q

بات تحرير مدينة الموصل رغبة مشتركة للأطراف المتصارعة في العراق والمتحالفة في الحرب ضد داعش، فالرئيس الأمريكي يرغب في انهاء ما تبقى من عمر فترته الرئاسية بإنجاز تاريخي وانهاء سيطرة داعش على الموصل هي الصيد الثمين والصعب في نفس الوقت، اما الإيرانيون فيرغبون بتصفية الملف العراقي للتركيز على المعارك في سوريا، في حين يحاول الحلف التركي السعودي اثبات صدق نواياه بمحاربة داعش ومساعدة طائفته السنية.

واشنطن اعلنت على لسان بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بدء عملية عزل وحصار التنظيم الإرهابي في الموصل، واستغل المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة الأردنية عمان للتأكيد على دور التحالف الدولي في محاربة داعش قائلا: "نحن نشن غارات دقيقة في الموصل كل يوم، ولدينا معلومات كثيرة من الناس داخل الموصل حول -داعش- وما يفعله التنظيم في المدينة".

امريكا لديها رغبة شديدة بتحرير الموصل وهذه التصريحات سبقتها تحضيرات أمريكية للمشاركة بقوة في هذه المعركة الفاصلة إذ كشفت وكالة الاسوشيتد برس الامريكية الشهر الماضي عن موافقة الرئيس الأميركي باراك أوباما على إرسال أكثر من 200 جندي جديد للعراق من القوات الخاصة والمدربين والفنيين، مع السماح باستعمال طائرات "الاباتشي" للمرة الأولى هناك ضد داعش، مؤكدة أن ذلك سيمكن القوات الأميركية من تقديم مشورة ودعم "أكثر فاعلية" للوحدات العراقية في معركة الموصل.

في المعارك السابقة سواء في ديالى او جرف النصر او تكريت لم تكن اللهجة الامريكية بهذه الصراحة الى حد اعلان محاصرة الموصل من قبل واشنطن وليس بغداد، وهذا طبيعي في ظل انشغال الحكومة بالصراعات السياسية وظهور الخلافات بين تشكيلات الحشد الشعبي، إذ ترفض بعض اطرافه الانصياع لأوامر الحكومة المركزية، حيث تعتبر حكومة بغداد تابعة للإرادة الامريكية.

فرقة العباس القتالية التابعة للحشد الشعبي، أظهرت هذه الخلافات للعلن بانتقادها على لسان قائدها ميثم الزيدي سلوك إدارة هيئة الحشد الشعبي، ووصفتها بـ "غير المهنية وغير عادلة"، فيما أكدت أن إدارة الهيئة لا تنفذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي "لعدم تناسبها مع مزاجها الإداري"، وهددت باللجوء الى الجهات القضائية في حال لم تحسن من سلوكها تجاه جميع تشكيلات الحشد الشعبي. وأضاف الزيدي، أن "الفرقة وقواعدها الشعبية وحلفاءها لا ترضى بالظلم ولا تسمح بإضعاف مشروع الحشد الذي بني ببركة فتوى المرجعية الدينية العليا وجهود المتطوعين العراقيين".

وهذه الخلافات بين أطراف الحشد الشعبي وانشغال بعض الفصائل العراقية في الحرب السورية فضلا عن طبيعة الصراع الدولي ستحول دون المشاركة الفاعلة للحشد الشعبي وستكون ان خطة تحرير الموصل شبيه بتحرير الرمادي من خلال الاعتماد على الجيش العراقي في المواجهة الميدانية ضد داعش في حين تتكفل الولايات المتحدة الامريكية بتوجيه ضربات جوية مكثفة ضد الجماعات الإرهابية، كما ان البيشمركة سيكون لها حضور فاعل في هذه المعركة كونها تنال ثقة الولايات المتحدة كحليف يحقق مصالحها في العراق.

وفق هذه المعطيات فان أي انتصار في معركة الموصل سيسجل باسم الولايات المتحدة والجيش العراقي والبيشمركة وهذا ما لا ترغبه فصائل الحشد الشعبي خوفا من مرحلة ما بعد التحرير مثل إقامة إقليم سني او دولة سنية في حال تحرير عاصمة داعش في العراق، والواقع يشير الى ان جميع الأطراف لا تريد تقسيم العراق على الأمد القصير فكل طرف لديه مخاوفه لما بعد التقسيم وذلك للأسباب الاتية:

أولا: الشيعة يعتبرون ان تقسيم العراق يعني ان ذلك دليل اخر على فشلهم في إدارة المرحلة السياسية لما بعد سقوط صدام، كما ان هناك ما هو أكبر من هذه المخاوف والمتمثل بالمخاوف الإقليمية، فأي تقسيم للعراق يعني استحداث سياج جغرافي يفصل شريان التواصل بين إيران والعراق وسوريا، وبالتالي تقطيع اوصال ما يسمى "بمحور المقاومة" او التحالف الإيراني في منطقة الشرق الاوسط.

ثانيا: ان أي تقسيم للعراق يعني استحداث دولة شيعية محاذية لحدود السعودية الشمالية وهو ما ترفضه بشدة، فهي لم تحتمل سيطرة الحوثيين على حدودها الجنوبية حتى شنت عاصفة الحزم والتي تستمر لحد هذه اللحظة، فالسعودية ورغم امتعاضها من سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم في العراق منذ أكثر من 13 سنة الا انها تخشى من انشاء دولة شيعية مشابهة لحكم ولاية الفقيه في إيران، تسبب لها مضايقات داخلية او خارجية.

ثالثا: اما الاكراد فلا امل لهم في اعلان دولتهم التي يطمحون اليها أكثر من أي طرف اخر نتيجة تشابك المصالح الأنظمة الإقليمية والدولية، والدعم الذي يحصلون عليه سواء من أمريكا او حتى روسيا لم يتعدى حدود المصالح الخاصة لهاتين الدولتين العظميين سواء بتثبيت قواعد أمريكية في شمال العراق او محاولة روسيا الضغط على تركيا من خلال اللعب بالورقة الكردية. وصمت الأطراف الكردية وتراجعها عن تصريحاتها حول الانفصال عن العراق وخصوصا مسعود البرزاني تؤكد رفض حلفائه الدوليين فكرة الدولة الكردية.

معركة الموصل باتت قريبة وزيارات المسؤولين الأمريكيين المتواصلة للعراق تؤكد على جدية الولايات المتحدة بغلق ملف داعش الا ان هناك ما يعرقل عملية التحرير سواء عدم جهوزية القوات المقاتلة او اعتراضات بعض الأطراف على المشاركة الامريكية وخصوصا بعض فصائل الحشد الشعبي لكن يبدو ان واشنطن قد تجاوزت اعدت ما يكفي من القوات من خلال الدفع بمزيد من القوات الامريكية، اما مسالة اعتراضات فصائل الحشد الشعبي فيمكن الضغط على إيران او عقد صفقة تضمن الحفاظ على شريان التواصل الإيراني مع سوريا وعدم تحديث اتفاقية سايكس بيكو.

اضف تعليق