q

سؤال ينبغي أن نجيب عنه بعلمية وحيادية، ومن دون أن نتهرّب أو نتنصل من المسؤولية، وأعني بذلك كل شخص له علاقة بتقدم الدولة في تفكيره وعمله، لأننا نريد ان نصل الى الحقائق ونضع النقاط فوق الحروف، فالغرب ومعظم الأمم التي تقود العالم اليوم، وجميع الشعوب المتطورة، لم تحصل على مرتبة التطور، ولم تحقق مكانة الصدارة بين أمم العالم أجمع، لو لا العلم، هذه هي السمة التي تتفوق بها الشعوب المتقدمة على الآخرين، حيث حصلت عليها من خلال العلم الذي تنهض به مؤسسات ضخمة وتصنعه، ويسعى إليه الاذكياء العارفون، أصحاب الاردات القوية، والعقول التي تخطط للحاضر والمستقبل، كي تبقى في مقدمة الركب العالمي دائما، ولا يمكن أن تبقى الدول والمجتمعات في المقدمة دائما، ما لم تكن المؤسسات العلمية في المقدمة.

العلم يأتي من خلال التخطيط، ويحتاج الى مؤسسات كبيرة تنهض به، وطالما أننا نتفق على أن العلم اصبح ينتمي الى نوع من الصناعة التي تنهض بها مؤسسات مهمة متخصصة وراسخة، فإن الوعي بهذا الجانب، يستدعي تنبيها متواصلا لذوي الشأن في مجتمعاتنا، حتى يفهموا أن العلم صناعة، وأن هذه الصناعة لا تتقنها سوى مؤسسات معنية بها مثل، الجامعات العلمية والمؤسسات غير التقليدية الداعمة للعلم والعلماء، وتؤدي عملها من خلال الوسائل والاختبارات العلمية، مع انشاء قاعدة وركيزة علمية قادرة على دعم العلم، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اعتماد السبل السليمة، بالاعتماد على مراكز البحوث والدراسات والمؤسسات العلمية المتخصصة والكبيرة.

ولكن هناك مشكلات كبيرة تقف في وجه العلم والعلماء، لاسيما اذا كان النظام السياسي لا يقوم على الشورى او المنهج الاستشاري التعددي (الديمقراطي)، في هذه الحالة سوف يواجه العلم عوائق كثيرة أخطرها وأشدّها الجهل، حيث يبقى المجتمع الجاهل بصناعة العلم فقيرا، ويبقى البلد الفقير في أسفل قائمة الاهتمام دائما، ولن يغيره أحد ما لم ينهض هو بنفسه ويسعى العلماء لتغيير الامور نحو الأفضل، أما كيف يتم ذلك فإن الخطوات العملية اذا كانت سليمة ومخطط لها، فإنها هي التي تدعم العلم، ونعني بالخطوات العملية عندما تقدم الحكومة ما يلزم من دعم للعلماء وتوفر لها المنشآت والمختبرات والبنى والقواعد الداعمة للعلم والعلماء.

العلمية لها قصب السبق

وطالما بقي السياسيون الذين يقودون الدولة ويحتلون المنصب العليا للحكومة، غير مهتمين بالعلم، فإن البلد والشعب وعموم الدولة سوف تبقى متأخرة، وسيبقى الجهل سيد الموقف، ويبقى الوعي الشعبي في أدنى مستوياته، الأمر الذي يساعد على بقاء الدولة والشعب في أسفل قائمة الدول بصورة دائمة، إلا حينما يتحرك العلم فإن الامر سوف يتغير حتما من حال الى حال.

كان للعبقرية دورها في التطور، ولا يزال الامر كذلك، ولكن باتت المعرفة والتجربة العملية والاختبارات والقواعد العلمية هي التي ترسخ العلم وتضاعف من تأثيره، وكثيرا ما كان الاختراع يقوم على الالهام والعبقرية، ولكن اليوم أصبح الاختراع يقوم اكثر فأكثر على المعرفة والدراية، والمعرفة مادة العلم، والعلم ثمرة العلماء. ومن هنا، تأتي اهمية دور العلماء في بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية التي يرتكز عليها المجتمع بغرض تحقيق الازدهار والرفاهية لأفراده، وجعل الدولة والمجتمع في حالة مواكبة دائمة للعصر، وهذا لا يمكن أن يتحقق من دون صناعة صحيحة ومتوازنة للعلم وترسيخه في حياة المجتمع على نحو يومي.

ولا شك أن هناك ارتباط وثيق بين العلم والاقتصاد، حيث يدعم أحدهما الآخر بقوة، أو ينبغي أن يكون الأمر كذلك، فالاقتصاد معرفة وهو عامل أساسي في انتاج الثروة، حيث يتدخل العلم بقوة ويكون عقل الانسان حاضرا بقوة في هذا المضمار، ونعني به الاقتصاد الذي يمثل في كثير من الحالات علمية الانسان، وابتكاراته التكنولوجية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. وتفيد الاحصائيات مثلاً بأن الأبحاث والابتكارات التكنولوجية، تساهم فيما بين 25 إلى 50% من نمو الدول الأوروبية، كما أن أكبر نسب توفير مناصب الشغل في الدول المتقدمة، تتيحها الشركات الكبرى العاملة في ميدان التكنولوجيات المتقدمة، فتسهم في مجالين الاول تطوير السس العلمية، والثاني تطوير المهارات، وكلا الأمرين يعدان من أهم مقومات تطور الدولة.

وهكذا ينبغي أن يكون هنالك اصرار على التعامل الصحيح مع العلم، على الرغم من وجود معوقات كبيرة تشكل اعاقة لتحقيق هذا الهدف، وهناك معرقلات كثيرة لتحطيم هذه المنظومة، يقف الجهل في المقدمة منها، والجهل يشمل جهل القائد السياسي، وجهل النخب كافة، وجهل المجتمع بصورة عامة، الامر الذي يبقي على صناعة العلم في قعر التخلف والاهمال، وبالتالي ليس هناك سوى البقاء في ذيل قائمة الدول المتأخرة أصلا، اما الخلاص فهو واضح للجميع، فليس أمام الدولة والمجتمع والنظام السياسي سوى السير المتواصل في طريق العلم.

أسفل قائمة الدول المتأخرة

وهذه مهمة ليست سهلة، ولا يمكن أن تبنى بالأمنيات او الاحلام، انها تحتاج الى ارادة فولاذية في التخطيط والتنفيذ مع توفير ما يلزم لتحقيق ذلك، حيث ينبغي بناء المؤسسات العلمية الرصينة، وهذا الجهد ينبغي أن تتكفل به الدولة، والجهات الحكومية المعنية تحديدا بالنهوض بالعلم، كذلك لابد من صناعة العلماء ايضا، وثمة سبل كثيرة لتحقيق هذا الهدف، لأن العالِم يُصنَع في اليوم، من خلال الدورات التطويرية والبعثات الدراسية وما شابه من امور، وضوابط تشترك في صناعة العلماء المعاصرين، القادرين على مواكبة ما يستجد في العصر الراهن، من علم ومعلومات يرتكز عليها عالم اليوم في شقيه النظري والعملي، كذلك ينبغي أن تتسم المؤسسات العلمية كالجامعات، بالحيوية والقدرة على مجاراة ما يحدث في الجامعات والمؤسسات العلمية التي تدير حركة الدول والمجتمعات المتقدمة، من خلال تصدي هذه الجامعات والمؤسسات العلمية ومراكز البحوث للحركة العلمية، وبالتالي ادارة حركة جميع المفاصل والحقول المؤثرة في ادارة الدولة بصورة سليمة بما يؤدي الى تكوين قاعدة علمية راسخة تستند إليها الدولة في مجالات الاقتصاد وسواه من المجالات الحيوية الاخرى.

هل هناك مشاريع فعلية تسعى لتعضيد العلم؟؟، سؤال يدور بين ذوي الاختصاص؟؟، فالحديث عن المؤسسات العلمية، يقودنا الى الدور الضعيف الذي تقوم به جامعاتنا والمؤسسات المعنية بتطوير العلم إلا ما ندر، في تطوير المجتمع، وجعله ذا آفاق متطورة ومواكبة لما يحدث من تسارع في التكنولوجيا والصناعات كافة، والتطور الاقتصادي العالمي، فطالما أن القاعدة العلمية ضعيفة، فإن التطور التقني والصناعات الحديثة ستبقى متلكئة حتما، والسبب كما هو ان المؤسسات المعنية بالعلم لم تؤدي دورها الساند، ولم تقم بمهامها كما ينبغي.

وهذا يثير تساؤلات عدة، منها على سبيل المثال وليس الحصر، لماذا لم تقم المؤسسات العلمية والمدنية المعنية بدورها في تعزيز العلم وترسيخ حضوره ومكانته في الدولة إلا ما ندر؟؟، بعض المعنيين بهذا الأمر يقولون، أن هنالك أسبابا عديدة يقف في المقدمة منها الاهمال الحكومي، فضلا عن الاسباب التي تتعلق بالمؤسسات نفسها، وبالتالي فإن دورها يضعف رويدا وقد يغيب أو يتحول الى دور تقليدي لا يؤثر في بناء قاعدة علمية راسخة، لها القدرة على محاورة ومجاورة ما يستجد في العالم التقني، من تطورات وتحديثات هائلة جديدة ومهمة، وهناك سبب جوهري يتمثل بافتقاد جامعاتنا ومؤسساتنا للعلماء المتميزين، بسبب اهمال الكفاءات ومغادرة كثير منها الى دول المهجر ومعظمها الدول الاوروبية التي تتعمد استقطاب الكفاءات العراقية المهملة في بلادها.

اضف تعليق