q

قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وما ترتب عليها من نقل السيادة على جزيرتي صنافير وتيران للمملكة، مقابل حصول مصر على 25% من الموارد الطبيعية للجزيرتين، والتزام المملكة بدفع ملياري دولار مقابل حماية الجيش المصري لهما مدة 69 عاما، هي وبحسب بعض الخبراء قضية معقدة يمكن ان تتسب بحدوث مشكلات وازمات جديدة، خصوصا مع غياب الشفافية وتضارب الآراء وتباين المواقف في الرأي العام المصري، وقد شهد هذا الملف تطورات يمكن ان تسهم بتعقيد الامور وقد تدفع الحكومة المصرية والرئيس عبد الفتاح السيسي بعد صدور حكم من محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية نظرا لمخالفتها نصا دستوريا يحظر "على السلطة التنفيذية إبرام اتفاقيات من شأنها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة" الى فتح معركة جديدة مع القضاء والشعب.

وقد نص الحكم الذي أصدرته دائرة الحقوق والحريات، بمجلس الدولة المصري برئاسة المستشار يحيى الدكروري، كما نقلت بعض المصادر على "بطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية في إبريل 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية". وأشار الحكم أيضا إلى "استمرار السيادة المصرية" على الجزيرتين وحظر تغيير وضعها بأي شكل أو إجراء لصالح أى دولة أخرى".

وجاء القرار القضائي ردا على 14 دعوى رفعت بشأن عائديه جزيرتي تيران وصنافير، بينهما دعوتان تطالبان بإلزام رئيس الجمهورية بعرض اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية على الاستفتاء الشعبي، فيما جاء في دعاو أخرى أن الجزيرتين تمثلان مناطق ذات أهمية في خطط الدفاع الاستراتيجي عن مصر، وأن قرار التنازل عن السيادة المصرية عليهما من شأنه أن يؤثر على مكانة مصر وهيبتها حتى داخل التحالفات العربية القريبة. كما جاء في بعض الدعاوى أن الاتفاقية التي تم التوقيع عليها خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان إلى القاهرة تخالف اتفاقية تقسيم الحدود المبرمة سنة 1906.

وكان الرأي العام المصري قد تفاجأ بالتوقيع على اتفاقية اعادة ترسيم الحدود، بين حزمة الوثائق الموقعة في أعقاب زيارة الملك سلمان إلى القاهرة في أبريل-نيسان الماضي. لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دافع عن قراره وأصر على أن قرار تسليم الجزيرتين ألى السعودية جاء بعد دراسة دقيقة للوثائق التاريخية المتعلقة بالجزيرتين استمرت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.

وذكر بأن قرار رئيس مصر رقم 27 لسنة 1990 بشأن خطوط الأساس التي تقاس منها المناطق البحرية لجمهورية مصر لم يتضمن اعتبار جزيرتي تيران وصنافير داخل الحدود البحرية المصرية. ويقول أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، انه يرفض الحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري بشأن التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود، ويرى أن القاضي لا يملك صلاحية اصدار مثل هذا الحكم، ولكن في ذات الوقت يرى إن الحكم شكل حرجا سياسيا للحكومة، وأثار رأيا شعبيا سلبيا منتقدا لها.

الحكومة وترسيم الحدود

وفي هذا الشأن دافعت الحكومة المصرية عن موقفها فيما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وقالت إنها ستقدم للقضاء جميع الوثائق التي تبين سلامة وقوة أسانيدها بخصوص الاتفاقية التي تضمنت نقل تبعية جزيرتين في البحر الأحمر للمملكة. جاء ذلك بعد يوم من صدور حكم من محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية نظرا لمخالفتها نصا دستوريا يحظر "على السلطة التنفيذية إبرام اتفاقيات من شأنها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".

وقالت الحكومة إنها "تقدمت بطعن" على الحكم غير النهائي. وقال مجلس الوزراء في بيان عقب اجتماع برئاسة شريف إسماعيل إن "الحكومة ستتقدم بكافة الوثائق التي تحت يديها لبيان سلامة وقوة أسانيدها أمام المحكمة الإدارية العليا صاحبة الحق في الفصل في القضية." وأضاف أن هيئة قضايا الدولة -التي تمثل الحكومة أمام المحاكم- ستتمسك في طعنها "بالدفع بعدم اختصاص المحكمة (القضاء الإداري) بنظر الدعوى (و) ستتقدم أيضا بملف يحتوى على المستندات والوثائق والخرائط التي ستعين في حسم القضية."

وأثارت الاتفاقية التي وقعها البلدان في أبريل نيسان على هامش زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة احتجاجات كبيرة في مصر وسط اتهامات من نشطاء وجماعات معارضة للحكومة بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مقابل استمرار المساعدات السعودية. ودافعت الحكومة المصرية عن الاتفاقية وقالت إن الجزيرتين الواقعتين عند مدخل ميناء العقبة كانتا تخضعان فقط للحماية المصرية منذ عام 1950 بناء على طلب من الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية.

وقالت أيضا إن توقيع الاتفاقية "إنجاز هام من شأنه أن يمكن الدولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما بما توفره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصادية عليهما." ورفض مجلس الوزراء في بيانه اتهامات بالتفريط في الأراضي المصرية. وقال "أكد المجلس أنه لا تفريط في التراب الوطني وأن الحفاظ على الأراضي المصرية دون تفريط من الثوابت والمبادئ الأساسية للدولة."

وأقر مجلس الشورى السعودي الاتفاقية بالإجماع يوم 25 أبريل نيسان لكن لم يصدق عليها البرلمان المصري حتى الآن. وقالت مصر إن الاتفاقية لن تصبح نهائية إلا بعد موافقة مجلس النواب. ومثل الحكم الاخير ضربة لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي طالب المصريين في أحد خطاباته بالكف عن الحديث في مسألة الجزيرتين.

وقدمت السعودية ودول خليجية أخرى مليارات الدولارات لمصر عقب إعلان السيسي حين كان وزيرا للدفاع عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على حكمة. واستمر هذا الدعم عقب انتخاب السيسي رئيسا عام 2014. بحسب رويترز.

ويقول كثير من المصريين إنهم تعلموا في المدارس أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن جزيرتي تيران وصنافير والجزر المصرية في خليج السويس والبحر الأحمر "ارتبطت... بمصر ارتباط الجزء بالكل." وفي وقت سابق برأت محكمة للجنح بالقاهرة 22 شابا ألقي القبض عليهم يوم 15 أبريل نيسان خلال احتجاج على الاتفاقية. وكان ألقي القبض على أكثر من 200 شخص في احتجاجات على الاتفاقية يوم 25 أبريل نيسان وحوكموا بتهم من بينها التظاهر بدون تصريح لكن برئ الكثير منهم أو خففت عقوبتهم إلى الغرامة المالية فقط.

الحكومة في مأزق

في السياق ذاته قالت صحيفة "المونيتور" الأمريكية, إن الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بمصر, ببطلان نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية, وضع النظام المصري في مأزق. وأضافت الصحيفة أن هذا الحكم قد يهدد المساعدات السعودية الكبيرة لمصر, التي تم الإعلان عنها عقب توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين البلدين في إبريل الماضي, والتي تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

وتابعت في حال تراجع المساعدات السعودية, فإن الأوضاع الاقتصادية في مصر قد تشهد مزيدا من التدهور, وهو ما سيزيد من الاستياء الشعبي في البلاد, وسيضاعف الضغوط الداخلية على النظام المصري". وأشارت الصحيفة إلى أن نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية أثار غضبا شعبيا واسعا في مصر, ونقلت عن نشطاء مصريين, قولهم :" إن الشعب المصري يرتبط بأرضه. وتاريخيا عمل معظم المصريين في الزراعة، لذا فإن الأرض بالنسبة لهم تساوي العرض".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية, قالت أيضا إن حكم بطلان نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية, سيترك تداعيات سلبية على العلاقات بين مصر والسعودية, خاصة أن الأخيرة من أكبر الداعمين للنظام الحالي في مصر. وتابعت " بعد قرار الحكومة المصرية نقل تبعية الجزيرتين للسعودية, وقعت الرياض مع القاهرة اتفاقات بلغت قيمتها 22 مليار دولار، معظمها لتمويل احتياجات مصر من الطاقة، وتحسين البنية التحتية فيها, بالإضافة إلى تمهيد الطريق لبناء جسر بطول 9.3 ميل عبر مضيق تيران، يربط بين البلدين".

واستطردت " ما يزيد من التداعيات السلبية للحكم على العلاقات بين القاهرة والرياض, أن مجلس الشورى السعودي، وافق بالفعل على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود مع مصر, والتي تم بمقتضاها نقل تبعية الجزيرتين للسعودية". وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية رفضت التعليق على الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بمصر, وخلصت إلى القول :" إن التزام السلطات المصرية بهذا الحكم سيؤدي إلى توتر العلاقات بين القاهرة والرياض", حسب زعمها.

وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية, اعتبرت أيضا الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بمصر, ببطلان اتفاقية إعادة ترسيم الحدود مع السعودية, بمثابة مفاجأة في غير صالح النظام المصري وقالت الصحيفة, إن هذا الحكم من شأنه أن يضع النظام المصري في مأزق أمام السعودية, التي قدمت له مساعدات كبيرة للغاية. وتابعت " رموز النظام المصري دافعوا كثيرا عن قرار التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية, رغم الغضب الشعبي العارم في مصر إزاء هذه الخطوة".

واستطردت " آلاف المصريين كانوا خرجوا في احتجاجات بالشوارع ضد اتفاق تسليم الجزيرتين للسعودية, تحت شعار مصر مش للبيع". وخلصت الصحيفة إلى القول :"إن الحكم بمصرية الجزيرتين قد يخفف الضغط الشعبي الداخلي على النظام المصري, إلا أنه يسبب حرجا كبيرا له أمام السعودية, أكبر الداعمين الخليجيين له".

وحسب خبراء قانون, فإن القضاء الإدارى بهذا الحكم يضع السلطات في مأزق بالنسبة لمتظاهرى "جمعة الأرض", والتى يتوجب عليها الإفراج عنهم دون قيد أو شرط بعد هذا الحكم . وفي 15 إبريل الماضي، احتج آلاف المصريين على سلم نقابة الصحفيين وفي محيطها, احتجاجًا على قرار الحكومة بـ"أحقية" السعودية في جزيرتي "تيران وصنافير", بموجب اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود، وقعها الجانبان في الشهر ذاته، الأمر الذي اعتبره البعض في مصر "تنازلاً عن الأرض".

حل التقسيم

من جانب اخر وفي محاولة لحل أزمة تيران وصنافير اقترح مستشار منظمة التعاون الإسلامي، سفير مصر الأسبق في الرياض سيد قاسم، أن يتم تقاسم جزيرتي تيران وصنافير بين مصر والسعودية. وراي قاسم الذي عين سفيرا في السعودية بعد استئناف العلاقات بين البلدين في من 1987 إلى 1991، في تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية أن الحل يأتي بتقاسم الجزيرتين، حسب قرب كل جزيرة لحدود كل دولة، بحصول السعودية على صنافير، على أن تظل تبعية جزيرة تيران لمصر، أو تقاسم السيادة بين الدولتين؛ للحفاظ على العلاقات مع الجانب السعودي"، وفق قوله.

واعتبر سفير مصر الأسبق في الرياض أن "حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية يعد مخرجا كريما للحكومة لإعادة النظر في القضية". ولفت قاسم الذي يعد أيضا أول سفير مصري بالمملكة الى إنه "في حال تقاسم السيادة، من الممكن تحويل المنطقة إلى منطقة تعاون اقتصادي مشترك في منتصف جزيرة تيران، لجعل الجزيرة مجالا للتعاون لا النزاع". وأضاف: "آن الأوان لتنحية الجوانب القانونية والتاريخية، واللجوء إلى الحل السياسي، عبر تقاسم الجزيرتين، أو تقاسم السيادة". ويرى قاسم، ان "عدم الوصول لحل لسياسي لأمر الجزيرتين سيترك للأجيال القادمة بذور نزاع لا داعي لها، خاصة مع تمسك المصريين الكبير جدا بتبعية تيران لمصر".

اضف تعليق