q

العقل هو المفهوم الذي تتمحور حوله ثقافة الإسلام، فحسبك ان تطلع على عشرات الآيات التي تناولت مادة ((عقل)) وما هو قريب منها في المعنى من مادة ((حجر)) و((نهى)) و((قلب)) و ((فؤاد)) و((ألباب)) وهي جمع ((لب)) في القرآن حتى لا يعود هناك مجال للشك بأن الإسلام دين عقلي بامتياز، وليس معنى ان الإسلام دين العقل، هو اعتماده على الاستدلال المنطقي والقياس العقلي كما هو ديدن الفلاسفة في ترتيب النتائج على المقدمات بالطريقة المنطقية الصورية، إن القرآن نفسه لم يستخدم لغة الفلاسفة ولا قياساتهم المنطقية المعهودة، نعم توجد ذات المضامين التي يستهدف الفلاسفة التوصل إليها بتفكيرهم المنطقي المعهود، لكنه يتجنب طريقتهم في الاستدلال ولغتهم الصارمة الخالية من الروح، والفاقدة لتدخل العنصر العاطفي المتفاعل مع الحقيقة المكتشفة.

إن منهج القرآن مختلف من هذه الناحية، فهو يطالب الإنسان بأن يتبع قواه المعرفية الفطرية للاهتداء إلى أن ثمة خالقاً موجداً للكون، ويطالبه رأساً بالايمان به، والتفاعل العاطفي معه، والانخراط في العمل والسلوك الايماني الذي هو العمل، وستكون بين العلم والعمل علاقة جدلية بحيث يزداد العلم بزيادة العمل والإخلاص فيه، وكذلك ترتفع قيمة العمل بزيادة العلم وخلوصه من الشوائب التي تكدر صفو المعرفة، ((فالعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل)) كما قال الامام الصادق عليه السلام، فليست المعرفة في منطق القرآن معرفة نظرية يمكن فصلها عن البعد العملي والتطبيقي، فإذا حصلت المعرفة عند المرء ولم يقترن بها العمل لم تعد تلك المعرفة عند العارف معرفة حقيقية، لأنها بتجردها من العمل تدل على عدم رسوخها في النفس، وبالتالي لن تكون معرفة عملية كما يريدها القرآن.

وهكذا فإن المعرفة في القرآن ليست ذات بعد نظري فقط كما هو شأن المعرفة عند الفلاسفة، بل هي معرفة يندك فيها النظر بالعمل حتى تتحول في آخر المطاف إلى عمل محض، ومن هنا نستنتج أن العقل بما أنه آلة المعرفة في القرآن، فإنه لا يطابق العقل الفلسفي في المعنى، بل يختلف عنه اختلافاً جذرياً، لأنه عقل عملي تطبيقي وليس عقلاً نظرياً محضاً، وبناءً على هذا، فإن الاستدلال العقلي على وجود الله في القرآن، إنما يكون من خلال النظر إلى أجزاء العالم والكيفية التي تؤدي بها وظائفها، وليست معرفة نظرية مجرد يجلس معها الإنسان في غرفته معتزلاً العالم، ومرتباً أقيسته المنطقية والفلسفية، ثم يتوصل من خلالها إلى الاستدلال الفلسفي على وجود الله وينتهي بعدها كل شيء.

أجوبة الشبهات في القرآن

ومما يدعو إلى الدهشة فعلاً أن جميع الشبهات التي تدور في الأوساط الفلسفية حول مختلف المسائل التي تتكون منها العقيدة الإسلامية، تجد لها جواباً في القرآن، وما يبدو للوهلة الأولى أنه إشكال فلسفي يهدد أسس العقيدة بالاختلال، وأنه يستعصي على الحل، فإنه بمجرد أن تتجه أنظار الفلاسفة الإسلاميين إلى التدبر في آياته البينات مستضيئين بالسنة وروايات أهل البيت قطعية الصدور عنهم عليهم السلام حتى يكشف لهم القرآن عن كنوز معارفه، فيجدوا بدل الجواب الواحد مجموعة من الأجوبة التي تحسم مادة الإشكال من الأساس، وتقطع حجة من يريد أن يطفئ النور الإلهي المبثوث في جميع آي القرآن من الغلاف إلى الغلاف.

موافقة القرآن للحكم العقلي

هنا يجب أن ننتبه إلى مسألة، وهي أننا عندما نقول إن الإسلام هو دين العقل، وإن العقل هو حجر الزاوية الأساس في جميع ما تنبني عليه العقيدة الإسلامية من مسائل ومقولات، فهل إننا نعني بهذا القول أن كل ما يحكم به العقل الإنساني الذي هو عقل كل فرد على حدة، هو صحيح ولا بد من اعتباره في تقرير العقيدة الحقة وفرزها عن العقيدة الباطلة، هذا السؤال مهم للغاية في رأينا، لأنه مثار شبهة رئيسية في هذا العصر، حيث يقال إن الأديان جميعاً، بما فيها الإسلام، لا يمكن أن تكون عقلية، بداهة أنها لم تنبع من عقول البشر، بل هي تقول عن نفسها إنها جاءت من مصدر آخر غير عقل الإنسان، فكيف يمكن أن يقال عنها إنها أديان تحترم العقل وتقدسه فضلاً عن أن توصف بأنها أديان عقلية، وهي تتعالى على تفكير البشر، وتربأ بنفسها عن أن تكون منجزاً من منجزات البشر في جميع الأزمان.

يجب أن نبدأ السؤال من هذه النقطة فنسأل: عن أي عقل نتحدث، هل نتحدث عن عقل يمتنع عن إصدار أي حكم إلا بعد أن يخضع المقدمات التي تتأسس عليها النتائج للامتحان الصعب والعسير، بحيث يضمن لنفسه الانطلاق بخطوات ثابتة نحو النتيجة التي لا يعتريها الشك، بسبب القطع الذي حصل له عن طريق البرهان، أم أنه العقل الذي تنازل عن عرشه فرضي أن يتخذ لنفسه موقع التبرير للغرائز الشهوانية والأثرة والعدوان والأنانية، فوجد أن أفضل سبيل إلى ذلك هو اصطناع المغالطات التي تعتبر آفة التفكير العقلي الذي بسببها يحصل الخلاف والاختلاف بين البشر مع أنهم جميعاً يحملون في رؤوسهم عقولاً ويجيدون وظيفة التفكير.

عندما نقول إن الدين الإسلامي هو دين العقل فنحن نقصد العقل بالمعنى الأول، وليس العقل بالمعنى الثاني، أما الاخوة العلمانيون، أقصد من ينكر منهم حقانية الدين الإسلامي، فإنهم لا يقيمون اعتباراً إلا من الناحية النظرية فقط للعقل البرهاني، وأحياناً ينكرون حتى من الناحية النظرية القيمة المعتبرة لهذا العقل، فيزعمون أن إمكانية العقل على تكوين مثل هذا الدليل هو ضرب من الوهم الذي لا ينبغي أن يتبناه الإنسان الحامل لفكر الحداثة، كما إنهم لا يعتقدون بقيمة الأفكار البديهية والضرورية التي تعتبر المنطلق الأساسي الصحيح لتكوين أي دليل يتمتع بالقيمة البرهانية عند البشر، إذ هي محل إجماع العقل البشري المنشطر إلى عقول جزئية لا نهائية، ولا يمنحون الاعتبار إلا للأفكار التي تتمتع بقيمة نسبية حتى بالنسبة إلى تلك الأفكار الأولى التي تتمتع بالضرورة والبداهة، فلو فرضنا أن الدين الصادر عن الله سبحانه، شاء أن يكون ديناً عقلياً بناءً على هذا الفهم، فإنه لا بد أن ينتهي إلى نفي نفسه بنفسه، واعتبار اعتقاد كل إنسان ديناً حقيقياً مبرئاً للذمة، حتى لو كان فحواه عبادة الأصنام، أو عدم الاعتقاد بأي دين من الأساس، مثل هذا العقل لا يقام له وزن حتى عند العقول البشرية النسبية الأخرى التي قطعت شوطاً أبعد في تنقيح عملية التفكير والاستدلال من الشوائب والمغالطات، فكيف يمكن إذن أن يكون محط تقدير واعتبار عند خالق العقل سبحانه دون قيد او شرط؟

العقل الأرقى

العقل القرآني عقل أرقى من عقل الإنسان، حتى عندما يكون هذا العقل الأخير برهانياً وبريئاً من المغالطة، ولكن ليس معنى ذلك أنه يتقاطع معه أو أنه يناقضه، فكل ما يعنيه هذا هو أن عقل القرآن يخطو بعقل الإنسان إن كان على تلك الصفة خطوات أبعد إلى الأمام ويصعد به إلى آفاق أعلى وأسمى، مما لا يمكن للعقل الإنساني بمعزل عن المدد والعون الذين يحصل عليهما من ذلك العقل أن يصل إليه من الحقائق والوقائع التي من الطبيعي أن تخفى عليه، لأنها على الرغم من أنها واقعية وليست خيالية فإنها تنتمي إلى عالم الغيب، وإن أقصى ما يمكن أن يطلع عليه عقل الإنسان من الحقائق والوقائع، هي تلك التي تقع في نطاق خبراته التي تكونت من عالم الحس والطبيعة، ولا يمكن له في هذه الحالة، الاطلاع على ما هو أبعد من ذلك من الحقائق التي تنتمي إلى عالم الغيب بطبيعة الحال.

الإسلام يقدر العقل، ويعتبره حجر الزاوية الأساس في عملية الاستدلال على وجود الخالق، وما يتأسس على ذلك من ضرورة بعثة الأنبياء وإنزال الشرائع، هذه المسألة لا يُعوَّل فيها إلا على العقل، أما ما بعد ذلك، فإن العقل نفسه يحكم بضرورة أن يطيع الله فيما يشرع له من أحكام، لأن مقتضى إيمانه بالله وتصديقه بالنبوة وقد تأسسا على استدلال العقل ابتداءً هو هذا التسليم، فليس العقل بقادر على أن يشرع للفرد والمجتمع تشريعات قانونية صالحة لتحقيق مبدأ العدل إلا على نحو الموجبة الجزئية، أو على نحو يغفل فيه بعض الجوانب التي لها مدخلية في تشريع القانون الذي يتوخى منه تحقيق العدل، يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذا السياق: "أوَّل الأمور ومبدؤها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلا به؛ العقل الذي جعله الله زينةً لخلقه ونوراً لهم، فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنَّهم مخلوقون، وأنَّه المدبر لهم، وأنَّهم المدبرون، وأنَّه الباقي وهم الفانون، واستدلُّوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه؛ من سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليلة ونهاره، وبأنَّ له ولهم خالقاً ومدبراً لم يزل ولا يزول، وعرفوا به الحسن من القبيح، وأنَّ الظلمة في الجهل، وأنَّ النور في العلم، فهذا ما دلَّهم عليه العقل"، قيل له: فهل يكتفي العباد بالعقل دون غيره؟ قال (عليه السلام): "إنَّ العاقل لدلالة عقله الذي جعلهُ الله قوامه وزينته وهدايته، علم أن الله هو الحق، وأنَّه هو ربه، وعلم أنَّ لخالقه محبَّة، وأنَّ له كراهية، وأنَّ له طاعة، وأنَّ له معصية، فلم يجد عقله يدله على ذلك، وعلم أنَّه لا يوصل إليه إلا بالعلم وطلبه، وأنَّه لا ينتفع بعقله إن لم يصب ذلك بعلمه، فوجب على العاقل طلب العلم والأدب الذي لا قوام له إلَّا به"، فدور العقل في المرحلة الأولى هي الاستدلال بنظام الخلق او بترتيب مقدمات الاستدلال بطريقة منطقية على وجود الله، ثم يحدث التسليم، لكن لا يكون التسليم غبياً وبليداً ولا مؤدياً إلى تعطيل العقل، بل إلى تفعيله وتثويره في اتجاه يضمن له عدم الانحراف عن جادة الاستقامة والصواب.

وجود الله وصفاته لا يستعاض عن العقل في الاستدلال عليهما، كما لا يستعاض عن العقل في إثبات حاجة الناس إلى بعثة الأنبياء لتنظيم العلاقات بين الخالق والمخلوق من جهة وبين المخلوقين أنفسهم من جهة ثانية، ثم إن العقل لا يستعاض عنه في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله بعد ذلك، كل ذلك يستقل العقل في إصدار الحكم فيه، وتلك مسألة واضحة تمام الوضوح في علم الكلام الإسلامي، وهي محل التسليم من أغلب علماء الإسلام.

العقل يمارس دوره في مرحلة التسليم من خلال قدرته على الفهم والاستنباط من النص الشرعي في إطار العملية التي يطلق عليها الفقهاء اسم الاجتهاد، على أن العقل عند فقهاء الإمامية والمعتزلة هو أحد أدلة التشريع أساساً، لكن على أن لا يخالف في حكم من أحكامه حكم الكتاب والسنة، بل عليه أن يتحرك في فضائهما، أو أن لا يتقاطع معهما على الأقل، فإن ناقض العقل الشرع كان ذلك علامة على الخلل الحاصل في الحكم العقلي، أو على خطأ وارد في فهم النص الشرعي، وكلا الأمرين يفترضان المطابقة التامة بين ما يحكم به العقل وما يحكم به الشرع، هذا دور مهم يسند إلى العقل بعد مرحلة التسليم بالشريعة، ناهيك عن أن العقل هو مناط التكليف إذ لا تكليف على من لم يبلغ سن الرشد العقلي ولا على الساهي والمجنون.

وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال، وهو هل أن الحسن والقبح ذاتيان للأشياء أم أن الحسن ما حسنه الشرع والقبح ما قبحه الشرع، وتلك المسألة هي مثار جدل واختلاف بين الأصوليين الشيعة والأصوليين الأشاعرة، على أني أرى أن الحق مع الاثنين، شريطة أن يكون كل طرف مستعداً لسماع وجهة نظر الآخر في المسألة وإزالة الحاجز النفسي الذي يجعل كلاً منهما منحازاً إلى موقف بعينه لا حرصاً منه على الحقيقة، بقدر ما هو حرص منه على تأكيد الانتماء إلى مذهب إسلامي بعينه عن طريق اتخاذ الموقف الرافض لوجهة نظر الآخر المذهبي في دائرة الإسلام.

العقل لديه أحكام بديهية وضرورية هي التي ينطلق منها ليجعل منها مقدمات أو قوالب لتكوين المقدمات التي بتركيبها ومقايستها يستخرج النتيجة، أي انه يمارس عملية المقارنة والتحليل فيصل إلى تنقيح الأفكار، والحكم عليها بأنها صواب او خطأ، لكن العقل لا يدرك كل ظواهر الأشياء وبواطنها دفعة واحدة، ولا يكون العقل الجزئي أو النسبي بمنجى من أن يغيب عليه شيء حتى في عالم المحسوسات التي هي مجال خبرته، وإلا لما كانت الفكرة الواحدة في معرض الجدل والأخذ والرد بين الفلاسفة الكبار أنفسهم، مع ما هم عليه من مستوى عقلي ممتاز، فكم من عمل يعتبره العقل البشري حسناً ثم يحكم عليه عقل آخر بأنه قبيح، مع أن الاعتبارين انطلقا من عقلين غير عاديين، فهناك قصور وتقصير في عملية التفكير عادة يتسببان عن عاملين هما:

العامل الأول: تأثر العقل بالأحكام المسبقة للمرء وميوله ورغباته حتى لو كانت في منطقة اللاشعور، والمرء غير منتبه إلى أنها تحجب عينيه عن رؤية الحقيقة على ما هي عليه.

العامل الثاني: التعقيد الكبير في العلاقات التي تربط الشيء المعين بالأشياء الأخرى بحيث يتغير حكم العقل بمجرد أن يكتشف علاقة ما كانت غائبة عنه أثناء إصدار الحكم، فلا تكون أحكام العقل حتى لو كان بريئاً من الأهواء والميول بريئة من هذا النقص في معظم الأحوال.

ويضاف إلى هذين العاملين كعامل ثالث، أن العقل الإنساني محدود الخبرة في نهاية الأمر، ولا يمكن له مطلقاً أن يكتشف الروابط بين الأشياء في العوالم المختلفة، ومنها ما هو محسوس في النهاية، إلا أنه من الصعب شهوده لكل عقل في كل ظرف، ومنها ما هو غائب عن الحس والمشاهدة مع واقعيته، لأنه ينتمي إلى عوالم تعتبر في نظرنا نحن كبشر عاديين عوالم غيبية لا نعرف عنها شيئاً إلا عن طريق الوحي، نعم العقل يدرك أن الظلم قبيح وأن العدل حسن من دون حاجة إلى الشرع، لكنه عاجز عن إدراك ماهية العدل وماهية الظلم والتفاصيل الدقيقة المتعلقة بهما، فيحتاج إلى الشرع المستمد من عقل أعلى أن يتكفل بوضع كليات الأحكام العادلة والأحكام الظالمة، فيسير العقل على هدى من الشرع بعد ذلك فيقرر ما هو عدل فيحسنه وما هو ظلم فيقبحه، ثم إن العقل الإنساني بقدراته العادية بعد أن استقل بالبرهنة على وجود الله وحاكميته عبر إرسال الرسل وإنزال الشرائع، استسلم للشرع على أساس أنه عقل أرقى، فيكون حكم الشرع على أن العمل الفلاني عدل وأن العمل الفلاني ظلم، هو حكم عقلي بهذا الاعتبار، بل هو حكم عقلي بامتياز، وليس شرطاً في الحكم العقلي أن يكون صادراً من عقل عادي ليكون عقلياً حتى إذا ما صدر عن عقل أرقى هو عقل الشرع قيل عنه إنه حكم غير عقلي ومناهض للعقل الإنساني في حال سلامته من الآفات، فمقتضى الايمان بالشرع هو هذا، أن تؤمن وتستسلم لما يأمر به وتتجنب ما ينهى عنه، تماماً كما لو آمن الانسان اليوم بالنظام الديمقراطي وسيادة القانون مثلاً، فإنه لا يقال إن طاعته المطلقة غير المشروطة للقانون الذي تسنه الدولة وفق آلياتها السياسية المتفق على صحتها من أعضائها المواطنين طاعة تتناقض مع العقل، أو ان على الانسان في مثل هذه الحالة أن يعترض على القوانين الصادرة من الحكومة ويمتنع عن تنفيذها لكي لا يخدش مبدأ الاحترام للعقل، فكذلك الحال مع الشرع، فإن المرء بعد أن آمن بالمصدر الإلهي للوحي، يكون مستعداً للعمل بالأوامر والنواهي الشرعية التي تأتي عن طريق هذا الوحي، ولا يكون بناءً على هذا إنساناً غير عقلي أو انه فاقد لمبدأ من مبادئ احترام الإنسان للعقل، بل ان هذه الطاعة والتسليم المطلق لأوامر الشرع ونواهيه هي البرهان الصحيح على أن العقل قد احترم نفسه وعمل بمقتضى الايمان الذي توصل إليه بالطريقة العقلية ابتداءً، فالعقل وحده لا يستقل بالحكم على الأعمال والأفعال انها حسنة او قبيحة لأن مقتضى ذلك الاستغناء عن الشرع مطلقاً.

كما انه لا يصح أن نقول ان العقل دليل على الحكم الشرعي بمعنى أن ما حكم به العقل البشري الذي تعتوره عوامل النقص يجب ان يحكم به الشرع، لأن مقتضى ذلك هو الاستغناء عن الشرع أيضاً، إذ لا فائدة من أن تأتي أهمية الشرع بالنسبة إلى العقل في مرحلة تالية، ولا يصح كذلك أن يقال ان حكم الشرع دليل على حكم العقل بالمعنى الذي يشير إلى هذا العقل المضطرب في أحكامه لدى البشر، فلا دليل للشرع من هذه الناحية إلا الشرع نفسه، لكن يصح أن يقال ان الشرع دليل على حكم العقل الأرقى، العقل الذي لا تعتوره عوامل النقص، وهو العقل البرهاني القاطع، العقل الذي لديه القدرة على الكشف المطلق عن الحقائق والواقعيات، وهو عقل إما ان يكون هو العقل المعصوم المسدد بالوحي، أو انه ما أجمعت عليه عقول البشر لفرض انتهاء نتيجة ذلك الحكم إلى البديهيات الأولية والضروريات التي يؤمن بها كل عقل بما هو عقل حتى العقول البشرية العادية لدى غير المعصومين وغير المسددين بالوحي، بهذا المعنى فقط يمكن أن يقال ان حكم الشرع مطابق لحكم العقل، وإلا فإن الشرع ليس مطالباً بل لا يمكن ان يكون مطابقاً لما تحكم به العقول البشرية المنحرفة التي تتعامل على أساس الظنون، وترتقي بتلك الظنون الى مستوى الواقعيات.

القيمة الواقعية للأحكام التي يطلقها العقل الغرائزي عند الإنسان

العقل الغرائزي لا يصلح للتقييم ولا لإصدار الأحكام، العقل الغرائزي عقل ظاهري وليس عقلاً في حقيقته وجوهره، إن مادة العقل تعني المنع، المنع من الشهوات والرغبات والميول التي تؤدي الى العواقب الوخيمة على صعيد الفرد والمجتمع، وهذا عقل يريد أن يقنعنا بأن كبح الشهوات لا ينبغي للمجتمع المتحضر أن يعمل به أو أن يعتنقه، العقل الغرائزي يريد من المرء أن يكسب المال طبقاً لمنطق براغماتي نفعي لا يعترف بالأخلاق من أي طريق كان، المهم أن تحصل على المال وليس المهم أن يكون مصدره مشروعاً وصحيحاً، العقل الغرائزي لا يحرم علي الكذب والغدر والمين والانتقام وما إلى ذلك من الشرور التي تعتبر موافقة ظاهراً لطبع الانسان، إلا انها مخالفة للتكليف العقلي النابع من البرهان والتبصر البعيد بعواقب ومآلات الأمور، مثل هذا العقل لا يعتبر عقلاً محترماً في نظر الشرع، ومثل هذا العقل هو الموصوف بالشيطان بمنطق القرآن، نعم ان الانسان يجد من العسير عليه ان يمتنع عن الكثير من الشهوات والرغبات والميول الموافقة للطبع حتى لو كان عقله يخبره بأن مآلاتها لا بد أن تنتهي الى الضرر الكبير بالفرد والمجتمع عاجلاً أو آجلاً، لأن الانسان مجبول على حب نفسه اكثر من الآخرين، وهو ساع الى تحقيق رغباتها وميولها وطموحاتها ومشتهياتها، ولهذا فإن الله سبحانه جعل جزاءً للإنسان في مقابل أعماله وأقواله ونواياه وتصرفاته كلها من الألف الى الياء، فجعل الجنة لمن صبر واحتسب فلم يرتكب تلك الشرور والذنوب التي تعتبر مآلاتها نتائج وخيمة على مستوى الافراد والمجتمعات حتى لو لم تكن ثمة آخرة وكانت الحياة الوحيدة التي يحياها الانسان هي الدنيا.

ما لا يفهمه الحداثيون هو ان العقل النسبي الضعيف الذي تختفي عنه الكثير من العوامل السلبية المؤثرة عليه لا يصلح ان يكون هو المشرع للناس قوانين وأحكاماً لم يجن منها البشر حتى الآن الا المصائب والويلات، ولا يقولنّ لي احد ان هذا العقل الذي تذمه حقق اكبر الفتوحات العلمية التي لم ينجزها الأنبياء والأولياء والصالحون، فنحن لسنا عن هذا نتكلم، ولم ينكر احد قدرة العقل البشري على ان يحقق مثل هذه الفتوحات العلمية الباهرة او ما هو اعظم واكبر، ولقد نبه الأنبياء انفسهم الى قدرة العقل على ذلك، لكننا نتكلم عن أصول الاخلاق وقواعد السلوك والقوانين التي تنظم الحياة بحيث يتحقق الشعور بالعدل والطمأنينة لدى الجميع، العلم الحديث بكل ترسانته المادية الجبارة لم يستطع ان يقترح علينا منظومة للعدل تستند الى أسس راسخة تبرر وجودها من الناحية النظرية، فحتى القوانين التي تقترحها الأنظمة العلمانية والتي يراد منها تحقيق العدل على ما فيها من خلل وقصور، لا تقنع المرء بان يتخلى عن مصالحه الشخصية والانانية لا في مقابل تعويض عليه يستأهل مثل هذه التضحية، فبما ان الانسان مجبول على حب الذات والسعي الى تحقيق مصالحها فانه لا يمكن ان يقتنع بالاستقامة والسير على هدى تلك القوانين عن قناعة راسخة لا لشيء الا لان تلك القوانين تحقق مصالح المجموع، مثل هذا المشروع يحتاج الى مكافأة اكبر يتوقع المرء الحصول عليها في مقابل تلك التضحية التي ربما تكون جسيمة في بعض الأحيان تصل الى مستوى التضحية بالكيان في سبيل الحق والخير.

وهكذا فان اثر هذه الحقيقة يظهر في الظروف التي تتعرض فيها المجتمعات الى بعض الهزات السياسية، فعلى الرغم من عدم وجود نظام سياسي وحكومة قادرة على ردع المجرمين عن اجرامهم، فان المجتمعات المتدينة قادرة على تحقيق الامن النسبي على الأقل وان يعيش الجميع بسلام لا باس به بفعل المؤثرات الدينية في نفوس الناس، لكننا شهدنا في بعض العواصم الاوربية حالات يندى لها الجبين من السرقة والسطو بحيث تتعرض مدن كاملة للنهب بمجرد ان ينطفئ التيار الكهربائي لمدة ساعات بسيطة، ولولا ان الدين لم يزل موجوداً ومؤثراً الى حد ما في تلك المجتمعات لكانت الكارثة ذات نتائج وخيمة اكثر بالتأكيد.

وظيفة العقل الإنساني في مقابل النص

الشرع عقل أرقى وأكمل وأتم نابع من الله، ولم يحدث التسليم به جزافاً، بل حدث التسليم به بعد أن أعمل الإنسان عقله في الاستدلال على أصول الدين، حتى إذا ما تبرهن له أن تلك الأصول حق، صار لزاماً عليه أن يسلم بما يفرضه عليه هذا الدين من فروع في مجال العبادات والمعاملات، فلس صحيحاً ان يحكم الانسان عقله في الفروع، كما فعل في الأصول، فالفروع التي تتكون منها الشريعة في الأصل إنما هي نقل، أما وظيفة العقل فهي أن يتأكد من صحة هذا النقل وأن يفهمه ويستنبط المراد الجدي والحقيقي منه، هذه هي وظيفة العقل في الفروع فقط، ومن الخطأ الفادح توهم ان وظيفة العقل هو ان يتحكم بالنقل في مجال الفروع والاحكام، فليس عقل الانسان مقياساً مطلقاً للمعرفة، وإلا لانتفت الحاجة الى الدين والى الشريعة كما قلنا، عندما يحكم الانسان عقله في الشرع فانه لا بد ان ينتهي الى تحكيم الطبع والميل والهوى في الشريعة، فيفصل له شريعة خاصة على قياسه، وهكذا تنتهي الشريعة وتضمحل حتى تفنى وتختفي في نهاية المطاف.

وهكذا فان الكثير من المشاريع الدينية الحداثية التي تنطلق أحياناً من واقع الحرص على استمراية حياة الدين في المجتمعات المعاصرة لا تلتفت الى هذه الحقيقة، فهي اذ تحاول التوفيق بين احكام الدين وبين ما تتبناه الحداثة المادية المعاصرة من أفكار وتوجهات، والتي تتأسس على مبانٍ ومنطلقات أخرى غير الأسس والمباني والمرتكزات التي ينطلق منها الشرع الحنيف، تتجاهل هذه الحقيقة، فتسمح للعقل البشري النسبي بالتدخل في اصل التشريع فتسمح له بالاعتراض عليه، فيتم التخلي شيئاً فشيئاً عن محرمات الشريعة، وتوسيع رقعة المباحات، باجتهاد شخصي في مقابل النص، وهكذا لا يعود الربا محرماً في نظر هؤلاء، كما يتم السماح بوجود الكثير من العلاقات الشاذة والمنحرفة بين الرجال والنساء والنساء والنساء والرجال والرجال في فضاءات المجتمع، ويتم إضفاء السمة الشرعية والقانونية عليها، وهم لا يدعون إلى ذلك من منطلق علماني بعيد عن الدين، ليحصل الانسجام بينهم وبين أنفسهم في هذا السياق، بل تتم الدعوة إلى كل ذلك باسم الدين نفسه، بل إننا صرنا نشهد وجود مشاريع فكرية وفلسفية تحمل السمة الإسلامية لا تمانع من تبني مقولات إلحادية بشأن الدين، مثل الاعتقاد ببشرية الوحي، والاعتقاد بعدم وجود المصدرية الإلهية للقرآن، ومع ذلك لا يتخلون عن الادعاء بأن أفكارهم تلك لا تناقض المقولات التي تبناها الدين، وانها هي الفهم الصحيح والواقعي لما تضمنته النصوص الدينية المقدسة من معاني ودلالات.

عندما يؤمن الإنسان بالدين، لا يكون أمامه متاحاً التفكير بإملاء رغباته الخاصة وما يفضله هو على الدين، فلا يحق له أن يحذف من الدين شيئاً أو أن يضيف إلى الدين شيئاً، لأنه إن فعل ذلك نمّ مثل هذا الفعل عن أنه متهم لهذا الدين الذي آمن به بطريقة عقلية محضة ابتداءً بالخلل او النقص أو الزيادة، وبالتالي لا يكون مثل هذا الدين جديراً بالاتباع منذ البداية.

العقل إن لم يقترن بالوحي، فإنه قوة قادرة على الإبصار لكنها فاقدة للنور، فلا ينتفع بوجود ملكة الإبصار شيئاً، فلا فرق بينه وبين الأعمى من هذه الناحية، العقل قوة هائلة، لكنها قوة لا تميل إلى الرشد والتنظيم بدون الوحي، وستتحول إلى وبال على الإنسان بدلاً من أن تكون سبيلاً إلى خلاصه وتحقيق سعادته، أرأيت لو أن إنساناً ذكياً وداهية، تُرك وشأنه في ابتداع مختلف وسائل الشر التي يساعده عقله الفذ على ابتكارها، ثم لم يكن هذا العقل ليجد وازعاً يزعه عن ارتكاب ما يحقق به نوازعه الأنانية، أترى مثل هذا العقل يمكن أن يتحول إلى مجال للخير بالنسبة إلى نفسه وإلى المجتمع.

الآن أمامك العلم التقني الحديث، لقد بلغ العقل الإنساني بهذا العلم مديات لم تكن متخيلة في العصور السالفة، لكنه في نفس الوقت، لم يمانع أن تتحول كل مكتشفاته واختراعاته العلمية إلى وسائل من أجل ممارسة الظلم والجبروت بحق الإنسان والشعوب الضعيفة، حتى صار معنى الحق في نظر العقل الغربي هو القوة، ولا معنى له غير القوة، فما دمت قوياً وتملك أسلحة الدمار الشامل التي تهدد بها الناس فانت على حق مهما كانت قضيتك باطلة في الأصل، ومع ذلك تجد من هؤلاء الحداثيين ممن يعتنق هذه الفكرة، يلاحق الإسلام بالاتهامات المتواصلة بانه دين اعتمد على السيف في نشر مبادئه في جميع المساحات التي يوجد فيها الإسلام اليوم.

ولنفترض ان الامر قد تم على هذه الشاكلة، فانهم لا يحق لهم الاعتراض على امر هم يعتقدون بوجاهته، علماً ان هذه الإشكالية تحتمل نقاشاً من طراز مختلف، فانهم محقون في ادعاء ان الأنظمة السياسية التي حكمت باسم الإسلام في التاريخ قد استخدم بعضها منطق القوة في اخضاع الأمم الأخرى للاسلام، لا بصفته ديناً وتعاليم إسلامية يجب ان تطبق في تلك البلاد المفتوحة، بل بصفته إيديولوجيا توفر لهم المبررات لتوسيع دولهم ومساحات سلطانهم، لكننا نعتقد ان هؤلاء بفتوحاتهم السخيفة تلك، كانوا حجر عثرة أمام انتشار الإسلام العقائدي والمبدئي الرصين الذي هو الهدف بالنسبة إلى الإسلام المحمدي الأصيل، فلو أنهم لم يقوموا بتلك الفتوحات لكان المجال أمام انتشار الإسلام أوسع وأرحب، فلقد استطاع الإسلام أن يكسب له الأعداد الهائلة من البشر عن قناعة به إبان وجود النبي صلى الله عليه وآله، مع أنه كان في مبتدئ الدعوة، أكثر مما فعله كل واحد من هؤلاء الفاتحين في السنوات التي شهدت مدة حكمه، مع تجنب التبعات السيئة التي سببتها تلك الفتوحات التي اعتمدت على مبدأ القوة، واستهدفت توسيع الممالك لا غير، فكان ذلك سبباً في عدم تغلغل الإسلام الحقيقي في نفوس الناس إلى اليوم.

ثم ماذا انتفعت الأسرة في تلك البلاد التي تشهد في كل يوم فتحاً علمياً كبيراً سوى التشرذم والتفكك، وماذا ربح الانسان سوى فقدانه الهدف من الاستمرار بالحياة، وماذا ربح المجتمع سوى أنه أصبح ملاذاً لكل الموبقات التي يعترف الأغلبية أنها مما تتقزز منها النفس البشرية من الزنا بالمحارم والعلاقات الجنسية غير الشرعية وأنواع الشذوذ، وهي مع ذلك تعتبر شرعية وقانونية مع أنها لا تحظى بالمقبولية من غالبية أفراد المجتمع.

التناقض في السلوك العلماني المتطرف مع الإسلام

يرفض العلمانيون المتطرفون الاعتراف بالفصل بين النظرية القرآنية والتطبيق الواقعي العملي لها في التأريخ، هم يريدون إلغاء الحدود بين ما يدعو اليه القرآن من المبادئ والتعاليم التي تنسجم مع العقل وما تحقق بالفعل على أرض الواقع في التأريخ الإسلامي من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وما اتسمت به بعض التعاليم التي تبنتها المذاهب الإسلامية المختلفة من التناقض مع يمليه الضمير الإنساني والعقل الواضح السليم، ربما لأنهم يعلمون أنهم لا يربحون في مجال صراع الأفكار شيئاً فيما لو قرروا خوض المعركة في الميدان النظري للقرآن، فيحاولون نقلها إلى الميدان التأريخي للأفكار والحوادث التي تعتبر بالنسبة لهم مجالاً مناسباً لخوض الصراع، لكنهم يتجاهلون جملة من الأمور في هذا السياق، منها:

أولاً: ان الاسلام وجد لنفسه فرصة للتطبيق في التجربة النبوية التي لم تشهد تناقضاً واحداً ارتكبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مع القرآن، فلقد كان خلقه القرآن، ولقد كانت جميع تصرفاته وأقواله وحركاته وسكناته متطابقة مع ما ورد من أحكام وتوجيهات في القرآن، فكان قرآناً عملياً حياً متطابقاً جملةً وتفصيلاً مع القرآن النظري، ولقد شهد بهذه الحقيقة عدد كبير من المفكرين العلمانيين من مستشرقين وغيرهم، مضافاً إلى ما جسدته الفترة الراشدية من التزام عدد كبير من الصحابة بتعاليم القرآن، خاصة في الفترة التي شهدت خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ تصدى بنفسه للانحرافات التي وجدت في الفضاء الإسلامي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله، فكانت سيرته قولاً وفعلاً مطابقة مئة بالمئة لسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ثانياً: القرآن نفسه لم يصرح لأحد بأنه سيجد مجالاً للتطبيق في الواقع العملي بعيداً عن خيارات الناس في الطاعة أو العصيان، بل إنه يصرح في أكثر من موضع أنه قد يتراجع الناس عن الالتزام بالقرآن بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، أو أن الناس سيتخذون من القرآن وسيلة لتحقيق الرغبات الشخصية والملك والتطاول على الداعين إلى الحق من الناس، كما ان السنة النبوية مشحونة بالأحاديث قطعية الصدور والدلالة التي تشير إلى هذه الحقيقة، وتحذر الناس من السير في خط الانحراف عن القرآن، فإذا كان القرآن لم يمنح من نفسه وعداً بأن يكون الناس ملتزمين ضرورةً بتعاليمه وتوجيهاته التزاماً حرفياً أو مقبولاً، فأي معنى بعد ذلك للاعتراض على القرآن بهذه الحقيقة، بل ربما كان الانحراف عن خط القرآن نفسه بعد وفاة الرسول صلى اله عليه وآله يعتبر دليلاً ناصعاً على صحة النظرية القرآنية، لأنه تنبأ بها سلفاً وأخبر أنها كائنة لا محالة بعد فترة وجيزة من وفاة النبي الذي أنزل عليه القرآن.

ثالثاً: هم يتناقضون واقعاً عندما يعتقدون ذلك، لأنهم جميعاً يقدرون المدارس الفلسفية والسياسية العلمانية التي وجدت في التأريخ الحديث، وهي أفكار صادفت لها مجالاً للتطبيق في الواقع السياسي لمختلف الدول في العالم، وقد ناقض واقعها العملي والتطبيقي الواقع النظري لها، ومع ذلك إن حدَّثهم أحد عن هذا التناقض، أشاروا الى ضرورة الفصل بين النظرية والتطبيق في مجال تقييم الفلسفات ونظريات الأفكار، فلماذا يكون الحكم بشأن الإسلام غير ذلك، فإن حكم الأشياء المتماثلة فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد كما هو واضح.

اضف تعليق