q

الحرب في سوريا شهدت في الفترة الاخيرة، العديد من الاحداث والتطورات المتسارعة التي اثارت قلق ومخاوف العديد من الخبراء والمراقبين، فعد ان نجحت وحدات الحماية الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحده الامريكة في تحقيق مكاسب مهمة في هذه الحرب، سارعت تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية على حدودها، الى اعتماد خطط واجراءات عسكرية جديدة في سبيل منع الاكراد من التمدد و الإستيلاء على مناطق اخرى، وقد اكدت بعض المصادر ان المنطقة الحدودية التركية السورية تحولت اليوم إلى بقعة ساخنة يعتريها الغموض والترقب والتوترات في أعقاب تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن بلاده لن تسمح بإقامة كيان كردي مستقل شمال سوريا.

ولاول مرة منذ اندلاع الصراع الدموي في سوريا والذي خلف مئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين، دخلت قوات تركية معززة بالدبابات وبغطاء جوي من الطائرات التركية ودول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الى مدينة جرابلس، اخر بوابة حدودية بين سوريا وتركيا كانت تحت سيطرة ما يعرف بتنظيم داعش. وتهدف العملية التركية حسبما صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع انطلاق عملية درع الفرات الى إزالة المخاطر الناجمة عن تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا دموية منذ اكثر ثلاثة عقود ضد الدولة التركية في جنوب شرقي البلاد.

وتعتبر واشنطن الجناح العسكري للحزب وحدات حماية الشعب شريكا فاعلا في محاربة تنظيم داعش في سوريا وانتزع مساحات واسعة من الأخير بدعم من الطيران الامريكي، كما أن هناك المئات من القوات الخاصة الامريكية التي تعمل مع هذه الوحدات في سوريا بهدف تنسيق الجهود العسكرية للتصدي للتنظيم. العملية العسكرية التركية التي يشارك فيها المئات من مقاتلي المعارضة السورية المقربين من تركيا وقوات خاصة تركية ليس لها اطار زمني او جغرافي محدد لكن تصريحات المسؤولين الاتراك تشير الى انها قد تشمل كل المنطقة الحدودية التي ما زالت تحت سيطرة تنظيم داعش والتي تمتد من جرابلس الى بلدة الراعي الراعي والبالغة 40 كم، هذه العمليات ربما ستسهم بتعقيد المشهد الحالي في سوريا وقد تكون سببا في اطالة امد الصراع الذي سيمتد الى دول اخرى منها تركيا، التي اصبحت اليوم طرف اساسي وفعال في هذه الحرب، كما ان هذا التحرك ربما سيسهم ايضا في خلق مشكلات وازمات جديدة بين بعض الحلفاء الداعمين لتنظيمات وجماعات معارضة للحكومة السورية.

خصوصا وان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم قد حذر تركيا من عواقب تدخلها في سوريا وقال على حسابه على موقع تويتر إنها تدخل مستنقع سوريا وتواجه الهزيمة هناك مثل تنظيم داعش. كما اعربت الخارجية الروسية عن قلقها الشديد من العملية التركية وقالت في بيان لها إن الوضع يثير قلقا من احتمال استمرار تدهور الوضع في منطقة النزاع، بما في ذلك احتمال سقوط ضحايا بين المدنيين وتصعيد الخلافات الطائفية بين الأكراد والعرب.

تركيا تتجاوز الحدود

وفي هذا الشأن عبرت نحو عشر دبابات تركية الحدود نحو سوريا في إطار عملية عسكرية تهدف لطرد جهاديي تنظيم داعش من مدينة جرابلس السورية الحدودية، من جانبها نددت دمشق بدخول الدبابات التركية إلى أراضيها واعتبرته "خرقا سافرا" وفق ما أعلن مسؤول في وزارة الخارجية. وشوهدت الدبابات تتحرك في الجانب الآخر من الحدود وتطلق النار على مدينة جرابلس الواقعة تحت سيطرة الجهاديين، وتتبعها آليات عسكرية أصغر حجما يعتقد أنها تنقل عناصر من مقاتلي فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة.

وأوضح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة أن العملية التركية في سوريا تهدف إلى إنهاء المشاكل على الحدود التركية وتستهدف جهاديي تنظيم داعش والمقاتلين الأكراد. ويأتي هذا التحرك الميداني في إطار عملية عسكرية تدعمها طائرات حربية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لطرد مقاتلي داعش من بلدة جرابلس الحدودية. من جانبه قال قيادي في المعارضة السورية المسلحة إن قوات من المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا دخلت أيضا سوريا من تركيا في إطار عملية لاستعادة البلدة من مقاتلي الجهاديين. بحسب رويترز.

واعتبرت دمشق دخول الدبابات التركية إلى أراضيها، "خرقا سافرا" وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن مسؤول في وزارة الخارجية السورية، الذي قال "سوريا تدين عبور دبابات ومدرعات تركية عند الحدود السورية التركية إلى مدينة جرابلس تحت غطاء جوي من طيران التحالف الأمريكي الذي تقوده واشنطن، وتعتبره خرقا سافرا لسيادتها".

الى جانب ذلك ذكرت تقارير إعلامية تركية أن فصائل الجيش السوري الحر سيطرت على 5 قرى جديدة، غرب مدينة جرابلس بريف حلب في سوريا، في إطار عملية "درع الفرات" التي أطلقها الجيش التركي بالتنسيق مع التحالف الدولي، بمواجهة تنظيم داعش. بينما طالبت المعارضة السورية بتدخل دولي عاجل لوقف القصف بحمص وحلب. ونقلت وكالة الأناضول التركية شبه الرسمية عن أبو علي جرابلس القيادي العسكري في الجيش الحر قوله إن فصائل الجيش الحر سيطرت على قرى "بير تحتاني" و"بير فوقاني" و"الحلوانية" و"الحمير" و"تل شعير" (تبعد حوالي 9 كلم عن مدينة جرابلس) بعد معارك مع تنظيم داعش الذي أُجير على الانسحاب تحت كثافة نيران المدفعية التركية والتقدم البري للجيش الحر.

والتقدم الميداني للجيش السوري الحر المدعوم من القوات التركية ترافق مع بيان صادر عن الخارجية التركية اعتبر أن آلية التحقيق المشتركة للأمم المتحدة كشفت مسؤولية النظام السوري القطعية، في بعض حالات استخدام الأسلحة الكيميائية في البلاد خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وأشارت الخارجية، في بيان أصدرته، بعدما قدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لمجلس الأمن الدولي، تقريرًا ثالثًا، بشأن نتائج التحقيقات في 9 حوادث يشتبه بأن أسلحة كيميائية استخدمت فيها بسوريا خلال عامي 2014 و2015، أن "التحقيق كشف عدم التزام النظام السوري بمسؤولياته عقب هجومه بغاز السارين على الشعب السوري في منطقة الغوطة بالعاصمة دمشق عام 2013، واستمراره في استخدام الأسلحة الكيميائية".

من جانبه، أصدر لائتلاف الوطني السوري المعارض بيانا دعا فيه أمريكا والاتحاد الأوروبي لـ"وقف حملات النظام وأعوانه على المدنيين" وذلك على خلفية القصف العنيف الذي يتعرض له حي الوعر الحمصي المحاصر وأحياء مدينة حلب. وأردف الائتلاف أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد "يتابع سياسته الإجرامية الهادفة إلى القتل والتهجير والتدمير، متوهماً أن الاستمرار في ارتكاب الجرائم يمكن أن يقتل إرادة الثورة لدى الشعب السوري" على حد تعبيره.

من جانب اخر لقي جندي تركي مصرعه وأصيب 3 آخرون باستهداف عناصر قوات سوريا الديمقراطية دبابتين في جرابلس، حسبما أفادت وسائل إعلام تركية، وردا على مقتل أحد جنودها، قامت القوات التركية بقصف مواقع لـ"سوريا الديمقراطية" بالمدفعية، حسبما أفادت به وكالة الأناضول. وقصفت مقاتلتان تركيتان من طراز "F-16" مواقع تابعة لتنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" شمال سوريا.

وكانت وكالة "رويترز" للأنباء أفادت بأن اشتباكات دارت بين "قوات سوريا الديمقراطية" والمعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا في قريتي العمارنة ويوسف بيك جنوب جرابلس. ودفعت تركيا، بمزيد من دباباتها إلى داخل الأراضي السورية قرب جرابلس فيما قصفت طائراتها مواقع لوحدات ما يسمى بـ"المجلس العسكري لجرابلس" المتحالف مع "قوات سوريا الديمقراطية" جنوب جرابلس.

وأفادت مصادر إعلامية بقصف طائرات حربية تركية مناطق في قرية تل عمارنة جنوبي مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي. من جانبه، أصدر "المجلس العسكري لجرابلس" بيانا جاء فيه أن طائرات الجيش التركي قصفت مواقعه بالإضافة إلى مساكن مدنية في قرية العمارنة جنوب جرابلس، وأسفر القصف عن وقوع إصابات. واعتبر المجلس العملية التركية "سابقة خطيرة وتصعيدأ خطيرا يهدد مصير المنطقة" و يحولها لبؤرة صراع جديدة وسط تهديدات من فصائل تابعة لما سماه بـ "الاحتلال التركي" .

قصف واصابات

على صعيد متصل قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن ضربات جوية تركية وهجمات مدفعية قتلت ما لا يقل عن 20 مدنيا وأصابت العشرات في خامس يوم من الحملة التركية عبر الحدود التي تقول أنقرة إنها تستهدف تنظيم داعش والقوات الكردية. وحلقت الطائرات الحربية التركية في سماء شمال سوريا في الفجر وقصفت المدفعية ما قالت مصادر أمنية إنها مواقع تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية بعد أن أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بوقوع معارك عنيفة حول القرى.

ولم يرد تعقيب فوري من وحدات حماية الشعب لكن القوات المتحالفة مع المجموعة الكردية قالت إنه لا توجد أي جماعات كردية في المناطق التي تستهدفها القوات التركية في الهجوم. وأرسلت تركيا - التي تحارب مسلحين أكرادا على أراضيها - جنودا ودبابات ومعدات عسكرية أخرى إلى سوريا دعما لمقاتلي معارضة سوريين متحالفين معها انتزعوا السيطرة على بلدة جرابلس الحدودية من تنظيم داعش. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 20 شخصا قتلوا وأصيب 50 في معركة للسيطرة على قرية جب الكوسا بين تركيا وحلفائها من جهة والجماعات المدعومة من الأكراد من جهة أخرى. وتخضع المنطقة لسيطرة جماعات متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية التي يدعمها الأكراد وهي تجمع فضفاض يضم وحدات حماية الشعب الكردية.

وذكر المرصد أن مقاتلي المعارضة المدعومين بالدبابات التركية خاضوا معارك ضد جماعات منافسة متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية حول العمارنة وهي قرية قرب جرابلس لكنهم فشلوا في السيطرة عليها. وأضاف أن الجماعات المتحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية ألحقت أضرارا بثلاث دبابات تركية هناك. وقالت مصادر أمنية تركية إن الطائرات الحربية والمدفعية أصابت مواقع لوحدات حماية الشعب قرب منبج وهي مدينة جنوبي جرابلس سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية التي تناصر الأكراد هذا الشهر في عملية دعمتها الولايات المتحدة. وسمع شاهد في قرقميش وهي بلدة على الجانب التركي من الحدود دوي طائرات ومدفعية وهي تقصف أهدافا سورية. وقال المرصد إن الطائرات التركية أصابت مواقع شمالي منبج.

ويبدو أن معظم القتال حتى الآن مع مقاتلين متحالفين مع قوات سوريا الديمقراطية وليس مع تنظيم داعش. وتريد الحكومة التركية أن توقف القوات الكردية من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية على الحدود التركية وهو الأمر الذي تخشى أن يزيد حزب العمال الكردستاني جرأة. ويشن حزب العمال الكردستاني تمردا منذ ثلاثة عقود في تركيا. بحسب رويترز.

وأي تحرك ضد القوات الكردية في سوريا يضع تركيا في خلاف مع الولايات المتحدة حليفتها في حلف شمال الأطلسي. وتدعم واشنطن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وتعتبرهما أكثر حليف موثوق فيه وفعال في المعركة ضد داعش في سوريا. ويزيد هذا تعقيد الصراع السوري الذي اندلع قبل خمسة أعوام بانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد والذي اجتذب منذ ذلك الحين دولا في المنطقة وقوى دولية. وعانت تركيا من تداعيات الصراع داخل جارتها الجنوبية واستهدفت كثيرا بهجمات من التنظيم. وتشتبه الحكومة في أن التنظيم مسؤول عن تفجير في حفل زفاف هذا الشهر قتل خلاله 54 شخصا.

السيطرة على داريا

من جانب اخر أفاد مصدر عسكري بأن الجيش السوري استعاد السيطرة بالكامل على بلدة داريا بريف دمشق بعد إخراج آخر المسلحين والمدنيين منها. وقال المصدر بعد خروج آخر الحافلات التي أقلت مدنيين ومقاتلين من المدينة "باتت مدينة داريا بكاملها تحت سيطرة الجيش ولم يعد هناك وجود لأي مسلح فيها"، مضيفا "دخل الجيش داريا كلها". وغادرت نحو 12 حافلة تقل مقاتلين وسكانا بلدة داريا المحاصرة بريف دمشق اليوم السبت (27 أغسطس/آب) في إطار اتفاق للخروج من البلدة يسلمها فعليا للحكومة بعد أربع سنوات من الحصار المحكم.

وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الحكومي حافلات تتحرك بحذر وسط مجموعة كبيرة من الجنود في شوارع تتناثر الأنقاض على جوانبها. وأورد التلفزيون السوري الرسمي في شريط عاجل "إغلاق ملف داريا بعد إخراج المدنيين والمسلحين مع عائلاتهم بالكامل تنفيذا للاتفاق" الذي تم التوصل إليه بين السلطات السورية والفصائل المعارضة. وبث التلفزيون مقاطع فيديو تظهر آليات تابعة للجيش تجول داخل أحد شوارع داريا تزامنا مع تحليق مروحية في سماء المدينة.

ولم يذكر الإعلام الرسمي عدد المدنيين والمقاتلين الذي أخرجوا من المدينة، لكن وكالة الأنباء السورية "سانا" ذكرت أن الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة مع الفصائل المعارضة نص على خروج 700 مقاتل إلى إدلب (شمال غرب) ونحو أربعة آلاف مدني إلى مراكز إقامة مؤقتة في ريف دمشق، فضلا عن تسليم المقاتلين لسلاحهم المتوسط والثقيل.

وكانت تقديرات سابقة لمنظمات وناشطين أفادت بوجود نحو ثمانية آلاف شخص في داريا التي كانت تعد قبل بدء النزاع منتصف آذار/مارس 2011 حوالى ثمانين ألف نسمة. وبثت قناة الميادين القريبة من دمشق ومقرها بيروت، مشاهد مباشرة أظهرت خروج الحافلات الواحدة تلو الأخرى من داريا وعلى متنها مدنيون بينهم أطفال ومقاتلون كانوا يحتفظون بسلاحهم أمامهم في وقت كان عناصر من الجيش يرددون هتافات عدة بينها "بالروح بالدم نفديك يا بشار" ويلتقط بعضهم صورا للحافلات. بحسب فرانس برس.

وداخل الحافلات، لم يبد المقاتلون أي ردود فعل باستثناء البعض الذين سارعوا إلى رفع شارات النصر خلف النوافذ. وذكر بيان لجماعتي شهداء الإسلام وأجناد الشام أن المسلحين التابعين للجماعتين اللتين تندرجان تحت لواء الجيش السوري الحر سيتوجهون إلى إدلب وهي معقل لمسلحي المعارضة في شمال غرب سوريا. وأشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن"خمس حافلات على الأقل وصلت إلى مدينة إدلب تقل مقاتلي المعارضة وعائلاتهم المهجرين من مدينة داريا" مقدرا عددهم بـ600 شخص بين مقاتل ومدني. وتحظى داريا برمزية خاصة لدى المعارضة السورية، إذ كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد نظام الرئيس بشار الأسد في آذار/مارس 2011. كما كانت داريا من أولى المناطق التي حاصرها النظام في العام 2012 علما أن أول قافلة مساعدات غذائية دخلت إليها كانت في حزيران/يونيو الماضي.

اضف تعليق