q

يواجه مرشح الحزب الجمهوري لخلافة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تراجعا في الدعم المقدم له من قبل بعض قياداته حزبه، نتيجة سلوكه السياسي الذي يوصف بالمتهور وقلة خبرته، مما قد يشكل تهديدا فعليا للولايات المتحدة الامريكية ومصالحها في الخارج واستقرارها في الداخل.

في رسالة مدوية نشرتها صحيفة نيويورك تايمز (يوم الإثنين 8/8/2016)، حذر خمسون جمهوريا عملوا بالبيت الأبيض وتولوا مسؤوليات كبيرة في جهاز الأمن القومي من أن دونالد ترامب سيكون "أخطر رئيس في التاريخ الأمريكي" بسبب جهله وعدم كفاءته، في اجراء اعتبره مراقبون انه اعلان لانتهاء الهدنة الهشة بين دونالد ترامب وقيادات الحزب الجمهوري الذي لم يلقى الدعم القوي منذ بداية ترشحه.

اخر ردود الفعل الرافضة لدونالد ترامب كانت من داخل الحزب الجمهوري ايضا بعد ان كتب أكثر من 70 جمهورياً نافذاً مصدومين بحملة مرشح الحزب، رسالة الى حزبهم تطالب بوقف تمويل هذه الحملة والتركيز على انتخابات الكونغرس التي ستجري تزامناً مع الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وجاء هذا القرار على وقع اتهام دونالد ترامب مساء الأربعاء 10 أغسطس/آب 2016، الرئيس الأميركي باراك أوباما "بتأسيس" داعش، كما اتهم منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بأنها "شريكة في تأسيس" هذه الجماعة الارهابية.

الجمهوريون يتخوفون من المستقبل المجهول لمرشحهم الوحيد للرئاسة وقد كتبوا في رسالتهم الموجهة الى رئيس الحزب، راينس برايبس، أن "قدرة دونالد ترامب على إثارة الانقسام وقلة كفاءته وتهوره وتدني شعبيته الى مستوى قياسي، كل هذه العوامل قد تحول هذه الانتخابات الى مد ديمقراطي".

اهم ما اسهم في سقوط ترامب هو دخوله في مناقشة موضوعات تثير الكثير من التساؤلات، بداء من حديثه عن طرد المسلمين والمهاجرين، ومرورا بمسالة الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة الامريكية وليس انتهاء بدعوته للمخابرات الروسية باختراق حساب منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ورغم تطرفه كان يتراجع في اغلب تصريحاته بسبب ردود الأفعال الغاضبة منه، فقد رصد موقع "هافينغتون بوست عربي" مسلسل تراجعات ترامب وتنصله عن تصريحاته في تقرير حمل عنوان " 9 مرات يتراجع فيها ترامب عن تصريحاتٍ قالها.. هكذا كان يكذّب نفسه".

الجمهوريون لا يريدون تحويل أمريكا الى دولة نازية كما يمكن ان يحدث في حال طبق ترامب كل ما يقوله، فهتلر الذي قاد العالم وألمانيا الى الجحيم فاز أيضا بالانتخابات وكسب الأصوات من خلال شعاراته الشعبوية وميله المفرط لتفوق الجنس الاري بحسب وجهة نظره، وبالتالي فقد استشعر الكثير من قادة الولايات المتحدة هذه المخاطر لا سيما حينما تأتي التحذيرات من مصادر متعددة وفي مواقع حساسة، فبالإضافة الى رسالة الجمهوريين، أثارت مواقف ترامب استنكاراً في صفوف وكالات الاستخبارات المركزية الأميركية. واتهم مدير سابق لـ"سي آي إيه"، خدم في عهود العديد من الرؤساء، ترامب بأنه عميل للاتحاد الروسي من دون أن يدري.

مخاوف الجمهوريون هذه محسوبة بدقة، وتؤكد اصالة التجربة الديمقراطية الامريكية التي أوصلت بلادهم الى هذا المستوى من التقدم الاقتصادي والعسكري وفي مختلف المجالات، ورغم ان هذا السلوك يكون طبيعيا في دولة كان المعيار الأبرز فيها لمصلحة البلاد العليا، الا اننا نتحسر عندما نرى القادة السياسيون في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العراق يقلدون الغرب في كل ما يتنافى مع قيمنا، وعندما يصل الامر الى التنازل عن السلطة والنفوذ نجدهم يبتكرون أساليب من انتاجهم الخاص ويبدعون في استثمار ما يقع بأيديهم من اجل الحفاظ على الحكم.

لا نود هنا ان نسطر حسنات التجربة الامريكية ولا كيل الاتهامات لها، فكل تجربة فيها من الصح والخطأ الكثير كونها تعتمد في تطبيقها على الانسان الذي قد تحكمه التقديرات الذاتية والمصالح الخاصة، وما نريد التذكير به هو الدعوة لتاسيس تقاليد في الحكم تتناسب واحتياجات المجتمعات العربية تسهم في الارتقاء بشعوب المنطقة ووضعها على سكة الدول "المحترمة". فالجمهوريون على سبيل المثال لم يخافوا من فوز المرشحة الديمقراطية كونها ستفوز بأربع سنوات وتترك البيت الأبيض بعد ذلك، وكانت مخاوفهم من تهديد مستقبل الولايات المتحدة وضياع البلاد في مصير لا يعرف نهايته أحد.

الحالة الفريدة التي أحدثها دونالد ترامب يراها بعض المراقبين بانها احدى نتائج تراجع الدور الأمريكي في رسم السياسة العالمي مع صعود دول أخرى مثل الصين والهند وروسيا، في المقابل يرى اخرون ان الولايات المتحدة لا تزال هي الدولة الأولى في العالم ولا مجال للحديث عن نظام متعدد القطبية في هذه الفترة، الا ان ظهور شخصيات مثل دونالد ترامب قد تقلل من ثقة دول العالم بالولايات المتحدة كمركز للاستقرار العالمي، وتزيد في الوقت نفسه من مخاوف حلفاء الولايات المتحدة، ما يعني بدأ مرحلة التراجع الأمريكي اذا ما فاز دونالد ترامب.

وفي ضوء هذه الاحداث والتراجع في شعبية ترامب بات من الطبيعي ان نتوقع فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وفي حال فوزها تشير المعطيات الى انها ستكون خير خليفة لباراك أوباما من خلال السير على نهجه القائم على تقليل الصراعات وإعطاء فسحة للحوار مع جميع الدول، وفي المقابل لا يستبعد فوز المرشح الجمهوري إذا ما وضعنا في الحسبان ان أكثر المتفائلين لم يتوقع ان يصل الى هذه المرحلة الانتخابية.

اضف تعليق