضاف أن الإجراءات التي تستهدف البنك المركزي تأتي في إطار استراتيجية جديدة مفادها "دعنا نترك الاقتصاد يفشل وهذا سيضع مزيدا من الضغط على الحوثيين وصالح" مشيرا إلى الرئيس السابق علي عبد الله صالح المتحالف مع الحوثيين. والبنك المركزي الذي يديره المحافظ المخضرم محمد عوض بن همام هو أحد آخر مؤسسات الدولة التي صمدت في وجه صراع مزق البلاد بعدما استولى الحوثيون على العاصمة وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على ترك البلاد.

ورغم ضعف الإمكانيات واصل البنك توفير خطوط ائتمان تضمن الواردات واستمر في دفع رواتب العاملين بالدولة بمن فيهم قوات وحدات قاتلت في صفوف جانبي الصراع. وقال بن همام في مقابلة بمقر البنك في صنعاء "البنك المركزي بنك محايد وبنك مستقل وشفاف وهمه الأساسي هو خدمة الناس.." وتابع قوله "أن تقول إن البنك لا يخدم هذه المجموعة أو تلك المجموعة أو لا يخدم كل المواطنين هذا يخلق انقسامات. نحن نخدم البلد ككل."

لكن في ظل سيطرة الحوثيين على أغلب المراكز السكانية وأجهزة الدولة وتمتعهم بتأييد أغلب وحدات الجيش فإنهم يستفيدون من أنشطة البنك المركزي بقدر أكبر من الطرف الآخر. وعجزت قوات هادي التي تشكلت على عجل وتتلقى الجانب الأكبر من رواتبها من السعودية وحلفائها الخليجيين عن دحر القوات المتحالفة مع الحوثيين وتكاد خطوط الجبهة لم تتزحزح منذ أكثر من عام.

وقالت مصادر في حكومة هادي إنه يتطلع لاختيار مجلس إدارة جديد للبنك المركزي ومحافظ جديد يحل محل بن همام ونقل مقره إلى مدينة عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة في جنوب البلاد. وقال فارع المسلمي المحلل في معهد الشرق الأوسط بالعاصمة الأمريكية واشنطن إن الإجراءات التي تستهدف البنك المركزي ستقطع "الشريان الوحيد" الذي يبقي على تماسك اليمن. وأضاف "من الحماقة أن يعتقد البعض أن بالإمكان استنساخ البنك المركزي بهذه السرعة" في عدن.

لكن همام انتقد الفكرة قائلا إنها ستقود إلى تقسيم البلاد. واضاف "لا تعرضوا القطاع الاقتصادي للخطر لأنه إذا تعرض الاقتصاد للخطر فسيكون كل المواطنين في خطر وسنجد أنفسنا في مشكلة أكبر." ويرى المسلمي أن الوضع الأمني في عدن يجعلها غير مناسبة للبنك. وشهدت المدينة الساحلية تفجيرات انتحارية عديدة استهدفت مسؤولين كبارا من بينهم محافظ عدن وقائد شرطتها. ولم يرد متحدث باسم حكومة هادي على سؤال يتعلق بالموضوع. وقالت الحكومة في السابق إن قراراتها بشأن البنك المركزي نابعة من حرصها على حماية أموال وممتلكات الشعب اليمني.

وطلبت حكومة هادي من المؤسسات النقدية الدولية والبنوك منع البنك المركزي من استخدام حسابات وأرصدة الدولة في الخارج. واتهمت البنك بتوجيه نحو أربعة مليارات دولار من الاحتياطي النقدي الأجنبي في تمويل الجهد الحربي للحوثيين. وينفي البنك هذا. ويقول دبلوماسيون إن الاحتياطي النقدي الأجنبي محفوظ في الخارج ولا يمكن أن يكون جاهزا للنهب أو توجيهه لمقاتلين في اليمن. ومع ذلك تراجع احتياطي البنك بسبب الحرب التي أوقفت العائدات القادمة من بيع النفط ومصادر أخرى.

ووفقا لوثيقة داخلية انخفض احتياطي النقد الأجنبي اليمني إلى 1.318 مليار دولار في نهاية يونيو حزيران 2016 من 2.085 مليار دولار في نهاية ديسمبر كانون الأول 2015. وقال مسؤول بالبنك المركزي في صنعاء في يونيو حزيران إن البنك ظل مستقلا في جهوده لتخفيف التداعيات الاقتصادية للصراع واتهم حكومة هادي بالسعي لزعزعة الاستقرار وإثارة التمرد في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم نشر اسمه "لو لم يكن هناك بنك مركزي في اليمن يعمل بهذه الطريقة لكانت آثار الحرب أسكثر سوءا وهذا ما يريدونه" في إشارة إلى حكومة هادي. وأضاف "إنهم يريدون أن يغضب الناس داخل اليمن. يريدون أن يخرج الناس إلى الشوارع ويحاولون دفعهم لتغيير الحوثيين."

وبدأت حكومة هادي بالفعل في مقاطعة البنك المركزي. وأعلنت الحكومة أنها لن تتعاون بعد الآن مع البنك وستحتفظ بإيرادات الجمارك والعائدات من صادرات النفط التي استؤنفت هذا الشهر. وقال دبلوماسي غربي كبير شريطة عدم نشر اسمه نظرا لحساسية انتقاد حكومة تعمل من الخارج ولا تزال دول أجنبية تعترف بها "رأينا محاولات حمقاء لنزع الشرعية عن محافظ البنك المركزي." وأضاف "لماذا تفعل حكومة وطنية بحق شيئا كهذا؟" وقال الدبلوماسي إن على الحكومة أن تضع مصلحة مواطني اليمن قبل أهدافها الحربية: "هذا أجدر نظرا لمدى فقر اليمن والوضع الإنساني." بحسب رويترز.

وفي ظل ما يعانيه من فقر وجفاف يستورد اليمن أكثر من 90 بالمئة من طعامه بما في ذلك معظم استهلاكه من القمح وكامل احتياجاته من الأرز. ويحتاج نحو 21 مليون من أصل 28 مليون نسمة باليمن إلى شكل ما من المساعدات الإنسانية ويعاني أكثر من نصف السكان من سوء التغذية. وبسبب نقص السيولة المالية اضطر البنك المركزي لعدم تقديم ضمانات لاستيراد مواد غذائية حيوية مثل الأرز والسكر. وقال المحلل فارع المسلمي إن الإجراءات ضد البنك المركزي تشكل خطرا أكبر من قرار الحرب نفسه. قال "يعتقد الرئيس أن بإمكانه خنقهم (الحوثيين) ولكنه في الحقيقة يخنق اليمن."

اضف تعليق