q

تعرض صحفيو العالم في عام 2014 لعمليات اغتيال وقمع غير مسبوقة، في ظل تكرار الانتكاسات الأمنية والانتهاكات الحقوقية على نحو مضطرد، حتى صار موت المدنيين وعناصر قوات الأمن مجرد إحصاءات قتلى لمنظمات رسمية وغير رسمية دون إيجاد سبل لحماية الصحفيين، إذ تتطلب مهنة الصحافة ضمانات الحرية والمسؤولية تجاه المجتمع.

فيما تسعى اغلب حكومات العالم لتقييد الصحافة في الوصول على حق المعلومات، من خلال فرض قيود عن طريق سن قوانين تتحكم بحريات استخدامه، كما هو الحال في بعض الدول الغربية والشرقية. ولاسيما الشرق الاوسط التي باتت المكان الاكثر دموية للصحفيين خصوصا الاجانب الذين تم اغتيالهم على ايدي التنظيمات الارهابية وهو ما ساهم في جعل العام 2014 الاكثر دموية لهذه الفئة من الصحافيين في العالم.

إذ يخشى الكثير من الصحفيين مواجهة خطوط حمراء تقمع الكلمة الحرة، فضلا عن مفرمة الممارسات الإجرامية بحقوق الصحفيين التي تجسدت بالقتل والملاحقة والقمع المتواصل لأسباب واهية، فلم تكتف السلطات التي تدعي الحريات والحقوق بوسائل الرقابة والقمع المتعارف عليها في الميدان الإعلامي، بل ابتدعت أساليب جديدة لتمويه شعوبها، بأن هناك حرية إعلامية، من خلال تعبئة الرأي العام وتجنيدهم بواسطة قادة الرأي، وهذا يضع حرية الصحافة والتعبير في العالم على فوهة النار.

ويرى مراقبون بأن عام 2014 من أكثر الاعوام انتهاكا ودموية للصحافة في العالم وخاصة في المناطق الساخنة امنيا وسياسيا، وذلك باستمرار التضييق على الحريات الإعلامية وخاصة حرية الرأي والتعبير وفقدان الأسس والمعايير الصحافية السليمة، فضلا عن نقص في المهنية وشيوع الفوضى بسبب مخلفات الاضطرابات الامنية وسيطرة الأنظمة الشمولية، كلها عوامل تشكل عقبات كبيرة امام تأسيس سلطة إعلام مهنية تتمتع بحرية متكاملة.

2014 الاكثر دموية للصحفيين

في سياق متصل قال الاتحاد الدولي للصحفيين إن عدد الصحفيين القتلى الذين استهدفوا سواء في عمليات قتل متعمدة أو هجمات بقنابل أو إطلاق نار في أنحاء العالم ارتفع إلى 118 في 2014 من 105 في 2013، وقال الاتحاد ومقره بروكسل إن 17 صحفيا آخرين لاقوا حتفهم في حوادث أو كوارث طبيعية خلال اداء مهام عملهم. ويقول الاتحاد إنه أكبر منظمة للصحفيين في العالم. بحسب ما ذكرته رويترز.

وتصدرت باكستان قائمة أخطر الدول بالنسبة لعمل وسائل الإعلام حيث قتل فيها 14 صحفيا في حين حلت سوريا في المركز الثاني حيث قتل 12 صحفيا، وذكر الاتحاد أن كلا من أفغانستان والأراضي الفلسطينية شهدت مقتل تسعة صحفيين في حين قتل ثمانية في كل من العراق وأوكرانيا، ومن بين الذين قتلوا الصحفيان الأمريكيان جيمس فولي وستيفن سوتلوف. وذبح متشددو تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أجزاء من سوريا والعراق، وقال الاتحاد إن أرقامه تعد تذكيرا للتهديدات المتزايدة للصحفيين وطالب الحكومات بجعل حماية أفراد وسائل الإعلام أولوية.

وقال جيم بوملحة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين "حان الوقت لاتخاذ إجراء لمواجهة تهديدات لم يسبق لها مثيل للصحفيين المستهدفين ليس فقط للحد من تدفق المعلومات لكن أيضا لاستخدامهم على نحو متزايد للتأثير وضمان الحصول على فدى وتنازلات سياسية ضخمة من خلال العنف المطلق"، وأضاف بوملحة "نتيجة لذلك فإن بعض المؤسسات الإعلامية سئمت من إرسال صحفيين للمناطق التي تشهد حربا خوفا على سلامتهم وسئمت حتى من استخدام المادة التي يجمعها العاملون بالقطعة في هذه المناطق. إن الفشل في تحسين سلامة وسائل الإعلام سيؤثر سلبا على تغطية الحرب والتي ستصبح أضعف بسبب الافتقار إلى وجود شهود مستقلين".

برامج الرقابة تهدد حرية الصحافة

من جهة أخرى قالت جماعتان للدفاع عن حقوق الانسان إن برامج الرقابة الأمريكية تجعل من العسير على مسؤولي الحكومة التحدث الى الصحافة دون ان يفصحوا عن اسمائهم، وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش والاتحاد الامريكي للحريات المدنية في تقرير مشترك إن الرقابة الواسعة النطاق - التي تجيء ضمن أهم اولويات حملة إدارة الرئيس باراك اوباما على التسريبات المتعلقة بالامن القومي - تهدد حرية الصحافة وحق الحصول على الاستشارة القانونية، وقال التقرير إن برامج الرقابة الخاصة بوكالة الامن القومي الامريكي -التي تشمل جمع المحادثات الهاتفية - زادت من قلق المسؤولين الحكوميين بشأن التعامل مع وسائل الاعلام لان "أي تعامل وأي رسالة الكترونية وأي محادثة تليفونية تخاطر بان تترك أثرا رقميا يمكن استغلاله بالتالي ضدهم". بحسب رويترز.

وأجرت الجماعتان مقابلات مع أكثر من 90 صحفيا ومحاميا ومسؤولا كبيرا حاليا او سابقا بالحكومة الامريكية من أجل وضع هذا التقرير، وأضاف التقرير "أبلغنا الصحفيون بأن المسؤولين باتوا بالتالي أقل رغبة في التواصل مع الصحافة -حتى فيما يتعلق بالمسائل غير السرية أو وجهات النظر الشخصية- عما كان عليه الحال منذ بضع سنوات"، ومضى يقول إن الكثير من برامج الرقابة الامريكية الحالية تتجاوز ما هو لازم لتحقيق الامن القومي.وطالب التقرير الرئيس اوباما والكونجرس باصلاح سياسات الرقابة في البلاد علاوة على الحد من السرية وتوفير قدر أكبر من الحماية لمن يبلغون عن المخالفات.

قمع الاعلام في افريقا

على صعيد آخر اتهمت ثلاث صحف نيجيرية الجيش بمصادرة بعض نسخها المطبوعة يوم الجمعة ومنع عربات التوزيع في أنحاء البلاد فيما اتهمت إحدى الصحف الثلاث الجيش باللجوء إلى قمع وسائل الإعلام. بحسب رويترز.

في حين حذرت منظمتان الجمعة من ان قمع الصحافيين في جنوب السودان يمنع النقاش حول طريقة وضع حد للازمة التي تمزق البلاد منذ كانون الاول/ديسمبر وتهدده بمجاعة، واعلنت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش في تقرير مشترك ان اجهزة الامن الوطنية يجب ان "تتوقف عن مصادرة واغلاق الصحف ومضايقة وتخويف الصحافيين واعتقالهم تعسفيا". وفقا لفرانس برس.

وثائق صحفية لسنودن

من جانب آخر قالت صحيفة الجارديان البريطانية ان وثائق نشرها إدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الامن القومي الامريكية أظهرت ان مقر الاتصالات الحكومية في بريطانيا (جي سي إتش كيو) قام بتخزين رسائل بالبريد الالكتروني من صحفيين يعملون لمنظمات اعلامية كبرى. بحسب ماذكرته رويترز.

واضافت الصحيفة ان الرسائل وهي من صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست والجارديان وصن ولوموند وشبكة تلفزيون إن.بي.سي وهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ووكالة انباء رويترز كانت بين 70 ألف رسالة جرى التقاطها في عملية مراقبة جماعية استمرت 10 دقائق في يوم واحد في نوفمبر تشرين الثاني 2008.

وتراوحت الرسائل بين بيانات صحيفة الى مناقشات بين صحفيين ورؤساء تحرير بشأن قصص اخبارية، وقالت الجارديان ان أدلة جديدة من وثائق للمخابرات البريطانية كشف سنودن النقاب عنها اظهرت ايضا ان تقييما لأمن المعلومات وضع الصحفيين الاستقصائيين ضمن فئة تضم الارهابين وقراصنة الانترنت.

وسأل مقر الاتصالات الحكومية البريطاني عن التقرير فقال انه لا يعقب على امور المخابرات، واضاف قائلا في بيان ان انشطته تنفذ وفقا لإطار قانوني وسياسة صارمة بما يضمن خضوعها لرقابة مشددة، واثار سنودن ضجة دولية في 2013 عندما كشف النقاب عن تفاصيل عن نطاق المراقبة الالكترونية من جانب وكالة الامن القومي الامريكية ونظيرتها البريطانية، ومع مواجهته إتهامات في الولايات المتحدة فر سنودن الى روسيا حيث لا يزال يعيش.

إدراج حرية الإعلام في الأهداف الإنمائية لما بعد 2015

على صعيد مختلف في خضم النقاش حول إدراج حرية الإعلام والوصول إلى المعلومات في جدول أعمال التنمية لما بعد 2015، ربما يكون من المناسب أن يقتصر الأمر برمته على اللغة.

ففي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أوضح ويليام أورمي، ممثل الأمم المتحدة في المنتدى العالمي لتطوير الإعلام الذي يتخذ من بروكسل مقراً له أن التحالف الدولي هناك قد اتفق على الاعتقاد بأن التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها "من دون قدرة الجمهور على الوصول إلى معلومات موثوق فيها عن الصحة والتعليم والبيئة والمجالات التنموية المهمة الأخرى- ويتطلب ذلك رقابة مستقلة لتلك البيانات من قبل الإعلام والمجتمع المدني".

ولكن هل سيتم النص على هذه الفكرة في أهداف التنمية المستدامة، التي ما تزال تخضع للنقاش في سلسلة من اجتماعات مجموعة العمل المفتوحة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الصياغة الدقيقة؟، وأشار جيمس دين، مدير السياسة والتعليم في "بي بي سي ميديا أكشن" متحدثاً في حلقة نقاش في 5 يونيو إلى أن هذا الأمر مثير للجدل.

وقال دين أن "أي نقاش حول وجود نوع من الأهداف حول الحكم هو أمر مثير للجدل بالفعل، كما أن وجود نقاش يذكر كلمة الإعلام ، خاصة إذا ما ارتبطت بأي شيء يسمى بالحرية، يخلق على الفور ديناميكية في النقاش الخاص بالتنمية حيث تصبح الكثير من الدول النامية – وخاصة الصين ومثيلاتها من الدول في هذا العالم – غير مرتاحة بشكل متزايد، حيث تشعر أن هناك أهدافاً غربية، أو ذريعة لوضع شروط على الدول النامية، وعلى قيمها الخاصة، والتي سيتم تفسيرها بطرق تدمر مصالحها وعلى الفور يخرج النقاش عن السياق التنموي إلى مجموعة من النقاشات والحجج المشحونة سياسياً".

وقال أورمي من المنتدى العالمي لتطوير الإعلام أن "هذا النقاش ليس نقاشاً حول الشمال ضد الجنوب كما يخطئ البعض ويصوره كذلك، فقد دعمت العديد من الدول الأفريقية والآسيوية ومن أمريكا اللاتينية بقوة إدراج أهداف “A2I” (الوصول إلى المعلومات) في نقاشات الأمم المتحدة المستمرة حول أهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015. وعلى النقيض من الأهداف الإنمائية للألفية، فإن هناك نية لتطبيق أهداف التنمية المستدامة على جميع الدول، في الشمال كما في الجنوب. ولا توجد دولة لا يمكن فيها تحسين إتاحة معلومات المتعلقة بالتنمية التي تم تقييمها بصورة مستقلة للجمهور".

وفي العام الماضي اقترح تقرير اللجنة رفيعة المستوى للشخصيات البارزة التي يرأسها الرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو ورئيسة ليبريا إلين جونسون ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خمسة طرق "لضمان الحكم الرشيد والمؤسسات الفعالة " في إطار عمل ما بعد 2015. وكانت احدى الطرق هي "ضمان تمتع الناس بحرية التعبير والتجمع والاحتجاج السلمي والحصول على معلومات من وسائل إعلام مستقلة".

ومن الطرق الأخرى أيضاً "ضمان حق الجمهور في الحصول على المعلومات والوصول إلى البيانات الحكومية".

وقد بدأت في الوقت نفسه مجموعة العمل المفتوحة - المكونة من ممثلين عن 69 من الدول الأعضاء- اجتماعاً لوضع توصياتها الخاصة بأهداف التنمية المستدامة. وفي شهر أبريل عام 2014 أصدرت مجموعة العمل وثيقة طالبت فيها الدول "بتحسين الحصول على المعلومات الخاصة بإدارة الأموال العامة والمشتريات العامة وتنفيذ خطط التنمية الوطنية". كما دعت أيضاً إلى إزالة القيود غير الضرورية لحرية الإعلام والتعبير والتجمع وتكوين الجمعيات". وينظر العديد من المدافعين عن حرية الإعلام إلى الوثيقة باعتبارها تراجعاً عن عمل اللجنة الرفيعة المستوى.

وجود نقاش يذكر كلمة الإعلام، خاصة إذا ما ارتبطت بأي شيء يسمى بالحرية، يخلق على الفور ديناميكية في النقاش الخاص بالتنمية حيث تصبح الكثير من الدول النامية – وخاصة الصين ومثيلاتها من الدول في هذا العالم غير مرتاحة بشكل متزايد.

ولكن بمساعدة جهود المناصرة التي تقوم بها أكثر من 200 منظمة بقيادة المنتدى العالمي لتطوير الإعلام (منظمة غير حكومية معنية بحرية الصحافة) قامت مجموعة العمل المفتوحة بإصدار مسودة تقرير يوم 2 يونيو شمل صياغة أكثر قوة من الوثيقة. وقد اقترحت المسودة أن هدف التنمية المستدامة رقم 16 سوف يؤدي إلى تحقيق مجتمعات سليمة وشاملة وإرساء حكم القانون وتوفير مؤسسات فعالة وقادرة على أداء مهامها وهذا يشمل أهداف فرعية لتحسين حصول الجمهور على المعلومات والبيانات الحكومية وتعزيز حرية الإعلام والتعبير والتجمع.

وقال جان لوبلينسكي، وهو مدير مشروع في الوكالة الألمانية للتنمية الدولية للإعلام، أنه كان مسروراً أن النسخة الأولى من مسودة التقرير قد شملت فقرات عن حرية الإعلام والحصول على المعلومات.

وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قال أن "المزيد من الناس أصبحوا على دراية بأن تلك القضايا بحاجة إلى إدراجها في إطار العمل المستقبلي لأهداف التنمية المستدامة. ولذلك فإنني متفائل تماماً بأننا سوف نرى تلك العناصر المهمة في الوثيقة النهائية".

ولكن في ذلك الوقت قامت مجموعة العمل المفتوحة يوم 2 يوليو بإصدار نسخة جديدة من مسودة التقرير. وقد اقترحت الآن أن هدف التنمية المستدامة رقم 16 سيؤدي إلى تحقيق مجتمعات سلمية وشاملة وتوفير العدالة للجميع وتحقيق مؤسسات قادرة وفعالة ويشمل ذلك هدف فرعي بتعزيز الحصول على المعلومات بشكل سهل وحر وتعزيز حرية التعبير والتجمع السلمي والتجمع وتكوين الجمعيات. وقد تم التغاضي عن أية إشارة إلى حرية الإعلام وحصول الجمهور على المعلومات.

وقد عبر أورمي عن أسفه "لتخفيف" مسودة التقرير وتعهد بأن يعمل المنتدى العالمي لتطوير الإعلام على تقويتها.وسوف تلتقي مجموعة العمل المفتوحة بصورة غير رسمية هذا الأسبوع وستبدأ جلستها الختامية الثالثة عشرة يوم 14 يوليو. وستتم صياغة النسخة النهائية من مسودة التقرير وتقديمها إلى الأمانة العامة لدراستها في أغسطس.

وقال فاكسون باندا الذي يقوم بالتدريس في جامعة رودس في جنوب أفريقيا ويعمل في قضايا تطوير الإعلام وحرية التعبير مع منظمة اليونيسكو أن "العملية لم تنته بعد ولكن اليونيسكو ستواصل الدفاع عن حرية الإعلام كجزء لا يتجزأ من شؤون الحكم".

وأضاف باندا: "نحن نفهم أن مجموعة العمل المفتوحة في محاولاتها للتبسيط والاختصار قد تغفل عن بعض العناصر الأساسية التي كانت سابقاً جزءاً من الأهداف المقترحة. ونحن نواصل الاعتقاد بأن قضية حرية الإعلام هي من شأن العديد من الدول الأعضاء وأنه- كما هو الحال في تقرير اللجنة رفيعة المستوى للشخصيات البارزة- ستتراجع لكي يتم إدراجها في جدول أعمال الحكم لمشاورات التنمية لما بعد عام 2015".

اضف تعليق