q

التفجير الإرهابي الكبير الذي استهدف منطقة الكرادة في العاصمة العراقية بغداد والذي تبناه تنظيم داعش الارهابي أدى إلى استشهاد ما يقرب من 300 شخص واصابة المئات، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا وان هذا التفجير وكما تنقل بعض المصادر، يعد احد اسوأ الاعتداءات التي مر بها العراق خلال العقد الأخير، كما انه يكشف عجز وفشل السلطات عن تطبيق إجراءات أمنية وحماية الشعب العراقي، بسبب تفاقم الخلافات والازمات السياسية بين الكتل والاحزاب الحاكمة، التي انشغلت بتامين مصالحها الخاصة، هذه العملية التي اثارت الكثير من ردود الافعال الغاضبة حيال هذه الإخفاقات الأمنية، حيث قوبل رئيس الوزراء حيدر العبادي باستقبال غاضب في حي الكرادة الذي نشأ فيه و رشق سكان موكبه بالحجارة، الامر الذي اجبرت الحكومة على اجراء تعديلات امنية سريعة، وأمر العبادي بإجراءات جديدة لحماية بغداد منها بسحب أجهزة كشف المتفجرات المزيفة التي استمرت الشرطة في استخدامها على الرغم من الفضيحة المتعلقة بصفقة شرائها عام 2011 في عهد سلفه نوري المالكي. وبيعت المعدات المحمولة باليد على أنها كاشفة عبوات ناسفة في حين أنها تستخدم لتحديد مواقع كرات الجولف المفقودة. وسجن رجل الأعمال البريطاني الذي باعها للعراق بمبلغ 40 مليون دولار في بريطانيا عام 2013. وأمر العبادي باستبدال المعدات بأخرى فعالة عند مداخل بغداد والمحافظات العراقية.

وفي وقت لاحق أعلنت وزارة العدل في بيان تنفيذ أحكام بالإعدام بحق خمسة أدينوا بالإرهاب ليرتفع عدد الذين أعدموا عن نفس التهم إلى 37 خلال الشهرين الماضيين . وأضافت الوزارة في البيان الذي نشر بموقعها الإلكتروني "نرفض بشكل قاطع أي تدخل سياسي أو دولي يطالب بإيقاف أحكام الإعدام تحت غطاء حقوق الإنسان أو أي غطاء آخر لأن حرمة الدم العراقي أسمى من كل هذه المسميات." وأعلنت أجهزة المخابرات العراقية أيضا أنها اعتقلت 40 "إرهابيا" يشتبه أنهم شكلوا جماعة لتنفيذ هجمات في بغداد ومحافظة ديالى بشرق العراق

ويرى بعض الخبراء ان هذه الاجراءات والتحركات ربما تكون وقتيه وغير فعالة الهدف منها امتصاص الغضب الشعبي، فهذه الحادثة ستكون مثل غيرها من الحوادث الارهابية الاخرى التي طالت العراق، خصوصا وان الحكومة الحالية تعاني من ضعف شديد بسبب المحاصصة الطائفية والحزبية، يضاف الى ذلك التدخلات والضغوط الاقليمية والدولية التي تعرقل خطط وقرارات الحكومة، كما وألقت هذه الهجمات الارهابية بظلالها على خطابات النصر التي أطلقتها حكومة بعد طرد القوات العراقية لتنظيم داعش من الفلوجة معقل المتشددين. كانت الفلوجة أول مدينة عراقية كبرى تستولي عليها داعش عام 2014 قبل ستة أشهر من إعلانها خلافة في أجزاء من العراق وسوريا. ومنذ العام الماضي يفقد المتشددون بعضا من الأراضي التي يسيطرون عليها أمام تقدم القوات الحكومية العراقية.

ارتفاع حصيلة ضحايا تفجير الكرادة

وفي هذا الشأن أصدرت وزيرة الصحة العراقية عديلة حمود بيانا أعلنت فيه أن حصيلة تفجير الكرادة الدامي الذي تبناه تنظيم "داعش" قد ارتفعت إلى 292، بينهم 177 غير واضحي المعالم. وقالت الوزيرة في البيان الذي وزعه مكتبها الإعلامي إن "عدد الشهداء بلغ 115 شهيدا تم تسليمهم إلى ذويهم، وهناك 177 شهيدا غير واضحي المعالم سيتم مطابقة التحاليل مع ذويهم لغرض تسليم جثامينهم إلى أهاليهم".

وأضافت حمود أن "الوزارة أوعزت لدائرة الطب العدلي بالدوام الرسمي طيلة فترة العيد وكذلك أيام العطل لتذليل المعوقات التي يواجهها المواطنون خلال مراجعتهم لمؤسساتنا". ودعت "أهالي الضحايا لمراجعة الطب العدلي لإجراء فحوصات الدي إن إي". وقالت إن "عدد الجرحى بلغ 200 جريح، معظهم تماثل للشفاء ولم يبق سوى 23 راقدين في مستشفيات وزارة الصحة".

ونفذ الاعتداء بواسطة سيارة مفخخة انفجرت في أحد الشوارع المكتظة في حي الكرادة الشيعي عشية عيد الفطر، وتبناه تنظيم داعش الذي خسر السيطرة على معقله الفلوجة غرب بغداد. وأعلن العراق حدادا وطنيا لثلاثة أيام على أرواح ضحايا التفجير الانتحاري، الذي استقال على إثره وزير الداخلية محمد الغبان من منصبه.

وبعد أيام من المأساة، أضيئت آلاف الشموع تكريما للضحايا، وشارك عدد كبير من الأشخاص في صلاة الفجر في مكان الاعتداء. وسيطر الجهاديون في 2014 على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، لكن نفوذهم تراجع منذ ذلك الوقت لحساب القوات العراقية بدعم من ضربات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.

من جانب اخر قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استقالة وزير الداخلية محمد الغبان بعد اعتداء الكرادة. وقال مسؤول في مكتب العبادي طالبا عدم ذكر اسمه ان رئيس الوزراء قبل الاستقالة، وهو ما اكدته وسائل اعلام عراقية بدون صدور اعلان رسمي. وقدم الغبان استقالته متحدثا عن خلل في المنظومة الامنية في بغداد ومطالبا بصلاحيات اوسع لوزارته.

على صعيد متصل أُقيل قائد عمليات بغداد وعدد من قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من مناصبهم. ويأتي قرار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بإقالة هؤلاء، ومن بينهم الفريق الركن عبد الأمير الشمري قائد عمليات العاصمة، بعد أيام من التفجير المروع في حي الكرادة بالعاصمة العراقية، ووصف الهجوم بأنه الأكثر دموية منذ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003.

أجهزة زائفة

من جانب اخر وردا على أكثر الهجمات دموية هذا العام أمر العبادي "جميع الأجهزة الأمنية بسحب أجهزة كشف المتفجرات المحمولة يدويا ... وإعادة وزارة الداخلية فتح التحقيق في صفقات الفساد لهذه الأجهزة وملاحقة جميع الجهات التي ساهمت فيها." وكان ضابط شرطة أكد في وقت سابق أن تلك الأجهزة المعروفة باسم "العصا السحرية" ما زالت تستخدم رغم مرور خمسة أعوام على فضيحة بيعها للعراق. وباع جيمس ماكورميك رجل الأعمال البريطاني هذه الأجهزة للعراق ودول أخرى وحكم عليه بالسجن في بريطانيا عام 2013 لمدة عشر سنوات لتعريض حياة الناس للخطر في مقابل تحقيق مكاسب.

وقالت الشرطة البريطانية حينئذ إن ماكورميك حقق مكاسب تجاوزت 40 مليون دولار من مبيعاته للعراق فقط. وقال العبادي إنه "على وزارة الداخلية الإسراع في نصب أجهزة من نوع رابسكان لكشف العربات على جميع مداخل بغداد وتأمين مداخل المحافظات." وأضاف أنه "على قيادة عمليات بغداد الإسراع في استكمال وإنجاز حزام بغداد الأمني بالاستفادة من إمكانات وزارة الدفاع والوزارات الأخرى وأمانة ومحافظة بغداد." بحسب رويترز.

وأوضح تسجيل فيديو بث على وسائل التواصل الاجتماعي أناسا يرشقون موكب العبادي بالحجارة والزجاجات والنعال أثناء تفقده لموقع تفجير استهدف حي الكرادة الذي تقطنه أغلبية شيعية وبعض المسيحيين تعبيرا عن غضبهم من عجز قوات الأمن عن حماية المنطقة. وامر العبادي كذلك بعدم استخدام رجال الامن الهواتف المحمولة عند نقاط التفتيش ولكن حتى في حال عدم استخدام الهواتف فان ذلك لن يحل المشكلة الاكبر المتمثلة في الملل وتدني اليقظة بسبب طول فترة الخدمة على الحواجز.

وطلب العبادي من وزارة الداخلية الاسراع في نشر اجهزة كشف على مداخل العاصمة للمساعدة في التعرف على المتفجرات او المواد المتفجرة، ودعا الى التنسيق والتكامل في عمل قوات الامن خارج مناطق القتال، ما يشير الى ان هذا التنسيق ضعيف. وحتى في حال تطبيق التدابير الجديدة فانه سيكون من الصعب وقف التفجيرات في بغداد والتي اثارت غضب السكان الذين يتهمون السلطات بعدم القيام بما يكفي لحمايتهم، ما يضعف الثقة المتدنية اصلا بالحكومة.

وزاد الغضب الشعبي من اضعاف صورة العبادي الذي فشل في تغيير الحكومة وتطبيق الاصلاحات. وقال محلل المخاطر وصاحب نشرة السياسة الداخلية العراقية (انسايد ايراكي بوليتيكس) كيرك سويل ومقره في الاردن ان "المشكلة السياسية الرئيسية الان هي ضعف العبادي وافتقاده للمصداقية".

البنتاغون ومجزرة الكرادة

في السياق ذاته اعلن البنتاغون ان التفجير الانتحاري الذي وقع في حي الكرادة ببغداد سيدفعه الى "تسريع" وتيرة هجومه على تنظيم داعش في سوريا والعراق ولكنه لن يغير في استراتيجية التحالف الدولي ضد الجهاديين. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية بيتر كوك ان واشنطن والجنرال شون ماكفارلاند الذي يقود قوات التحالف الدولي في بغداد هما "على تواصل وثيق" مع الحكومة العراقية بعد هذه المجزرة ولكن ليس هناك اي مخطط لارسال مزيد من القوات الاميركية الى العراق.

واضاف "انه حتما هجوم مدمر وتذكير مؤلم بالقدرات الفتاكة لتنظيم الدولة الاسلامية، لكنه لن يغير في الاستراتيجية المتبعة هناك والقائمة على قتال تنظيم داعش في العراق وسوريا بوتيرة اسرع وبأعنف طريقة ممكنة في محاولة للحد من قدراته" على تنفيذ هكذا نوع من الهجمات. واكد المتحدث الاميركي ان "تشديد الطوق على التنظيم سيقوض قدرته على تنفيذ اعتداءات في بغداد او انحاء اخرى من العالم". وكثفت الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده في الخريف الفائت الضغط على تنظيم داعش. بحسب فرانس برس.

وارسلت واشنطن قوات خاصة ومستشارين عسكريين اضافيين الى العراق بحيث تجاوز عديد العناصر الاميركيين في هذا البلد اربعة الاف. كذلك، اشرك الاميركيون في الاونة الاخيرة مروحيات اباتشي للمرة الاولى في المعارك دعما للجيش العراقي.

اضف تعليق