q

موناليزا فريحة

 

بعد الانقلاب الذي نفذه الجنرال كنعان إيفرن ومجموعة من الضباط في تركيا عام 1980، اتصل الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر برئيس محطة وكالة الاستخبارات المركزية "سي اي إي" في تركيا بول هنزي وقال له:"لقد فعلتها جماعتك"، فرد عليه هنزي بحماسة كبيرة: "نعم لقد فعلتها جماعتنا".

هذه الرواية التي انتشرت على نطاق واسع من دون أن يمكن التأكد من صحتها، اعتبرت دليلاً مسجلاً على تورط أميركا بالانقلاب العسكري الذي أطاح حكومة سليمان ديميريل. وفيما كانت السلطات التركية تحاول إعادة السيطرة على الوضع بعد الانقلاب الذي شهدته البلاد يوم الجمعة الماضي، انتشرت على موقع "تويتر" تغريدات تقول: "لم تستطع جماعتكم أن تفعلها هذه المرة"، في اتهام واضح لأميركا بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.

موقف ملتبس

فمع توجيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أًصابع الاتهام إلى رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بمحاولة الانقلاب، ثمة تيار واسع في تركيا يتهم واشنطن بالتواطؤ. وقد ساعد في تسويق هذه الفرضية موقف أميركي اولي الملتبس حيال ما حصل ليلة الجمعة-السبت الماضي.

ففيما كان الاف الأتراك ينزلون الى الشوارع دعماً للديموقراطية، التزمت واشنطن الصمت. وعندما أطل وزير الخارجية الاميركي جون كيري من موسكو ليعلق على الوضع في تركيا لم يعلن دعمه للحكومة التركية، الشريكة في حلف شمال الاطلسي والعضو في الائتلاف الدولي ضد "داعش"، ولا ناشد المتمردين العودة الى ثكناتهم، وإنما قال للصحافيين: "أعتقد أنه غير مناسب لي التعليق إلا بالقول إننا سمعنا التقارير عما يحصل. لا أملك تفاصيل في هذه اللحظة"، قبل أن يضيف: "أمل في أن "يكون هناك استقرار وسلام واستمرار في تركيا، ولا شيء أضيفه عما يحصل في هذا الوقت".

هذا الموقف الملتبس في الوقت الذي لم يكن فيه مسار المواجهة بين الانقلابيين وأنصار أردوغان واضحاً بعد، دفع بعض الخبراء السياسيين اليمينين في الولايات المتحدة الى الوقوف في صف الانقلابيين. ومثلاً، اعتبر مايكل روبين، الباحث المقيم في معهد أمريكان انتربرايز" أن محاولة الانقلاب تشكل مصدر أمل. وأطل آخرون على شاشات التلفزيون للقول إن إطاحة حكومة منتخبة ديموقراطياً بهذا الشكل، يخدم مصالح أميركا.

كل هذه الأمور، زادت الشكوك التركية في شأن تواطؤ بين السلطات الاميركية وحركة فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا والذي يعتبر أحد مصادر التوتر بين #أنقرة و#واشنطن.

تصريح أوباما لم ينفع

ولم ينفع تصريح أوباما لاحقاً ب"دعم الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً، وضرورة ممارسة ضبط النفس وتجنب العنف وإراقة الدماء"، ولا البيان الصادر عن الخارجية الأميركية الذي قال إن كيري أبلغ إلى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في مكالمة أجراها معه، أن "الولايات المتحدة تدعم بشكل مطلق الحكومة التركية المدنية المنتخبة ديمقراطيا ومؤسساتها الديمقراطية".

وفاقم التوتر تصريح وزير العمل والامن الاجتماعي التركي سليمان صويلو بوضوح بأن أميركا تقف وراء محاولة الانقلاب.

ومع أن كيري حذر من أن اتهامات كهذه تلحق أذى بالعلاقات الثنائية، وقال إن أنقرة لم تقدم طلباً رسمياً لاسترداد غولن، استمرت الاتهامات ومعها التوتر بين الجانبين.

ففي مقال افتتاحي، اتهم ابراهيم كاراغول، رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من الحكومة، أميركا بالتخطيط للانقلاب، وبمحاولة اغتيال أردوغان.

وكتب في مقال له: "سأقولها عالياً وبوضوح، خططت الإدارة الأمريكية لانقلاب في تركيا من خلال منظمة غولن الإرهابية لإثارة حرب أهلية، ودفع شعبنا إلى أن يقتل بعضه". وأضاف: "الولايات المتحدة هي التي خططت ونفذت محاولة الانقلاب. أولئك الجنرالات، أولئك الخونة تلقوا الأوامر من غولن، وهو نقل أوامر من خططوا للتدخل". ودعا صراحة الى تصنيف "الإدارة الأمريكية التي تحمي منظمة إرهابية" "دولة داعمة للإرهاب"، وعاد كراغول واتهم في مقال له اليوم "الإدارة الاميركية مباشرة بالمسؤولية عن الانقلاب".

وتعرف عن ابراهيم كاراغول مقالاته الحماسية المتشددة، وهي تعكس عادة تفكير بعض الدوائر التركية، كذلك، نشرت صحيفة "ديلي صباح" الموالية للحكومة أيضاً استفتاء يطلب من القراء التصويت بـ"نعم" أو "لا" على سؤال: "هل توافق على الإدعاءات بأن أمريكا دعمت مباشرة أو غير مباشرة انقلاب الغولنيين الفاشل في تركيا؟".

أنجيرليك

والى جانب هذه المقالات، تسري في الصحف التركية أخبار عن صلة بين الاغلاق لقاعدة أنجيريك التركية أمام مقاتلات التحالف الدولي المناه ل"داعش" والاسترداد المحتمل لفتح الله #غولن.

ما وراء الاتهام

وتقول الكاتبة سيلين ناسي في صحيفة "حريت ديلي نيوز" إن المجادلين بتورط أميركي في محاولة الانقلاب يركزون على الدور الذي اضطلع به البريغادير جنرال بكير إرجان فان وتسعة عسكريين من أنجيرليك في محاولة الانقلاب، وعلى طلب فان اللجوء في أميركا قبل اعتقاله، وانطلاق مقاتلات شاركت في قصف أنقرة من القاعدة، وأن مقاتلات لتزويد مقاتلات متمردين بالوقود جواً انطلقت من هناك أيضاً.

ولكن المبعوث الاميركي الخاص الى التحالف الدولي المناهض ل"داعش" بريت ماكغورك عاد بأن علميات مستمرة بطاقتها الكاملة، وأنه بعد اعادة فتح القاعدة ب24 ساعة نفذت سبع طلعات فوق #منبج.

عواقب التوتر

في خضم الفوضى التي سادت تركيا بعد الانقلاب، تعددت الروايات ومعها الشائعات. واتجهت الانظار خصوصاً الى أنجيرليك التي تطير منها مقاتلات أميركية ومقاتلات لدول أخرى في حلف شمال الاطلسي، وتؤوي أسلحة نووية. وكثرت التكهنات بأن تركيا قادرة على إقفال القاعدة في وجه أميركا إذا اقتنعت بدور أميركي في الانقلاب، وذهب محللون الى التقدير بأن التوتر التركي-الاميركي سيضيع فرصة تحرير منبج والرقة، إلا أن الكاتبة التركية تحذر من أن وضعاً كهذا يضعف كثيراً التحالف الدولي ضد "داعش" وهو ما يلحق في النهاية ضرراً بأمن تركيا.

في خضم هذا التوتر بين الجانبين، ليس واضحاً بعد كيف ستتجه الامور. وإذا كان الحديث المفترض بين كارتر وبول هنري لا يزال افتراضاً بعد 36 سنة على انقلاب 1980، فأن سنوات طويلة قد تمضي من دون أن تثبت الاتهامات هذه المرة أيضاً. ولكن طريقة تعامل واشنطن مع ملف غولن قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة من العلاقات بين دولتين ترتبطان بمصالح استرتيجية في المنطقة خصوصاً وتحتاجان الى بعضهما في ملفات ساخنة تبدأ ب"داعش" ولا تنتهي بالأكراد.

اضف تعليق