q

أنا وأنت لا ندرك النهار لولا وجود الليل كما هو الحال لا ندرك أهمية الحياة إلا عندما يدق الخطر باب صحتنا، فالأشياء تعرف بأضدادها.

عندما يخيم شبح المرض عندها سندرك أشياء ربما لا تخطر على بال أحد، منها الخوف من الموت وخذلان الصديق وفقدان الناصر، وهلم جرى.

ربما بعضها أوهام لكنها بكل الأحوال لا تخلو من الحقيقة من جانب ولأنها أحاسيس بشرية لا تتنافى مع كينونته من جانب آخر.

مع الشعور بفقداننا الأمل في الحياة لا يخطر على بالنا أن الإنسانية تفتقد عند أعظم مهنة وعند أقدس مكان وهو مجال الطب وفي مدينة مقدسة وفي مكان يعتبر من المقدسات وهو المستشفى لأنها وجدت من اجل إنقاذ الإنسان لا من اجل استحقاره وإهماله. وعندما نصطدم بذلك سندرك ان الكثير من المقدسات التي يتحدث عنها البشر هي من صنع نفس ذلك البشر!!.

من خلال أزمات عديدة مرت بنا وبآخرين أدركت أن الحديث بالمثاليات التي نحاول اصطناعها من خلال الأمل الذي نصطنعه من اجل إقناع أنفسنا وتحديدا نحن الرجال بأننا أقوياء وقادرون على التحديات مهما تكن، فمع حدوث الأزمة وتحديدا الصحية نشعر أن ذلك كله كان وهما.

لماذا، لأننا شعرنا بفقدان صحتنا وهي الشيء الوحيد الثمين في عالمنا الذي من المفترض فيه ان نعيش هذه الحياة التي منحها الله لنا كي نكون فيها سعداء يحترم بعضنا البعض.

المشاعر والمعنويات وكل شيء يحيط بنا أصبح محبط جدا، فكيف إذا نجد أنفسنا وسط ركام الفوضى والإهمال الحكومي حتى من قبل بعض الجهات التي تعمل تحت غطاء الدين بمسميات طبية، تمارس هذه الجهات النصب والاحتيال المشرع له قانونيا ومسنود دينيا، فهنا نقرأ على العالم السلام.

ومن الطبيعي بعد معاناة كبيرة ومؤلمة لا يجد الكاتب والمثقف سوى حروفه التي يحملها مع طيات مرضه ليعبر عنها من خلال قلمه، لأننا نحن معشر الكتاب ربما نعيش في نرجسية تتفوق على الآخرين، وهو ليس اعتراف بقدر ما هو اعتداد بالنفس، لان من يحمل بين طبقات تفكيره ما قرأه وما يسعى لتحقيقه للمجتمع سيجد نفسه في مأزق معقد لأنه سيكتشف انه كان يعيش في وهم اسمه الإنسانية المفقودة في عالم مجنون، حيث الجميع يفكر بنفسه فقط وغيره غير مهم.

ربما هي معاناة شخصية لكن بقدر ما هي مشاعر طبيعية ونتيجة حتمية سيمر بها الجميع. فعندما تكون ممدد على سرير المستشفى تنتظر متى يأتي دور القصاب ليقطع منك جزء يقابله مبلغ كبير جدا من المال حينها سندرك معنى اسم الرحمة دون الإنسانية بقدر ما تدفعه من ثمن للطبيب، بعدها ينتهي كل شيء مع انتهاء مفعول المخدر.

اذكر جيدا وأنا أتلوع من حرقة مرارة الألم والإحباط والخوف بسبب ما شاهدته عند مدخل صالة العمليات، كيف يتفاوض السماسرة الموظفون مع المريض بشكل مباشر على أجرة العملية، فإذا كنت تمتلك المال تدخل إلى صالة القصابة وفي حال الرفض ستطرد حتى وان كان ملك الموت يطوف على رأسك!.

ربما هي معاناة لإنسان قد يمتلك من المال والأصدقاء، لكن ما شغلني كثيرا كيف بالإنسان الفقير الذي يفتقر للأصدقاء والمال معاً فهو قمة البؤس.

فكرت مرات عديدة لماذا فلان يعمل من خلال عمل تطوعي في مؤسسة ما، وجدت أن الكثير من هؤلاء قد عاشوا ظروفا صعبة أثرت بهم فمنهم من تصدى لخلاص الآخرين من خلال ما يفتقدونه، وهنا ليس بيدنا نحن الكتاب والمثقفين الا أن ندعو كل إنسان مخلص إلى مساندة كل من يحتاج المساعدة لان يد الرحمة والإنسانية يجب أن لا تقف أمام بعض الأشخاص من تجار الجسد الذين لا يفكرون سوى بمنافعهم، فماذا نسمي الطبيب الذي يعمل في (مستشفى حكومي، وأستاذ جامعي بمهنته، وبمستشفى أهلي، وبعيادته الخاصة، واستشارت طبية، ولديه مختبر وصيدلية له نسبة من الأموال) فانا متيقن أن مدخوله الشهري يصل إلى أكثر من 100 ألف دولار شهريا، دون مراعاة حال من يقع تحت يديه من اجل العلاج.

أي عالم نعيش وأي بؤس يحدق بنا، لذلك وحتى لا أكون بعيدا عن يد الرحمة الإلهية والعناية الربانية فان هناك من يمتلك الإرادة في تغيير واقعنا المزري، بحيث يجب ان يتصدى هؤلاء للطبقات الفاسدة وكشفها وفضحها، لان الموضوع لا يتعلق بشخص دون آخر.

الحديث قد يطول والمعاناة لا يدركها أي شخص إلا من مرت به ظروف بائسة من هذا النوع، وهذه دعوة لإنقاذ ما تبقى من سمعة واسم للإنسانية وحتى لا نتهم نحن المسلمون بأننا لا نمتلك الرحمة وما ندعيه ما هو إلا أكاذيب.

اضف تعليق