q

اولاً؛ ان التّحدّيات التي يواجهها الأبناء في بلاد المهجر تختلف جذرياً عن تلك التحدّيات التي يواجهونها في بلدانِنا، العراق مثلاً، ولذلك ينبغي على الآباء الانتباه الى هذه الحقيقة من أَجل ان تكون تربيتهم للابناء وتغذيتهم الفكريّة والثّقافيّة من نفس سنخ التحدّيات، والا فسوف لن تترك التّربية وكذلك التعليم الثقافي والفكري أثرهُ فيهم.

للأسف الشّديد فانّ بعض الآباء لا يأخذون بنظر الاعتبار نوعيّة التحدّيات الزّمكانيّة في تربيتهِم لأبنائهم وفي تعليمهم الثّقافي والفكري، ولذلك فبمرور الزّمن يشعرون بالغُربة في العلاقة مع أَبنائهم ويفقدون الانسجام معهم الامر الذي يدفع بالأبناء الى عدم الاصغاء لهم عندما يشعرون انّهم يتكلّمون معهم بما لا ينفعهم ولا يُفيدهم! فيلجأون الى مصادر أُخرى للتّربية والتّعليم الثّقافي والفكري! وعند هذه اللّحظة تحديداً يبدأ التّحدّي الاكبر للآباء مع أَبنائهِم!.

ولا يختلف إِثنان اليوم على انّ أَعظم التّحدّيات التي يواجهها الجيل والنشء الجديد في بلاد المهجر هي المرتبطة بالارهاب الذي يحمّل الاعلام الغربي مسؤوليتهُ للإسلام، فكيف يُمكن للأبناء الذين هم جزءٌ لا يتجزّء من المجتمع الغربي يعيشون ويتعايشون في مدارسهِ وجامعاتهِ وفي الشّارع وفي محلّ العمل وغير ذلك، ان يردّوا على هذا التّحدّي بالمنطق والعلم والمعرفة؟! هل يمكنهم مثلاً ان يتعاملوا مع هذا التّحدّي بلا أُباليّة مثلاً؟ فيقولون ما لنا والارهاب؟ ما لنا وكلّ هذه التُّهَم وكلّ هذا الجِدال؟!.

بالتّأكيد لا يُمكنهم أن يتعاملوا مع التّحدّي بمثلِ هذه العقليّة وهذه الطّريقة لانّها هُنا بمثابة الانهزام من الواقع، ففي ظلّ حريّة التّعبير الواسعة يجادل النّاس في كلّ شيء ويودّون ان يسمعوا من صاحب العلاقة على وجه التّحديد رأيهُ وجوابهُ فيما يجري الجدالُ فيه وعنهُ! الا ان يعتبروا أَنفسهم ضيوفاً على واقعهِم! وليسوا جزءً منه وأنهم يسيرون بجانبهِ وَلَيْسَ فيه! وهل يُعقلُ ذلك؟!.

كيف يُمكن للطّالب في الجامعة مثلاً ان يتهرّب من الحوار والجدال اذا ما طرحَ الاستاذ الموضوع، التّحدّي، في الصفّ وامام اكثر من (١٢٠) طالب جامعي ينحدرون من مُختلف الثّقافات والأديان والمذاهب؟!.

لا يمكنهُ ذلك أَبداً، لا يمكنهُ ان يتفرّج على الحوار وهو المعني أَوَّلاً وأخيراً! فلابدّ لهُ ان يشترك في الحوار والأجوبة والجدال!.

يجب عليه ان يكونَ متسلّحاً للرّد العلمي والمنطقي فيوضّح ويشرح ويدافع ويردّ، ليس دفاعاً عن نَفْسهِ وانّما دفاعاً عن الحقيقة والإسلام الذي بعثهُ الله تعالى رحمةً للنّاس كافّةً فابتُلِيَ بشِرذمة من القتَلة والمجرمين الذين اختطفوه فعرّضوه للتّشويه والاساءة!.

ومن أجلِ ان يكون النشء الجديد قادرًا على التّفاعل مع مثل هذا الحوار الذي يُفرَض عليه فرضاً رُبما يومياً، يلزم ان يُنبّههُ الآباء الى أمرَين، ليستلهم منهُما الرّأي الحكيم بشكلٍ متواصل ومستمرّ؛

الاوّل؛ هو ان يفهم بأَنّ للإسلام قراءتَين، الاولى هي قراءة مدرسة أهلُ الْبَيْتِ عليهم السلام، والثّانية هي قراءة مدرسة الخُلفاء، الاولى التي تُنتج التّعايش والسّلم الأهلي والمجتمعي على قاعدة قول أَمير المؤمنين (ع) {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} والثّانية هي التي تُنتج هذا الارهاب الأعمى الذي انتشر اليوم في العالم كالسّرطان ينهش بالانسانيّة بشكلٍ مُرعب! ومن الخطأ الفظيع التردّد في تبنّي هذا الأَمر بحجّة وحدة المسلمين أَو انّهُ يُحرّض على الطّائفية او ما أشبه! ابداً، فكلّ ذلك حَرْبٌ باردةٌ خفيّة بأقنعةٍ دينيّةٍ ضدّ أو لإخفاء الحقيقة [المُرّة] التي يجب ان نعترفَ ونسلِّم بها مهما كان الثّمن! فإلى متى يظل ضحايا الارهاب [أَتباع مدرسة أهل البيت (ع)] يدفعون ثمن الارهاب الذي لم يتورّطوا فيه بأَيِّ شكلٍ من الأشكال؟!.

الى متى يظلّون يدفعون ثمن قراءات لم يؤمنوا بها طرفةَ عينٍ بل يكفرون بها؟!.

يجب التفكيك من الآن فصاعداً بين القراءات والتمييز بين مصادر الاسلام، من أجل ان يفهم الرّأي العام منابع هذا الارهاب وكوننا لا علاقة لنا بها!.

لا ينبغي لضحايا الارهاب ان يدفعوا ثمن قراءات الحزب الوهابي للإسلام والتي أنتجت هذا الارهاب!.

انّهم يحرصون على عدم التّفكيك وَالـتَّمْييزَ بطرقٍ شتّى لتوريطنا معهم! فهل نمنحهم الفرصة؟!.

انّ كلّ الأديان والمذاهب والمدارس الفكريّة تعمد الى تمييز نفسها عن ذاتِها وتُفكّك القراءات المختلفة اذا ما شذّت جماعة عن الاتّجاه العام، من اجل حماية مدرستها ونفسها وسمعتها! فلماذا لا نفعل نَحْنُ الشّيء نَفْسَهُ؟! خاصةً وان التميّز عندنا كمسلمين لهُ جذورٌ تاريخيّةٌ تعودُ الى عاشوراء بشكلٍ خاصّ؟!.

‏ الثّاني؛ التسلّح فكريّاً وثقافيّاً بمدرسة أهل البيت عليهم السلام، وعلى وجه الخصوص التّغذية المستمرّة من مائدة نهج البلاغة الذي أقرّ العدوّ قبل الصّديق والحَقود والحَسود قبل المحبّ مدى عَظَمة النّهج الانساني والعلمي التّنموي الشّامل والكامل الذي رسمهُ الامام علي بن أَبي طالب (ع) في هذا السِّفر الذي يحتوي على مختلف العلوم من أدبٍ وبلاغةٍ وسياسةٍ وإدارةٍ وحقوقٍ وتنميةٍ وعلاقات عامة وتربيةٍ اجتماعيةٍ وعقائد وعلوم طبيعيّة وفلسفة وعرفان ودعاء وكلّ شيء! وكيف لا يكون ذلك وأكثر وقد قال أَميرُ المؤمنين (ع) {علَّمني حبيبي رَسُولُ الله (ص) الفَ بابٍ من العلمِ يُفتَحُ لي في كلِّ بابٍ أَلفَ بابٍ} اي انّ رسولَ الله (ص) علّمهُ (ع) مليون بابٍ من العلم، فأَين نَحْنُ من هذه العلوم؟! اين ابناؤنا من هذه العلوم التي ان تسلّحوا بها وتعلّموها، خاصةً في بلاد المهجر، بلاد الغرب، فسيتفوّقون في أَي جدالٍ علميٍّ ومنطقيٍّ يرد على الارهاب ومصادرهِ العقديّة والفكريّة، كما يمكّنهم من إيضاح الوجه الحقيقي النّاصع للإسلام كدينٍ سماويٍّ يحترم الانسان كإنسان بغضّ النّظر عن خلفيّتهِ وانتمائهِ، ويقاتل من أَجل كرامتهِ وحريّتهِ، ويمنحهُ كلّ فُرص الخير من أَجل بناءِ مستقبلٍ أفضل.

فضلاً عن انّ ذلك يقوّم شخصيّتهم الذّاتيّة، وهو امرٌ مهمٌّ جداً ليكونوا انموذج في المجتمع الغربي على وجه التّحديد.

على الآباء تسليح ابناءهم بالفكر والثقافة السّليمة والصّحيحة من منابعِها الحقيقيّة ومصادرها الأصليّة والأصيلة، ليتسلّحوا بالقُدرة على الردّ والتّوضيح، والانتقال في ايّ جدالٍ علميٍّ من حالة الدّفاع والبيان الى حالة الهُجوم، فليس من المعقول ان الرّاي العام لا يعرف لحدّ الآن الا القليل النّادر عن علوم مدرسة أهل البيت (ع) التي فيها كلّ معاني الانسانيّة والحضارة والمدنيّة والتنمية المستدامة!.

لماذا يدرُس طُلّاب الجامعات في الغرب مختلف العلوم والفنون الانسانيّة ويطّلعون على مختلف الآراء في كل قضيّة من القضايا المطروحة للنّقاش والحوار والجدال الا أفكار وآراء أئمة أهل البيت عليهم السلام؟!.

انّ الجيل الجديد من ابنائِنا يُمكنهم ان يتحمّلوا هذه المسؤوليّة اذا شجّعهم الآباء على تعلّم ودراسة نهج البلاغة مثلاً، لينشروا علومهُ في كلّ جدالٍ علميٍّ، فسيطّلع العالم على شَيْءٍ مختلف تماماً عمّا يقرأهُ ويسمع به الآن!.

ولعلّ في قصّة المفكّر الفرنسي الرّاحل روجيه غارودي مع تلميذتهِ الفرنسيّة في جامعة السوربون والحوار الذي دار بينهُ وبينها عن وصية الامام أَمير المؤمنين (ع) لولدَيه السّبطَين الحسن والحسين عليهما السّلام بُعيد ضربة المجرم ابْنُ ملجم المرادي نموذجٌ رائعٌ بهذا الصّدد.

للاسف الشّديد فانّ عناوين ساذجة وشخصيّات ثانويّة كثيرة تتم كتابة أَطاريح دراسات عُليا عنها هنا في جامعات الولايات المتّحدة الاميركيّة وغيرها في بلاد الغرب، امّا أَميرُ المؤمنين (ع) وائمة أهل البيت (ع) فلا ينتبهَ لها احدٌ بسبب تقصيرنا وعقلانيا وعدم اهتمامنا بهذا الموضوع المهم جداً الذي يُعدُّ بالنّسبة لنا ولدينِنا الحماية الحقيقيّة من أَيّة تُهمة أَو هجوم فكري وثقافي مُعادي.

ثانياً؛ كعراقيّين في بلاد المهجر، تظلّ مشاعرنا وأحاسيسنا متعلّقة ببلدِنا الأُم، العراق، مهما بعُدت المسافات وطالت فترة الابتعاد والإقامة بعيداً عن مراتع صِبانا وعن أَهلنا وشعبِنا، ولذلك ترى العراقيّين في الخارج يفرحون لفرح شعبِنا عندما يصيبهُ الخير بأَيّ شكلٍ من الأشكال، ويحزنون لحزنهِ اذا ما أَصابهم سوء وبأيّ شكلٍ من الأشكال!.

ولانّنا نتفاعل بشكلٍ يوميٍّ مع الأحداث والتطوّرات التي يشهدها العراق وعلى مختلف الاصعدة، لذلك ينبغي لنا ان نُساهم في حلّ مشاكل البلد بشكلٍ من الأشكال، خاصةً وأن كلّ واحدٍ منّا له امتداداتهُ الاجتماعيّة في العراق ولهُ تأثيرهُ على شريحةٍ معيّنةٍ في الدّاخل، فضلاً عن انّ التّكنلوجيا ووسائل التّواصل الاجتماعي ألغت المسافات وألغت الفارق في القدرة والامكانيّة على المعرفة وتحديداً على مستوى المعلومة والواقع المُعاش!.

كلّ ذلك ينبغي توظيفهُ بشكلٍ صحيحٍ وسليمٍ للمساهمة في المساعدة على تغيير الوضع الحالي في العراق، وانجاز الاصلاح الحقيقي المطلوب!.

ونحن هنا ينبغي ان لا نكونَ جزءً من الواقع عندما نفكّر ونبحث عن الحلول، اذ يلزم ان لا نتحزّب ونتعصّب الا لشعبِنا ولبلدِنا من خلال التّفكير بحريّة وفي فضاءات الوطن وليس للولاءات الحزبيّة والطائفيّة الضيّقة، والا فسنكون جزءً من المشكلة في الوقت الذي يجب ان نكونَ جزءً من الحلّ، وهو الامر الذي لا يتحقّق الا اذا تعالَينا عن التحزّبات والمصالح الضيّقة وبكلّ أَشكالِها!.

ولانّنا جميعاً تيقنّا اليوم بانّ التّغيير المرجو والاصلاح الجذري والحقيقي لم ولن يأتِ على يد السياسيّين الذين هم الآن في السّلطة وتحديداً الزّعامات (الفاسدة والفاشلة) التي لازالت تستحوذ على العمليّة السّياسيّة بكلّ تفاصيلها بعد ان سيطرت على المال والسّلطة والاعلام، فأغلقت كلّ الأبواب بوجهِ الطّاقات الوطنيّة الخلّاقة القادرة على إنجاز واقع مختلف، لذلك ينبغي ان يكونَ تفكيرنا منصبّاً على المجتمع وتحديداً على النّاخب الذي بيدهِ مفتاح التغيير الحقيقي والذي يبدأ من صوتهِ الذي يضعهُ في صندوق الاقتراع في الانتخابات النيابيّة القادمة، والذي لا يمكنهُ ان يمتلك هذا المفتاح بشكلٍ سليمٍ وحقيقيٍّ وواقعيٍّ قبل تغيير قانون الانتخابات ليحقّق قاعدة [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ].

لذلك يجب ان ينصبّ جهدنا من الآن على تغيير قانون الانتخابات، نثقّف عليه النّاخب ونُحشّد الشّارع وكلّ القوى الوطنية المتضرّرة من الواقع المزري وفشل وفساد [العصابة الحاكمة] من أجلِ إِنجازهِ قبل فواتِ الأَوان.

‏...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق