q

هذه الأيام يستيقظ العالم بين حين وآخر على وقع الهجمات الارهابية التي تطول السياح في الدول التي تنشط فيها السياحة مثل تركيا وأوربا، كباريس وبروكسل وامستردام وغيرها، يتسبب ذلك بتراجع خطير في القدوم الى هذه المناطق المستهدفة، كما حدث مؤخرا في استهداف مطار اتاتورك باستنبول، او المنطقة السياحية المعروفة بآيه صوفيا في حي السلطان احمد.

يرافق هذا التراجع السياحي بسبب الارهاب، تراجع لسبب آخر هو الاقتصاد، فقد كان هناك تأثير لانكماش السياحة في الايام الاولى لصدمة الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوربي، وقد اثر هذا الانفصال في البداية على اعداد السياح خاصة هنالك سبب فرق تصريف العملات (الدولار واليورو والين وسواه، لكن كما تشير معلومات ان السياح يجدون البدائل المناسبة فيغيرون وجهتهم حسب اتجاه البوصلة نحو المناطق الأمينة كالمدن الاسبانية مثلا.

لقد كان للارهاب اثره الواضح على حركة السياحة، بعد أن استهدفت الاعتداءات الاخيرة خصوصا مواقع سياحية شهيرة. ففي 12 كانون الثاني/يناير قتل 12 سائحا المانيا في هجوم انتحاري نفذ في منطقة السلطان احمد التي تكتظ بالسياح في اسطنبول. والهجوم الذي نسبته السلطات الى تنظيم الدولة الاسلامية نفذ قرب متحف ايا صوفيا والمسجد الازرق (جامع السلطان احمد)، اللذين يعتبران من ابرز صروح التراث الثقافي والهندسي التركي.

ودخلت السياسة والحرب على الخط السياحي، فأثرت عليها كما حصل ذلك في العلاقات التي توترت كثيرا بين روسيا وتركيا بسبب اسقاط الاخيرة طائرة روسية في الاجواء الروسية، فقد حدث انهيار في عدد السياح الروس نتيجة الخلاف الدبلوماسي بين انقره وموسكو بنسبة 90%، وتراجع كذلك عدد السياح الوافدين من جنسيات اخرى، اولهم الالمان والجورجيون والبريطانيون. وبالاجمال سجل ذلك تراجع بنسبة 23% في عدد السياح الوافدين في الاشهر الخمسة الاولى من العام الجاري.

وكما يقول مراقبون أن الاحداث المتسارعة في مجال الارهاب والانتكاسات المتكررة في الاقتصاد، تلقي بظلالها على القطاع السياحي، فلا يبشر تراجع عدد السياح بخير لبقية الموسم السياحي الممتد من مايو أيار إلى اغسطس آب الذي يتوافد فيه السياح من أوروبا وروسيا على شواطئ جنوب تركيا. واعتذرت تركيا لروسيا عن إسقاط طائرة حربية تابعة لها في بادرة على أنها تسعى لتحسين العلاقات التي أضر توترها باقتصادها.

وغالبا ما يسعى السياح الى اماكن سياحية اكثر أمنا، فقد اختار السياح البريطانيون اسبانيا والبرتغال وقبرص لتمضية عطلتهم الصيفية بسبب التهديدات الارهابية في مصر وتونس وفقا لجمعية وكالات السفر البريطانية. واضافت الجمعية ان الحجوزات للبرتغال زادت ب29% مقارنة مع صيف 2015 و26% لاسبانيا و18% لقبرص. كما زادت الحجوزات لايطاليا (+12%) ومالطا (+5%) وفرنسا (+1%).

وقد تكون هناك اسباب تحدثها الطبيعة فتؤدي الى انحسار السياحة، كما حدث ذلك في امستردام، ولكن على الرغم من الامطار الربيعية، لا تزال تتقاطر جموع السياح الى متحف فان غوخ في امستردام، التي يقصدها سنويا 17 مليون سائح يثير عددهم الكبير قلق السكان والمسؤولين. يقول ماثيو روسو وهو برازيلي في الخامسة والعشرين من العمر "انه والمطر ينزل بغزارة، من غير المعقول وجود كل هذا العدد من الاشخاص هنا".

مجمل هذه الأسباب أثرت على حركة السياحة العالمية، ولكن الارهاب والتذبذب الاقتصادي كان لهما التأثير الأكبر على انتعاش او خمول القطاع السياحي في العالم.

عام 2016 مشؤوم للسياحة في تركيا

في هذا السياق يبدو أن قطاع السياحة التركي، المثقل أصلا بتبعات الاعتداءات المتكررة في البلاد، مهددا بالانهيار الكامل هذا العام خصوصا بعد الاعتداءات الانتحارية التي استهدفت مطار اتاتورك الدولي في اسطنبول مؤخرا. فقد ادى هجوم جديد استهدف اكبر مدن تركيا والاكثر زيارة، الى مقتل 41 شخصا واصابة نحو 240 بجروح.

وككل الهجمات المماثلة قبله حجبت صور العنف الصادمة لهذا الاعتداء الخامس في تركيا منذ عام والذي يحمل بحسب انقرة بصمات تنظيم الدولة الاسلامية، اي مشاهد ترويج سياحية. ومنذ عام ادت الهجمات في انقره واسطنبول الى مقتل حوالى 200 شخص والاف الجرحى اضافة الى ابعاد السياح الذين سجل توافدهم ادنى مستوياته في البلد منذ 22 عاما، فقوضت قطاعا شكل احد اهم موارد العملات الاجنبية للاقتصاد التركي، بمعدل حوالى 30 مليار يورو سنويا.

وهذه النقطة بالذات تشكل احد الدوافع التي أعلنتها مجموعة "صقور حرية كردستان" المتشددة المنشقة عن حزب العمال الكردستاني في تبنيها لهجوم بسيارة مفخخة في 10 حزيران/يونيو اسفر عن مقتل 11 شخصا في منطقة بيازيد التاريخية التي يرتادها السياح بكثافة في اسطنبول.

وقالت المجموعة انذاك "نوجه تحذيرا الى السياح الاجانب في تركيا، والراغبين في زيارتها: نحن لا نستهدف الاجانب لكن تركيا ليست بلدا امنا لهم".

بالفعل، استهدفت الاعتداءات الاخيرة خصوصا مواقع سياحية شهيرة. ففي 12 كانون الثاني/يناير قتل 12 سائحا المانيا في هجوم انتحاري نفذ في منطقة السلطان احمد التي تكتظ بالسياح في اسطنبول. والهجوم الذي نسبته السلطات الى تنظيم الدولة الاسلامية نفذ قرب متحف ايا صوفيا والمسجد الازرق (جامع السلطان احمد)، اللذين يعتبران من ابرز صروح التراث الثقافي والهندسي التركي واهم المواقع السياحية.

وبعد شهرين في 19 اذار/مارس قتل 4 سياح (3 اسرائيليين بينهم اثنان يحملان ايضا الجنسية الاميركية وايراني) في اعتداء نفذه انتحاري فجر نفسه في جادة الاستقلال الشهيرة في قلب اسطنبول، ونسبته السلطات التركية الى تنظيم الدولة الاسلامية.

ونفذ اعتداء المطار مع استعداد الاتراك لعطلة عيد الفطر التي تشكل فرصة للسفر، وسط موسم اصطياف مزدحم في البلد الذي لطالما شكلت شمسه الساطعة وبحره وصروحه التاريخية وجهات مغرية للسياح من حول العالم. لكن شهر ايار/مايو سجل بحسب وزارة السياحة اكبر انخفاض في عدد الوافدين في 22 عاما، مع انخفاض ناهز 35% في عدد السياح الاجانب الذين بلغوا 2,5 ملايين زائر بحسب رويترز.

ومع انهيار عدد السياح الروس نتيجة الخلاف الدبلوماسي بين انقره وموسكو بنسبة 90%، تراجع كذلك عدد السياح الوافدين من جنسيات اخرى، اولهم الالمان والجورجيون والبريطانيون. بالاجمال سجل تراجع بنسبة 23% في عدد السياح الوافدين في الاشهر الخمسة الاولى من العام الجاري. وبريق الامل الوحيد في هذه اللوحة القاتمة هي اعلان الرئيس فلاديمير بوتين رفع العقوبات في مجال السياحة مع تركيا في اطار تطبيع العلاقات بين البلدين بعد ثمانية اشهر من القطيعة على اثر اسقاط تركيا طائرة روسية قرب الحدود السورية.

وصرح مدير برنامج الابحاث التركية في معهد واشنطن سونير شاغابتاي لوكالة فرانس برس ان تنظيم الدولة الاسلامية، ان تاكدت مسؤوليته عن الاعتداء، "يكون وجه ضربة للتو لثاني اهم موقع رمزي في البلد بعد ساحة تقسيم". فاستهداف مطار اتاتورك الدولي بمثابة استهداف للنقل الجوي وشركة الخطوط الجوية التركية (توركيش ايرلاينز) التي تعتبر مفخرة تركيا المعاصرة، وتملك واحدا من احدث اساطيل الطيران في العالم.

واوضح المحلل ان "المطار هو المحور المركزي للخطوط الجوية التركية، شركة الطيران التركية الوحيدة المعروفة في الخارج، كما انه محور الصناعة والسياحة". وسط هذه الخلفية تبدو جهود السلطات التركية لترويج صناعة السياحة بلا جدوى، بعد ان عجزت امام انعدام الامن.

ففي الربيع اعلنت الحكومة خطة مساعدة بملايين اليورو لدعم النشاط السياحي، لكنها تبدو اليوم عبثية. وبلغ اليأس بالسلطات التركية مؤخرا حد اغراق هيكل قديم لطائرة ايرباص ايه300 مقابل سواحل منتجع كوش اداسي السياحي الذي يتمتع بشعبية كبرى على بحر ايجه، لتشجيع سياحة الغوص البحري. وهذا المشهد قد يرمز الى صناعة برمتها في طور الغرق.

البرتغال واسبانيا وجهة السياح البريطانيين

من جهتهم اختار السياح البريطانيون اسبانيا والبرتغال وقبرص لتمضية عطلتهم الصيفية بسبب التهديدات الارهابية في مصر وتونس وفقا لجمعية وكالات السفر البريطانية. واضافت الجمعية ان الحجوزات للبرتغال زادت ب29% مقارنة مع صيف 2015 و26% لاسبانيا و18% لقبرص. كما زادت الحجوزات لايطاليا (+12%) ومالطا (+5%) وفرنسا (+1%).

واضاف المصدر ان "الحجوزات الى وجهات تعد شعبية تقليديا مثل تونس ومصر تراجعت بعد الهجمات الارهابية وتغيير توصيات وزارة الخارجية المتعلقة بالسفر ما ادى الى زيادة شعبية دول غربي المتوسط خصوصا". وذكرت الجمعية انه "لا يزال هناك امكان شاغرة في اليونان" وان "التراجع العام في عدد الزوار الى تركيا يجعل من اليونان خيارا" للسياح الذين لم يتخذوا بعد قرارا بشان اجازتهم.

وتعرضت تونس العام الماضي لهجومين داميين في متحف باردو في اذار/مارس (22 قتيلا) وفندق سوسة في حزيران/يونيو (38 قتيلا بينهم ثلاثون بريطانيا). وفي مصر بعد حادث تحطم طائرة الايرباص "أ321" التابعة لشركة متروجيت الروسية في نهاية تشرين الاول/اكتوبر (224 قتيلا) الذي اعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عنه علقت كل الرحلات من بريطانيا الى منتجع شرم الشيخ على البحر الاحمر. وحذرت الخارجية البريطانية من "مخاطر متنامية لوقوع اعتداءات ارهابية" في البلاد بحسب فرانس برس. وفي 2015 كانت اول وجهة للسياح البريطانيين اسبانيا امام فرنسا والولايات المتحدة وايطاليا والبرتغال.

آسيا الوسطى تعول على الرياضة الشتوية

وعلى الرغم من ان الموسم يشرف على نهايته في شيمبولاك الا ان اعداد المتزلجين لا تزال كبيرة على مدرجات محطة الرياضات الشتوية هذه في كازاخستان التي تشرف عليها قمم جبال تانغري تاج الشامخة. وبعد تراجع في عدد الرواد قبل 25 عاما مع انهيار الاتحاد السوفياتي، باتت هذه المنطقة الواقعة في جنوب كازاخستان تجذب مجددا السياح الاجانب والمحليين بسبب الثلج الكثيف والمدرجات التي يقع بعضها على ارتفاع 3200 متر.

وتقول كريستينا لي التي تمارس التزلج على لوح "سنوبورد" للمرة الاولى "شيمبولاك كنز وطني". وتأتي مدربة اليوغا البالغة 26 عاما والمقيمة في الماتي كبرى مدن البلاد الواقعة على بعد 30 كيلومترا في كل عطلة نهاية الاسبوع تقريبا الى شيمبولاك. وتقول الشابة "صحيح انه لا يسعني المقارنة باي مكان اخر الا اني اذهل بهذا المكان في كل مرة". وقد لا تملك شيمبولاك المنشآت المتوافرة في محطات التزلج في جبال الالب الا انها حدثت تجهيزاتها العائدة الى الحقبة السوفياتية قبل سنوات.

فقد استفادت المحطة الواقعة على ارتفاع 2600 متر من استثمارات بملايين الدولارات استعدادا لاستضافتها الالعاب الاسيوية الشتوية في العام 2011. وكان المجمع ايضا حجر الزاوية في ملف ترشيح الماتي لاستضافة دورة لالعاب الاولمبية في 2022 والتي منحت في النهاية الى بكين. وتفيد السلطات المحلية ان 180 الف سائح زاروا شيمبولاك في العام 2015 ويتوقع ان يزيد العدد بالثلث خلال السنة الحالية رغم الوضع الاقتصادي غير الجيد.

ويسعى الكثير من السياح الاجانب الذي يسافرون الى هذه المنطقة النائية الى تجارب مختلفة عن تلك التي يحصلون عليها في اوروبا بحسب فرانس برس. ويوضح ستيفن هرمانز الذي يدير موقع انترنت ينظم رحلات في المنطقة "المحطات تتحسن لكنها في حين توفر المحطات في اوروبا مئات الكيلومترات من المدرجات فان نظيراتها في آسيا الوسطى توفر 20 الى 25 كيلومترا كحد اقصى". ويتابع قائلا "ما يمكن لاسيا الوسطى ان تقدمه فعلا فهي المغامرات خارج المدرجات. المناخ الجاف يوفر ثلوجا قليلة الرطوبة وهو امر يعشقه المتزلجون وممارسو السنوبورد المحبون للمغامرة".

وفي قرغيزستان في آسيا الوسطى ايضا تتحول الجبال الى جنة لمحبي التزلج خارج المسارات المرسومة مع منحدرات غير مطروقة. والامكانات هنا كثيرة من رحلات التزلج لمسافات طويلة في محيط ارسلانبود (جنوب غرب) واكبر غابة لاشجار الجوز في العالم ومغامرات قصوى مثل التزلج المجوقل حيث تحمل مروحية المتزلجين الى قمة جبل يبلغ ارتفاعه اربعة الاف متر.

ويعتبر الاميركي راين كوبال من رواد هذا المجال في بلد يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة. وتقترح وكالته "40 ترايبز" رحلات تجمع بين التزلج وتمضية الليل في خيم تقليدية قرغيزستانية. ويقول لوكالة فرانس برس "عدد متزايد من الناس باتوا يسمعون بجبال قرغيزستان. وهي قد تصبح مكانا رائجا".

لجذب مزيد من السياح قررت قرغيزستان وكازاخستان عدم فرض تأشيرات دخول على مواطني الدول المتقدمة. وتأمل كازاخستان الغنية بالمحروقات رفع مستوى السياح الوافدين اليها على غرار مجيء الامير هاري وصديقته حينها كريسيدا بوناس الى شيمبولاك في العام 2014.

وعلى المدى الطويل تحتاج المنطقة الى نمو اقتصادي اكثر استقرارا لزيادة الطلب في صفوف الطبقة المتوسطة على ما يوضح ستيفن هرمانز. ويقلق المتخصصون ايضا من تأثير الاحترار المناخي الذي يزيد من احتمال وقوع انهيارات ثلجية ويقصر موسم الشتاء.

امستردام تغرق في بحر السياح

ورغم الامطار الربيعية، تتقاطر جموع السياح الى متحف فان غوخ في امستردام، التي يقصدها سنويا 17 مليون سائح يثير عددهم الكبير قلق السكان والمسؤولين. يقول ماثيو روسو وهو برازيلي في الخامسة والعشرين من العمر "انه والمطر ينزل بغزارة، من غير المعقول وجود كل هذا العدد من الاشخاص هنا".

في هذه المدينة ذات القنوات المائية البالغ عددها 165، يزداد عدد السياح بنسبة 5 % سنويا منذ سنوات. واذا بقيت الامور على هذه الوتيرة فان العدد يمكن ان يبلغ 23 مليونا في العام 2025، بحسب سيباستيان ميير المتحدث باسم المجلس البلدي المكلف بالشؤون السياحية.

ويقول ماشتيلد ليغتيوفيت المتحدث باسم الفريق المسؤول عن الترويج للمدينة "الامر ليس مدهشا، فقد انفقنا قرابة 12 مليار يورو على الثقافة في امستردام، مثل تجديد متحف ريكس ميوزيم، والمتحف البحري، ومتحف السينما". ويضيف "هذه الامور تجعل من المدينة مقصدا يريد الناس ان يزورونه".

وتمتد طوابير الانتظار في امستردام، وتكتظ شوارعها ومطاعمها ومقاهيها ومواقف السيارات فيها، الى درجة جعلت السلطات المحلية للمدينة تقرر ان تقلص من ميزانية الترويج، بحسب دانيال بيترز المسؤول في الحزب الاشتراكي الذي يتمتع بغالبية المقاعد في السلطة المحلية. وقد اطلق رئيس البلدية ابرهارد فان دير لان نداء الى زوار المدينة البالغ عددهم ستة ملايين و800 الف الباقين فيها لاكثر من يوم واحد الى الاقامة خارجها، في روتردام او لاهاي او اوتريخت.

وقال للصحف المحلية "علينا ان نكف عن فعل ما يجذب السياح الى هنا". وحاولت البلدية ان تكبح هذا الضغط الكبير من السياح، من خلال فرض شروط على مستخدمي الحدائق العامة والقنوات المائية، في محاولة للحد من الانشطة التي تقام على مدار السنة في المدينة، منها 170 مهرجانا، وتجذب اعدادا كبيرة من المهتمين بحسب فرانس برس.

وهذا التدفق الكبير للزوار والسياح الى امستردام يزعج السكان البالغ عددهم 830 الف نسمة. وتقول ماريولين رئيسة الاقلية المعارضة في المجلس البلدي "يوجد في امستردام وسط تاريخي شوارعه ضيقة..ان حركة سيارات السياح هناك والدراجات الهوائية ودراجات الاجرة، تسبب بعض الضغط". وازاء هذا التدفق السياحي الكبير، يجد سكان امستردام ان شوارع مدينتهم لم تعد نظيفة، وانها باتت مكتظة كثيرا وتشوبها الفوضى، ويرى كثيرون منهم ان هذا الثمن باهظ جدا عليهم، حتى وان كانت السياحة تؤمن مئة الف فرصة عمل وتدر مليارات الدولارات، اكثر من عشرة مليارات يورو في العام 2014، بحسب المعهد المركزي للاحصاءات.

ويقول مورمان "علينا ان نحرص على الا نتجاوز هذا السقف". ويرى المسؤول المحلي انه ينبغي تحرير وسط المدينة والاماكن التاريخية فيها من الاكتظاظ، ويبدأ ذلك من ازالة السيارات من قارعة الطرقات ووضعها في مواقف على اطراف العاصمة، وتقنين تأجير المنازل الموقت بين الافراد، على غرار موقع "ايربي ان بي"، وتحديد عدد الايام بثلاثين بدل ستين.

ومن الاجراءات الممكن اتخاذها للحد من الطوابير التي لا تنتهي امام المتاحف، شراء التذاكر عبر الانترنت لساعات زيارة محددة. ولكن بعض السياح يلجأون الى خيارات اخرى، مثل ابدال المتحف التقليدية المكتظة بمتاحف بديلة. ويقول ماثيوس "سأذهب الى متاحف اخرى، تعنى بالجنس والتعذيب".

فالعاصمة الهولندية تضم تنوعا واسعا غريب الاطوار من الوجهات السياحية، منها متحف الحشيشة ومتحف الماريجوانا، وورشة "كينشتيش نورد" القديمة لبناء السفن والتي يشغلها الان تجمع للفنانين، وحانة ذات جدران ومقاعد من الجليد، تبلغ الحرارة داخلها تسع درجات تحت الصفر. ومن الاجراءات المتخذة ايضا، دعوة محبي امستردام الى زيارتها في موسم انحسار السياح، في الشتاء البارد، حين يزين مهرجان الاضواء شوارعها وقنواتها المائية في اجواء ساحرة بحسب فرانس برس. وبانتظار تنفيذ هذه الحلول والاجراءات، ينبغي على السياح ان يتحلوا بالصبر في طوابيرهم الطويلة، وكذلك على السكان الذين يفتقدون هدوء مدينتهم.

تراجع الاسترليني يخدم السياح في لندن

من ناحية اخرى لم يعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الاوروبي يخيف السياح الاجانب في لندن بل على العكس، يقول احدهم "ان عطلتي تتدنى كلفتها من دقيقة لاخرى"، بعدما بات تراجع الجنيه الاسترليني يوفر عليهم 15% من كلفة رحلتهم.

فبعد اسبوعين على القرار التاريخي للبريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي، لم يتغير شيء على ما يبدو بالنسبة الى السائحين على رغم فوز "الخروج" في استفتاء 23 حزيران/يونيو. ويعمد البعض منهم، خلال فترة بعد ظهر يوم مشمس، الى التقاط صور سيلفي قرب ساعة بيغ بن الشهيرة امام البرلمان البريطاني، او امام اكشاك الهاتف الحمراء، ويتنزه آخرون في حافلات من طابقين بحسب فرانس برس.

لكن الاستثناء الوحيد يتعلق بالتكاليف. فتراجع الجنيه الاسترليني حوالى 15% امام الدولار واليورو، الناجم عن وصول الذعر الى الاسواق منذ صدور نتيجة الاستفتاء، يعتبر بشرى سارة للسياح في لندن التي تعد باهظة التكاليف. وقال روبرت دو روس، من ميدلبورغ في هولندا، "بالنسبة الى اجازتي، الامر رائع. تتدنى تكلفتها من دقيقة الى اخرى".

ويعرب عن الارتياح نفسه روبرتو سيراليا الذي وصل لتوه مع زوجته وابنيه من كونيو في شمال غرب ايطاليا. وقال "بالنسبة الى ما قبل التصويت، سنوفر 15% على الاقل، نظرا الى ما خسره الجنيه الاسترليني. بالنسبة الينا، من المهم جدا ان نأتي الى لندن في هذا الوقت، حتى لو اننا لا نريد ذلك". وطلب من ابنه ان يلتقط له صورة مع زوجته امام ساعة بيغ بن.

ويقول الطالب الاميركي بريتون باين الذي كان يرتدي قميص نادي فريق باري سان جرمان لكرة القدم، انه "اشترى كثيرا من الاغراض" من السوبرماركت غداة الاستفتاء "من اجل الاستفادة" من تراجع الجنيه. ولم يحقق هذا الشاب نتيجة كبيرة، لانه غير قادر على انفاق مئات الجنيهات ليتذوق فعلا طعم الفرق. وهذا "يتطلب انفاق مبلغا كبيرا لتلمس الفرق"، كما قالت صديقته آن ماكريري. وتعد اريكا كيم من السائحين الذين يمكن ان يلمسوا الفرق. لكن كيم التي اتت من كوريا الجنوبية مع زوجها، تأسف لانها اشترت جنيهات قبل ان تأتي. وقالت "اشعر بشيء من الحزن لاني خسرت 400 جنيه" بالمقارنة مع اسعار الصرف قبل الاستفتاء.

وعلى الرغم من كل شيء، قالت بابتسامة "سأمضي بعد يومين قبل ان اعود، واريد ان اشتري بعض الاغراض ومزيدا من الملبوسات والالعاب للعائلة".

وبفضل تراجع الجنيه الاسترليني، تعد الصناعة السياحية البريطانية واحدة من القطاعات النادرة في بريطانيا التي تتمكن من الاستفادة سريعا من نتائج "البريكست".

وقالت هيئة "فيزيت بريتن" التي تتولى الترويج للمعالم السياحية في بريطانيا، "تتوافر للسياحة القدرة على الاستفادة من تراجع الاسترليني امام اليورو". واضافت الهيئة نقلا عن معلومات جمعتها شركة "فوروردكيز"، ان الارقام الاخيرة حول الحجوزات المتعلقة بالرحلات الجوية الى المملكة المتحدة شهدت ارتفاعا ناهز 10% (+9،4%) منذ الاستفتاء (24 حزيران/يونيو-2 تموز/يوليو) بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفعت عمليات البحث على الانترنت عن رحلات، كما تقول الشركات السياحية.

وعلى مقربة من 10 داونينغ ستريت، حيث يأمل السياح في ان يلمحوا وراء البوابات رئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون، لم يشعر بعد بهذه المؤشرات باعة التذكارات، ويعربون عن شكوكهم بالنتائج الايجابية للبريكسيت على القطاع السياحي. وقالت مارا اوليفييرا المسؤولة عن محل "سي.جي.اكس اكسيسوريز" "باستثناء الاميركيين الذين ينفقون اكثر من السابق، لم نلاحظ شيئا خاصا". وامام المقاهي التقليدية المبنية على شكل ساعة بيغ بت او صور الملكة اليزابيث الثانية في اطارات بألوان علم الاتحاد، لا يرى اشيك اف البائع لدى كول بريتانيا الا الركود الناجم عن "بريكست". واضاف "لا نرى اي شيء ايجابي. السياح يواجهون فوضى تامة".

اضف تعليق