q

يوم بعد آخر، تهدأ العاصفة، كما يحدث دائما، وتنسحب ردود الأفعال الحادة الى زاوية الصمت، لتبقى آثار الجريمة شاخصة في العقول، فيما يتم نسيانها كغيرها من الجرائم والتفجيرات التي طالت مئات العراقيين من خلال عمليات ارهابية اجرامية لم تستطع الحكومة واجهزتها الأمنية من القضاء عليها في الداخل على الرغم من تحقيق الانتصارات الكبيرة في ساحات المواجهة الواضحة والمفتوحة.

أما عندما يحدث التداخل مع الأهداف المدنية الضعيفة كالأسواق والمناطق الشعبية عير المحمية، فإن الامر يختلف تماما، وتبقى مثل هذه الأهداف عرضة لخطر القتل والموت على مدار الساعة، كما هو الوضع منذ سنوات والى الآن، حيث الموت مزروع في الشوارع، والساحات، والاسواق وكل مناطق الزحام يمكن أن تكون بؤرة تستقطب الانتحاريين المتطرفين لكي يقوموا (كما هي مهمتهم دائما) بإزهاق ارواح الابرياء باسم الدين.

موجات العنف في بغداد والمحافظات لم تتوقف، فنحن ازاء حرب شعواء، تحصد مئات بل آلاف الارواح من العراقيين في كل يوم، فيما تبقى الجهات المسؤولة في حالة صمت، واحيانا تصدر بعض القرارات القائمة على (رد الفعل) لامتصاص غضب الناس، لكنها على المستوى الفعلي لن تسهم في حل الخروقات الأمنية المتكررة، لأسباب يعرفها المعنيون (بخراب) العراق والعاملين على تدميره سواء عن قصد او من دونه.

يشترك في مضاعفة موجات الموت التي تطال الاهداف المدنية، قلة الوعي الأمني لدى جميع الجهات بما في ذلك افراد الاجهزة الأمنية المعنية، والطرق التي تقوم بها من اجل الحد من هذه العمليات الارهابية، مع العلم أننا منذ اكثر من 13 سنة تتعرض مدننا واسواقها والمناطق المزدحمة الى حملات ابادة مستمرة حيث يعلن شهريا عن ازهاق ارواح الآلاف من العراقيين مع الجرحى والمعاقين.

الوعي الأمني، نعني به الحس الذي يمتلكه الفرد حول حماية نفسه من المجرمين المتطرفين، ومن ضمنها ما تسمى بالمصطلح المتعارف عليه (الارهاب، التطرف، التفجيرات العشوائية)، هذه الامور ينبغي أن يكون المواطن العادي عارفا بها، ومطلعا عليها، حتى يتمكن من الاسهام في التقليل من المخاطر التي ينتج عن العنف حيث يتربص الارهابيون بالأهداف الرخوة، كي يقوموا بأفعالهم الاجرامية، مستهدفين أضعف حلقات المجتمع والدولة، وهم الناس البسطاء، والاسواق الشعبية وما شابه.

لماذا لا يتحلى الناس بالحس الأمني

من الأمور التي يجب أن نتفق عليها، هي أن العراقيين على الرغم من كثرة الحروب وحالات العنف التي تخللت حياتهم، إلا انهم لم يوظفوا هذه التجارب في تحصين الوضع الأمني بحيث يصعب على الارهابيين اختراقهم، ان حصيلة التفجيرات الارهابية خلال شهر رمضان وحده بلغت رقما كبيرا من الضحايا والشهداء والجرحى حتى الآن، فهناك تفجيرات حدثت في مناطق متباعدة ومتقاربة من العاصمة، وآخر تفجيرات الكرادة التي أخذت اعدادا كبير بلغت عشرات الشهداء وعشرات الجرحى، والأسوأ في الامر أنها تحدث في اسواق شعبية، مولات تغص بالناس والزبائن من المتبضعين بسبب اقتراب العيد.

فقام الارهابيون باقتراف جريمتهم النكراء من دون أن يهتز لهم ضمير، متسببين بموت عشرات الاطفال والمراهقين والشباب والنساء والعجائز، وكل هذا يتم باسم الاسلام، ومما يزيد الطين بلّة، أن الناس بجميع مسمياتهم، يفتقدون للوعي الأمني، وإن كانت مهمة حماية امن الشعب منوطة بالجهات الحكومية المعروفة، ولكن هناك أعمال ثانوية يتكفل بها المواطن يمكن أن تساعد الاجهزة الامنية على اداء دورها في قضية حماية الناس بصورة افضل واكثر قدرة على رصد المجرمين المتطرفين.

لقد باتت المعلومات التي يقدمها المواطنون الى الجهات والاجهزة الامنية تحقق سبقا كبيرا في الكشف عن الجرائم القاتلة قبل وقوعها، وخاصة الكشف عن العصابات المنظمة، والخلايا الارهابية النائمة، وكل ما يمكن أن يهدد أمن المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي بعض الاحيان يرى المواطن بأم عينه افعالا وحالات مثيرة للريبة والشك، ولكن لا يتخذ المواطن الاجراء الصحيح وهو يتمثل بالاتصال بالاجهزة الامنية والابلاغ عن الحالات المشكوك بها، حتى تتم الاجراءات اللازمة قبل وقوع الجرائم التي تستهدف الناس البسطاء والفقراء في الاسواق والمطاعم وما شابه.

هذا الوعي الأمني ينبغي أن يتحلى به كل مواطن، فقد اصبح المواطن من اهم المصادر المعلوماتية للأجهزة الامنية، وهناك جرائم كبرى تم الكشف عن خيوطها وساعة الصفر في تنفيذها، وعدد المشتركين بها قبل أن تحدث، وهذا يعني انقاذ ارواح بريئة من الموت او الاعاقة الجسدية، نعم كان ولا يزال المواطن مصدر معلومات استخبارية همة للاجهزة الامنية المختصة، ولكن للأسف معظم المواطنين لا يفهمون دورهم هذا، بل هناك من يرى الخطر محدقا به وقريبا من حصد جيرانه او المقربين منه، ومع ذلك لا يبادر بالقيام بمهمته الأمنية، والسبب كما ذكرنا ضعف الوعي الامني لدى غالبية الناس، خاصة ان مثل هذه الاعمال المتطرفة، باتت تستهدف الناس العزّل بعد أن يئست من الوصول الى الاهداف القوية المحصنة.

من المسؤول عن نشر الوعي الامني؟

ترتبط قضية الوعي الامني بمنظومة السلوك المجتمعي بشكل عام، بمعنى هناك مجموعة قيم واخلاقيات وعادات تسهم في كثير من الانشطة والحركات الجماعية والفردية ضمن اطار المجتمع عموما، ولذلك نستطيع ان نقول طالما أن الهدف هو حماية المجتمع، فإن المسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، صحيح توجد هناك دوائر ومؤسسات واجهزة امنية تقع على عاتقها مهمة حماية ارواح الشعب، وعناصر هذه الاجهزة يتقاضون رواتب واجورا عن مهامهم هذه، وهو امر صحيح.

ولكن تبقى هناك ادوار ثانوية مساعدة، تقع على عاتق عامة الناس، فلا أحد مستثنى من مهمة ايصال المعلومة الى الجهات الامنية عن اي عمل تخريبي يهدف الى بث الرعب بين الناس، او التجاوز على ارواحهم، بحجة المقاومة وما شابه، فالمقاومون الشرفاء لا يمكن ان تكون اهدافهم الاسواق الشعبية وارواح الاطفال، ان مثل هؤلاء المقاومون المتطرفون، يستبدلون اهدافهم القوية بأهداف ضعيفة (مدنية) لا علاقة لها بالحرب التي تخوضها الجماعات الارهابية المتطرفة باسم الاسلام.

من هنا لابد أن يكون هناك تخطيط مسبق لنشر الوعي الامني بين المواطنين، وهذه المهمة قد تتبناها منظمات معينة، او تعود الى جهات اعلامية تتبنى القيام بحملات من هذا النوع، والأهم هو دور الفرد في تطوير نفسه بهذا المجال، ومتابعة الاحداث ومراقبة ما يحدث على الارض، واخبار الجهات المختصة على الفور بما يشكل خطرا على ارواح الابرياء.

ان الخلل الذي يتسبب بحدوث هذه الخروقات الامنية المتكررة في مدن العراق والعاصمة، بعض اسبابه تكمن في ضعف دور المواطن، بالاضافة الى ضعف اجهزة الدولة المعنية، لذلك مطلوب ان يفهم المواطن ما هو دوره بالضبط وما هي الواجبات الملقاة على عاتقه فيما يتعلق بتحصين النفس والجماعة من الهجمات الارهابية، ولعل طلب أهالي الكرادة (بالأمن الذاتي) يدخل في هذا الاطار، وقد وافقت الحكومة على هذا الطلب ضمن ضوابط سوف يتم اتخاذها، وهو اجراء قد يصب في تطوير الوعي الامني للمواطنين، والتركيز على اهمية دورهم في حفظ الامن، كنتيجة حتمية لتطور الوعي الأمني.

اضف تعليق