q

إيران التي حققت خطوات مهمة خلال رئاسة "حسن روحاني" على مستوى كسر الجمود والتوتر في العلاقات بينها وبين الغرب، استمرت لأكثر من عقد من الزمن، تحاول الحفاظ على مكاسبها التفاوضية عبر طريق مليء بالألغام والكوابح، والغريب ان المعرقلات التي تعترض خروج إيران من العزلة المفروضة عليها من الغرب لا تقتصر على اعدائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط، وانما هناك جهات نافذه ومؤسسات قوية من داخل إيران لا ترى في برنامج التيار الإصلاحي الا المخاطر التي قد تهدد مصالحها ونفوذها داخل ايران.

وقد مارست هذه المؤسسات (هناك العديد من المؤسسات التي لا ترتبط بالدولة وانما ترتبط بالمرشد الأعلى مباشرة كمؤسسة الحرس الثوري التي تمتلك نفوذا عسكريا وسياسيا واقتصاديا يوازي مؤسسات الدولة الأخرى) ضغوطا كبيرة حتى داخل التيار المحافظ تجاه المعتدلين من الذين لا يمانعون من إقامة شراكة سياسية مع التيار الإصلاحي، وقد وصلت ذروة هذه المضايقات (تجاه الإصلاحيين) عندما وصل "احمدي نجاد" الى السلطة على حساب "رفسنجاني" واعيد انتخابه لولاية ثانية عام 2009 حتى حزيران عام 2013، حيث همش دور الإصلاحيين لدرجة كبيرة، ادت الى مقاطعة الإصلاحيين الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس 2012 احتجاجاً على "إقصاء نسبة كبيرة من مرشحيهم من لدن مجلس صيانة الدستور، وكذلك بسبب الحظر المستمر ضد جبهة المشاركة الإصلاحية".

هذا الصراع السياسي المرير بين الطرفين لم يقتصر على الحكم والوصول الى السلطة، بل وصلت اثاره وانعكاساته المحلية الى المجتمع الإيراني، الذي انقسم بدورة بين الطرفين، ما او جد جملة من المؤشرات الاجتماعية المقلقة التي قد تنذر بتفكك النسيج الاجتماعي الإيراني للمواطنين بين من يؤمن بالتشدد في التفكير والعمل، خصوصا على مستوى القيود التي تمارس تجاه الحريات العامة، وبين من يؤمن بالإصلاح ويدعو الى إطلاق الحريات العامة ورفع المزيد من القيود السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية التي يفرضها النظام في إيران.

ومع ان التيار المحافظ هو المسيطر، تقريبا، على جميع المنافذ السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية في النظام الإيراني، الا ان نفوذ التيار الإصلاحي (الذي تمكن من هزيمة المحافظين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بنسبة كبيرة وضعت حسن روحاني كرئيس لإيران بأغلبية ساحقة) المدعوم بشرائح واسعة من الشعب الإيراني، ما زالت تحصد المزيد من الشعبية والاسناد، (يقول عبد الواحد موسوي لاري القيادي في "رابطة علماء الدين المناضلون الاصلاحية" أن التيار الإصلاحي له "جذوره في المجتمع الإيراني، ولا يمكن اقصاؤه والمستقبل للشعب الايراني بتوجهات إصلاحية)، ويحاول الإصلاحيون، الاستفادة من هذه الأجواء المشجعة لحشد اكبر تأييد شعبي لها والدخول بقوة في الانتخابات البرلمانية القادمة (2016)، بعد مقاطعة الدورة السابقة، وقد عقد مؤخرا، في سبيل ذلك، تجمعا سياسيا كبيرا عد الأول له منذ 6 سنوات.

ويرى باحثون، ضرورة حفظ التوازن بين الطرفين، ومنع المتشددين من تدمير النسيج الاجتماعي الإيراني، عبر الدعوة الى المزيد من الأفكار المتطرفة وفرض القيود المانعة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والسياسي، إضافة الى ضرب المؤسسات الدينية التي تنادي بمنح المزيد من الحريات العامة وأصحاب الرأي والمعارضين السياسيين، فكل هذه الأمور يمكن ان تعتبر بمثابة قوة ساندة لديمومة الجمهورية الإسلامية في إيران لو تم رفع القيود عنها، فالتعبير عن الرأي لا يشكل أي خطر حقيقي على الدولة، والاعتراض والدعوة للإصلاح لا تعني زوال النظام، فالتنوع الفكري والسياسي والإعلامي حالة صحية تعكس مناخها الطبيعي داخل المجتمعات المتمدنة.

وحتى لا يتحول المتشددون داخل ايران الى صورة أخرى للمتشددين داخل الأنظمة الإسلامية المستبدة في منطقة الشرق الأوسط، عليهم ان يحافظوا على هذا التنوع السياسي، بدلا من محاولة خنق تجارب الاخرين، ولكي لا تتحول هذه المعارك السياسية الى معارك بين طبقات المجتمع الإيراني ونسيجة الاجتماعي، كما ان هناك مسؤولية كبيرة على صانع القرار السياسي في ايران، ومن يملك احداث هذا التوازن بين مختلف الأطراف، وهذا لا يتم إلا عبر ممارسة التغيير والسعي نحو الإصلاح، على ان يبدأ من داخل منظومة المتشددين انفسهم، بعد ان تحولوا الى دولة موازية للنظام الإيراني نفسه (بإمكانياتهم الاقتصادية والسياسية والأمنية)، سيما وانهم قادرون على منع أي تحول نحو التغيير، وهو ما يخشى مراقبون من انعكاساته المستقبلية على العلاقة بين المجتمع الإيراني الساعي الى الإصلاح ورفع القيود، وبين الساعين الى فرض المزيد من القيود.

اضف تعليق