q

الانفجار يحصل في سيارة مفخخة او عبوة ناسفة او حزام انتحاري، ويحدث العصف الشديد وتندلع ألسن النيران ويحصل الخراب الواسع وتزهق الارواح وتتحول منطقة الحادث الى "أرض محروقة"، فهل هذا كل شيء لدى الجهات المدبرة للمجازر البشرية؟.

الرجال والنساء يخرجون في الشوارع، يتقدمهم ذوي الضحايا، وهم لا يعبرون عن حزنهم على فقدهم الأحبة فقط، إنما ينفجرون بمشاعر الغضب والانفعال بسبب ما جرى، ويبحثون عن الاسباب التي تجعلهم دائماً، لقمة سائغة للموت، بدلاً من ان يعيشوا الحياة الطبيعية مثل كثير من شعوب العالم، وعندما لا يجدون الاجوبة الشافية على سيل من الاسئلة الجديرة والحقّة لهم، ويجدون أنهم أمام مجهول! فان هذه الانفعالات النفسية تتحول الى معاول هدم في بنيتهم النفسية الداخلية تخلف آثار خطيرة ملحوظة في الوسط الاجتماعي؛ من تفشي اليأس والاحباط وعدم الثقة بكل شيء.

هذه الانفعالات يبحثها علماء النفس تحت عنوان "الانفعالات السلبية" في مقابل ما توصلوا اليه من وجود "انفعالات ايجابية"، علماً مظاهر الانفعال التي تظهر على قسمات الوجه او فلتات اللسان، ما هي إلا انعكاس للحالة النفسية وما يضمره الانسان من مشاعر، بينما انفعالات الجسد مقتصرة على الحاجة ودفع الخطر بمساعدة الجهاز العصبي.

وحسب المختصين في "علم نفس الايجابي" فان الانفعالات السلبية؛ كما إنها "تشكل نظام الاستنفار؛ القلق – الخوف- الغضب- الحنق وغيرها، للحماية من الاخطار والتهديدات وتجنبها من خلال الهرب" فانها ايضاً "تبعاً لتقدير معادلة القوة الذاتية" تمكن الانسان من خوض المواجهة والاسبتسال والتفوق على حالة الاكتئاب من فقدان شيء عزيز وهام.

وفي كتابه "إطلاق طاقات الحياة" يؤكد الدكتور مصطفى حجازي بامكانية الحصول على نتائج ايجابية من الانفعالات السلبية، فهو يسهب في كتابه في الحديث عن "الانفعالات الايجابية" ويعدها حقلاً خاصاً يفترض ان يبحث مستقلاً عن نظيره السلبي على سبيل إفادة الانسان لتخطي الصعاب في طريق النمو والتقدم، يقول: "يؤدي الحزن، وهو استجابة للخسارة، الى المزيد من تعبئة الطاقات وبذل الجهد لتعويضها ودفع ضررها على مصالح البقاء الحيوية، ولولا الحزن على الخسارة لما نهض أسلافنا الى القيام بالجهد اللازم لعلاجها والحفاظ على بقائهم، كما أن الغيرة تدفع الى اليقظة، كذلك الغضب بمثابة استجابة تهئ للقتال ذوداً عن موارد الحياة...".

عندما يعد المختصون في علم النفس من بلادنا الاسلامية، أمر البحث في الانفعالات السلبية، على أنها العلاج الناجع لما تعانيه شعوبنا من الكبت والاضطهاد والهزيمة النفسية، فهذا يعني أننا أمام فرصة للتغلب على مشاعر السخط والغضب في العراق، وعدم الانغماس في مستنقع الاحباط والرضى بالهزيمة النفسية، وخلق هزيمة جديدة الى جانب الهزيمة الامنية للمسؤولين المعنيين.

وهذا تحديداً ما تحاربه الجهات الراعية للتفجيرات الدامية في أي بقعة من العراق، لسبب بسيط واحد؛ حصول معظم هذه الانفجارات في أماكن خاصة بالطبقة الفقيرة – على الاغلب- مثل ساحات بيع الخضار والفاكهة بالجملة، او المطاعم والمقاهي والاسواق العامة، حيث الباعة المتجولين واصحاب "العربات" و"البسطات"، فالتفجير والتخريب والقتل، لن الهدف الاول والاخير لهؤلاء، بقدر ما هي النتائج النفسية والاجتماعية المترتبة على ذلك.

لذا فإن مشاعر الغضب المتفجرة من حناجر المتضررين من هذه الانفجارات اذا لم تتحول الى "فعل ايجابي" فانها تستحيل قنابل انشطارية في الواقع الاجتماعي ينعكس على السلوك والآداب وحتى فكر الانسان، وهنا نكون أمام اتجاهات متعددة كلها تنتهي الى اللااستقرار الامني والاجتماعي والسياسي، فمن السهل بمكان توجيه هذه المشاعر من قبل متربصين بمصالح الشعب والبلد بغية تحقيق مصالح معينة، فبدلاً من ان انتاج وعي أمني مجتمعي، كما نجح في بعض الدول المهددة بتحديات أمنية وسياسية خارجية، نشهد مزيداً من الخروقات الامنية التي يدفع ثمنها المدنيون لتزيد من رقعة الشريحة المنفعلة نفسياً بالاتجاه السلبي المدمر والتي لا ترى سوى الانتقام والتشفّي بمزيد من الاسقاطات السياسية والامنية في البلد، وعدم تصور – فضلا عن الاسهام – أي نوع من التغيير نحو الاحسن.

لقد لاحظنا مبادرات رائعة ابتكرها من لديه الحسّ الايجابي في نفسه، مثل الاعلان عن العمل بالمجان لترميم المحلات المتضررة من حادث الكرادة، او إقامة حفل العرس عند مكان الحادث الاجرامي للتخفيف من وطأة الحزن المخيم على النفوس، والتقليل من الآثار النفسية للسواد المترامي على واجهات المحال المحترقة، ببدلة العروس البيضاء، لتكون نقطة بيضاء صغيرة ومشعة تكبح جماح الانفعال السلبي، وتوجهه نحو المزيد من اليقظة والوعي والتلاحم الاجتماعي، وكل ما من شأنه ان يخلق أجواءً ايجابية بناءة.

انها مبادرات مبتكرة وشخصية، بيد أنها تمثل على صعيد الواقع، قوة ردع شديدة أمام كل المحاولات الرامية لألحاق الهزيمة النفسية بابناء الشعب العراقي،الامر الذي يستدعي تكرار مثل هذه المبادرات وتوسيع نطاقها لتأخذ ابعاد مجتمعية وثقافية واسعة.

اضف تعليق