q

لم يدر بخلد المحيط الإقليمي الذي راهن على إسقاط التجربة العراقية التي تشكلت بعد 2003 أن تسقط ورقته التكفيرية بهذه السرعة، فبوادر الهيستيريا ظهرت بشكل دموي بعد هزيمة مايعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، تلك الهزيمة التي أسقطت أسطورة التنظيم الإرهابي الوهمية، فما كان من المحيط الداعم للإرهاب إلا الإنتقام من الأبرياء بشكلٍ فاحت منه نتانة الطائفية البغيضة كما حدث في منطقة الكرادة البغدادية لتأكيد مسعى إبادة تجربة الحكم الشيعي في العراق حتى وإن كان حكماً بآليات ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة وشاركت فيه بقية المكونات التي يتشكل منها النسيج المجتمعي العراقي.

وعندما يكون الحديث عن المحيط الإقليمي تبرز أسماء السعودية وقطر وتركيا والأردن، والإمارات والبحرين بحجم أقل، كما يحضر اللاعب الإيراني بالضد من توجهات بقية الدول الإقليمية ؛ لأسباب تتعلق بمصالحه القومية وصراعه مع الولايات المتحدة الأمريكية وفرض نفسه كقوة فاعلة وكبيرة على خريطة الأحداث والصراعات الدولية.

وتوضحت سريعاً تداعيات انهزام تنظيم داعش الإرهابي في بعض مناطق الخليج التي لم تستوعب هذا التقهقر غير المتوقع لجماعات تم دعمها بكل أشكال الدعم المادي واللوجستي والإعلامي الذي نشط بماكنة إعلامية ضخمة جداً فضلاً عن تأييد تمثل بأكثرية جماهيرية سُنية علقت على أفراد هذا التنظيم آمال استعادة أمجاد الحكم في العراق.

ولابد من تحليل أبعاد هذا التأييد الشعبي السُنّي للتنظيم التكفيري، فالتنظيم يمثل مساحة هي ليست كل مساحة الجسد السني على المستوى الفقهي لكنه وغيره من التنظيمات يتحصل على ممثلين له في العملية السياسية القائمة وتجربة الإنتخابات فيها، وهؤلاء الساسة يحصدون نسباً هائلة من أصوات المجتمع السُني على حساب الأقلية المعتدلة والوسطية لهذا المكون وهذا يعكس مدى التأييد الذي يحظى به هؤلاء الذين يمثلون ذراعاً سياسياً للتنظيمات الإرهابية التكفيرية، وأمامنا صورة شيوخ العشائر ورجالات الدين والفعاليات المجتمعية الأخرى أيام ماكان يسمى بانتفاضة المدن الست وكيف كان الشعار الرئيس والموحد الذي يتم رفعه في تلك التجمعات هو شعار (استعادة الحقوق المسلوبة) في إشارة صريحة وعلنية للعودة للحكم، وكذلك اعترافهم الصريح بأنهم مع الجماعات التي تقطع الرؤوس وتقيم الحد، وهذه الممارسات لاشك هي ذاتها ممارسة أفراد الجماعات الإرهابية المسلحة.

كذلك يدعم فكرة التأييد الشعبي او غالبيته هو استنفار المدن السنية لتكون ملاذاً وحواضن لداعش فظهر التلاحم المجتمعي مع الإرهاب في هذه المدن.

وقد كشفت وثائق حصلت عليها قوات الحشد الشعبي في الفلوجة تورط طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية السابق والمطلوب للقضاء والمحكوم بالإعدام غيابياً لثبوت تورطه بالإرهاب، كشفت الوثائق عن تبرعه بمبالغ مالية كبيرة للإرهابيين في الفلوجة.

وبالعودة لمحور تداعيات الهزيمة الداعشية وآثارها على المحيط الإقليمي والتي حدثت بوتيرة متسارعة يمكن ملاحظة ردة الفعل البحرينية بسحب الجنسية من رجل الدين الشيعي الشيخ عيسى قاسم كحالة من التمييز الطائفي الذي انتهجته بعض دول الخليج ضد المواطنين الشيعة في الوقت الذي نجد دولاً خليجية أخرى تعاملت مع الشيعة بمنطق المواطنة كما في الكويت وسلطنة عمان.

ردة الفعل السعودية كانت بصوت أعلى كتصريح وزير خارجيتها عادل الجبير حيث طالب علناً بتفكيك الحشد الشعبي وهو جزء من منظومة الدولة العراقية الرسمية ماعده البعض تدخلاً في الشأن الداخلي العراقي، هذه التصريحات جاءت مباشرة بعد الانتصارات التي حققتها القوات الأمنية على الدواعش في الفلوجة مايعمس حالة الأرق التي أصابت نظام آل سعود بعد فتوى الجهاد الكفائي التي تشكلت بموجبها فصائل الحشد الشعبي التي حررت مدن آمرلي وجرف الصخر (جرف النصر حالياً) وتكريت وبيجي والفلوجة وهي باتجاه تحرير مدينة الموصل التي تمثل آخر معاقل التنظيم الإجرامي في العراق.

الأرق السعودي استنفر كل فتاوى التكفير من المؤسسات الفقهية الوهابية، وأرسل المال والذباحين بتنسيق عال مع سفارة السعودية التي أُعيد فتحها في بغداد من أجل تنفيذ مخططات آل سعود بغطاء دبلوماسي حتى صارت السفارة عبارة عن غرفة عمليات كبيرة تحدد المسارات وتنفذ التوجيهات القادمة من الرياض، وتوضح هذا من خلال التحركات المريبة التي قام بها السفير السبهان وتصريحاته الإعلامية التي بدا فيها وكأنه عرّاب التجربة السُنية السياسية في العراق، وكذلك من خلال لقاءاته السرية والعلنية مع شخصيات سياسية أثارت بمواقفها وتصريحاتها جدلاً كبيراً في الشارع العراقي.

ولايتوقف الخوف السعودي من تجربة الحشد الشعبي عند هزيمة داعش في الفلوجة وتكريت وغيرها من المدن التي خضعت لسيطرته قبل تحريرها، بل يمتد الخوف إلى احتمالية أن تتطور تجربة الحشد الشعبي فيصير قوة إقليمية تربك الحسابات التكفيرية في عموم الشرق الأوسط وتكون تجربته شبيهة بحزب الله اللبناني. وعلى صعيد الداخل العراقي يلحظ الشعبية الواسعة لفصائل الحشد التي امتدت لتشمل المسيحيين و الأقليات السنية المعتدلة، وهو الأمر الذي قد يرسم ملامح شكل جديد للواقع السياسي في العراق ؛ لذلك زيد من زيت الماكنات الإعلامية الممولة خليجياً من أجل النيل من منجزات فصائل الحشد الشعبي وانتصاراته وتحريف سلوكيات أفراده الإنسانية مع أهالي المناطق المحررة وإظهارها على أنها سلوكيات طائفية.

سيناريوهات قادمة وخلايا تستيقظ

بعد اليأس السعودي من مخططاته تجاه التجربة العراقية، تشير التقارير الإعلامية إلى عملية ترتيب أوراق تقوم بها السلطات لتقويض القوة الشيعية وأجنحتها الرئيسية، وكانت قد مهدت لهذا الأمر بتحركات مكثفة بذلت معها الأموال الطائلة بهدف اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية وكان لها ماأرادت.

كما تحمل زيارة ولي العهد السعودي إلى الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً سيناريوهات جديدة محتملة تمهد لتحركات قادمة فضلاً عن تقارير تشير إلى سعي تركي أردوغاني يهدف إلى إعادة العلاقات مع العراق، ويبدو أن هذا المسعى جسر يعبر من خلاله السيناريو السعودي خصوصاً بعد أن عادت البضاعة التكفيرية التي صُدِّرَت إلى العراق، عادت إلى مكان تصديرها بعد حادثة التفجير في مطار أتاتورك ليدفع الشعب التركي ضريبة الحماقة الطائفية الأردوغانية.

وبعد إدانات دولية واسعة للتفجيرات الإجرامية في منطقة الكرادة البغدادية والتي أعلن داعش مسؤوليته المباشرة عنها، حاولت السعودية ذر الرماد في العيون ؛ لامتصاص الغضب الدولي العارم لشدة الجريمة من خلال التمويه بعمليتي تفجير في منطقة القطيف الشيعية وفي المدينة المنورة لاستهداف المسجد النبوي الشريف، كذلك أن تنظيم داعش الإرهابي عن مسؤوليته عن الحادثتين رغم أن الآليات والتكتيكات المستخدمة في التفجيرين - بحسب خبراء - تختلف كلياً عن طريقة التنظيم في استهداف المناطق والأشخاص الأمر الذي يؤكد أن الموضوع عملية مخابراتية ساذجة وسيناريو فشلت السعودية في صياغته وحبكته.

والمؤكد أن انهيار (دولة الخلافة) ستنشأ على أنقاضه مرحلة جديدة تحدثت عنها صحيفة التلي غراف البريطانية وهي مرحلة استيقاظ الخلايا التكفيرية النائمة لتنتشر في أماكن متعددة ؛ لتمارس نشر الرعب بين اوساط الأهالي والمدنيين، وهذا هو ماتحقق في مجزرة الكرادة المؤلمة وفي تفجير المطار التركي وماحصل في الإعتداء على مرقد السيد محمد عليه السلام في بلد مايعني ان السناريوهات الجديدة بدأت باستيقاظ الخلايا النائمة ونشر الممارسات الوحشية المدعومة فقهياً من شيوخ الوهابية وإعلامياً وبالمواقف الخليجية والسعودية في مقدمتها.

اضف تعليق


التعليقات

عبد الأمير الحسناوي
العراق
أحسنت أستاذ عادل المحترم على هذا التحليل فلقد كشرت مملكة الشيطان يعد هزيمة اولادها في الفلوجة2016-07-11