q

يعد التجسس وكما تشير المصادر أحد الأنواع والسبل الملتوية في الحروب الحديثة والقديمة إضافة إلى أنه يمثل تربصا "وخطرا داهما" لكلا طرفي الحرب. وهو سلاح مهم يستخدم لإضعاف قدرات الأعداء، من خلال الحصول على بعض المعلومات المهمة والحساسة التي تخص جوانب مختلفة سواء كانت عسكرية او سياسية او اقتصادية..الخ من الجوانب الأخرى، يقوم بجمعها عدد من العملاء والجواسيس الذين يتم تجنيدهم بطرق وأساليب خاصة، والجاسوس هو الشخص الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدولة محاربة بهدف إيصالها للعدو.

فهم يعملون في وقت الحرب والسلم ويحصلون على معلومات لتعزيز جبهة الدولة التي يتجسسون لحسابها، في حالة نشوب حرب جديدة في الحصول على معلومات عن تطور الأسلحة الحربية في الدول الأخرى وما وصلت إليه من تكنولوجيا حديثة، ومن اجل تقوية الصراع القائم بين الدول على القواعد الإستراتيجية والسيطرة على مناطق النفوذ، والاستفادة من الاضطرابات السياسية في بقاع العالم، عن طريق دس الفتن والمؤامرات السياسية لخدمة مصالحها السياسية والإستراتيجية.

وبحسب بعض الخبراء فان عمليات التجسس قد أصبحت اليوم وفي ظل التطور العلمي والتكنولوجي الكبير من اخطر المشكلات العالمية، التي تهدد امن واستقرار الكثير من الدول والحكومات حيث سعت الكثير من أجهزة الاستخبارات الى اعتماد الوسائل التكنولوجية المتطورة لتنصت والمراقبة والحصول على المعلومات سواء كانت داخلية او خارجية، الأمر الذي قد يسهم بحدوث صراعات مسلحة خصوصا وان هذه حرب التجسس قد بدأت فعلياً بين بعض الدول الكبيرة.

امريكا وروسيا

وفي هذا الشأن ألقى مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي القبض على جاسوس روسي كان يعمل في إطار شبكة تجسس روسية تجمع معلومات اقتصادية وتجند مخبرين أمريكيين، كل هذا لحساب جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي بحسب ما أعلنه أف بي آي. وأفادت وزارة العدل أن يفغيني بورياكوف (39 عاما)، الملقب باسم "زينيا"، اعتقل في حي البرونكس وكان يدعي بأنه موظف في مصرف روسي.

وأوضحت الوزارة أن شخصين آخرين يشتبه بأنهما شريكان له في الشبكة ذاتها ويتمتعان بحصانة دبلوماسية، غادرا الولايات المتحدة. وعرفت وزارة العدل عن هذين الشريكين على أنهما إيغور سبوريشيف (27 عاما) وفيكتور بودوبني (40 عاما). والأول كان الممثل التجاري للاتحاد الروسي في نيويورك من تشرين الثاني/ نوفمبر 2010 إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. والثاني كان ملحقا بالبعثة الدائمة للاتحاد الروسي في الأمم المتحدة من كانون الأول/ ديسمبر 2012 إلى أيلول/ سبتمبر 2013. وأوضحت السلطات الأمريكية أن الثلاثة كانوا يعملون في الواقع لحساب جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي.

وكانت مهمة سبوريشيف وبودوبني تقضي بتجنيد مقيمين في نيويورك ليصبحوا مصادر معلومات لروسيا، وتكليف بورياكوف جمع معلومات ونقل التقارير التي كان يعدها إلى المقر العام لجهاز الاستخبارات الخارجية في موسكو. ومن المسائل التي عمل الرجال الثلاثة على جمع معلومات بشأنها، بحسب وزارة العدل، عقوبات أمريكية محتملة ضد مصارف روسية والجهود الأمريكية لتطوير مصادر طاقة بديلة.

وتأتي هذه المسألة في وقت تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا توترا شديدا وتدهورا إلى مستوى غير مسبوق منذ الحرب الباردة، ولا سيما بسبب النزاع في سوريا والأزمة الأوكرانية، وكذلك في مسائل تتعلق بحقوق الإنسان ومنح اللجوء للمستشار السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن في موسكو. وأوضحت وزارة العدل في بيان أنه "بفعل إلحاقهما الرسمي بالحكومة باسم روسيا، فإن سبوريشيف وبودوبني معفيان من إبلاغ وزارة العدل بطبيعة عملهما الحقيقية. لكن هذا الإعفاء لا يجيز لهما التآمر مع بورياكوف أو تشجيعه في عمله كعميل لروسيا غير مسجل يعمل في الولايات المتحدة".

وفي 2010 أوقفت الولايات المتحدة عشرة أشخاص يشتبه بأنهم عملاء في "خلية نائمة" بينهم آنا تشابمان، وهي امرأة أعمال روسية لقبت في نيويورك بـ"ماتا هاري الجديدة"، وقد أقرت بذنبها وتم ترحيلها إلى روسيا في إطار تبادل سجناء. ووجهت التهمة رسميا إلى الرجال الثلاثة بالمشاركة في مؤامرة من أجل السماح لبورياكوف بالعمل كعميل لحكومة أجنبية في الولايات المتحدة بدون إبلاغ وزارة العدل، وهو جرم يعاقب بالسجن خمس سنوات. إضافة إلى اتهام بورياكوف، اتهم سبوريشيف وبودوبني بمساعدته وتشجيعه. وهذه التهمة تعاقب بالسجن عشر سنوات كحد أقصى. بحسب فرانس برس.

ورصد الـ أف بي آي بين آذار/ مارس 2012 وأيلول/ سبتمبر 2014 عشرات اللقاءات العابرة بين بورياكوف وسبوريشيف في الخارج، كان بورياكوف يناول خلالها حقيبة أو مجلة أو أوراقا إلى سبوريشيف. كما تم تسجيل أحاديث كثيرة بين الشريكين يناقشان خلالها جهودهما لتجنيد أمريكيين في شركات كبرى وفي جامعة في نيويورك، بحسب المدعين العامين.

ألمانيا وتركيا

من جانب اخر قالت مجلة فوكوس الألمانية إن وكالة المخابرات الألمانية تتجسس على تركيا لما يقرب من أربعة عقود. جاء ذلك في تقرير قد يزيد التوترات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وتتجاوز التفاصيل عن التجسس المحتمل وعن عملية صنع القرار المحيطة بها ما جاء في التقارير الأولى التي ظهرت في وقت سابق. واستدعت تركيا السفير الألماني في أنقرة بعد نشر تقارير إعلامية قالت إن برلين اعتبرت أنقرة هدفا مهما للتجسس في وثيقة حكومية ترجع لعام 2009 وأنها تجسست على تركيا على مدى سنوات.

وقالت مجلة فوكوس إن وكالة المخابرات الخارجية (بي.إن.دي) كانت تتجسس على تركيا منذ عام 1976 وإن المستشار الألماني آنذاك هلموت شميت المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي وافق صراحة على هذه الخطوة. ونقلت المجلة كذلك عن مصادر حكومية قولها إن التكليف الحالي الذي تتجسس بموجبه وكالة المخابرات الخارجية على المؤسسات السياسية التركية يتم بموافقة من مجموعة عمل حكومية ألمانية تضم ممثلين من مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزارات الدفاع والخارجية والاقتصاد. وأحجم متحدث باسم الحكومة عن التعليق على التقرير.

على صعيد متصل قالت صحيفة إن السلطات التركية اعتقلت طائرا للاشتباه في أنه يتجسس لصالح اسرائيل لكنها أطلقت سراحه بعد أن أظهر تصويره بأشعة إكس انه غير مزود بمعدات للمراقبة. وأثار طائر العوسق وهو نوع من الصقور الشكوك بسبب حلقة معدنية في قدمه مكتوب عليه (24311 تل افيفونيا اسرائيل) مما دفع السكان في قرية الدنيفة لتسليمه إلى الحاكم المحلي. بحسب رويترز.

ووضع الطائر في جهاز للتصوير بالأشعة في مستشفى جامعي للبحث عن شرائح متناهية الصغر أو أجهزة تجسس حسبما ذكرت صحيفة ميليت التي حملت صورة الاشعة العادية على صدر صفحتها الاولى بعنوان "عميل اسرائيلي". وتوترت العلاقات بين تركيا واسرائيل وهما حليفان عسكريان قديمان منذ مايو ايار 2010 عندما قتلت قوات كوماندوز اسرائيلية تسعة نشطاء اتراك على السفينة مافي مرمرة التي كانت ضمن قافلة لكسر الحصار البحري الاسرائيلي على قطاع غزة.

وزارة العدل الأمريكية تتجسس

الى جانب ذلك ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن وزارة العدل الأمريكية جمعت سرا وخزنت مئات الملايين من التسجيلات لسائقي السيارات في إطار الجهود المبذولة لوضع قاعدة بيانات قومية لرصد حركة الحافلات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ونقلت الصحيفة عن وثيقة حكومية أن الهدف الرئيسي من برنامج تتبع لوحات السيارات الذي تديره إدارة مكافحة المخدرات هو مصادرة السيارات والأموال والأصول الأخرى لمكافحة تهريب المخدرات.

وأضافت الصحيفة نقلا عن مسؤولين حاليين وسابقين ووثائق حكومية أن استخدام قاعدة البيانات اتسع ليشمل ملاحقة الحافلات المرتبطة بجرائم محتملة أخرى والأشخاص المشتبه في قيامهم بأعمال خطف وقتل واغتصاب. وفي الوقت الذي قال فيه مسؤولون أمريكيون إنهم يتتبعون حافلات بالقرب من الحدود المكسيكية لمكافحة عصابات المخدرات نقلت الصحيفة عن رسالة بالبريد الإلكتروني أن البرنامج لم يكشف من قبل أن إدارة مكافحة المخدرات عملت على توسيع قاعدة البيانات "لتشمل جميع أنحاء الولايات المتحدة". وتابعت الصحيفة أن العديد من وكالات إنفاذ القانون المحلية وفي الولايات تستخدم قاعدة البيانات لإجراء مجموعة مختلفة من التحقيقات. وأضافت أنه من غير الواضح ما إذا كانت أي محكمة قد أشرفت أو صادقت على البرنامج.

الانترنت لتجنيد الجواسيس

في السياق ذاته تحول الموساد الاسرائيلي الى الانترنت بحثا عن جواسيس ومخبرين بالخارج وقدم لهم نصائح حول حماية خصوصيتهم اثناء التواصل عبر شبكة المعلومات. ولإسرائيل علاقات دبلوماسية مع دولتين عربيتين فقط هما مصر والاردن وليس لها سفارات في باقي انحاء الشرق الاوسط يمكن ان يلجأ لها المخبرون المحتملون مما يجعلها في حاجة الى وسائل تجنيد أخرى.

وقال قسم "اتصل بنا" الجديد على موقع الموساد على الانترنت "من المعلوم للجميع أن أي فرد في كافة أنحاء العالم ومن أية دولة أو قومية أو ديانة يستطيع الاتصال بجهازنا (جهاز الموساد) والعمل لخدمتنا بعد تكليفه بمهمة أو نشاط يناسبه مع تحقيق الاستفادة القصوى منها." والاعلان متاح بلغات منها العربية والفارسية والفرنسية والروسية.

وقال الاعلان "تعتبر هذه العملية برمتها سرية الامر الذي يشكل جوهر التواصل مع جهازنا." وحتى في مصر والاردن تخضع سفارتا اسرائيل لتدقيق امني كبير. وادراكا لأن تقديم المعلومات او المساعدة عبر الانترنت قد يكون ايضا ابعد ما يكون عن الامان اضاف الموساد "يجب ان تفكر قبل تعبئة هذه الاستمارة اذا كان الحاسوب الذي تستخدمه والموقع الذي تتواجد فيه آمنين بشكل كاف لان التواصل معنا من خلال وسائل غير مرتبطة بك سيكون اكثر أمنا‭‭.‬‬ كما نقترح أن تقوم بمحو بيانات التصفح بعد الانتهاء منه." بحسب رويترز.

وقال جاد شيمرون الضابط الميداني السابق بالموساد الذي يكتب الآن عن المخابرات والشؤون العسكرية إن الاسلوب الجديد "يبدو جهدا من الموساد لجذب اقصى عدد من الاطراف المهتمة." واضاف "اذا ثبت ان بعضهم مصادر قيمة للمعلومات او المساعدة.. وحتى لو اتضح 90 في المئة شطبوا باعتبارهم غير مفيدين.. فسيبقى ذلك امرا جديرا بالاهتمام."

الجواسيس في بريطانيا

من جانب اخر سيسمح للجواسيس البريطانيين بقيادة سياراتهم بسرعة كبيرة من دون ان يحصلوا على مخالفة مرورية بموجب اجراءات حكومية جديدة. وسيعلن سكرتير الدولة لشؤون النقل روبرت غودويل هذا التغيير الذي سيعفي الجواسيس على غرار عناصر الشرطة وفرق الإطفاء وسيارات الاسعاف من احترام السرعة المحددة. وسيحصل عملاء جهازي "ام اي 5" و"ام اي 6" للاستخبارات الداخلية والخارجية على رخصة صالحة فقط عند تأديتهم مهمات، ما ان يتابعوا حصة تدريبية حول القيادة بسرعة كبيرة. بحسب فرانس برس.

وستستفيد السيارات التي تنقل اعضاء موجهة لعمليات زرع وفرق تفكيك المتفجرات، من هذا الاجراء الجديد. وقال مصدر وزاري لصحف بريطانية "انه قرار منطقي سيطبق على كل الاشخاص الذين يقومون بمهام حيوية في ظروف صعبة. وهذا سيسمح بانقاذ ارواح وبجعل بريطانيا اكثر امنا". ويواجه راهنا الجاسوس الذي يتعقب "شريرا" احتمال فرض غرامة عليه في حال ضبطه متجاوزا السرعة المحددة ب48 كيلومترا في الساعة داخل المدن.

الآلة الكاتبة لحفظ الاسرار

على صعيد متصل بعد المعلومات التي كشفها الاميركي ادوارد سنودن، قرر احد اجهزة الاستخبارات الروسية شراء الات كاتبة لطباعة الوثائق السرية على ما ذكرت صحيفة "ايزفيستيا" الروسية. وقام جهاز الحماية الفدرالي المنبثق عن جهاز "كاي جي بي" باستدراج عروض لشراء 20 الة كاتبة. واتخذ القرار "بعد فضائح ويكيليكس والمعلومات التي كشفها سنودن" على ما اوضح مصدر في الجهاز للصحيفة. واكد المصدر "تقرر استخدام الوثائق الورقية اكثر".

رفض الجهاز الاعلامي لجهاز الحماية الفدرالي التعليق على الامر وافادت مصادر اخرى اوردتها الصحيفة ان اجهزة الاستخبارات فضلا عن وزارة الدفاع تستخدم دائما الات الكاتبة. وقال النائب والمدير السابق لجهاز الامن الفدرالي (كاي جي بي سابقا) نيكولا كوفاليف "من الناحية الامنية فان اي تواصل الكتروني مهدد. فيمكن رصد اي معلومة ترد عبر الكمبيوتر". واضاف في تصريح لصحيفة "ازفيستيا"، "ينبغي اللجوء الى الوسائل البدائية اي خط اليد او الالة الكاتبة".

السجين اكس الثاني

في السياق ذاته قالت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان السجين السري المعتقل في اسرائيل وتم الكشف عن وجوده تعرض لسنوات لنظام عزل كامل. وبحسب وسائل الاعلام فان هذا السجين الذي لم يتم الكشف عن هويته حتى للحراس، كان مسجونا في سجن قرب تل ابيب في زنزانة دون نوافذ شديدة الحراسة ودون اي اتصال مع السجناء الاخرين. ولا يسمح للسجين الا بجولة قصيرة في ساحة محاطة بسور.

ومثله مثل السجين السابق بين زيغير الذي عرف ايضا بتسمية السجين "اكس" الذ انتحر شنقا في كانون الاول/ديسمبر 2010 في زنزانة مجاورة، فان زنزانة هذا السجين مزودة بكاميرات مراقبة اربعا وعشرين ساعة لمنع اي انتحار محتمل. ونقلت وسائل الاعلام عن رئيس لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية في البرلمان افيغدور ليبرمان قوله ان التهم الموجهة اليه "خطيرة للغاية" مؤكدا انه بالتأكيد يتم احترام حقوق المساجين.

ومن جهته، اكد افيغدور فيلدمان وهو محامي متخصص في قضايا الاستخبارات وكان زار بين زيغير بان ملف السجين الثاني "اكثر خطورة من ملف بين زيغير". ونقلت وسائل الاعلام عن المحامي قوله "ان الامر يتعلق بخرق خطير للغاية للامن.عندما علمت بالتفاصيل صدمت بصفتي مواطنا اسرائيليا". وكان وزير الامن الداخلي اسحق اهرونوفيتش اكد في وقت سابق انه لا يوجد اي "سجين اكس" اي معتقل بشكل سري في اسرائيل. واتهمت النائبة عن حزب ميريتس زهافا غالؤون (معارضة يسار) اهرونوفيتش "بعرض تقرير كاذب امام البرلمان" في حين اكد الوزير ان السجناء يتمتعون بحماية القانون. واكد قائلا "في بعض الاحيان هنالك ملفات لا يمكن الكشف عنها للجمهور دون تقويض الامن القومي" موضحا انه "لا يوجد اي سجين لا تعلم المحاكم بوجوده".

الجواسيس ابطال في سينما

في السياق ذاته فانهم جذابون وشجعان واذكياء ووطنيون، وهم فوق كل ذلك يتقنون لغات عدة ويبدون كمن لا خوف عليهم من الموت... هكذا باتت السينما في كوريا الجنوبية تصور الجواسيس الكوريين الشماليين بعد سنوات طويلة على اظهارهم بصورة المجرمين عديمي الرحمة. وهؤلاء الجواسيس التابعين لأكثر انظمة العالم انغلاقا وشمولية يصورون في هوليوود على انهم ارهابيون لا رأفة عندهم. اما في سينما كوريا الجنوبية فتختلف الصورة منذ سنوات قليلة، اذ ان هؤلاء الرجال باتوا يصورون على انهم ضحايا الازمة السياسية التي تعيشها شبه الجزيرة الكورية منذ نهاية الحرب في العام 1953.

وما زالت الكوريتان فعليا في حالة حرب، وذلك بعد ستين عاما على توقيع اتفاق الهدنة، ومن وقت لاخر تقع توترات عسكرية سرعان ما تترجم اشتباكات على طول الحدود المحصنة بين الجارتين. ومنذ عقود، تخوض الدولتان حرب الجواسيس، بهدف تصفية الخصوم او الحصول على اسرار الدولة من الطرف الآخر.

ورفعت الحكومة الجنوبية لوقت طويل شعار "بلغوا عن الجواسيس"، وكانت تعلق لافتات في الشوارع بهذا الخصوص بالإضافة الى حملات تلفزيونية. ورصدت السلطات مكافآت لمن يبلغ عن الجواسيس، وكان الاطفال يتعلمون في المدارس أساليب كشف الجاسوس من خلال تحركاته او لهجته. وفي العام 1968، تسلل 30 مقاتلا من مقاتلي النخبة في كوريا الشمالية الى وسط سيول عاصمة كوريا الجنوبية، بهدف اغتيال الرئيس الجنوبي آنذاك بارك شونغ هي، الا ان العملية فشلت وقتل الفريق.

لكن كوريا الجنوبية عمدت بعد ذلك، بين العامين 1998 و2008، الى سياسة "دبلوماسية الشمس المشرقة"، لتشجيع التواصل بين الاخوة الاعداء، الامر الذي سمح للسينمائيين الجنوبيين بتصوير الجواسيس الشماليين بصورة افضل. ففيما كان هؤلاء الاشخاص يصورون على انهم باردون واشرار، باتوا اليوم يصورون على انهم اصحاب ملامح واحاسيس انسانية، ولكنهم في قبضة النظام الشمالي الدموي.

وهذه الافلام التي لم يكن احد يتصور انتاجها قبل عشرين عاما مثلا، تلاقي نجاحا كبيرا وخصوصا في اوساط الشباب الجنوبيين الذين لا يحملون ذكريات النزاع الدامي مع نظام بيونغ يانغ الشمالي. ومنذ العام 2010، تعرض عشرات الافلام من هذا النوع في صالات السينما في كوريا الجنوبية، وهي اعمال يشارك فيها نجوم السينما في البلاد.

ويعمل المخرج كيم كي دوك حائز جائزة الاسد الذهبي في مهرجان البندقية، على فيلم بعنوان "ريد فاميلي" (العائلة الحمراء) يتتبع حياة مجموعة من الجواسيس يمرون لدى عائلة عادية في الجنوب. ويقول الناقد كيم سان يوب ان الشمال يشكل "مصدر الهام مثالي"، اذ انه بلد غامض لا تتوافر عنه الكثير من المعلومات. وفي كانون الاول/ديسمبر من العام 2011، توفي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل الذي ورث السلطة الشيوعية عن والده، واورثها هو الآخر لابنه الزعيم الحالي كيم جون اون. بحسب فرانس برس.

ويقول كاتب السيناريو الشهير جانغ شايل سو ان وفاة كيم جونغ ايل اثارت انتباه السينمائيين، وان كوريا الشمالية تشكل مادة خصبة لاعمال الحركة والتشويق والحب والفكاهة ايضا. ويؤشر النجاح الكبير لهذه الافلام على وجود ثورة في المفاهيم لدى الكوريين الجنوبيين. ففي الزمن الماضي، كان تصوير جاسوس شمالي على انه شخص جيد، يستوجب عقوبة بحكم قانون الامن الوطني. وقد اوقف المخرج لي مان هي ودفع غرامة في العام 1965 لانه صور جنود كوريا الشمالية على انهم مثيرون للشفقة والرحمة. لكن الامور تغيرت كثيرا منذ ذلك الحين.

اضف تعليق