q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

المسؤوليات الاجتماعية

من قاموس الامام الشيرازي

تتحدد المسؤولية الاجتماعية من منطلق نظرية اخلاقية تقول: (ان أي كيان، سواء كان منظمة أو فرد، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل).

هذا العمل هو في محصلته النهائية يهدف الى (الحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد والنظام البيئي (أو النظام الإيكولوجي).

يرى علماء النفس والاجتماع، أن الإنسان بطبيعته يحب الأفضل لنفسه، ما لم تصقل لديه هذه الغريزة لتحويلها إلى مفهوم أشمل، يقرن حب الخير للنفس بحب الخير للغير، إهمال هذه الغريزة يؤدي إلى الممارسات السلبية، التي يشكو منها المجتمع وتشوه مرافقه، مثل الاستهتار بنظافة الأماكن العامة، وترك المخلفات بعد مغادرتها.

تُعرَّف كلمة المسؤولية في معجم اللغة والأعلام بأنها ما يكون به الإنسان مسؤولاً ومطالباً عن أمورٍ وأفعال أتاها. وفي "المعجم الوسيط": المسؤولية بوجه عام هي حال أو صفة من يُسأل عن أمر تقع عليه تبعته. يُقال: أنا بريء من مسؤولية هذا العمل. ويُقدّم "جاريسون ورود" تعريفاً للمسئولية على أنها نزوعُ الفرد إلى التّفكير المسبق في النتائج المحتملة لأيّ خطوة مقترَحة، وقبولُ هذه النتائج عن قصد.

وعلى الرغم من أهمية مفهوم المسؤولية الاجتماعية وحيويّة الدور الذي تقوم به في حياة الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، يُوجّه لوي الانتباه إلى حقيقة هامة مؤداها عدم وجود اتفاق عام حول ماهية مفهوم المسؤولية الاجتماعية على وجه التحديد، وما هي أفضل السبل التي يمكن استخدامها لقياسها،ويرى البادي أن مصطلح المسؤولية الاجتماعية يُرادف عدداً من المصطلحات في اللغة الانجليزية وهي:

• الاهتمام Social Concern. • الضمير الاجتماعي SocialConscience. • المشاركة الاجتماعية Social Involvement. • الاستجابة الاجتماعية Social Response. كما يرى أن مصطلح المسؤولية الاجتماعية هو أكثر المصطلحات شيوعاً وأكثرها ارتباطاً بأفكار وثقافة المجتمع الذي تدور حوله فكرة المفهوم.

وانطلاقا من كون المسؤولية الاجتماعية في جانب كبير من نشأتها ونموها إنتاجا اجتماعيا وتربويا ونفسيا، تؤكد الابحاث النفسية والاجتماعية على ضرورة التركيز على عدد من المؤثرات التربوية، التي تسهم في تنمية حس المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد، ومنها الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والمؤسسة الإعلامية، نظرا لما تؤديه من دور تثقيفي في إعداد وتنشئة الأبناء.

الشعور بالمسؤولية وتحمل تبعاتها يجعل الإنسان يقترب أكثر من تحقيق التكيف النفسي، وتحقيق التوافق النفسي الاجتماعي، وتخطي العقبات والصعاب التي تعترض الإنسان بطرق تكيفية مباشرة.

تتكوّن المسؤولية الإجتماعية من عناصر مترابطة ينمّي كل منها الآخر ويدعمه ويقوّيه ويتكامل معه وهذه العناصر هي:

• الإهتمام والفهم، ويتضمن الإرتباط العاطفي بالجماعة وحرص الفرد على سلامتها وتماسكها واستمرارها وتحقيق أهدافها. ويتضمن فهم الفرد للجماعة والقوى النفسية المؤثرة في أعضائها، وفهمه لدوافع السلوك الذي تنتهجه خدمة لأهدافها، وأيضاً، استيعابه للأسباب التي جعلته يتبنّى مواقفها...

• المشاركة. المشاركة مسؤولية وهي الأرضية الأساسية لحياة إجتماعية مشرقة مستقرة

• الإنتماء: ويتضمن الإرتباط العاطفي بالجماعة وحرص الفرد على سلامتها وتماسكها واستمرارها وتحقيق أهدافها.

ماهي مظاهر المسؤولية الإجتماعية؟

انها كثيرة، منها: المسؤولية الشخصية والإجتماعية عن الوالدين والأبناء وذوي القربى واليتامى، والمسنين الذين يعيشون معاناة سن الشيخوخة واحتياجاته الصحية والنفسية، وكذلك المسؤولية المهنية وتتضمن، الإخلاص في العمل، وإنجازه والتفاني فيه وبذل أقصى جهد لتحقيق إنتاج جيد، والمسؤولية القانونية: إحترام القوانين والإنضباط والمحافظة على النظام الإجتماعي، والأمانة...

ومن أخطر مظاهر نقص المسؤولية الإجتماعية:

الإغتراب، وهو غربة عن النفس وعن الواقع وعن المجتمع، ومن أهم أعراضه: العزلة، اللاّإنتماء، واللاّهدف، والضياع والإنسحاب، ورفض التعاون، واحتقار الذات واحتقار الجماعة.

حول المسؤولية الاجتماعية كتب الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه (حكومة الاكثرية) والصادر بطبعته الاولى في العام / 2002في معرض حديثه عن القادم العراقي انطلاقا من قوله تعالى: ((لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)).

وهو يرى ان المسؤوليات الاجتماعية تعد من المسؤوليات الصعبة والمهمة؛ وسبب تلك الصعوبة برايه لأنها تتطلب التضحية والبذل والعطاء؛ وليس الكل قادراً على تفهمها، وعدم التفهم ليس وحده المانع من تحمل تلك المسؤولية، بل يذهب الامام الراحل الى القول (إن بعضهم ليس على استعداد حتى لبحثها والخوض فيها، ولو كانوا مستعدين يوماً لتعلّم هذه المسائل، فهم غير مستعدين لإبداء نشاط إيجابي واضح وصحيح للعمل في هذا المجال.

ويعتقد الامام الشيرازي، أن تأخّر المسلمين في بعض المجالات وبالخصوص في مجالات - الحقوق، والسياسة، والاقتصاد أو التجارة، وشبهها - (ناشئ من عدم أداء بعضهم للواجب الملقى على عاتقهم بشكل صحيح ومتقن).

ويستغرب (قدس سره) من التبريرات التي يسوقها هذا البعض في عدم اداء الواجب بشكل صحيح ومتقن، بل على العكس من ذلك، يعتقد هؤلاء البعض انهم متقدمون في مجال اداء مسؤولياتهم الاجتماعية، وهم يلقون اللوم على الاخرين، لكن الحقيقة التي تتكشف بعد حين تشير الى أنهم جزء لا يتجزأ من أولئك الأفراد المتأخرين الذين يلقى اللوم عليهم..

لاتنقص الامام الشيرازي الامثلة من واقع الحياة يسوقها للدلالة على صحة اعتقاده، فيأخذ مثلا قسم من افراد المجتمع والذي كان (قدس سره) على تماس مباشر معهم، وهم الخطباء (هؤلاء الافراد يدرسون من أجل أن يكونوا خطباء ويصعدون المنبر في النهاية، إلا أنهم لا يأتون بجديد سوى أنهم يعتبرون هذا العمل وظيفة شرعية أو للكسب، لا وظيفة اجتماعية وحيوية أيضاً)،

ومرد اعتراضه على هذا النوع من الافراد نابع من كونهم (لا يتعرضون لقضايا الأمة ومشاكلها)؛ لأنهم حسب تعبير الامام الراحل، (لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم).

نتيجة عدم الاتيان بالجديد، وعدم اعتبار مايقومون به وظيفة اجتماعية وحيوية، وعدم اجهاد انفسهم، نتيجة ذلك هي بقاء المسلمين في مربع تأخرهم الذي هم عليه الآن، وتظهر المشاكل في ضياع حقوق الناس، وسيطرة الأقلية على الأكثرية، كما كان الحال في العراق، وكما هو موجود في عدد من الدول في الوقت الحاضر..

اضف تعليق