q

منذ أن تم التصويت على ضم الأهوار وبعض المواقع الأثرية الأخرى الى التراث العالمي بإشراف منظمة اليونسكو، والاحتفالات في المدن العراقية تتوالى وتتسع وتأخذ رقعة واسعة في الإعلام المحلي، ومواقع التواصل الاجتماعي، فينعكس ذلك بصيغة أفراح واسعة، ظهرت من خلال التعليقات والتصريحات والاحتفالات المتواصلة خاصة في المحافظات الجنوبية.

في القنوات الفضائي العراقية والإقليمية، ظهرت تصريحات لشخصيات معنية بالتراث العالمي، أثنت معظم هذه الشخصيات على القرار، وأكدت قدرته على إشغال تغييرات واسعة، ستظهر في منطقة الاهوار الفقيرة.

لا تستبعدوا ظهور ناطحات السحاب، وهي تزاحم القصب في علوها وارتفاعها الشاهق، قد تكون هذه الناطحات فنادق (خمس نجوم)، وقد تكون أبراج يرتقي قمتها السياح، يعتمرون المنظار، ويطلون على الأهوار، او على زقورة أور، او على المناطق الأثرية التي لا تزال تحمل غموضها معها، كذلك هناك خطة لزراعة شبكة من الطرق في المسطحات المائية التي ستزداد توسعا، بعد أن تطلق تركيا وإيران آلاف المكعبات المائية للأهوار.

يمكنك أن ترى مئات الزوارق السياحية تتهادى على صفحة المياه الزرقاء، شباك صيد السمك من الآن ارتفعت أثمانها، فبإمكان السائح أن يقضي ساعات طويلة ممسكا صنارته منتظرا السمكة التي يرغب بها، متى ستلتهم الطعم وتشد خيط الصنارة، لحظات ويرتجف الخيط فيسحب السائح صنارته فتلوح له سمكة طازجة كبيرة يسارع بها الى الشواء على جمر القصب والحطب.

هذه الأحلام المؤجلة من الممكن جدا أن تتحول الى واقع حال، ولكن هناك شرط لهذا التحوّل، هذا الشرط يقول على العراقيين أن لا يذهبوا كثيرا بأوهامهم وأحلامهم، وعليهم أن يكونوا عمليين جادين، وأن يتركوا الثرثرة التي تخرج عن حدودها، وأن يركزوا على النتائج العملية، اقتنصوا الفرصة وحولوها من (قرار) الى ناتج شاخص على الأرض.

ما فائدة أن نحتفل كثيرا ونعمل قليلا، العراقيون لو أنهم يعملون ويسعون لانتاج نشاط سياحي متميز في الأهوار، ويغادرون الثرثرة التي لا فائدة منها، خصوصا بعد أن تكون الشغل الشاغل للناس، هذا سيكون أفضل لهم، نريد أن نمسك شيئا باليد، وأن نكف عن الصراخ الفائض، او ما يسميه بعضهم (بالزعيق المزيف).

فرحنا نعم، وهي فرحة كبيرة بالفعل، سرحنا في الخيال، أخذتنا التمنيات الى شواطئ بعيدة، شعرنا بأننا ننتمي للعالم الذي يحترم تراثه الإنساني، كل هذا لمسناه في لحظة التصويت على وضع آثارنا وأهوارنا على لائحة التراث العالمي ضمن اليونسكو، حدث يثير الفرحة الكامنة في أعماق النفوس، ولعل شعب العراق هو أكثر الشعوب تعطشا للفرح، لأنه حُرم منه طويلا.

الآن بعد التصويت، وضمان الانتماء الى التراث العالمي، ماذا علينا أن نفعل؟؟ هذا هو بالضبط ما يجب أن ننشغل فيه، ونتكلم به مع بعضنا، وأعني الجهات المتخصصة وخبراء الآثار ولا مشكلة في الاستعانة من خبراء الدول الصديقة التي لها خبرة في مجال حفظ التراث، كيف يمكن أن تفيدنا بالنصيحة؟ ماذا نفعل، ماذا نخطط، ما هي أولوياتنا، باختصار، كيف يتحول هذا القرار من كلام الى فعل.

نريد من هذا القرار أن يبني لنا ناطحات سحاب على مسطحات الاهوار وبالقرب من الزقورة والآثار الأخرى، نريد من قرار التصويت، أن يبني لنا افخر الفنادق، مع شبكة من المواصلات والكهرباء والطرق (والمولات العملاقة) والأبراج والشوارع بتصميم عمراني عالمي، نريد الكثير الكثير، نحن شعب طموح، بالإضافة الى أننا شعب محروم، من حقه أن يعوض حرمانه باستغلال هذه الفرصة بأقصى ما يمكن من درجة الاستغلال المشروع.

نريد أن تتغير المناطق الجنوبية التي شملها قرار الضم الى التراث العالمي، والأهم من هذا كله، عليكم أيها المعنيون المتخصصون أن تبعدوا الفساد المحتمل في هذا المشروع السياحي الوطني العملاق، من يضمن لنا عدم دخول الفاسدين والمفسدين من بوابات الزيف والخداع الى مشاريع الأهوار والآثار؟؟ هل هناك من يضمن للعراقيين منع الفساد من التوغل في الأهوار، فيفسد هذا القرار ومزاياه، ويحزن القصب ويلوث الماء، ليبقى الحال كما هو عليه، قصب اصفر، وارض جرداء، وصمت مدقع، وفقر لا يطاق.

هذه النقطة (كبح الفاسدين)، هي حجر الزاوية في هذا المشرع العملاق، أيها العراقيون، أيها المعنيون بهذا القرار وبالتراث، كفّوا الآن عن الثرثرة الفارغة، وعن الأمنيات، والأحلام، والأوهام الغامضة، وباشروا من فركم بوضع اللمسات العملية التي تعني وضع الأسس لناطحات السحاب، ولأرقى وأفضل الفنادق في العالم.

باشروا في بناء الأرض الحلم ولكن على الواقع، أحسنوا التعامل مع هذا القرار، حوّلوه لصالح الشعب المحروم الذي يتطلع لأولي الأمر بقلوب واجفة وأرواح يطوقها العطش الى العيش الكريم، استثمروا الفرصة، واجعلوها ترقى الى أحلام الناس الفقراء، فهناك آلاف الوظائف في هذا المشروع، من شأنها أن تمتص الفقر وتجفف الحرمان وتبعده عن ارض العراقيين، نعم يستطيع العراقيون أن يحولوا الكلام وحبر القرار الى واقع قائم فوق المسطحات المائية للأهوار، ولكن يحتاج الأمر، الى إرادة فولاذية، وإصرار وصبر وحكمة، وخبرة وتخطيط سليم، ومنع الفساد من التسلل الى مدن الأحلام.

اضف تعليق