q

دخلت القوات العراقية الى مدينة الفلوجة من ثلاث نقاط فيما يشكل بداية لمرحلة جديدة من عملية استعادة السيطرة على المدينة التي تشكل اهم معاقل داعش في العراق، وصرح صباح النعمان المتحدث باسم جهاز مكافحة الارهاب لوكالة فرانس برس قائلا: "لقد بدانا عملياتنا لدخول الفلوجة في وقت مبكر من هذا الصباح". وتابع المتحدث ان جهاز مكافحة الارهاب وشرطة الانبار والجيش العراق بدأ الدخول الى الفلوجة من ثلاث نقاط.

اللواء العراقي المتقاعد عبد الكريم خلف تابع سير العمليات العسكرية في الفلوجة لحظة بلحظة وهو يرصد عمليات التقدم العراقية نحو عمق الفلوجة في تغريدات متواصلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ضمن تغريداته في موقع تويتر قال: "كبروا الله أكبر تظلل ابطال العراق. دخل ابناءكم مدينة الفلوجة جهاز مكافحة الارهاب يخوض الان معركة من طراز المعارك الكبرى ويدخل مدينة الفلوجة". وفي تغريده أخرى يقول: "جهاز مكافحة الارهاب يدخل حي الشهداء مفاجئة اذهلت العالم".

من جانبه تموضع الحشد الشعبي الالكتروني في خطوط المواجهة الامامية لصد الشبهات التي تحاك في العواصم المعادية للعراق، وأكدوا سطوة العراق وعودته في كل الجبهات في مشهد يعزف سمفونية النصر العراقي بفضل ابطال الجيش العراقي وجهاز ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والقوات الأخرى الساندة، والنصر الإعلامي ترجمه تصدر الهاتشاغات العراقية في موقع تويتر بعد الهجرة العراقية الجماعية من فيس بوك الى موقع تويتر، فضلا عن الارتباك الواضح لدى النشطاء الخليجيين الفاعلين والمدافعين عن داعش. ولاحظنا قدرة عراقية فاقت التوقعات في رد ادعاءات بعض الأصوات التي تحاول النيل من العراق ورجاله المرابطين في الدفاع عن أراضيه وكشف هذ الاعلام الشعبي او "صحافة المواطن" كما يسميها أساتذة الاعلام ثلاثة أمور أساسية وهي كالاتي:

أولا: وجود رغبة مجتمعية في تجاوز الخلافات والاخذ بأسباب الخطاب الوحدوي، باعتباره طوق النجاة الأخير للملايين الطامحة للعبور الى بر العراق الكبير وايمانا راسخا من تلك الجماهير بضرورة مغادرة الخطابات الطائفية باعتبارها أساس الفشل والتراجع العراقي منذ عام 2003 وحتى هذه اللحظة.

ثانيا: ضعف الاعلام العراقي التقليدي "الحزبي والحكومي" في مواكبة التطورات الميدانية السريعة والانتصارات المتوالية للجيش العراقي، فالقاعدة المنطقية تقول ان كل استثناء يستوجب في المقابل التعامل معه بشكل استثنائي ومعركة الفلوجة كانت استثنائية وفق الحاجة العراقية والرغبة في انهاء ملف داعش الى الابد، الا ان وسائل الاعلام المحلية لم تكن بتلك الاستثنائية المطلوبة ولم تخرج من خطابها التقليدي إذ جاءت اغلب التحليلات متأخرة او اخبار اغلبها تشير لنفس المصدر، والغريب ان مراسلي تلك القنوات متواجدون في خطوط المواجهة الامامية.

ثالثا: قوة اعلام المواطن او مواقع التواصل الاجتماعي، فالميزات الجديدة التي اتاحتها هذه المواقع والسرعة في نقل الحدث مع تواجد عدد من الشخصيات الإعلامية التي استطاعت توجيه الموضوعات الرئيسة أعطت دفعة جديدة ووفرت مساحة للخطاب المستقل وغير الخاضع للإرادات الحزبية او التوجهات الطائفية.

بعض الجهات السياسية اتضح انها غير راغبة بهذه الأجواء الوطنية فهي بنت صورتها وروجت لنفسها على انها المتفردة في الدفاع عن البلاد، وما يشهده العراق من حراك جماعي لإسناد الجهد العسكري قد يعكر مزاج تلك الجهات السياسية، وهذا اتضح من خلال اتهام من يروجون لتحرير الفلوجة على انهم يحالون سحب البساط من تشكيلات معينة. وهي اتهامات ليس في محلها اطلاقا لما لمسناه من نجاحات على الجبهات الإعلامية والعسكرية أدت الى تراجع الاعلام الخليجي الداعم لداعش بوجه الحملة العراقية التي استطاعت تحرير مساحة لا باس بها في الفضاء الافتراضي.

العراق يعيش في هذه الأيام ثورة شعبية تسودها الهوية الوطنية العابرة للطوائف والتكتلات الحزبية، جسدتها التظاهرات الطالبة بالإصلاح التي وان طغى عليها اللون الصدري الا انها اكدت وجود الرغبة في بناء البلد وفق أسس وقواعد جديدة بعد ان اثبتت أساليب الحكم لما بعد صدام بفشلها الذريع. فالمحاصصة وتقاسم المناصب ادخل البلد في ظلمات التقاطعات الحزبية والصراعات الدولية التي لا يهمها مصالح العراق بقدر ما توفره من رفع لأرصدة تلك الدول في موازين القوة والنفوذ التي تسير في هذه الأيام على أرضية متحركة شبيهة بالتصفيات الرياضية، من حيث عنصر توفر المفاجئة.

على الصعيد السياسي لا تزال الكتل السياسية تراوح مكانها في أجواء تسودها المناكفات التي لا تجدي نفعا، فخلافات مجلس النواب لم تحل بعد والغريب ان الحرب السياسية الكبرى لا تدور حول كيفية استعادة الموصل او معالجة ازمة الطاقة والاقتصاد بل في عودة رئيس مجلس النواب من عدمه! الا ان هذه "الانتصارات العسكرية الكبرى" كما وصفها اللواء عبد الكريم خلف والرغبة الشعبية الطامحة في إعادة بناء المنظومة العراقية الفاشلة من جديدة ابتداءاً بحل ملفات الطاقة والاقتصاد وليس انتهاء بتردي مستوى القطاع التعليمي. ستؤدي حتما الى تغيرات في القواعد السياسية الحالية وتبشر ببزوخ فجر جديد.

ما يدور في اذهان العراقيين هو البحث في كيفية بناء المكانة الإقليمية والدولية للعراق على انقاض التراجع المستمر منذ حروب صدام والى سياسيات أحزاب المحاصصة الطائفية المؤثرة في القرار العراقي أوصلت البلد الى وضع لا يتناسب مع بلد يمتلك من الموارد البشرية والاقتصادية ما يؤهله لخوض تجارب الكبار، وبالتالي فان هذه الانتصارات العسكرية تمثل فرصة ذهبية لأولئك الطامحين لعودة الوطن الى ساحة الفاعلين الدوليين او على الأقل على مستوى اللاعبين الإقليميين واستعادة الكرامة العراقية المنتهكة بصفقات الفساد ومشاريع الفشل المستمر منذ سنوات.

البناء العراقي المقبل لا بد له من مغادرة الأساليب القديمة، فاقتصاديا باتت الميزانية لا شيء مقارنة بما عاشه البلد في السنوات السابقة، والمدن التي احتلها داعش مدمرة والعملية السياسية تعيش التنفس التوافقي الاصطناعي بانتظار حقنة الانتحار التي ستوفرها الأصوات الوطنية المخلصة، واجواء كهذه تستوجب الاستفادة من النصر العراقي في الفلوجة لتهديم اخر معاقل الجاهلية الداعشية في الموصل وتوظيف هذه الانتصارات لوضع حجر الأساس لعراق جديد بكل معنى الوطنية، والمبادرات الشبابية قد تكون عود الثقاب الذي سيشعل توربينات التسخين العراقي من اجل اذابة الهويات الفرعية وإعادة انتاجها بكتلة واحدة يحتويها مركب العراق الكبير.

اضف تعليق