q

تعد الحروب بمختلف أشكالها من أسوأ الكوارث التي يصنعها الإنسان، لما تسببه من أضرار وخسائر مادية وبشرية كبيرة هذا بالإضافة الى تأثيراتها الاجتماعية والنفسية كما يقول بعض الخبراء، الذين أكدوا على ان العالم الذي شهد العديد من الحروب المدمرة التي راح ضحيتها ملايين البشر يواجه اليوم الكثير من التحديات والمصاعب، بسبب تفاقم الخلافات والصراعات وضعف القوانين الدولية التي عجزت عن إيجاد حلول مهمة لتك المشاكل، وهو ما قد يسهم بحدوث كوارث وحروب جديدة التي تهدد بوقوع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين.

والحرب كما تعرفها بعض المصادر هي صراع يتضمن استخداماً منظماً للأسلحة والقوة البدنية، من قبل الدول او المجموعات الكبرى الأخرى، وتحتل الفرق المتحاربة الأراضي، غالبا التي يمكن ان تربحها في الحرب او تخسرها ولكل حرب قيادتها (شخص او منظمة) يمكن ان تستسلم او تنهار بانهيار قواته وتكون نهاية للحرب. والحرب سلسلة من الحملات العسكرية التي تشن بين جانبين متضادين، تتضمن نزاعا حول السيادة والأراضي والمصادر الطبيعية او الدين او الأيدلوجيات.

وبحسب بعض الخبراء فان للحرب أشكال وانواع متعددة من أبرزها: الحرب القذرة: وهي ابشع انواع الحروب، تشكل مجازر ضد المدنيين العزل كما في الحرب الكورية 1950، الحرب الفرنسية ضد الجزائر 1954- 1961 الحرب بين الهوتو والتوتسي في رواندا، واستخدام اسلحة محرمة دوليا كما في حرب الانفال ضد الكرد العراقيين عام 1988، الحرب العادلة: اختلف الفلاسفة والمفكرون في تحديد مفهوم الحرب العادلة واستغل هذا المصطلح من قبل بعض القادة (السياسيين والعسكريين) بالادعاء ان حروبهم هي (حروب عادلة)، الحرب الاستباقية: وتعني نقل المعركة الى ارض الطرف الاخر (العدو) وتشويش خططه ومواجهة أسوأ التهديدات المحتملة. وهناك أيضا الحروب الاغتصابيه، والمحدودة، والشاملة، والدفاعية، والباردة، والأهلية، والنفسية، والتحررية، والاقتصادية، والنووية، والكيمياوية، والجرثومية، والنجوم والطائفية، والخاطفة، والرخيصة، وبالنيابة، والوقائية، والحرب على الإرهاب، وحرب المياه، وغيرها..

قوات حفظ السلام وحماية مدنيين

وفي هذا الشأن فقد خلصت دراسة داخلية إلى أن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام تجنبت عادة استخدام القوة لحماية مدنيين يتعرضون للهجوم ولم تتدخل إلا في 20 بالمئة من الحالات بالرغم من أن التفويض الذي يمنحه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يسمح لهم بذلك. وقال التقرير الذي أعده مكتب خدمات الرقابة الداخلية "هناك نمط مستمر لعمليات حفظ السلام يتمثل في عدم التدخل بالقوة عندما يتعرض مدنيون لهجوم."

واضاف "تغيب قوات حفظ السلام من مواقع عديدة عند تعرض المدنيين للهجوم وعندما تتواجد فإنها تكون غير قادرة أو غير مستعدة لمنع حدوث الضرر المادي الخطير." وأضاف التقرير الذي يقع في 26 صفحة أنه من بين 507 حالات تتعلق بمدنيين تضمنتها تقارير الأمم المتحدة في الفترة بين عامي 2010 و2013 فإن قوات حفظ السلام تدخلت فورا في 101 حالة فقط. بحسب رويترز.

وركز التقرير على ثماني بعثات من بين عشر لحفظ السلام تعمل بتفويض من مجلس الأمن الدولي لحماية المدنيين وهي البعثات الموجودة في كل من لبنان وليبيريا وساحل العاج وهايتي وجمهورية الكونجو الديمقراطية ودارفور وأبيي وجنوب السودان. واستبعدت الدراسة أحدث بعثتين في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.

المحاكمات وإنهاء الصراعات

من جانب اخر ذكر تقرير أن محاكمة قادة وزعماء الجماعات المسلحة بتهمة تهريب الموارد الطبيعية في مناطق الصراع يمكن أن تساعد في إنهاء أسوأ أعمال العنف التي تنشب بسبب الموارد في العالم. وقالت مجموعة (ايناف بروجكت) المعنية بالسياسة والتي تكافح لمنع الإبادة الجماعية والفظائع إنه على الرغم من انتشار الصراعات التي تنشب بسبب الموارد فإن من النادر اتهام الأفراد والشركات بارتكاب النهب وهو جريمة حرب تعاقب عليها المحكمة الجنائية الدولية.

وأضافت أن نهب المعادن يتسبب على نحو خاص في زعزعة الاستقرار بجمهورية الكونجو الديمقراطية إذ يعرض المدنيين لخطر العنف ويدر مكاسب وفيرة على المتمردين وفصائل جيش الكونجو والشركات. وقال محامون في الكونجو إن تحديد ملكية الموارد الطبيعية وتوضيح الصلات بين المتهمين بالنهب وتراكم الثروات وإثبات أن الصراع المسلح ساعد على تسهيل السرقة يعتبر من بين التحديات الكبيرة أمام إقامة دعوى قضائية متماسكة.

وأشار التقرير إلى أن المحاكمات يمكن أن تساعد على خفض دخول مرتكبي الفظائع ومحاربة استغلال الموارد ووضع حد لعملية الإفلات من العقاب التي تساهم في نمو الشبكات المالية غير القانونية في مناطق الصراع وتفتح المجال أمام ارتكاب جرائم أخرى. وقالت هولي درانجينيس محللة السياسات في المجموعة والتي كتبت التقرير "محاكمة أقوى اللاعبين.. ستكشف عن تحالفات غير عادية وتعيد حكم القانون في مناطق عادة ما تكون تحت حكم السلاح." بحسب رويترز.

وذكر التقرير أن السرقة ربما تبدو جريمة بلا ضحايا مقارنة بجرائم الحرب الأخرى لكن نهب المعادن في الكونجو مرتبط ارتباطا وثيقا بفظائع من بينها القتل الجماعي والاغتصاب وعمالة الأطفال. وحثت مجموعة (ايناف بروجكت) فاتو بنسودا ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية على إحياء وحدة مكافحة الجرائم المالية في المحكمة وتوسيع نطاق التحقيقات في الكونجو وجمهورية افريقيا الوسطى والسودان لتشمل نهب الموارد الطبيعية.

الأبرياء ضحايا الحروب الحديثة

الى جانب ذلك وفي إحدى أمسيات عرضت شاشات التلفزيون صورا مروعة في نشرات الأخبار: من شرقي أوكرانيا إلى غزة، المدنيون يسقطون في حروب لم يخوضوها. هكذا تستهل جون سميث تقريرها في صحيفة الإندبندنت أون صنداي. أسقطت طائرة ماليزية فوق أوكرانيا فقتل 300 مدني، وفي غزة قتل 24 فلسطينيا وجندي إسرائيلي واحد.

النزاع في أوكرانيا مغاير له في غزة، ولكن هناك سمة مشتركة بينهما: أكثر الذين يعانون هم المدنيون. لم يكن لركاب طائرة الرحلة MH17 أي صلة بما يجري في أوكرانيا، أما في غزة فيقول المسؤولون إن ثلاثة أرباع الذين قتلوا هم من المدنيين. حتى قبل قرن واحد من الآن كانت نسبة الضحايا من العسكريين والمدنيين هي 8 إلى 1، وقد انعكست هذه النسبة بحلول عام 1990.

إذا فكرنا بأي نزاع حديث، من العراق إلى سوريا إلى سيراليون إلى كوسوفو ، كل ما يتبادر إلى ذهننا هو قوافل لا تنتهي من النازحين. نشر الفزع في أوساط المدنيين هو أحد أهم عناصر الحروب الحديثة. لقد اعتدنا على فكرة استهداف المدنيين من قبل إرهابيين في شوارع نيويورك ولندن ومدريد، لكن الجديد في الأمر هو أن تستهدفهم حكومات من خلال ميليشيات تحارب بالنيابة عنها. الخوف كل الخوف هو أن يصبح سقوط هذا العدد من المدنيين في الحروب شيئا اعتياديا، بسبب عدم اهتمام المجتمع الدولي بتطبيق حكم القانون.

تعويض جنود المطاط

من جانب آخر أقر البرلمان البرازيلي خطة لتعويض العمال الذين أرسلوا للعمل في مزارع المطاط بمنطقة الأمازون أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان نحو 55 ألف شخص من فقراء البرازيل قد ذهبوا إلى غابات الأمازون المطيرة لإمداد الولايات المتحدة بالمطاط الذي كانت تحتاجه في صناعة الأسلحة والمركبات أثناء الحرب. وكانت الظروف في الأمازون آنذاك قاسية، وهو ما أدى إلى وفاة الكثيرين منهم بعد إصابتهم بأمراض المالاريا، والالتهاب الكبدي، والحمى الصفراء.

وسيحصل الآن نحو ستة آلاف من الناجين على تعويضات تقديرا لجهودهم أثناء الحرب. وبعد مضي سبعين عاما، سيتلقى كل واحد من العمال السابقين، وهم الآن في الثمانينيات والتسعينيات من العمر، مبلغا قيمته 11300 دولار أمريكي. وسيحصل نحو سبعة آلاف من أحفاد العمال المتوفين على تعويضات أيضا. وقال مارسيو بيتار، عضو البرلمان، إن المجلس يقدر "أولئك الذين أمضوا سنوات من حياتهم في أداء واجبهم الوطني أثناء الحرب العالمية الثانية لمساعدة الذين أرادو العيش في عالم حر". ووصف أنيبال دينيز، عضو البرلمان، العمال بأنهم "أبطال قوميون"، وناشد وزارة التخطيط البرازيلية تعويضهم قبل نهاية العام، حسبما أفادت وكالة أنباء فرانس برس.

وكانت الولايات المتحدة قد اتجهت للبرازيل في عام 1943 لتوفير مصدر للمطاط يمكن الاعتماد عليه، بعدما تعرضت ماليزيا، الدولة الرئيسية في إنتاج المطاط حينها، للاحتلال الياباني، التي كانت عدوا لقوات الحلفاء. وانضم الكثير من الفقراء من شمال شرقي البرازيل إلى الحملة الحكومية آنذاك للتشجيع على العمل في منطقة الأمازون، سعيا لما اعتقدوا أنه سيكون حياة أفضل هناك. وعرف أولئك العمال باسم "جنود المطاط". لكن الآلاف منهم ماتوا بسبب الأمراض الاستوائية، أو أعمال العنف، أو هجمات الحيوانات البرية مثل النمور، والتماسيح، والثعابين.

قبل 800 عام

على صعيد متصل يرتبط اسم بلدة بوفين في شمال فرنسا بالحرب اذ انها شهدت قبل 800 عام، في 1214، معركة حاسمة لمصير اوروبا الغربية. فقد نجح جيش ملك فرنسا فيليب اوغوست رغم تخلفه عدديا، في التصدي لتحالف انكليزي-الماني- فلمنكي بقيادة الامبراطور الالماني اوتون الرابع. وقد منع تقسيم مملكته وسقوط حكم سلالة الكابيتيون المستمر منذ سنة 987 في الوقت عينه.

ولاحياء ذكرى هذه المعركة التي شاركت فيها فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والمانيا، ارادت مؤسسة "بوفين 2014" اقامة الاحتفالات تحت شعارات السلام، اوروبا والشباب. وتضمن برنامج مسيرة الى موقع المعركة، تلاها عرض بالازياء التي كانت سائدة في تلك الحقبة وبحفل موسيقي على الة الارغن من جانب عازف هذه الالة في كاتدرائية "نوتردام" الشهيرة في باريس.

ويوضح الخبير في شؤون القرون الوسطى اريك فانفوي ان معركة بوفين "مهمة فعلا لانها اول نزاع بين العائلات المالكة الكبرى الثلاث في اوروبا الغربية يتم حسمه عسكريا" وتبعته نزاعات كثيرة بعدها. وهذه المعركة التي شارك فيها عديد متواضع من الجيوش -- 16 الفا في المجموع -- بالمقارنة مع الجحافل البشرية التي شاركت في نزاعات احدث مثل الحرب العالمية الاولى التي يحتفل بمئويتها الاولى هذه السنة واخر حروب نابليون التي يحتفل بمئويتها الثانية، كان لها اثر لا يقل شأنا عن باقي المعارك الكبرى في التاريخ.

ويصف كاتب رواية "ديمانش دو بوفين" (أحد بوفين) الصادرة سنة 1973 المؤرخ الفرنسي جورج دوبي هذه المعركة بأنها "حدث آني" لكنه "مدو" وأدت الى تثبيت دعائم النظام الملكي الفرنسي. وقد كانت المعركة حامية وخطة الحلفاء لقتل الملك كانت على وشك التحقق. فقد نجا فيليب اوغوست باعجوبة من الموت اثر سقوطه عن الحصان.

وفي مواجهة عشرة الاف جندي من الائتلاف الذي يضم الانكليز والالمان والفلمنكيين بالاضافة الى بعض الجهات الاقطاعية مثل كونت بولونيه رونو دو دامارتان، ما كان باستطاعة فيليب اوغوست جمع اكثر من ستة الاف عنصر يتألف جزء منهم من ميليشيات مناطقية بغالبيتهم من منطقة بيكاردي شمال شرق فرنسا. الا ان الخيار المدعوم من المستشار العسكري للملك باعتماد ارض مسطحة ومفتوحة محاطة بالغابات لاقامة المعركة فيها حرم القوى المتحالفة من ترجمة تفوقها العددي لمصلحتها. وسمح ذلك في المقابل للجيش الفرنسي بالافادة لاقصى حد من سلاح الفرسان التابع له.

واشار الاستاذ في جامعة ليل الكاثوليكية فانوف فيل الى ان استمرارية مملكة فرنسا كانت على المحك حينها، لكن يجب فهم انه في نظر الفلمنكيين "كان التهديد الفرنسي حقيقيا". وكان ملك فرنسا قد استعاد منطقة ارتوا (شمال) من الملك الفلمنكي. واضاف "النزاع كان مستمرا بين واجب التابع (تجاه الجهة التي يتبع لها) والمصلحة الاقتصادية لمنطقة فلاندرا المتطلعة الى انكلترا التي كانت تزود مصنعي الشراشف الفلمنكيين بالصوف، في وقت كانت طرق التجارة الكبرى تقود الى الشرق الالماني".

وقد سبق النصر الذي حققه لويس نجل الملك فيليب اوغوست على ملك انكلترا جون لاكلاند في منطقة روش او موان قرب انجيه (غرب)، الانتصار في معركة بوفين. وهذان الانتصاران كرسا النهاية المظفرة لسلالة الكابيتيين من حرب اولى امتدت مئة عام في مواجهة خصومهم من منطقة النورماندي ثم الانجويين فسلالة البلانتاجنيت الانكليزية. وقد خسروا السيطرة على النصف الغربي من فرنسا باستثناء منطقة اكيتين.

ومن رحم هذه الهزيمة ظهرت بعد عام الوثيقة العظمى (ماغنا كارتا) والمجلس الكبير اللذين فرضهما البارونات المستاؤون من الملك جون لاكلاند المتهالك، ما مثل نواة النظام البرلماني البريطاني. وعلى صعيد القارة الاوروبية، بعد معركة بوفين، كان القرن الثالث عشر الحقبة التي شهدت فيها فرنسا ولادة واحدة من اهم صروحها العلمية، جامعة السوربون، بالاضافة الى تشييد كاتدرائيات على النسق الفرنسي (ما سمي بعدها بالاسلوب القوطي) وكاتدرائية القديس لويس، حفيد الملك فيليب اوغوست وجد الملك فيليب الرابع. بحسب فرانس برس.

وبعدما بقيت لزمن طويل في غياهب النسيان، عادت بوفين الى الواجهة سنة 1914 في الذكرى المئوية السابعة لمعركتها مجسدة افضل رمز للنصر الفرنسي على العدو التاريخي الجرمانيين قبل اسابيع قليلة من اندلاع النزاع العنيف في الحرب العالمية الاولى. لكن بعد مرور قرن كامل، يبدو ان الاجواء تبدلت جذريا. اذ ان رئيس بلدية بوفين الان برنار يؤكد انه يريد اهداء هذه الاحتفالات الى شبيبة اوروبا الغربية التي تنعم بالسلم.

اضف تعليق