q

الزلزال المدمر الذي ضرب وسط إيطاليا الذي بلغت قوته 6.4 درجات على مقياس ريختر، وأدى إلى مقتل نحو 300 شخص ومئات الجرحى، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا أن عمليات البحث والانقاذ مازالت جارية، وطرحت الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي وقعت في إيطاليا إثر الزلزال المدمر، وكما نقلت بعض المصادر تساؤلات حول أساليب تشييد المباني في البلاد التي واجهت كما كبيرا من الكوارث الزلزلية في العقود الأخيرة.

ونقلت صحيفة الغادريان البريطانية عن خبراء قولهم إن 70 في المئة من المباني في إيطاليا لا تراعي المعايير الزلزالية عند تشييدها. وأشاروا إلى أن أهمية هذه المعايير تنبع من كون إيطاليا تعرضت إلى 8 زلزال مدمرة خلال السنوات الأربعين الماضية، لكن يبدو أن كثيرين لم يلتزموا بمعايير مقاومة الزلازل حتى الآن.

وأظهرت صور التقطت تدمير مناطق كاملة في بلدة أماتريتشي التاريخية، وكانت هناك مدرسة قديمة في البلدة جرى تجديدها عام 2012، وقال المسؤولون هناك إن التجديد يتضمن معايير مقاومة الزلازل، إلا أنها أنهارت. والأمر، بحسب الخبراء، لا يقتصر على المباني القديمة التي يجري تجديدها، فحتى المباني الجديدة لا تحترم في غالبيتها أسس التشييد المقاومة للزلازل، وقال الكاتب في صحيفة "كورييري ديلا سيرا" سيرجيو ريزو: "في السنوات الأربعين الماضين وقعت 8 زلازل (في إيطاليا)، والدرس الوحيد الذي تعلمناه هو كيفية إنقاذ الأرواح بعد وقوع الزلازل". وأعلنت الحكومة الإيطالية بعد الكارثة تخصيص مليون يورو لتجديد المباني وجعلها أكثر مقاومة لزلازل، لكن خبراء يقللون من فعالية الخطة بسبب الإجراءات البيروقراطية.

ويعتقد أنه لا يزال هناك العشرات تحت الأنقاض وتتواصل الجهود للبحث عن أحياء ولإخراج، وتواصلت جهود الآلاف من فرق الإنقاذ والمتطوعين في البحث بين الأنقاض، كما تعرضت المناطق المدمرة إلى هزة ارتدادية. ويشارك أكثر من 4300 شخص باستخدام معدات ثقيلة وبأيديهم العارية أحيانا في البحث بين الأنقاض. ومعظم ضحايا الزلزال من الأطفال بحسب ما أعلنته وزارة الصحة. ومن المعتقد أن يزداد العدد الاجمالي للضحايا.

وأعلنت السلطات الإيطالية حالة الطوارئ في المناطق التي ضربها الزلزال، كما خصصت مبلغ 50 مليون يورو لإعادة إعمار المناطق المتضررة. وألغت السلطات الضرائب على المناطق المتضررة، وأعلنت عن مبادرة جديدة تحمل اسم "المنازل الإيطالية" في أعقاب الانتقادات التي تعرضت لها بسبب تساهلها في تطبيق قوانين البناء. لكن السلطات أكدت أنه سيكون من "العبث" الاعتقاد بأنه يمكن تشييد مباني محصنة كليا من تأثير الزلازل.

واضطرت فرق الإنقاذ إلى وقف عمليات البحث بسبب الهزات الارتدادية التي تلت الزلزال، وإحدى الهزات أدت إلى إصابة جسر رئيسي بأضرار بالغة في بلدة أماتريشه. وقال سيرجيو بيروزي، رئيس بلدية المنطقة التي يقع فيها الجسر "فلنأمل أن لا ينهار الجسر أو لا ينقطع الطريق الذي يربط البلدة من كلا الاتجاهين.

جنازة جماعية

في هذا الشأن تعيش إيطاليا حدادا عاما بعدما لقي 290 شخصا حتفهم جراء الزلزال الذي دمر أجزاء من المنطقة الجبلية وسط البلاد فيما أقيمت جنازة جماعية لخمسة وثلاثين من الضحايا. وبينما تجمع قادة سياسيون للمشاركة في الجنازة الجماعية واصل عمال الإنقاذ البحث بين الأنقاض في بلدة أماتريتشي الأكثر تضررا رغم تضاؤل آمال العثور على مزيد من الناجين من أسوأ زلزال تتعرض له إيطاليا منذ سبعة أعوام.

وعثر على تسع جثث في بلدة أماتريتشي بينها ثلاث جثث انتشلت من تحت أنقاض فندق روما المنهار ليرتفع عدد القتلى في أماتريتشي وحدها إلى 230 من السكان والسياح. وتوجه الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا بطائرة هليكوبتر إلى أماتريتشي لتفقد الأضرار بنفسه قبل أن يتوجه لاحقا إلى مدينة أسكولي بيشينو القريبة لحضور الجنازة الجماعية التي أقيمت في مركز رياضي.

ووضع 35 نعشا في شكل صف بقاعة رياضية وبينها نعشان باللون الابيض يضمان جثماني طفلين من بين 21 طفلا قتلوا في الكارثة. وأصغر ضحية يبلغ من العمر خمسة أشهر وأكبر ضحية عمره 93 عاما. وتجمع المشيعون في أسكولي بيشينو قبل ساعات من بدء القداس.

وقال لوتشيانا كافيتشيوني وهي من سكان المنطقة "حتى وإن كنت لا أعرفهم فإن قلبي انفطر عليهم. هناك من فقدوا كل شيء.. منازلهم وأحباءهم." ومعظم المباني في منطقة الزلزال لا تتضمن حماية من الزلازل وحتى المباني التي كانت تحظى بهذه الحماية ومن بينها مدرسة جرى تجديدها في 2012 انهارت. بحسب رويترز.

وبدأ قضاة تحقيق تحريات في بعض الحوادث بما في ذلك انهيار برج جرس في بلدة أماتريتشي سقط على سطح مبنى متاخم مما أسفر عن مقتل عائلة من أربعة أفراد. وتعهد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينتسي الذي حضر الجنازة بإعادة بناء المناطق وحث رئيس بلدية أماتريتشي الحكومة على الاستفادة من الدرس المؤلم لأعمال البناء البطيئة بعد الزلازل في الماضي. وقال المعهد الجيولوجي الإيطالي إن حوالي 1332 هزة تابعة وقعت بجبال وسط إيطاليا منذ الزلزال الذي هز المنطقة قبل فجر الأربعاء وبلغت شدته 6.2 درجة.

حالة طوارئ

من جانب اخر أعلنت السلطات الإيطالية حالة الطوارئ في المناطق الأكثر تضررا بالهزة الأرضية العنيفة التي تعرضت لها البلاد أملا في العثور على المزيد من الناجين. وتعهد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بتخصيص 50 مليون يورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من الكارثة الطبيعية. وتواصل فرق البحث، التي تقدر بنحو 5000 فرد، جهودها على أمل العثور على المئات من المفقودين.

وإضافة إلى الأموال التي أعلن رينزي تخصيصها لإعادة بناء المناطق المتضررة، أعفى رئيس الوزراء المتضررين من الهزة الأرضية من الضرائب. وأطلقت الحكومة حملة لمواجهة الانتقادات الحادة التي تواجهها للمستوى الرديء للبناء في أغلب أنحاء البلاد. لكنه استبعد أن يكون لدى إيطاليا القدرة على بناء منازل مقاومة للزلازل كلية، واصفا هذا الاقتراح بأنه ضرب من "العبث".

وجاءت تحركات الحكومة عقب هجوم تعرضت له السلطات الإيطالية من قبل الصحافة المحلية "لانطواء معايير البناء في البلاد على مخاطرة عالية على السكان." وكان عدد كبير من المساكن التي انهارت بسبب الهزة الأرضية قد مرت بعمليات ترميم وتجديد في الفترة الأخيرة. ولا تخضع المدن الأثرية لمعايير البناء الخاصة بمقاومة الزلازل، كما تُهمل تلك المعايير أثناء عمليات البناء الجديدة.

وكانت المدن الأكثر تضررا من الهزة العنيفة هي أماترتشي، وأركاتا، وأكومولي، وبيسكارا ديل ترونتو، وهي مدن ذات كثافة سكانية منخفضة، لكنها تعج بالسائحين في هذاالوقت من السنة. ويصعب وجود الكثير من السائحين بين سكان المدن المتضررة عملية الوصول إلى تقديرات دقيقة للمفقودين. قال مسؤول محلي في المدينة إن ثلاثة بريطانيين على الأقل بين ضحايا الهزة الأرضية. وقالت الحكومة الرومانية إن 11 من مواطنيها في عداد المفقودين حتى الآن.

ولا زالت فرق البحث تعثر على جثث في المدينة، من بينها رفات أحد الأشخاص عُثر عليه بين أنقاض فندق روما. قال لورنزو بوتي، مسؤول بهيئة الإطفاء، إن فرق الإنقاذ في سباق مع الزمن من أجل العثور على المزيد من الناجين. وأضاف: "تنطوي فرص العثور على ناجين في هذه الظروف والمعطيات على تحدي كبير." بحسب بي بي سي.

لكن عددا من أعضاء فرق الإنقاذ أعربوا عن أملهم في الوصول إلى المزيد من المفقودين أحياء، مؤكدين أنهم عثروا على أحد الناجين في مدينة لاكويلا في 2009 بين أنقاض أحد المباني بعد ثلاثة أيام من انهياره جراء هزة أرضية. وطالبت فرق الإنقاذ من السكان المحليين في المدن المتضررة تعطيل كلمات المرور الخاصة بالإنترنت الهوائي، واي فاي، الخاص بهم لتسهيل الاتصال بين أعضاء الفرق أثناء البحث.

خطة البيت الايطالي

الى جانب ذلك يتساءل الايطاليون عن سبب ارتفاع حصيلة الضحايا. ففي 2009 ضرب زلزال منطقة اكيلا غير البعيدة عن المنطقة التي شهدت الهزة ، وأسفر عن سقوط اكثر من 300 قتيل. لكن اكيلا مدينة تضم عشرات الآلاف من السكان. وصدم الايطاليون خصوصا بوضع مدرسة اماتريتشي التي تم تجديدها في 2012 لتكييفها مع معايير البناء المضاد للزلازل وتحولت الى كومة أنقاض. وفتح مدعي رييتي المدينة القريبة من مكان الزلزال تحقيقا لكشف اي عمليات اختلاس قد تكون حدثت في اماتريتشي والقرى الاخرى.

وبعد ان اكد انه يدرك اهمية هذه التساؤلات، اعلن رئيس الحكومة الايطالي ماتيو رينزي اطلاق خطة "البيت الايطالي" التي تهدف الى جعل الوقاية محور عمل الحكومة في هذا المجال. وقال رينزي للصحافيين بعد اجتماع للحكومة ان "إيطاليا يجب ان تكون لديها رؤية لا تقتصر فقط على ادارة الاوضاع الطارئة".

وأشار الى انه في مجال الوقاية من الزلازل، لا تبدو المهمة سهلة لايطاليا التي تملك اكبر عدد من المباني الأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو). وأضاف انه لا يمكن "محو" كل المراكز التاريخية في شبه الجزيرة الايطالية لكنه اعترف بان الوسائل التقنية الحديثة يمكن ان تحسن الحماية. وأدى زلزال الى تضرر او تدمير 293 مبنى لها قيمة ثقافية، كما قال وزير الثقافة الايطالي داريو فرنشيسكيني.

ويُذكر أن الهزات الناجمة عن الزلزال شُعر بها في العاصمة روما التي تبعد مسافة 160 كيلومترا تقريبا عن نورتشا، وبعد ساعة من الضربة الأولى، ضربت هزة أرضية ارتدادية بقوة 5.5 ريختر في مكان يبعد أربعة كيلومترات شمال ذات البلدة. وعرضت محطات تلفزيون مشاهد لشوارع تناثرت فيها الأنقاض في عدد من البلدات. وانهارت بعض واجهات مبان حجرية قديمة مما أدى إلى انكشاف الحجرات الداخلية.

وأكدت السلطات الإيطالية في وقت سابق أن أكثر من ألف من عناصر الشرطة، إضافة إلى 1060 من رجال الإطفاء، و400 عسكري، وأكثر من 3 آلاف من المتطوعين وأعضاء المنظمات الاجتماعية الإيطالية يشاركون في عمليات الإنقاذ والإغاثة وإزالة آثار الزلزال. كما أكدت السلطات إيواء أكثر من 2100 شخص في خيم مؤقتة بعدما فقدوا منازلهم من جراء الزلزال.

وعلى الرغم من الهزات الإرتدادية التي لم يعد معظمها يثير خوفاً، يحاول عدد من السكان انتشال بعض ممتلكاتهم. وقال لويجي دانجيلو المسؤول المحلي عن فرق الدفاع المدني لوكالة فرانس برس إن "الأولوية الآن هي لتأمين مسكن للأشخاص الذين باتوا بلا مأوى. وأضاف "حالياً نقيم قرى من الخيام في كل البلدات المتضررة".

وبالفعل أقامت فرق الإنقاذ حول المناطق المتضررة قرى من الخيام يتم تدفئتها ليلاً، لإيواء السكان المنكوبين. لكن الكثير من هذه الخيام بقيت فارغة ولجأ السكان إلى بيوت أصدقاء أو أقرباء أو فضلوا أن يمضوا الليل في سياراتهم. وواصل آلاف المتطوعين والمحترفين عمليات البحث عن ناجين ليلاً. وقال دانجيلو "ما زلنا نأمل في العثور على ناجين ونعمل لهذا الهدف". وقال الدفاع المدني أنه تم انقاذ 2015 شخصاً منذ وقوع الزلزال، بدون أن يذكر أي تفاصيل عن ظروف هذه العمليات.

اضف تعليق