q

على غرار هجمات باريس، مرة اخرى تستخدم الجماعات الارهابية سلاحها الاكثر فعاليها ورعبا، هجوم ارهابي نفذه عمر متين ادى مقتل 50 امريكيا وإصابة 53 آخرين بهجوم نفذه مسلح في مدينة أورلاندو التابعة لولاية فلوريدا الامريكية.

الحادث تحول الى مناسبة لادانة المسلمين تارة من قبل المتشددين في امريكا وغيرها، فيما كان بعض السياسيين اكثر صراحة وجرأة لتوجيه الانتقادات والتوبيخ للدول الخليجية الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط والتي تشهد تحولات كبيرة على اثر تداخل الازمات فيها، وصراع المحاور والنفوذ بين الدول الكبرى او بين الدول الاقليمية.

المرشح الجمهوري إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب المعروف بعدائه للمسلمين احتفل بالحادث الارهابي وقال أنه كان على حق في موقفه من التشدد الإسلامي، كما أشار إلى أنه تلقى اتصالات لتهنئته لأنه كان مصيبا في موقفه. وياتي ذلك لتأكيد ما يعلنه دائما عن الثقة بقدرته على التعامل مع الإرهاب أكثر من منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. واتهم مسلمي الولايات المتحدة بعدم التعاون مع السلطات للكشف عن مشبوهين مثل منفذ اعتداء أورلاندو عمر متين.

اما المرشحة عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الامريكية هيلاري كلينتون فكانت اكثر تحديدا من منافسها وابتعدت عن الخطابات العمومية لترامب، إذ نددت بدور كل من السعودية وقطر والكويت في التمويل العالمي لإيديولوجية التطرف. وقالت كلينتون في خطاب في كليفلاند بولاية أوهايو "حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. يجب أن يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم".

قد يجادل البعض ان هذه التصريحات ليست جدية وهي نوع من الدعاية الانتخابية ولكسب المزيد من الاصوت، لا سيما مع معرفة المرشحة الديمقراطية بامكانية استغلال المرشح الجمهوري لهذه الحادثة وتوظيفها في حملته الانتخابية، وهذا جزء من دوافع هكذا تصريحات، لكن الاكثر خطورة على دول الخليج هو ازدياد مخاوف الدول الغربية بصورة عامة والولايات المتحدة بشكل خاص من تهديد الفكر المتطرف للحضارة الغربية.

المسؤولون الامريكيون عودونا بعدم جديتهم في محاربة الارهاب، وانتقائيتهم في تحديد المتطرف من المعتدل ادت الى انتشار الكثير من الجماعات الارهابية حول العالم، اذ كيف يمكن ان تشارك السعودية في محاربة داعش في حين تنطلق فتاوى التكفير من داخل اراضيها، وكان الاجدر بالولايات المتحدة ان تضغط على حلفائها لايقاف التمويل الخليجي للجماعات الارهابية ماليا. والذي اكدته وزارة الخزانة الأمريكية مقدرة الأرباح التي جناها تنظيم "داعش" الارهابي خلال عام 2015 بمليار دولار، فيما أكدت وجود تمويل من شبكات في دول خليجية لـ"تنظيمات إرهابية". وهناك عدة مؤشرات تؤكد ان الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية تواجه اياما صعبة وذلك لهذه اسباب:

اولا: الارهاب الذي كان يطحن بالعراقيين منذ 13 عاما وبالسوريين لاحقا، اصبح خارجا على السيطرة والاجهزة الامنية الغربية واجهزة مراقبتها المتطورة لم تستطيع مواجهة المد المتطرف، وهجمات باريس وبروكسل اثبتت ان امتلاك احدث التقنيات الامنية لا يحصن اي دولة من ايدلوجيا الارهاب، والتساؤلات تدور عن مدى قدرة شخص معروف من مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) على شراء اسلحة وتنفيذ هجوم ارهابي.

ثانيا: تصريحات كيلنتون لم تكن الاولى لمسؤول امريكي رفيع فقد سبقها الرئيس باراك اوباما في توبيخ السعودية في مقابلته الشهيرة مع مجلة اتلاتنك والتي اتهم فيها السعودية وايران باشعال الحروب في الشرق الاوسط، لكن الابرز في تلك المقابلة هو اتهام السعوودية برغبتها في جر الولايات المتحدة إلى الصراعات الطائفية التي لاتخدم مصالح أمريكا دعا فيها السعودية الى اقامة سلام بارد مع ايران.

ثالثا: تراجع القيمة الاقتصادية لدول الخليج وخاصة السعوودية، فاقتصادها المعتمد على النفط يترنح وخطط محمد بن سلمان دليل على مخاوفه من المستقبل فالنفط في طريقه للتراجع ضمن قائمة المصادر الثانوية، والبحث يدور اليوم عن مصادر الطاقة المتجددة التي لا يمتلك الخليجيون منها الكثير والمعروف ان امريكا لم تبني علاقاتها مع هذه الدول لوجود مشتركات ثقافية او سياسية بل كانت لاسباب انية ومؤقتة مرتبطة بمصالح اقتصادية.

رابعا: ادراج الأمم المتحدة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن على القائمة السنوية السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في النزاعات. وحتى وان حذفت اسمها لاحقا تحت الضغوط لكن ذلك سيوفر ترسانة كبيرة لادانة السعودية مستقبلا او استخدامها كوسيلة لابتزازها سياسيا وماليا، كما فعل الكونغرس الامريكي بالصفحات الـ(28) السرية لتحقيقات الحادي عشر من سبتمبر والتي قد يؤدي كشفها الى امكانية تغريم السعودية لارتباطها بهذه الهجمات الارهابية.

الولايات المتحدة والدول الغربية تواجه تحديا وجوديا والجماعات الارهابية باتت تضرب في الزمان والمكان الذي تريده، وعندما يصف الرئيس باراك اوباما هجوم اورلاندو بأنه اسوأ حادث اطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية فان ذلك يعني الكثير، وصحيح انه لم يحدد كيفية الرد الامريكي على هذا الهجوم لكن المؤكد ان دول الخليج ستكون ضمن خطة الرد الامريكية على الارهاب حتى وان تاجلت تلك الحرب لاسباب داخلية انتخابية او رغبة بتصفية الحسابات في بعض الازمات الخارجية.

وحتى ذلك الوقت على الدول الخليجية تحضير نعشها او تقديم الكثير من التنازلات للامريكيين وفي كلا الحالتين ستخسر المعركة النهائية. فالتنازلات التي يريدها الغرب تتمثل بسحب الدعم للجماعات الدينية المتطرفة واصلاح البنية السياسية والاقتصادية وكل ذلك سيؤدي الى احداث هزة في النظم الخليجية الحاكمة التي ثبتت اركان حكمها بفتاوى متشددة.

اضف تعليق