q

مرة أخرى تتحول الخلافات السياسية والعرقية الى صدام عسكري في قضاء طوزخورماتو في وقت متأخر من مساء السبت 23 أبريل/نيسان اودى بحياة عدد من المدنيين والعسكريين وتضاربت الروايات حول العدد الحقيقي لكن المؤكد ان عدد الضحايا بالعشرات بين قتيل وجريح، رئيس الوزراء حيدر العبادي اصدر أمرا إلى قيادة العمليات المشتركة باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة للسيطرة على الوضع في طوزخورماتو بمحافظة كركوك وايقاف تداعيات الاحداث المؤسفة التي أدت إلى وقوع عدد من الضحايا. كما تم الاتفاق على هدنة بعد محادثات بين محافظ كركوك نجم الدين كريم علي ورئيس منظمة بدر هادي العامري.

الهدنة المعلنة هي الخامسة الموقعة بين الطرفين إذ وقع الحشد الشعبي أربع اتفاقات أمنية وعسكرية مع البيشمركة لضمان عدم حدوث مواجهات بين الطرفين، وهذه الهدنة الاحدث لم تصمد الا يوما واحدا وتجددت الاشتباكات في القضاء يوم الثلاثاء 26 ابريل/نيسان الجاري بحسب نقلت صحيفة العدالة عن مصدر امني. كما افاد مصدر في الحشد ان قوات البيشمركة تعرضت لفصيل سرايا الخراساني في ناحية السعدية في محافظة ديالى مبينا ان الحشد رد على مصادر النيران الكردية واذا صحت هذه الانباء فان محافظة ديالى غير محصنة من المواجهات المقبلة.

ورغم تقليل المسؤولين من الطرفين من خطورة الوضع فان الواقع يتحدث عن وجود قنبلة موقوته اسمها المناطق المتنازع عليها، فضلا عن ترسبات الخلافات السياسية حول الامتيازات المالية وتقاسم السلطة بين المركز والاقليم، فحكومة بغداد تتهم المركز بالاستيلاء على مناطق خارج حدوده من خلال سياسية رسم الحدود بالدم التي تحدث عنها رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود البرزاني. ففي بداية عام 2016 رصد حكومة الاقليم مبالغ مالية كبيرة لإنجاز مشروع خندق يفصل كردستان عن باقي المناطق العراقية، وكانت الحجة في حفر الخندق هي لمواجهة هجمات داعش ضد الإقليم. وحسب المعلومات المتوافرة فان الخندق يبدأ من ناحية ربيعة الحدودية مع سورية غربي العراق وانتهاءاً بناحية جلولاء بالقرب مع الحدود الايرانية من محافظة ديالى شرق العراق مرورا بالمناطق المتنازع وهو ما دفع المسؤولين في الحكومة العراقية المركزية وبعض الكتل السياسية الى ادانة هذا المشروع وقالت انه محاولة لفرض الانفصال على الحكومة المركزية.

إقليم كردستان يعمل على استفزاز الحكومة العراقية بين الحين والأخر ففي الوقت الذي كان الشيعة بحاجة لمساندة الكرد من اجل تثبيت المشروع السياسي في العراق بعد عام 2003 استغل الكرد هذه الرغبة من اجل فرض شروطهم فحصلوا على نسبة 17% من الموازنة المالية وهي حصلة اكبر مما يستحق الاكراد بحسب ما تقول مصادر برلمانية وخبراء اقتصاديون، ومع كل ازمة سياسية نجد الساسة الشيعة يحجون الى كردستان من اجل كسب ودهم للحصول على تأييد كردي لتمرير بعض المشاريع السياسية، وهو ما جعل الاكراد في موقف افضل من المكونات العراقية الأخرى.

الحشد الشعبي لم تعجبه تصرفات الكرد منذ بداية تأسيسه كما رفض ما يسميه بخنوع "انبطاح" الساسة الشيعة تجاه المطالب الكردية وقد حصلت مناوشات كلامية بين قادة الحشد الشعبي والاكراد في اكثر من مناسبة كما انهم اتهموا الاكراد بتعطيل عملية تحرير مدينة امرلي التي بقيت محاصرة من قبل داعش لاكثر من ثمانين يوما. والان يتهمون البيشمركة بعرقلة تحرير قصبة البشير الشيعية، فضلا عن قناعتهم الراسخة بان رئيس الإقليم مسعود البرزاني ما هو الا دمية بيد دول خارجية تحاول زعزعة الاستقرار في العراق.

وليس هذا فحسب بل ان هناك مؤشرا خطيرا كشفته هذه المواجهات العسكرية السابقة، وهو انعدام الضبط لعسكري لدى الجانبين فقد تسبب شجار وقع في نقطة تفتيش، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في وقوع قتال واشتباكات امتدت إلى داخل مدينة طوزخرماتو بين المقاتلين التركمان وعناصر قوات البيشمركة الكردية، وهذه المواجهة الأخيرة التي حدثت في هذا الشهر لم تختلف عن سابقاتها.

هناك قناعتين راسختين في اتجاهين مختلفين فالاكراد يعتقدون بأنهم أمام فرصة تاريخية لقيام الدول الكردية من خلال استغلال انشغال الحكومة المركزية بمشاكلها السياسية والأمنية وهناك عمل حثيث على استثمار هذه الفرصة جغرافياً، إذ يسعى إقليم كردستان العراق على توسيع أراضيه بإتجاه حدود المحافظات العراقية المحاذية للإقليم، كالمناطق المتنازع عليها وغيرها، وترسيم حدودها بـ"الدم" وتغيرها ديمغرافياً.

اما الحشد الشعبي فلديه قناعته بضرورة منع التوسع الكردي الذي يمثل انعكاسا لمؤامرة خارجية بين الدول الداعمة لداعش وإقليم كردستان من اجل إقامة إقليم سني وفرض الدولة والكردية ويدعم هذا الاتهام للاكراد استيلائهم على أسلحة ثقيلة من الجيش العراقي ومنعه من تثبيت نفسه في الخطوط الخلفية اثناء احتلال داعش للموصل وبالتالي فان الحشد يرى نفسه قد افشل إمكانية إقامة الإقليم السني من خلال تحريره للمناطق التي سيطر عليها داعش وهو الان يحاول تطويق مشروع الدولة الكردية باعتباره تهديدا للعراق وهي محاولة مشروعة نتيجة استمرار الاستفزازات الكردية. الا ان تلك محاولة فرض الحل العسكري لا تنجح دائما والهدنة المؤقتة لا نعتقد بانها ستصمد وكل طرف يحاول استغلال ما تبقى من أراضي داعش من اجل توسيع مناطق نفوذه وبالتالي فنحن اما مرحلة صعبة قد تفتح بعد حسم ملف داعش عنوانها مواجهة كردية شيعية.

اضف تعليق