q

قبل أن يحلّ يوم الجمعة (أمس 27/5/2016) بأيام قليلة، انطلقت القوات العراقية بتشكيلاتها المختلفة، بما في ذلك تشكيلات الحشد الشعبي، انطلقت في معركة مؤجلة منذ مدة طويلة لأسباب مختلفة ظاهرة ومعلنة، داخلية ودولية، لكنها باتت في هذه الأيام حاسمة بحسب القادة العراقيين، تلك هي معركة تحرير مدينة الفلوجة، بعد أن اصبحت (كالسكين في خاصرة بغداد من الغرب)، تهددها بالتفجيرات الارهابية متى تشاء، حيث يستهدف تنظيم الدواعش الارهابيين المناطق المدنية الرخوة، ويختار أضعف هذه الأماكن، كالأسواق الشعبية التي لا تضم قوات عسكرية ولا تمثل اهدافا عسكرية حيوية، فكل من يتواجد في هذه الاسواق نساء واطفال وكسبة أيتام وفقراء، مواطنون متعبون، أتعبهم الفقر والجوع، وفوق هذا كله، يأتي الدواعش من حاضنة قريبة الى بغداد (الفلوجة) ليعيثوا فسادا وقتلا بأرواح الأبرياء.

بعد هذه التفجيرات لم يعد ممكنا تأجيل القضاء على الدواعش في هذه المدينة، فانطلقت جحافل العراق البطلة لتحريرها، وبالتزامن مع هذه الحركة العسكرية المهمة، طالب القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء حيدر العبادي بعدم خروج المتظاهرين في هذه الجمعة، حتى لا تنشغل القوات العراقية بحماية المتظاهرين من الاستهداف، وتترك الهدف الأهم وهو تحرير الفلوجة، وصل هذا الطلب الى اللجان التنسيقية عبر الاعلام، ووصل الى جميع المتظاهرين قادة ومواطنين، فكانت هنالك ردود متباينة، بعضها يقف مع طلب رئيس الوزراء، وبعضها الآخر بقي مصرا على خروج المظاهرات، وبعضهم قال إننا نريد أن ندعم انتصارت القوات المسلحة في جبهة الفلوجة بمظاهراتنا، وفي الوقت نفسه نبقى نطالب بالاصلاح ومحاسبة الفاسدين.

وقبل أن يحل يوم الجمعة حدث انقسام بين قادة ولجان المتظاهرين، واعلنت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مواقف مختلفة، بعضها مؤيد لتأجيل المظاهرات، وآخر رافض للتأجيل ومنهم من بقي في حالة صمت بلا موقف، وهذا يعني أن من لا يعلن موقفا واضحا فهو مع تأجيل المظاهرات، فماذا حدث عندما حل يوم الجمعة؟؟.

لقد حضر مئات المتظاهرين الى ساحة التحرير على الرغم من طلب الحكومة تأجيل المظاهرات، وعلى الرغم من الاجراءات الأمنية المتشددة، وكما شاهدنا في بعض وسائل الاعلام حاول بعض المتظاهرين التوجه مرة اخرى الى (المنطقة الخضراء)، فقامت قوات أمنية بالتصدي لهؤلاء المتظاهرين، باستخدام الغاز المسيل للدموع ووسائل التفريق الاخرى، بعض المتظاهرين أعلن ان تلك القوات استخدمت اطلاقات نار حية، في حين أعلنت الحكومة من جهتها، رصد مجاميع مدسوسة في المظاهرات استخدمت أساليب غير سلمية، وتم مطاردتها وتم القبض على بعضها وسوف يتم تقديمهم للقضاء.

ما هي تفاصيل مشهد المظاهرات

حتى وقت متأخر من عصر يوم الجمعة، كان هناك بقايا من المتظاهرين في ساحة التحرير، فيما بدت ساحة التحرير والشوارع المؤدية لها والجسور القريبة منها مقطعة بكتل من الكونكريت، فيما أعلنت قيادة عمليات بغداد بأنها تسيطر على الموقف تماما، وقد التقت وسائل اعلام مختلفة، لاسيما القنوات الفضائية مع عدد من المواطنين في بغداد وفي المحافظات الاخرى، بعضهم أظهر معاتبة القوات الامنية على التعامل الخشن مع المتظاهرين، واكد بعضهم بعتب وزعل واضحين أنهم كانوا يتظاهرون اسنادا للقوات التي تتقدم لتحرير الفلوجة وكذلك يطالبون بالاصلاح، ومظاهراتهم سلمية تماما.

من جانب آخر قال مواطنون، أن المظاهرات في هذا الوقت ليست صحيحة، لأنها تشكل إعاقة لتحرير أرضنا في الفلوجة، كذلك تشغل القوات الأمنية عن هدفها الأهم في هذه المرحلة، لذلك بحسب رأي هؤلاء المواطنين كان ينبغي تأجيل المظاهرات حتى يتم تحرير أرض الفلوجة بالكامل، من جهتها اعلنت القوات الأمنية في بغداد وبعض المحافظات كالبصرة مثلا، بأنها رصدت جماعات مدسوسة على المظاهرات حاولت أن تجرها الى العنف والاضطرابات والتجاوز على المال العام والخاص، الأمر الذي جعل هذه القوات أن تتعامل بشيء من الحزم مع هذه الحالات غير المشروعة قانونا.

وكانت القوات الأمنية قد استخدمت بحسب وسائل اعلامية، الغاز المسيل للدموع ما تسبب بحالات اختناق مؤقت لعدد من المتظاهرين كما تم عرضهم على شاشة التلفاز، فيما صرح بعض المتظاهرين أن هناك اطلاق رصاص حي تم توجيهه على المتظاهرين، وقد بدت شوارع بغداد القريبة من مناطق التظاهرات شبه خالية، خاصة بعد غلق بعض الجسور امام حركة السيارات، هذا هو المشهد لما حدث في بغداد وفي بعض المحافظات ايضا يوم الجمعة 26/5/2016.

من جانب آخر تواصلت القوات العراقية بكل تشكيلاتها بتقدمها في مناطق ومحاور مختلفة نحو الفلوجة، وسط اعلانات توضح أن عناصر داعش الاجرامية تمنع العائلات من الخروج حتى تستفيد منها كدروع بشرية، بحسب عدد من المواطنين والعائلات التي تمكنت من الفرار عبر ممرات آمنة أقامتها القوات العراقية، كي تتمكن العائلات من الابتعاد عن أماكن المعارك على أرض الفلوجة، وقد أظهرت صور حية من أرض المعركة زخم التقدم العسكري للقوات العسكرية نحو مركز الفلوجة، فيما تم عرض صور حية للعائلات الفارة.

ومن الجدير بالذكر، أن المرجعية الدينية، أكدت في خطبتها ظهيرة الجمعة، بصورة حاسمة، على أهمية الحفاظ على حياة المواطنين الابرياء من خطر المعارك الذي يطولها سواء من الدواعش الارهابين او من القوات العراقية المطاردة للدواعش، وطالبت المرجعية بصورة واضحة من القوات العسكرية العراقية، المحافظة على ارواح المدنيين، وقال الخطيب السيد احمد الصافي النجفي، وكيل السيد السيستاني، (إن الحفاظ على ارواح الابرياء المدنيين أهم بكثير من قتل العدو)، في تعليمات واضحة ومشددة على أهمية الحفاظ على ارواح المدنيين.

حالة التوازن مهمة للطرفين

من وجهة نظرنا، يحتاج أمر المظاهرات بالتزامن مع معارك تحرير الفلوجة الى نوع من التوازن من لدن الطرفين، ونقصد بالطرفين، المتظاهرين من جهة، والحكومة من جهة اخرى، فالمعروف أن هدف المتظاهرين هو الاصلاح، وان هدف الحكومة هو تحرير مدينة الفلوجة من الارهاب والدواعش، ومن الواضح أن كلا الهدفين بالغ الأهمية والحساسية، فلا يمكن للناس أن تتخلى عن الاصلاحات التي طالبت بها منذ سنوات عديدة في مظاهرات تواصلت طيلة هذه السنوات في كل جمعة، وبلغت الذروة في الجمع الاخيرة عندما دخل المتظاهرون المنطقة الخضراء، وفي هذه الحالة لا يمكن التفريط بالنتائج التي تحققت لصالح المواطنين عبر المظاهرات التي قدم فيها المتظاهرون تضحيات بعضها بلغ حد الاستشهاد.

الحكومة من جهتها، تقول بأن خطة تحرير الفلوجة تم وضعها قبل شهرين، وكان من المقرر البدء بتحرير المدينة قبل شهرين من الآن، ولكن الظروف والملابسات السياسية والاقتصادية وقفت بالضد من بدء تلك الحملة قبل شهرين، واليوم بعد انطلاق حملة تحرير الفلوجة، لا يمكن ايقافها من اجل التظاهرات، لان الارهاب الداعشي لا يزال على ابواب بغداد، لاسيما بعد التفجيرات الاخيرة التي طالت ابرياء وفقراء عزل في الاسواق الشعبية في مدينة الصدر والكاظمية وسواهما.

كما يبدو لنا جميعا ان الهدفين مهمين جدا للعراق وللعراقيين وللدولة العراقية، فلا يمكن غض الطرف عن الارهاب الداعشي في الفلوجة وسواها من ارض العراق، كذلك لا يمكن غض الطرف عن مطالب المواطنين بالاصلاح واعادة الاموال المسروقة ومحاسبة الفاسدين، فأين يكمن الحل؟؟، ان الحل في رأينا يكمن في خلق حالة من التوازن والتفاهم والانسجام بين الطرفين، الحكومة وقادة المظاهرات، وفي الحقيقة ليس هناك حل انسب من تأجيل او (تخفيف) المظاهرات في هذه المرحلة، على الأقل حتى ينتهي غبار معركة تحرير الفلوجة كي لا تنشغل القوات العراقية عن هدفها بسبب توفير حماية تامة للمتظاهرين من استهداف الارهابيين.

اضف تعليق