q

ماهي المؤسسة؟

المدرسة، الكنيسة، المسجد، الجيش، الدولة، الشرطة والاسرة، هذه كلها مؤسسات. اما المنشأة ونادي كرة القدم فليست مؤسسات. لماذا؟ ذلك ان المؤسسة ومن حيث التنظيم لابد ان يضاف اليها صفة "رسمي"، "مقدس". ان مصنع الأحذية وجمعية جامعي الطوابع على سبيل المثال، لايقومان على رسالة عليا بنظر المجتمع. اذ ثمة مشروعية معينة خاصة تضفي على التنظيم صفة المؤسسة. ما يعني وجوب الاسهام بالنظام العام وإدارة حياة الجماعة.

شخّص بعض علماء الاجتماع سيرورة تحلل المؤسسة، وذلك منذ سنوات السبعينات. انه الوقت الذي شهد خسارة مشروعية المؤسسات الكبرى ذات الملاك، الشرطة، الجيش، المدرسة، الكنيسة والعائلة.

المؤسساتية

هل يمكن للسوق ان يكون موجودا من دون الدولة؟ كلا، يجيب روبرت بوير: "ان المنشآت لاتسند المضاربة،بل على العكس، انها تتوخى جميعها التفاهم، والاحتكار، والسيطرة على السوق، بحيث يعود على سلطات عامة خارجية ان تسهر على مبدأ الرأسمالية القانوني".

وزن المؤسسة في الاقتصاد

يعتبر وزن المؤسسة في الاقتصاد من المسلمات المؤسساتية في الاقتصاد. ليقوم بوظيفته يحتاج السوق الى مؤسسات ثابتة تؤمن انتقال البضائع بحرية، وتؤمن تداول عملة موحدة واحترام حقوق الملكية. باختصار لاوجود للسوق من دون الدولة.

ظهرت المقاربة المؤسساتية في الولايات المتحدة منذ بداية القرن العشرين، وقد تولدت كردة فعل على الاقتصاد الرياضي، وهي تهدف الى دمج دور المؤسسات في عمل الاقتصاد. يعتبر ثورشتاين فيلن، ونظريته حول السلوك التفاخري، مؤسس هذه المقاربة، واليه انضم عدد اخر من اهل الاقتصاد، أمثال جون كومونس الذي أشار الى دور القانون والأخلاق والصراعات في في قواعد اللعبة الاقتصادية او جون غولبرايت منظر البنية التقنية.

الا ان المؤسساتية ظلت هامشية نسبيا في الاقتصاد الى ان عادت وبقوة في الثمانينات حين بدأ الحديث عن "المؤسساتية الجديدة" حيث دخل هذا التعبير انطلاقا من مقالة وضعها جيمس مارش ويوهان اولسن عام 1984.

بمواجهة سيطرة الاقتصاد والعلم السياسي من خلال المقاربة الاقتصادية الفردية ارادت المؤسساتية الجديدة ان تركز على وزن المؤسسات في تحليل النظم الاقتصادية والسياسية.

في العلم السياسي وفي نظرية المنظمات تعتبر دراسة الالزامات المرتبطة "بممرات التبعية الضيقة" احد محاور دراسة المؤسساتية الجديدة. فما ان يلتزم الاقتصاد بطريقة معينة، كان تقوم مؤسسة معينة او فرع صناعي باختيار تكنولوجي معين، حتى يصبح لهذا الخيار وزنه واثره على التنظيم داخل المنشأة او على الفرع الصناعي، وهما وزن واثر يستمران لوقت طويل.

وفي اطار التحليل السياسي العام لابد من الإشارة الى وزن الاستعدادات المؤسساتية الثابتة والصارمة، والتي ترمي بثقلها وبمعارضتها على العمل العام مثل "البنية التحتية المادية، القوانين، الروتين التنظيمي، القواعد والأعراف السائدة". من هنا فان التغييرات المهمة "اصلاح مستشفى، او اصلاح التربية" لايمكن ان تحصل الا في ظروف استثنائية "في ظل ازمة معينة على سبيل المثال".

هل نحن جميعا مؤسساتيون؟

بعد الثمانينات برز فرع مؤسساتي اخر. وكان لذلك علاقته بالاقتصاد الفردي. ويعتبر كل من دوغلاس نورث واوليفييه وليمسون من ابرز ممثليه. نقطة انطلاق هذا التيار نجدها في مقالة وضعها رونالد كواز، الذي انطلق من مسالة سهلة، لكنها محيرة: لماذا توجد المنشآت؟

طالما كانت المنشأة الاستثمارية بالنسبة للاقتصادي مجرد "أداة" انتاج، انها نوع من الذرة الثانوية تقودها قوة وحيدة: "تحقيق حد اقصى من الربحية" ولا مجال لفتح علبة المنشأة السوداء لنرى مايجري داخلها. الى ان ظهر عام 1987 مقال أساسي بعنوان "طبيعة الشركة" حيث طرح عالم الاقتصاد الأمريكي رونالد كواز "جائزة نوبل للاقتصاد عام 1991 " هذا السؤال البسيط: لماذا توجد المنشآت؟ وبالفعل وكما تريد النظرية السائدة، فان السوق هو الطريقة الفضلى لتعيين الموارد، فلماذا يجب خلق منظمة لها قواعدها وتراتبيتها وعقود عملها الواضحة جدا؟ لماذا لانعامل الأشخاص معاملة متعهد ثانوي وان نناقش يوما بيوم حجم وأسعار لعمل تبعا لتقلبات السوق؟

يعتبر كواز ان الإجابة سهلة: تفترض طريقة إدارة اليد العاملة هذه معاملات دائمة وستكون كلفتها مرتفعة. والنتيجة، ستقوم المنشأة بإلغاء قانون السوق واحتوائه لتتحاشى اكلاف المعاملة المرتفعة . ويثير هذا مسالة كانت حتى ذلك الوقت مجهولة من جانب اهل الاقتصاد: في العلاقة التجارية، لايمكن ان تكون المعاملة مجانية. أحيانا، يستحسن تثبيت العلاقة بدل إعادة التنظيم من دون انقطاع، وهذا مايصبح مكلفا على مدى طويل.

بعد ذلك شكلت هذه المقالة مجالا لتيار بحثي كبير يتناول اكلاف المعاملات وحق الملكية ونظريات العقود الأخرى التي تشكل اطار حياة الاعمال.

مع بداية العام 2000 توسع اطار المؤسساتية ليضم تيارات فكرية مختلفة: علم اجتماع الاقتصاد، تحليل السياسات العامة، الاقتصاد المؤسساتي الجديد، مدرسة الضبط، نظرية الاتفاقيات او الاقتصاد التطوري أيضا. ويقبل الجميع الان بان عبارة مؤسسة وبحسب واضعيها من الكتاب، هي عبارة تحيلنا الى القواعد ، الاتفاقيات، الأعراف، النظم، الأيديولوجيات، المنظمات، الروتين والقيم التي تؤطر الحياة الاقتصادية والسياسية.

اضف تعليق