q

لم يمضي وقت طويل على تفويض قيادة تنظيم القاعدة لفرعها في سوريا (جبهة النصرة)، بتقرير مصيرها حفاظا على ما تبقى منها، حتى أعلن أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" الخميس 28/7/2016، عن إلغاء العمل باسم "جبهة النصرة" وتشكيل كيان جديد يحمل اسم "جبهة فتح الشام"، مؤكدا أنها لا علاقة بأي جهة خارجية في المستقبل.

تنظيم القاعدة كان قد منح فرعه السوري (جبهة النصرة) استقلالية القرار والتحرك عن التنظيم لمواصلة المعركة في سوريا. إذ جاء ذلك على لسان أحمد حسن نائب زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، في تسجيل تم بثه في 28/7/2016 التأكيد على وحدة الصف قائلا انها "تعلو فوق الانتماء التنظيمي والحزبي، بل يضحى بلا تردد بتلك الروابط التنظيمية الحزبية إذا تعارضت مع تآلفكم ووحدتكم واصطفافكم في صف واحد". وهذا التأكيد على وحدة الصف يشير الى حجم الخلافات التي تسود فصائل الجماعات المسلحة في سوريا خاصة مع انضمام بعضها الى نظام التهدئة الذي تقوده روسيا من قاعدة حميميم العسكرية.

زعيم النصرة قال في التسجيل الذي بثته وسائل الاعلام ان فصيله المسلح سيقطع علاقاته باي جهة خارجية من اجل ان يركز على النشاطات المحلية لتكون شامية الاسم والاتباع، وهذا التصريح يتناقض مع القرار الذي اتخذه بناء على امر زعيم القاعدة ايمن الظواهري حيث قال في البيان ان القرار جاء "انسجاما مع التوجهات والتوجيهات العامة لتلك القيادة المباركة (قيادة نتظيم القاعدة)، وانطلاقا من مسؤوليتنا في النظر لمصالح أهل الشام وجهادهم). فهل هذه توجيهات داخلية ام خارجية. كما ان التغيير بالتسميات لا يبدو انه سيمر على الدول الكبرى التي تريد افعال على الارض وليس مجرد تصريحات.

وزارة الخارجية الأمريكية سارعت الى التعليق على قرار النصرة حيث قال الناطق باسم الوزارة، جون كيربي، إن إعلان تنظيم "جبهة النصرة" عن تغيير اسمه وفك ارتباطه بـ"القاعدة" لا يعني توقفه عن كونه إرهابيا، بحسب تصنيفه من قبل الأمم المتحدة. واكد أن التنظيم لا يزال خارج نظام وقف إطلاق النار في سوريا وأنه يعد "هدفا مشروعا للولايات المتحدة "وطبعا لروسيا التي لها وجود عسكري في سوريا".

اما قائد القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال فوتيل فقد اعتبر ان خطر جبهة النصرة يكمن في الايدلوجيا التي تعتنقها التي هي في الاساس جزء من تنظيم القاعدة حيث يؤكد "إنها تنظيمات ماكرة جدا وشديدة المرونة.. قد تضيف ربما غصنا آخر للشجرة وتجعلها مختلفة إلى حد ما، لكن أصل هذا الغصن يكمن في إيديولوجيا ورؤية ثابتة، وفي قلب كل هذا تنظيم القاعدة ذاته".

من جانب اخر يؤشر هذا التحول على وجود رغبة من جبهة النصرة في اقناع التحالفين الروسي والامريكي بعدم قصفها والاصطدام معها، بعد استشعارها حجم الضربة التي ستوجه لها قريبا، وهذا بحد ذاته يعد دليلا على تراجع قوتها واحساسها بعدم القدرة على مجارات القصف الدولي العنيف لمعاقلها في سوريا، وهو ما اكده ايضا نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي "الدوما" أندريه كراسوف الذي قال أن الخطوات الفعالة التي اتخذتها القوات الروسية بسوريا، دفعت "جبهة النصرة" نحو فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة". كما أعلنت الخارجية الروسية أن تنظيم "جبهة النصرة" سيبقى تنظيما إرهابيا غير شرعي مهما أطلق على نفسه من تسميات، مؤكدة مواصلة مكافحتها حتى القضاء عليهما تماما.

وبحسب بعض التحليلات فان القرار جاء بناء على وساطة او نصيحة قطرية بضرورة هذا التحول املا في الحفاظ على ما تبقى من قوتها بعد سماعها جعجعة الاتفاق الامريكي الروسي حول قصف معاقل النصرة، وتراجع تركيا عن دعمها نتيجة انكفائها لحل ترسبات الانقلاب الفاشل. وتشير التحليلات ايضا الى ان هذه الوساطة القطرية جاءت دون استشارة الحليف السعودي، وهو ما ينبئ بمزيد من التفكك داخل الحلف القطري السعودي التركي.

روسيا الواثقة من عدم الوقوع فريسة لأفغانستان سورية اعلنت عن اتفاقية جديدة مع الجانب السوري تقضي بنشر مجموعة جوية من القوات المسلحة الروسية في سوريا، وتسمح الاتفاقية لروسيا بالانتفاع المجاني بمطار حميميم ومنشآته وما يوافق الطرف السوري على تقديمه من قطع الأرض.

اذن ومع انفصال جبهة النصرة "الاسمي" عن تنظيم القاعدة فان روسيا ما زالت بعيدة عن امكانية وقوعها بفخ افغاني جديدة على الارض السورية كما وعدت الدول الداعمة للجماعات المسلحة هناك؛ بل انه يدل على ايمان القوى المعارضة للوجود الروسي بعدم قدرتها على هزيمته وفق الطريقة الافغانية ما اجبرها الى استخدام اسلوب التفريخ واضافة "اغصان جديدة"، تبعد عنها شبهة الارهاب وتقيها من عنف القصف الروسي الذي يصر على السير بخطواته نحو المياه الدافئة.

واذا ما نظرنا الى وضع روسيا في بداية تدخلها في سوريا ووضعها الان نجد انها لا تزال هي الطرف الذي استطاع الحصول على اغلب مطالبه، ففي بداية التدخل كانت الولايات المتحدة وحلفاءها يرفضون بقاء الرئيس السوري بشار الاسد بشكل قاطع، كما ان واشنطن رفضت عروض التنسيق المشترك مع موسكو، الا ان هذا الرفض تحول الى القبول بالأسد فضلا عن حصول الروس على تعاون امريكي في قصف مواقع الجماعات المسلحة، وبتراجع النصرة الاسمي يتقدم الحلف الروسي السوري الايراني خطوة نحو الامام، مستفيدا من تعنت حلفاء واشنطن الذين لم يفهوا لعبة الحرب في سوريا جيدا بل انهم لم يفهموا قواعد الصراع الجديدة في العالم.

اضف تعليق