q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

الحروب.. فوائد كاذبة وخسائر فادحة

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

تُعرَّف الحرب بأنها (نزاع مسلح تبادلي بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة ومصممة بشكل ذاتي. وقال المنظِّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب أنها "عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل مختلفة." وتعد الحرب عبارة عن تفاعل بين اثنين أو أكثر من القوى المتعارضة والتي لديها "صراع في الرغبات" ويستخدم هذا المصطلح أيضا كرمز للصراع غير العسكري، مثل الحرب الطبقية). وهناك أنوع اخرى من الحرب كالحرب الأهلية والحرب بالوكالة.

يوجد دعاة للحروب، وهناك مؤيدون لها، ومنظّرون يسعون لوضع قواعد علمية لها، وبعضهم يذهب الى أبعد من ذلك، فيصرّح بأن الحرب لها فوائد كبيرة لصالح الإنسانية!، وهذا كما يتضّح ادّعاء لا يصمد أمام المنطق والشواهد والأدلة التي تركتها لنا الحروب التي مرت في تاريخ البشرية، لذلك هي لا تلتقي مع فطرة الانسان ولا ميوله الطبيعي الذي يرغب بالسلام والعيش في اجواء الاستقرار، والبحث عن السبل التي تقوده الى الامام دائما.

لقد تطرّق الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم، الموسوم بـ (الفقه: الاجتماع ج2)، لبعض تلك الادّعاءات التي يحاول دعاة الحرب وأنصارها ترويجها، وهم يحاولون من خلال ذلك أن يثبتوا بعض فوائد الحروب! كما نقرأ ذلك في الكتاب المذكور للإمام الشيرازي، إذ نقرأ أن دعاة الحرب يرون بأنها تعمل على: (توحيد الأقوام، إذ الطرفان يتعارفان بعد انتهاء الحرب، ويتوحدان أخيراً بعد أن كشف كل طرف نفسيات الطرف الآخر النظيفة). ويرى دعاتها أيضا، انها تساعد على تقدم الفكر: (حيث تتلاقح أفكار الطرفين المتحاربين، بما يؤدي الى تقدم الفكر، فإن حال الفكر حال البدن، فعندما يتلاقح البدنان سيؤدي ذلك الى النسل الذي يقدم الإنسان إلى الأمام).

ولا يكتفي انصار الحرب ودعاتها بذلك، فيزعمون أن الحرب تساعد على تطوير الصناعة، ويأتون بأمثلة عديدة، لكي يثبتوا صحة ما يذهبون إليه، ولا نعرف أية عقلية تلك التي ترى في الحرب سببا للتقدم الصناعي او سواه!، إذ يرى دعاة الحرب كما نقرأ في كتاب الامام الشيرازي، بأنها تُسهم في: (تقدم الصناعة، حيث أن حالة الحرب تطور الكفاءات من جهة، إذ أن كل طرف يفكر في إنجاح نفسه، وكثرة التفكير تقود الى ظهور الاكتشافات والاختراعات، مما ينفع الإنسان في حالة السلم، أكثر من ضرره في حالة الحرب)!.

تجديد المدن والقلاع

ويذهب هؤلاء الذين يناصرون الحرب، الى أبعد من ذلك، فيعلنون آراءً مثيرة للاستغراب، عندما يقولون بأن الحرب تساعد في تقليل أعداد الناس، بسبب حالات الموت التي تطال المحاربين منهم، ونتيجة لقلة الناس، فإن رفاهيتهم تصبح أمرا ممكنا!، ويمكن أن نطلع على مثل هذه الافكار، التي يروّج لها دعاة الحرب وأنصارها، عندما نقرأ في الكتاب المذكور للإمام الشيرازي، إذ يرى هؤلاء بأن الحرب تساعد على: (تقليل الناس، فتكون سبباً لتحسين حالة الذين يبقون بعد الحرب وتزيد من رفاهيتهم)!.

ولعلنا لا نحتاج الى أدلة اضافية كي نثبت غرابة هذه الادّعاءات وابتعادها عن المنطق وعن فطرة الانسان في الوقت نفسه، ولا شك أن هؤلاء مدعومون من لدن تجار الحروب ماديا ومعنويا، فهناك افراد وشخصيات وشركات ومافيات وربما دول، لا تستطيع أن تصل الى اهدافها وغاياتها عن طريق السلم، لأنها أساسا لا تحترم هذا النوع من الحياة، ولا تحبذه، متطابقة بذلك مع الطبقة السياسية التي تميل الى الاجواء المشحونة، كما نلحظ ذلك في الاحزاب او الشخصيات التي تُنعَت (بالصقور)، إذ يذهب هؤلاء الى تأجيج الصراعات والفتن، لنشر الحروب بأنواعها في كل مكان، لأنها تساعدهم على الاقتراب من اهدافهم الربحية والسياسية، على الرغم من أن ضحاياها كثيرون، وخسائرها المادية كبيرة.

ولعل الجانب الأغرب فيما يدعيه مناصرو الحرب، أنهم يرونها (الحرب) سببا في التقدم الصناعي للبلدان المتحاربة، وللعالم أجمع!!، فأية براعة تنطوي عليها هذه الافكار المخادعة!، وكيف يمكن أن تصل نوايا وأفكار الانسان الى هذه الدرجة من الانحطاط، فبدلا من الاعتراف بالنتائج والمخلفات المؤسفة للحروب، يندفع هؤلاء في اصرارهم المقيت، فيعلنون ان الحرب تساعد الانسان على التقدم في الصناعة.

كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي المذكور نفسه، عندما يدَّعي انصار الحرب بأنها: (تقود الى تجديد المدن والقلاع وما أشبه، لبنائها من جديد، حيث يصيبها الخراب بواسطة الحرب، وكذلك تجديد الرياش والأثاث التي تلفت بسبب الحرب)!.

لا مكاسب من الحروب

يدحض الامام الشيرازي كل تلك التخرصات والتهويمات التي ترد على ألسنة وتصريحات، دعاة الحروب وتجارها وساستها، المنتفعون منها والمتمسكون بها، عندما يقول الامام: إن (الأقوام إنما تتوحد بالثقافة المشتركة، لا بقتل بعضهم بعضاً، سواء تغلب أحدهما على الآخر، أو وقع بينهما صلح وهدنة). ويضيف الامام الشيرازي قائلا ايضا: (إن الأجواء الصالحة للعلم والعلماء تطوّر الصناعة، وتشجع على صنع المختبرات، وتعمل على تشويق العلماء بالمال والمنافسة ونحوها، وتعطي نفس النتائج التي تعطيها الحرب، ولكن بدون أضرار ولا ضحايا).

ولا يمكن أن يكون تدمير المدن وهدر الاموال في الاسلحة المحترقة والممتلكات المهدمة، طريقا لتطوير الانسان، وتحسين احواله، إذ يؤكد ذلك الامام الشيرازي: ان (تحسين حالة الإنسان، يكمن بعدم صرف الثروة في الهدم والدمار وقد ذكر في تقرير أنه تصرف الدول كل يوم مليار دولار، في التسليح، فأي مال ضخم هذا يصرف في الدمار بدلا من خدمة الانسان).

ان هذه المليارات الضخمة التي تهدر على الحروب لا يمكن ان تساعد الانسان على التطور، لاسيما الطبقات الواسعة، من الفقراء على وجه الخصوص، فالأموال التي تذهب في الحروب لشراء الاسلحة وعقد الصفقات المليارية بحجة الدفاع عن الاوطان وما شابه، لن تصب في صالح الشعوب ولا الطبقات الفقيرة، بل هي تذهب الى ارصدة الشركات والشخصيات الغنية في العالم، وهؤلاء معظمهم او الكثير منهم ينتمون الى الطبقات السياسية الحاكمة للدول والشعوب، لذلك من المحال أن تكون الاموال المصروفة في الحروب تصب في صالح الطبقات الواسعة، ونعني بها غير الحاكمة، ولعل الاغرب في تصريحات دعاة الحرب انها (تجدد المدن والاثاث)؟، ولا نعرف كيف تفعل الحرب ذلك ونيرانها تأتي على كل شيء؟.

لذلك يتساءل الامام الشيرازي بخصوص تجديد المدن، فيقول بكتابه المذكور نفسه: (لماذا نجدد المدن والأثاث، بالدمار؟ أليس من الأفضل أن نجددها بالثروة التي تصرف في الدمار والإسراف؟). انه التساؤل المنطقي الذي يدعو الى الكف الفوري عن اهدار اموال الناس والشعوب المغلوبة على امرها، ولعل واقعنا الراهن في العراق وسوريا وبعض دول المنطقة، يؤكد ان هناك مناصرون بل صانعون للحروب، حيث تدور في منطقتنا اعتى الحروب الاهلية والحروب المنتظمة ايضا، وهي صناعة واضحة المعالم والاهداف، فهي حروب طائفية صنعها ارباب الفتن لكي يحلبوا دول المنقطة، ويستولوا على ثروات شعوبها، من خلال اثارة الفتن وافتعال الحروب الكاذبة، التي تصدق في شيء وحيد هو استنزاف ثروات شعوب المنطقة، بحجة صناعة الاستقرار فيها، لذلك دحض الامام الشيرازي كل هذه الادعاءات قبل عقدين من تاريخ حدوثها في العصر الراهن.

اضف تعليق