q

تناغماً مع الاحتجاجات العربية في مطلع 2011 التي بدأت شرارتها الاولى من الثورة التونسية وثورة 25يناير المصرية اللتين اطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك، انطلقت الاحتجاجات الشعبية في البحرين يوم الاثنين 14/2/2011، التي كانت قائمة بين المدة والاخرى منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولحد الآن، للمطالبة بالإصلاحات الدستورية، وعدم الاستجابة من السلطة السياسية للمطالب الشعبية، ادت الى زيادة حماس وتصعيد الاحتجاجات للضغط على السلطة الحاكمة والاستجابة لتلك المطالب، وهذا التصعيد جعل السلطة تبذل المزيد من الجهود الامنية وغيرها من اجل القضاء على الاحتجاجات، وبسبب عدم الاستجابة واستمرار الاحتجاجات خسرت البحرين 1.4 مليار دولار.

الاحتجاجات ومواجهتها في البحرين

ان القوى المحتجة والمُنادية بالتغيير علقت آمالها على المواطنة المتساوية والمشاركة السياسية كمفتاح لحل مشكلاتها إلا ان السلطة السياسية التي استمرت لوقت طويل على منوالها ترى من الصعوبة التخلي عنها والافراط بالمكاسب التي كانت وما زالت وتُريد استمرار تحقيقها في ظل وجودها بالسلطة، فهي مستعده لأن تحرق الاخضر باليابس دون التنازل عن حقوق الآخرين‼‼، فهي لا تريد خلع سلطة القرار من يدها الذي يحق للآخرين المشاركة في اتخاذه (القرار) عن طريق تحقيق مطالب الجماهير المتمثلة بالإصلاحات الدستورية التي تهدف لتحقيق المشاركة السياسية لأغلب فئات المجتمع.

إذ لم تلجا السطلة الحاكمة الى قوة الامن الداخلية فحسب بل تعدَّ الامر الى استخدام الجيش والحرس الوطني، والاستعانة بقوات دول الجوار مثل المملكة العربية السعودية والامارات تحت ما سمي بدرع الجزيرة، وتنفيذ عمليات الاعتقال والتوقيف والقتل خارج القانون والتعذيب البدني والنفسي واجراء المحاكمات العسكرية وفصل الموظفين من اعمالهم والطلبة من كلياتهم ومعاهدهم التعليمية واثارة الطائفية ما بين السنة والشيعة… إلخ، كل ذلك من اجل اخماد وقمع من يُطالب بحقوقه المشروعة، في سبيل بقاء السلطة ((الأبوية)) ‼‼ تنعم بالمكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يُشير الى الترابط الوثيق ما بين السلطة والمال، الذي يؤثر سلباً على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية… إلخ.

وبعد كل ذلك نرى اليوم السلطة البحرينية في 20 يونيو 2016 تجرأت وقامت بما ترفضه كل الديانات السماوية وغيرها والمواثيق الدولية والتشريعات الوضعية والقوانين والاعراف والتقاليد الاجتماعية، قامت بتجريد ممثل الطائفة الشيعية عيسى احمد قاسم من جنسيته البحرينية بحجة انه يثير العنف والطائفية في البلاد، ولم ترى انه كان يُطالب بالحقوق المشروعة، وهذا الاخير (المطالبة بالحقوق) ترفضه السلطات البحرينية لأنها تُعتبر عمل كهذا هو منافسه لها وتقليل الرفاه التي تنعم به في ظل استبدادها السلطوي، وما يزيد الامر سوءً تشعر انها صاحبة الفضل على الشعب على اعتبار انها تُقدم الخدمات دون فرض الضرائب على المواطنين وغياب العقد الاجتماعي ما بين المواطن والدولة في ظل اعتماد الاقتصاد البحريني على الموارد النفطية وكأنها (الموارد النفطية) هي ثروة خاصة تأتي بها السلطة الحاكمة الى الشعب وينبغي على هذا الأخير الطاعة والسكوت ‼‼ متجاهلة ان الموارد النفطية هي ثروة الشعب اصلاً ينبغي عليها ادارتها بالشكل الذي يخدم جميع افراد الشعب البحريني.

وما دامت الجماهير الشعبية البحرينية المعارضة تشعر بسلب حقوقها وعدم تحقيق مطالبها الدستورية والسياسية من قبل السلطات السياسية الحاكمة، وقامت الاخيرة بإخمادها او اضعافها في مظاهرة هنا او احتجاج هناك … إلخ، فإنها ما زالت وستستمر (المعارضة البحرينية) في منوالها، إذ نسمع ما بين الفينة والاخرى ان المعارضة البحرينية نظمت او قامت بمظاهرة هنا واحتجاج هناك

واعتصام في اخرى، وهكذا حتى تحقيق مطالبها المشروعة، وتستوحي تلك الجماهير استمرارها في المعارضة والمطالبة بحقوقها من مقولة:

"الجماهير اقوى من الطغاة"، ويقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع " ما ضاع حق وراءه مُطالب".

وفي ظل عدم استجابة السلطة لمطالب الجماهير المشروعة وبقاء الجماهير مطالبة بحقوقها، هذا ما يؤثر سلباً على مناخ الاستثمار في البحرين ومن ثم انعكاس هذا التأثر على اداء الاقتصاد البحريني، اذ ان مناخ الاستثمار يُعد واجهة البلد الاقتصادية المشجعة او المُثبطة للاستثمار فيه، حيث اشارة وكالة التصنيف الائتماني (موديز) وهي احدى اهم وكالات التصنيف في العالم، الى " ان يتأثر الاقتصاد البحريني بالأحداث السياسية الداخلية الاخيرة، بعد حكم قضائي في الاسبوع الماضي قضى بإغلاق جمعية الوفاق، ولكنها استبعدت تكرار احداث العنف السياسي التي شهدتها البلاد في العام 2011" كما عملت موديز على تخفيض التصنيف الائتماني للبحرين في منتصف مايو/ايار الماضي وأعطتها نظرية مستقبلية سلبية.

ثُلاثية الاقتصاد البحريني والنفط

والأسوء من ذلك ان الاقتصاد البحريني يُعاني من سرطان النفط الذي يؤثر على سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وذلك بسب غياب ربط الاجر بالإنتاجية والحصول على عائدات النفط التي تقدمها الحكومة بشكل خدمات واجور ورواتب مقابل بقاء السلطة السياسية في نظام الحكم، لكن المجتمع يشعر بسلب حقوقه نتيجة لعدم الشفافية وغياب شخصيته في ادارة ثروته الوطنية على اعتبار ان الشعوب مُسلطة على اموالها. كما ان السلطة تشعر بالافضلية حيال تقديم الخدمات دون فرض الضرائب على الافراد، وهذا يُثبط من متانة الاقتصاد وتنافسيته في ظل اعتماده النفط المتسم في تذبذب اسعاره التي تحدد بعوامل خارجية لا تستطيع الحكومة التحكم بها، فضلا عن نضوب الاحتياطي للنفط البحريني على المدى القصير او المتوسط بسبب الحجم الصغير لهذا الاحتياطي الذي يبلغ 12 مليون برميل وكذا الحال بالنسبة للغاز الطبيعي اذ يبلغ 92مليار متر مكعب.

ويُمكن ملاحظة حجم النفط في الاقتصاد البحريني من خلال مدى مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي والايرادات العامة والصادرات الكلية، إذ نلاحظ من خلال نشرة الاحصاءات الاقتصادية للدول العربية التي يصدرها صندوق النقد العربي، ان نسبة قطاع التعدين والصناعات الاستخراجية الذي يقوده القطاع النفطي، بلغت نسبته 21.71% و27.5% و25.54% و26.75% من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2009و2010و2011و2012و2013.

تُعد هذه النسب معقوله عند مقارنتها بنسب الدول العربية النفطية، لكنها متجه نحو الارتفاع وهذا ما يُنبأ بخطورة الاقتصاد البحريني مستقبلاً مالم توضع الخطط اللازمة والكفيل بتفعيل القطاعات الاخرى وعدم طغيان القطاع النفطي على حساب تلك القطاعات، كما هو الحال في العراق.

ويمكن ارجاع انخفاض نسبة النفط في الناتج المحلي الاجمالي الى عدة اسباب واهمها هو حجم الاحتياطي النفطي القليل الذي لا يُشجع على انتاج النفط بكميات كبيرة من ناحية، وارتفاع نسبة مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي من ناحية اخرى، إذ انها تعتبر من اكبر المراكز المصرفية في المنطقة فهي نجحت في تأسيس قطاع مصرفي اكثر اعتماداً على الودائع الاجنبية من دول مجلس التعاون الخليجي بسبب القيود المحدودة على الاستثمار والملكية ووجود قواعد ولوائح اكثر تطوراً نسبياً لتنظيم القطاع برئاسة مصرف البحرين المركزي، فيعمل في البحرين اكثر من 400 مصرف ومؤسسة مالية، ساهمت في اكثر 15% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ قيمة الاصول في القطاع المصرفي 7.2 أضعاف الناتج المحلي الاجمالي، وكذا الحال بالنسبة لقطاع الصناعة التحويلية الذي يُساهم بنسبة 14% من الناتج المحلي الاجمالي، وقطاع الخدمات الحكومية التي تشكل ما بين 10% الى 12% من الناتج المحلي الاجمالي، كل هذا ادى الى انخفاض نسبته.

وعند اللجوء الى موازنة البحرين المتاحة على شبكة المعلومات الدولية، يتبين ان الايرادات النفطية شكلت 75.88% و76.75% و 87.32% و87.64% و 86.23% و83.07% و81.09% و80.71% من الايرادات العامة في عام 2009و2010و211و2012و2013و2014و2015و2016 على التوالي، في حين لم تشكل الايرادات غير النفطية بما فيها الايرادات الضريبية سوى 12.42% و 20.67% و11.03% و10.75% و12.42% و12.58% و17.56% و17.98% لنفس الاعوام، وأما النسب الباقية فهي تمثل نسب الاعانات من الايرادات العامة، وعلى الرغم من تذبذب نسبة مساهمة الايرادات النفطية بسبب تذبذب اسعار النفط من ناحية والتطورات السياسية الداخلية التي تؤثر على الايرادات غير النفطية باستثناء الاعانات من ناحية اخرى في موازنة البحرين إلا انها تعتمد على الايرادات النفطية ما بين 75.88% وما بين 87.64% من الايرادات العامة وهذه نسب مرتفعة تزيد من اصرار السلطة الحاكمة على البقاء كونها تحصل على الاموال من دون مُطالبتها بمقابل، وهذا ما قلل من اهمية الضرائب التي تتراوح ما بين 10.75 و 20.67% من الايرادات العامة، التي تعد مؤشر مهم على مدى تطور الاقتصاد.

وبالمُقابل نلاحظ ارتفاع النفقات الجارية اذ بلغت نسبها 85.35% و 83.09% و 79.67% و 77.23% و 84.23% و 85.13% و 87.64% و 87.37% من النفقات العامة في عام 2009و2010و2011و2012و2013و2014و2015و2016، وهذا ما يعني ان الايرادات النفطية لم يتم توظيفها بالشكل الامثل من خلال زراعة النفط أي توظيف الايرادات النفطية بما يحقق تفعيل القطاع الزراعي والقطاع الصناعي التحولي والقطاع السياحي وكل قطاع يعوض ما كان يدرهُ النفط عند نضوب هذا الاخير، فالنفط هو سلعة عامة لكل الشعب ولا ينبغي استخدامها بشكل استهلاكي من اجل زيادة الولاء للسلطة السياسية على اعتبار انها تقدم الخدمات للمجتمع دون النظر الى مستقبله في حال نضوب نفطه او انخفاض قيمته الاقتصادية، في حين بلغت نسبة النفقات الرأسمالية 14.65% و16.91% و20.33% و22.77% و15.77% و14.87% و12.36% و12.63% من النفقات العامة لنفس الاعوام، وهذه النسب تُدلل بشكل اكثر وضوحاً على عدم توظيف الايرادات النفطية التي تبينت نسب مساهمتها قبل قليل، بالشكل الامثل اذ نلاحظ هناك فرق كبير ما بين نسب الايرادات النفطية وما بين النفقات الرأسمالية.

واما من حيث اختلال الموازنة العامة نلاحظ انها تعاني من اختلال مزمن ما بين فائض وعجز، إلا انها غالبا ما كانت تعاني من العجز، إذ كان حجم العجز 684023 الف دينار و728611 الف دينار و835696 الف دينار و726985 الف دينار و833200 الف دينار و914438 الف دينار و1504257 الف دينار و1505016 الف دينار، من عام 2009 وحتى 2016، هذا ما يعني ان الموازنة العامة تعاني من عدم الاستقرار ولا يعني استمرار العجز ان موازنة البحرين لا ترتبط بالنفط؟! لان ما يؤكد هذا نسب الايرادات النفطية الى الايرادات العامة التي تمت الاشارة سابقاً.

ادى هذا الاختلال الى تجاوز الدين العام للبحرين السقف القانوني البالغ 5 مليارات دينار، والذي حدده المرسوم بقانون رقم (55) لسنة 2012، سقف الدين العام4 مرات متتالية، إذ رفعته عام 2009 إلى 1.9 مليار دينار، وعام 2010 إلى 2.5 مليار دينار، وفي 2011 إلى 3.5 مليارات دينار، وعام 2012 إلى 5 مليارات دينار. وكان من المتوقع ان يرتفع السقف القانوني، بنهاية 2013، إلى نحو 6 مليارات دينار. وقفز الدين العام من 3.8 مليارات دينار في يناير 2013 إلى أكثر من 5 مليارات دينار في الفصل الرابع من عام 2013.

واما بالنسبة لصادرات البحرين النفطية فهي تشكل 75.60% من الصادرات السلعية في عام 2009، وشكلت 74.09% من الصادرات السلعية في عام 2010 واستقرت عند نفس النسبة عام 2011 وانخفضت الى 53.64% في عام 2012، وشكلت 55.24% عام 2013، وعلى الرغم من اتجاه نسب الصادرات النفطية الى الانخفاض بسبب تذبذب اسعار النفط او انخفاض قيمته الاقتصادية او انخفاض احتياطيه الذي يتسم بالانخفاض اصلاً، وهذا الانخفاض شيء ايجابي، إذ انه يعني ارتفاع الصادرات السلعية الاخرى ومؤشر على تحسن كفاءتها وتنافسيتها من ناحيه، ومن ناحية اخرى، المقروض ان تزداد نسبة مساهمة الصادرات النفطية البحرينية بسبب ارتفاع اسعار النفط ضمن اغلب هذه السنوات من، إلا نسبها لاتزال مرتفعة بشكل كبير.

وفي الختام، ان حقيقة الصراع وجوهره على مر الحقب التاريخية بين السلطة في البحرين والشعب والذي أثر على اداء الاقتصاد البحريني، هي ان المطالب الشعبية قائمة على اساس امرين: الاول، المشاركة في صنع القرار. والثاني، المشاركة في ادارة الثروة الوطنية وضمان الرقابة عليها وتسييرها للصالح العام وتحقيق أفضل اقتصاد، لذا ينبغي اشراك الشعب في اتخاذ القرارات السياسية عن طريق آليات معينة كالانتخابات مثلاً ليشعر الشعب بانه المسؤول عن نفسه وليس انه تابع او خاضع لجهة معينة او شخص ما، كما ينبغي فسح المجال امام القطاع الخاص لإدارة دفة الاقتصاد بشكل اكثر كفاءة مع الاحتفاظ بدور الدولة في تقديم الخدمات العامة والامن الداخلي والخارجي وتحقيق استقلالية القضاء لتحقيق العدالة بين المواطنين.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

اضف تعليق