q

ثمانين شخصا من قومية الهزارة الافغان لقوا مصرعهم واصيب 231 اخرين جراء انفجارين تبناهما تنظيم داعش الارهابي وقعا أثناء تنظيمهم تظاهرة للاحتجاج على مشروع للكهرباء (ذات التوتر العالي) لا يشمل مناطقهم في محافظة باميان (وسط).

في البداية لا بد من تعريف مختصر لقومية الهزارة التي تعيش وسط أفغانستان ويتكلمون اللغة الفارسية، وعددهم حوالي 2.879.000 مليون نسمة بحسب موسوعة ويكيبيديا، وبالتالي فهم اقلية اذا ما قورنت بعدد سكان البلاد الذي يصل الى ثلاثين مليون نسمة، ويسكن الهزارة في وسط أفغانستان ويقطنون المرتفعات الوسطى، ويشتغلون في الزراعة والصناعة، ويدينون بالإسلام على مذهب الامامية الاثني عشرية.

قومية الهزارة يقبعون تحت ظلم مزدوج فهم يعانون من تهميش السلطات المحلية لدورهم وعدم تقديم الخدمات لهم وهو ما دفعهم للتظاهر وهذه ليست المرة الاولى التي يخرجون فيها بتظاهرة للمطالبة بحقوقهم لكن التفجير الارهابي هو الذي اظهر قضيتهم بهذا الشكل، والامر الاخر هو تعرضهم لأقسى انواع القتل والتنكيل والابادة الجماعية من قبل الجماعات الارهابية مثل داعش وتنظيم القاعدة وغيرهما من التنظيمات التي تعتاش على المال الخليجي والفتاوى الوهابية.

في الاوضاع التي يفترض ان تسود القيم الاخلاقية في عالم اصبحت عبارات "حقوق الانسان" بضاعة رائجة؛ فان الاعتداء الارهابي يصبح مادة للنشر والتحليل عن اسباب الاعتداء ودوافع المفجرين، بالإضافة الى توضيح نوعية الضحايا التي كانت في افغانستان عبارة عن التظاهرة التي كان المشاركون فيها ضحية الة القتل الداعشية. الا ان كل ما نشرته وسائل الاعلام هو خبر مقتضب عن عدد الضحايا وتفضلت بعض القنوات في تذييل الخبر بان الهزارة كانوا يتظاهرون !!!

في هذا الاعتداء الارهابي دق العالم مسمارا جديدا في نعش القيم الانسانية التي يتحدث عنها الجميع والتي تثبت في كل يوم ان الكثير من الدول تتاجر بتلك القيم اكثر من دفاعها عنها (وهذا ليس جديدا طبعا لكن تكرار اساليب الخداع الدولية تحت يافطة الانسانية لا يعني ان لا نتناولها بنوع من النقد) فالبضاعة الغربية والشرقية الرائجة الان هي "حقوق الانسان" التي تدعو لعدم التمييز بين البشر لأسباب قومية او طائفية او عرقية، بل ذهب البعض لتأسيس مؤسسات وجمعيات تعنى بالدفاع عن حقوق الحيون! والواقع يختلف عن ذلك طبعا. فهل ياترى هناك معايير اخرى لا نعلم بها يتم قياس ما هو انساني او غير انساني؟ نعم قد تكون هنالك معايير تسويقية واخرى مصلحية تجعل حدثا ما مهما واخر غير مهم بالنسبة للعالم الذي يتحكم فيه الاقوياء والمجرمون فقط.

قد يلومنا العض باننا نكرر ما قاله اخرون عن التعامل الازدواجي وفق المصالح الاقتصادية والعلاقات السياسية بين الدول، ونحن نتفق مع هذا الطرح تماما، الا ان ذلك لا يعني غض الطرف عن انحطاط اخلاقي وسلوكي لدى هذا العالم الذي يبدو انه يتطور تكنلوجيا ويتراجع انسانيا واخلاقيا، فعدم الاكتراث السياسي والاعلامي للمجزرة التي تعرضت لها قومية الهزارة الافغانية مخيف حقا ويعطي اشارات على ان العالم يسر نحو المجهول.

هذه ليست المرة الاولى التي تتعرص فيها بعض الاقليات للتهميش الدولي فأقلية الروهنغيا المسلمة في بورما التي كانت ولا زالت تعاني من مجازر لا يستطيع اصحاب القلوب القوية سماعها هي الاخرى يصمت العالم امامها ولا تفسير لذلك الا لانها لا تحتوي على ميزة اقتصادية او سياسية، ولا نستغرب هذا السلوك الدولي القبيح اذا ما علمنا ان الولايات المتحدة الامريكية الدولة الاولى في العالم قد اقيمت على جثث الهنود الحمر سكان امريكا الاصليين هناك.

عالم اليوم مشوش وغير واضح المعالم، ففي الوقت الذي تتحكم فيه الدول العظمى بالقرارات الكبرى وتحدد الصواب من الخطأ، نجدها تركب صهوة الانسانية لتتخذها كحصان يوصلها الى حيث درات مصالحها، وتجد الجميع متنقلا بين عواصم الدول الكبرى معزيا بجرائم الارهاب التي تتمدد اخطبوطيا.

الاحاديث في اغلب وسائل الاعلام تدور حول وجود تهديد ارهابي عالمي وكل ادانة دولية او تغطية اعلامية للجرائم الارهابي التي تهز دول القرار العالمي تندرج ضمن مساندة الضحايا على ان الجريمة واحدة والقاتل واحد، وبالتالي فان عالمية التهديد الارهابي تعني ان حقوق الانسان لا تتجزأ الا ان ما حدث مع الهزارة يجعلنا نخجل امام انفسها ونتساءل حقا:

هل نحن نمثل كلمة "الانسانية" وما هي معايير الانسانية اصلا؟ هل تقاس بالمستوى الاقتصادي للفرد ام بلونه ام بطول وعدد الابراج التي تبنيها الدول؟ اليس من حق الافغان ان يطالبون العالم بالتنازل عن شعاراته ان كان يملك من الحياء قطرة واحدة؟ وهل وصل الانحطاط بالإنسانية الى هذا الحد الذي نغرق فيه العالم بكل معلومة صغيرة وكبيرة عن جريمة ارهابية تقتل ضحاياها بعدد اصابع اليد، في حين نغض الطرف عن مجزرة تفتك بالمئات لان الضحية الاول اوربي والثاني افغاني؟ ويبقى سجل التساؤلات مفتوحا حتى يستفيق العالم من نومه ويعرف ان من يقتل في افغانستان او العراق هو بشر لا يختلف عن ذلك الانسان الغربي المتنعم في رفاهيته التي وكما يبدو ان عمرها بات قصيرا.

اضف تعليق