q

1- تعريف التأطير (Framing):

التأطير، هو المبادرة من صاحب القرار لإحاطة اي موضوع بحدود ومفاهيم يلزم منها الوصل الى غايات معينة من ذلك الموضوع مهما كانت العناوين التي يشملها ذلك الموضوع.

والتأطير، يصدر دوما من قبل اصحاب القرار وأهل العقد والحل والقادة والحكام والمتسلطون في المواضيع التي تتعارض مع تسلطهم وليس لهم سبيل على تغيرها.

فالتأطير؛ هو وضع اطر للمواضيع المسلمة والمعروفة او العقائد السماوية حيث يصعب التلاعب بها، تلك الاطر ضمان عدم توجه تلك المسلمات او العقائد الى غاياتها الحق ولتتوجه الى غاياتهم المنشودة تحت عنوان تلك العقائد.

فيكون التأطير اذن؛ اسلوب يبطن تعطيل العقائد لتخدم شخص او مجموعة، دون ان يشعر الناس في غالبهم ان المؤطِر قد اساء لتلك العقائد.

هو وضع العقائد ضمن اطار مبتدع يكون وسيلة تخدم مصلحة خاصة.

اول من لجأ للتأطير الايديولوجي هم الساسة الطغاة لجعل العقائد لا تتعارض مع نزواتهم وشهواتهم في الحكم ومسك مقاليد السلطة.

لان السياسة في معناها الوضعي ومنذ اقدم العصور كانت تعمد الى كل شيء ليكون في خدمة الحاكم والمتسلط حتى الشرع المقدس يأطره السياسيون لخدمتهم لذا تنبه ونبه الاسلام الى خطر التأطير الايديولوجي من اجل حفظ أسس الحصانة والكمال في عقائده وخوفا عليها من التأطير بغير الحق.

2- النبي يحرم التأطير في الاسلام باعتباره عقيدة كاملة:

من كمال العقيدة الاسلامية وجوهرها انها تحصن نفسها من الانحراف، فلم يفت من لا ينطق عن الهوى النبي الاكرم صلى الله عليه واله ان ينبه الامة الى تأطير القلوب على الحق فقط. عن النبي صلى الله عليه واله فقال موصيا ومحذرا الامة:

(إن أول ما دخل النقص على بنى إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدى الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرًا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم).

اخرجه؛ (أبو داود، والبيهقى عن ابن مسعود) وللحديث أطراف أخرى منها: "إن بنى إسرائيل لما وقع فيهم النقص"، "لما وقعت بنو إسرائيل فى المعاصى". ومن غريب الحديث: "ولتأطرنه على الحق أطرأ": أى لتردنه إلى الحق. "ولتقصرنه على الحق قصرًا": أى لتحبسنه عليه وتلزمنه إياه([1]).

ولذا فان التاطير الايديولوجي بدعة اتى بها الانقلابيون وكانت سبب الانحراف عن الاسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه واله مباشرة مع ان الرسول صلى الله عليه واله حذر من التأطير ومنعه منعا باتا كما سيأتي توثيقه.

3- ما حصل في السقيفة فتح الباب للتأطير في الاسلام:

فأبان السقيفة حين اجتمع عدد من الصحابة ليقرروا مصير امانة الاسلام ورسالته ومقاليد الأمة والتحكم بها، اضطروا الى تأطير فعلهم باختيار الامام خارج اطار الله تعالى في الاصطفاء والاختيار الحق الذي اقرته العقيدة الاسلامية من واقع كمالها، فليس هناك ثغرة نقص في الاسلام.

فالتأطير اذن اسلوب المنقلبين على كمال الاسلام في كل زمان ومكان، وليس غير السياسة مسوغ للتأطير في التاريخ.. وكان لله تعالى فيما لاقاه الامام علي عليه السلام من عنت في لزوم العدل ملاكا للسياسة حجة على الخلق. ولذا اسقط علي عليه السلام خصومه السياسيين تاريخيا في مهاوي الرذيلة في حين بقي شامخا في عز كمال الاسلام الى جانب العدل.

فالأئمة والرسل كما هو مسلم ومعروف هم اصطفاء الله واختباره قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[[2]].

وقال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }([3])اذ ليس في دين الله تعالى غير الحق اطارا وسبيلا ووسيلة وغايةً.

4- بداية الانحراف:

ان مجرد الاجتماع في سقيفة بني ساعده لتقرير امين رسالة السماء خارجا عن منهج الاصطفاء والاختيار الرباني للأمناء بعد رسولها يعد انقلابا على الاسلام لأنه ضرب عرض الجدار منهج الاختيار والاصطفاء الرباني للإمام، حيث يقول تعالى (لا ينال عهدي الظالمين)، فقد فتحت السقيفة الباب لمن هب ودب ان يكون امينا لرسالة السماء وعليها.

ومن عقاب الله تعالى للأمة التي سكتت على هذا الانقلاب ان جاء كل المتخلفين من ابناء فتيات قريش (اي غير طاهري المولد)، ومن عقاب الله للأمة ان تحولت الامامة الى ملك وراثي عضوض لأبناء الطلقاء ولد اكلة الاكباد وأبناء الزرقاء. والنابغة ثم اخوان عليا...

فالسقيفة وما بعدها جاءت لطمس وصايا رسول الله صلى الله عليه واله وخالفت كل تحذيراته، فلم يعمل بأي منها بعد وفاته، فكانت السقيفة انقلابا تحتم بسببه فتح الباب واسعا لاستخدم التأطير الايديولوجي لخداع الناس بالإسلام وتحت عناوين الاجتهاد والبدعة الحسنة !!! للعمل بعكس الاسلام الحق، ولحسن الحظ ان هناك مسلمين مؤمنين رفضوا هذا الانقلاب سماهم الانقلابيون (الرافضة) حفظوا الدين وصانوا العقيدة كما هي هم ال محمد صلوات الله عليهم وأتباعهم الحق.

فقد اخرج انقلاب السقيفة الاسلام عن اطاره الحق المعتمد على خيار الحق في الاصطفاء والاجتباء لأمناء الله تعالى برسالته الى خلقه، وبدأ يتجه الباطل من خارج الاسلام الى باطنه ولبه وجوهره، فجاء حكم المملكة الاموية الوراثية، وكان الخوارج والزنادقة والتكفيريون سابقا وصار شاخصا اليوم في هذا الاسلام الداعشي الوهابي التكفيري الغريب الآن الذي لاعلاقة له بالإسلام الحق مطلقا والذي صار لأعداء الاسلام خادما لإشاعة (الاسلام فوبيا) في اصقاع الارض كلها.

5- من هم الامناء المطاعون في الاسلام:

اقرّ الاسلام بالطاعة التشريعية لثلاثة وجعل أمانة التشريع لهم ليطاع الله تعالى الله في الارض فقط: هم الله، ورسوله، وأولي الامر.. قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[[4]]

والثلاثة معروفون ومعرّفون ومشخصون:

الاول؛ الله تعالى؛ الواحد لا غيره وحده لا شريك له وما جاء به كتابه.

والثاني؛ هو الرسول صلى الله عليه واله، وما جاء في سنته وسيرته.

والثالث؛ هم المطهرون بإرادة الله تعالى ولإرادته؛ وهم اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة فلا مطهر غيرهم من المسلمين بإرادة الله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }[[5]]، ولا احد غيرهم افترض الله مودتهم: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[[6]]، وهم ال محمد صلوات الله عليهم المعصومون.

والمؤكد لهذا التعريف بال محمد صلوات الله عليهم هو الكتاب في آيات التطهير والولاية ([7]) والمباهلة ([8]) وغيرها كثير جدا، والسنة على الاقل متمثلة في حديث الثقلين وحديث السفينة.

حديث الثقلين يقول فيه الرسول صلى الله عليه واله:

(إنّي تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما)([9]).

وحديث السفينة يقول فيه رسول الله صلى الله عليه واله: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)([10]).

6- السياسة سوغت التأطير المحرم؟

على نهج السقيفة وبعد دخول من هب ودب ليكون امينا على الاسلام بلا علم ولا ورع ولا طهارة حاملا حب الدنيا التي هي راس كل معصية ولكي يظهر عدم تعارضا مع الاسلام جاء التأطير من بابه الواسع بعد ان حذر منه وحرمه رسول الله صلى الله عليه واله، جاء التأطير وكأن العقيدة الاسلامية انزلت ناقصة، وكأن الدين الخاتم يحتاج الى تأطير ايديولوجي. فمن مدعيات السقيفة؛ ان النبي صلى الله عليه واله ترك الامة لمصيرها ولم يوص!!

فبدأ الخلفاء الانقلابيون ومن جاء بعدهم بالتأطير الايديولوجي للإسلام لإكمال نقصه! وخدمة للسياسة لتعزيز خلافتهم بالله باعتبار ان السلطة قميص البسه الله لهم وهذا الاطار يمنحهم السلطة المطلقة كما هي لله تعالى.

7- التقمص اطار الانقلابيين: باعتبار السلطة قميص يُلبسه الله لمن يشاء:

اولا- اول من اطر للتقمص هما ابو بكر: وعمر بان الخلافة قيمص البسه الله لهما:

((قال رسول الله صلى الله عليه واله: (أنفذوا جيش اسامة، ولا يتخلفن أحد الا من كان عاصيا لله ورسوله، فلما صار اسامة بعسكره على أميال من المدينة بلغهم مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، فلما دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغير لونه، وقال: اني لا آذن لأحد أن يتخلف عن جيش اسامة، وهم أبو بكر بالرجوع الى اسامة واللحوق به فمنعه عمر. فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعلوا ما فعلوا، قال عمر لأبي بكر: اكتب الى اسامة يقدم اليك، فان قدومه اليك يقطع الشنعة عنا، فكتب إليه أبو بكر:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله الى اسامة بن زيد، أما بعد إذا أتاك كتابي هذا فاقبل الي أنت ومن معك، فان المسلمين قد أجمعوا علي، وولوني أمرهم، فلا تتخلف فتعصي ويأتيك ما تكره، والسلام.

فأجابه اسامة وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله اسامة بن زيد عامل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على غزاة الشام الى أبي بكر بن أبي قحافة، أما بعد فقد أتاني كتابك ينقض أوله آخره، ذكرت في أوله أنك خليفة رسول الله، وفي آخره أن الناس قد أجمعوا عليك وولوك أمرهم ورضوا بك. واعلم أني ومن معي من المهاجرين والأنصار، ما رضيناك ولا وليناك أمرنا، فاتق الله ربك، وإذا قرأت كتابي هذا أقدم الى امامك الذي بعثك معه النبي (صلى الله عليه وآله) و لا تعصه، وانظر أن تدفع الحق الى أهله، فانهم أحق منك، وقد علمت ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي (عليه السلام) يوم الغدير، وما طال العهد فتنساه. وانظر أن تلحق بمركزك ولا تتخلف، فتعصي الله ورسوله، استخلفني عليكم ولم يعزلني، وقد علمت كراهية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجوعكم عني الى المدينة، وقال: لا يتخلف أحد عن جيش اسامة الا كان عاصيا لله ورسوله. فيالك الوليل يابن أبي قحافة تعدل نفسك بعلي بن أبي طالب، وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه وابن عمه وأبو ولديه، فاتق الله أنت وصاحبك، فانه لكما بالمرصاد، وأنتما منه في غرور، والذي بعث محمدا بالحق ما تركت امة وصي رسولها ولا عصوا عهده الا استوجبوا من الله اللعنة والسخط. فلما وصل الكتاب الى أبي بكر هم أن يخلعها من عنقه، فقال له عمر: لا تخلع قميصا قمصك الله فتندم، فقال: يا عمر أكفر بعد اسلامي، فألح عليه عمر، وقال: اكتب وأمر فلانا وفلانا جماعة من أصحاب رسول الله فكتبوا إليه أن أقدم ولا تفرق جماعة المسلمين. فلما وصلتهم كتبهم قدم المدينة ووصل الى علي (عليه السلام)، فعزاه برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبكى بكاء شديدا، وضم الحسن والحسين (عليهما السلام) الى صدره، وقال: يا علي ما هذا ؟ قال سلام الله عليه: كما ترى، قال: فما تأمرني ؟ فأخبره بما عهد إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تركهم حتى يجد أعوانا. ثم أتى أبو بكر اسامة وسأله البيعة، فقال له اسامة: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني عليك، فأنت من أمرك علي ؟ والله لا اطيعك أبدا، ولا حللت لك عهدي، فلا صلاة لك الا بصلاتي))([11]).

ثانيا- أطر عثمان ان الخلافة قميص البسه الله له:

جاء في أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري:

((وفي رواية أخرى: ثم وجدوا كتابا إلى عامله (اي عامل عثمان) على مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريين، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى علي فأتاه به فحلف له أنه لم يكتبه ولم يعلم به. فقال له علي: فمن تتهم فيه ؟ فقال: أتهم كاتبي وأتهمك يا علي ! لانك مطاع عند القوم ولم تردهم عني. وجاء المصريون إلى دار عثمان فأحدقوا بها، وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم: يا عثمان ! أهذا كتابك ؟ فجحد وحلف. فقالوا: هذا شر، يكتب عنك بمالا تعلمه، ما مثلك يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة. فقال: ما كنت لانزع قميصا قمصنيه الله.

وقالت بنو أمية: يا علي ! أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت. فقال: يا سفهاء ! إنكم لتعلمون أنه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم أصلحت أمره مرة بعد أخرى، فما حيلتي ؟ وانصرف وهو يقول اللهم إني برئ مما يقولون ومن دمه إن حدث به حدث))([12]).

وقال المصريون لعثمان بعد ان اكتشفوا انه مغلوب على امره:

((وما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يحدث مثل ما جربنا منك، ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فأردد خلافتنا واعتزل أمرنا، فان ذلك أسلم لنا منك، وأسلم لك منا. فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون ؟ قالوا: نعم. قال: بعد الحمد والثناء أما بعد: فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء، أما قولكم: تخلع نفسك، فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عزوجل وأكرمني به وخصني به على غيري ولكني أتوب وأنزع...الى اخر كلامه))([13]).

ثالثا- التقمص عنوان اصطلحه الامام علي عليه السلام للانقلابيين:

قال عليه السلام:

(لقد تَقَمَّصَها([14]) أخو تَيْم وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلُّ القطب من الرحى)([15]):

قال معاوية في النخيلة وبعد صلح الحسن مباشرة:

(إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك. وانما قاتلتكم لاتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون إلاّ وان كل شرط أعطيته للحسن بن علي، تحت قدمي هاتين، لا أفي له بشي ء منه([16]).

رابعا - ابناء الخنا يسيرون باطار الانقلابيين في التقمص:

والغريب ان المؤطرين في الاسلام كلهم شرك شيطان وانهم ابناء ذوات الرايات الحمر من فتيات قريش، فهذا ابن مرجانه يرى ان الله تعالى يحارب لجانبه ضد العترة الطاهرة المطهرة فيقول لزينب بنت امير المؤمنين عليها السلام وهي سبية بين يديه في قصر الامارة بالكوفة: ((الحمد الله الذي فضحكم و قتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه واله وطهرنا تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا. فقال كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟

قالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع الله بينك و بينهم فتحاج و تخاصم فانظر لمن الفلج...)([17]).

من خصائص الكمال في العقيدة انها لا تحتاج الى تأطير، فالعقيدة الكاملة (ببساطة)؛ هي المعرفة العملية التي تستجيب لكل حاجات الانسان، والعلم النظري الذي يجيب على كل تساؤلاته.

والسياسة كعلم قيادة الناس ورعاية الخلق بالحق والعدل اساس العقيدة الكاملة (الاسلام)، والذي يظن ان العقيدة الاسلامية ناقصة ويرى انه من يكملها بالتأطير الايديولوجي لمضامينها فهو منقلب على الاسلام منحرف عنه. لماذا؟

1- لا يوجد ورع وصاحب دين يتقي الله وله علم يرى ان الاسلام فيه نقص ولذا فان كل المؤطرين على الاطلاق ليس لهم هذه الصفات الانسانية والإسلامية الراقية.

فاعتبار الاسلام ناقص وهم يكملوه بتأطيرهم انما هو نفاق في اعلى درجاته ليس إلا، ويظهر ذلك جليا في إضافة الاطر على احاديث النبي وهم يعلمون انها بدعة وضلالة:

فالاسلام خاتمة العقائد السماوية، وهي باتفاق المسلمين عقيدة كاملة لا نقص فيها ومن جاء بشيء غيرها فقد احدث، ومن اضاف او منع شيء منها فقد ابدع، والمحدث والمبدع منحرفان وزائغان عن الاسلام باتفاق جميع فقهاء المسلمين، وهذه كتب الصحاح من الحديث النبوي وهذه تفاسير المسلمين تؤكد هذا، وعلى اساس من ذلك نقول: ان التأطير سبيل المنحرفين للانقلاب على كمال الاسلام وللقبض على السلطة باسم الاسلام:

فعلى سبيل المثال: جاء عن رسول الله صلى الله عليه واله:

(لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين([18]) الراشدين من بعدي... عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد)([19]).

والملاحظ المتمعن في الحديث يرى ان له اطارا موضوعا واضحا جدا جاء في ذيله، بتناقضه تماما مع نص الحديث وروحه فحين يعتبر الحديث من يزيغ عن المحجة البيضاء هالكا، يأتي الاطار الموضوع ليطلب من المؤمن ان يكون في منتهى الذل ينقاد كالجمل الانف حيثما انقيد انقاد. وهذا التناقض الواضح يفسره قول النبي صلى الله عليه واله:

: (ما ابتدعت بدعة إلا رفعت مثلها من السنة)([20])، فالإطار بمعاكسته لفحوى الاصل ابرز التناقض لأنه رفع السنة بالبدعة.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله (إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)([21]).

2- يمنح التأطير الايديولوجي للمؤطِر صلاحيات واسعة لدرجة امكان محو الدين والاستهزاء بمؤسسه وباني شريعته صلى الله عليه واله. وهذا ما حصل فعلا من خلال المملكة الاموية الوراثية باسم الاسلام وباسم خلافة رسول الله صلى الله عليه واله وصل الخمارون واللوطية والسفلة الى امانة الاسلام ورسالته فكانوا يتسمون بإمارة المؤمنين وخلفاء رسول الله صلى الله عليه واله، فأباحوا قتل وإبادة السلالة الطاهرة المطهرة صلوات الله عليها وهم خيار الله تعالى وإرادته، فأبعدوها نهائيا عن مهامها في امامة الامة لكي لا يكون في الاسلام الا البدع والضلالات وقد وصلنا الفكر الظلامي الضال اليوم من امثال القاعدة وداعش والتكفير وغيرها بما اسس له الامويون والعباسيون والعثمانيون بما اطروا للسياسة من ايديولوجيا الاسلام وزعموا انها من الاسلام.

3- كنتيجة؛ التأطير دوما كان وسيلة الطغاة للانحراف عن الاسلام الحق.

...........................................
[1]) جامع الأحاديث (8/ 441)، و أخرجه أبو داود (4/121، رقم 4336)، والبيهقى (10/93، رقم 19983). أبي يعلى في مسنده ج8/ص449 ح5035، وأخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (7/269) قال الهيثمى: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: الشجرى فى أماليه (2/230). ويقول جامع الأصول من أحاديث الرسول (أحاديث فقط) (1/ 109): ورواية الترمذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لما وقَعَتْ بنو إسرائيل في المعاصي، نَهتْهُم علماؤهم، فلم ينتَهُوا، فجالَسُوهُمْ في مَجَالِسِهِم، وآكَلُوهم وشَاربوهم، فضربَ اللهُ قُلُوبَ بعضهِم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عَصَوْا وكانوا يعتدون» فجَلسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مُتَّكئًا، فقال: « لا، والذي نفسي بيده، حتى تأطِروهم على الحق أطرًا ». وفي المعجم الكبير (10/ 146) قال: تأطرونه تقهرونه
[2]) آل عمران: 33، 34
[3]) القصص: 68
[4]) النساء: 59
[5]) الأحزاب: 33
[6]) الشورى: 23
[7]) {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56]
[8]) {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران: 61]
[9]) مصادر حديث الثقلين: رواه ابن سعد في الطبقات الكبير (3/194) وأحمد بن حنبل في مسنده (3/14 و17 و26 و59) و(4/366 367) و(5/182و189-190)وفي الفضائل بالأرقام (170و 968و990و1032و1382و1383و1403) ولاحظ المعجم الكبير للطبراني (3/62و63و201). ومسلم في صحيحه (4/1873رقم2408) والنسائي في خصائص عليّ عليه السلام (ص96) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/109و148 و533) والبيهقي في السنن الكبرى(2/148)و7/30) و10/114) والترمذي في صحيحه (5/663)ح3788 وسنن الدارمي (2/310) والطحاوي في مشكل الآثار (2/307) وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/355) وتاريخ بغداد (8/448) نقله الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ب1ص11عن أبي داود وابن ماجة.
وقد جمع مصادر الحديث ونصّه في رواياته المتعدّدة الشيخ قوام الدين الو شنوي في رسالة (حديث الثقلين) وطبعت في مصر، في مجلة رسالة الإسلام سنة 1374, وطبعت بعد ذلك مستقلا مكرّراً. وانظر مجمع الزوائد للهيثمي (9/163). وخصّص الشيخ محمّد حسين المظفّركتاب (الثقلان: الكتاب و العترة) للبحث عن ذلك. ولاحظ الصواعق المحرقة لابن حجر المكي (ص89) والأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم (ص164-189).
[10]) المستدرك | الحاكم 2: 343 وصححه على شرط مسلم و 3: 151. والخصائص الكبرى | السيوطي 2: 266. والجامع الصغير | السيوطي 2: 533 | 8162. وروح المعاني | الآلوسي 25: 32. وتفسير ابن كثير 4: 123. وتاريخ بغداد 12: 91. وحلية الاَولياء 4: 306. والصواعق المحرقة: 184 و234. ومجمع الزوائد 9: 168. وذخائر العقبى: 120. وكفاية الطالب: 378. ونور الاَبصار: 104 وغيرها.
[11]) كتاب الأربعين- الشيخ الماحوزي (1/ 266- 268)، راجع حول تخلف أبي بكر وعمر عن جيش اسامة الى بحار الأنوار 8: 256 - 259 الطبع الحجري. وكتاب تثبيت الإمامة (تحقيق الجلالي) - الهادي يحيى ابن الحسين (ص: 21).
[12]) أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري (1/ 148)
[13]) أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري (1/ 148)
[14]) قَمَّصتُه قَمِيْصاً - بالتشديد -: ألْبَسْتُه، فتَقَمَّصَه (المصباح المنير: 29/497). وأراد بالقميص: الخلافة، وهو من أحسن الاستعارات).
[15]) نهج البلاغة: الخطبة 3، معاني الأخبار: 361/1، علل الشرائع: 150/12، الإرشاد: 1/287، الأمالي للطوسي: 372/803 كلّها عن ابن عبّاس،
[16]) مقاتل الطالبيين؛ ابو الفرج الاصفهاني: (7/ 16)، و سير أعلام النبلاء: 3/146/25، والبداية والنهاية: 8/131؛ وكشف الغمّة: 2/167. شرح النهج(المجلد 4 ـ ص 16)
[17]) كتاب مثير الأحزان لمؤلفه ابن نما الحلي: ص: 91،وكتاب بن طاووس؛ رضي الدين ابي القاسم علي بن موسى بن جعفر، (الملهوف على قتلى الطفوف)، سلسلة الكتب المؤلفة في أهل البيت عليهم السلام (42)، إعداد مركز الأبحاث العقائدية: ص 142 و 143.
[18]) المهديين هم المطهرون بنص الكتاب وبارادة الله تعالى ولارادته.. قال تعالى ({ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33]
[19]) ورواه أحمد (4 / 126) وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة (33 و56 و58 و1044) والآجري في الشريعة والمصنف في المعجم الكبير (ج 18 رقم 619) والحاكم (1 / 96) وفي المدخل (4 / 126) وانظر (437 و697 و786 و1180) مسند أحمد (35/ 7)، المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 321)، مسند الشاميين للطبراني (6/ 147، و مسند الصحابة في الكتب التسعة (48/ 172)، و جامع الأحاديث (15/ 119)، جمع الجوامع أو الجامع الكبير للسيوطي (ص: 15335)، وأخرجه أحمد (4/126، رقم 17182)، وابن ماجه (1/16، رقم 43)، والحاكم (1/175، رقم 331). وأخرجه أيضًا: الطبرانى (18/257، رقم 642). وجمع الجوامع أو الجامع الكبير للسيوطي (ص: 16428)، والطبرانى (18/247، رقم 619). وسنن ابن ماجه (1/ 52)، ومسند أحمد (37/ 73)، وفي التحفة 9890 وفي المعتلى 6039، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126): تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد حسن
[20]) الإبانة الكبرى لابن بطة العكبري:(1/ 12)
[21]) السنن الكبرى للنسائي (1/ 550)
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق