q

بعد خمسة أيام فقط من اعلان الاتحاد الأوربي وايران توقيع اتفاق مشترك حول التعاون النووي بين الطرفين؛ جاءت الولايات المتحدة الامريكية لتأكد ان قبلة العالم الغربي في الشرق الاوسط ستكون ايران، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن عقدت صفقة لشراء 32 طن من الماء الثقيل من إيران.

وبموجب الصفقة، ستحصل وزارة الطاقة الأميركية من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على 32 طناً من المياه الثقيلة لتلبية الحاجات الصناعية والأبحاث العلمية في الولايات المتحدة، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية. بقيمة 8.6 مليون دولار. في صفقة بلغت 8.6 مليون دولار.

القرار الأمريكي هذا يفصح عن السياسة الامريكية المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط ويؤسس لعهد جديد من العلاقات في هذه المنطقة المشتعلة بحروب طائفية، بعد تراجع الدور المحوري لواشنطن. ولا نعرف ماذا كان رد فعل المسؤولين السعوديين على هذا القرار، وربما فكر الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد بشن "عاصفة واشنطن" رداً على التدخلات الإيرانية في شؤون الحلفاء الغربيين للرياض من خلال محاولة طهران تعزيز تواجدها في سوق الصفقات السياسية والاقتصادية هناك.

اما الحزب الجمهوري فسارع الى معارضة هذه الصفقة إذ انتقد بول ريان رئيس مجلس النواب الأمريكي المنتمي للحزب الجمهوري إدارة الرئيس باراك أوباما معتبرا أن تلك الصفقة تمثل "تنازلا آخر غير مسبوق لأهم رعاة الإرهاب في العالم". وأضاف ريان في بيان أن التقرير المنشور عن الصفقة يبدو في إطار محاولات إدارة الرئيس الديمقراطي لتسويق الاتفاق النووي الموقع مع إيران وأنها "ستؤدي لدعم البرنامج النووي الإيراني بصورة مباشرة".

ولا يمكن قراءة هذه الصفقة بعيدا عن المتغيرات المتسارعة في الشرق الأوسط، فالاتحاد الأوربي بات اقرب الى ايران من أي وقت مضى وبعد رحلات الحج الاقتصادية الاوربية الى طهران أعلنت إيران والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك في 17 إبريل الجاري، بدء تعاونهما المشترك في المجال النووي هذا العام بتمويل من الاتحاد الأوروبي وفي إطار مشروع "زيادة قدرات مركز السلامة والامان النووي الإيراني (INRA)". وجاء في بيان مشترك أنه سيتم إرساء الأسس لعقد اجتماع سنوي رفيع المستوى للحوار حول القضايا ذات الاهتمام المشترك في المجال النووي في إطار الشراكة في مجال الطاقة النووية.

التعاون الأوربي والامريكي غير المسبوق مع ايران لا يبدو مرحليا كما تسوق له الإدارة الامريكية بل تفوح منه رائحة صفقات غير معلنة او خطط مستقبلية تؤرخ لتاريخ جديد ينطلق من مصالح الدول الكبرى بعيدا عن صيحات التخوين الخليجية والإسرائيلية ضد حلفائهم الكبار. وبخصوص هذه الصفقة النووية الامريكية الإيرانية يمكن تثبيت ثلاثة مؤشرات تندرج ضمن متغيرات المنطقة والعالم وهي كالاتي:

* العداء الإيراني لإسرائيل ليس خافيا على أحد، وقد اعتبر مؤتمر "تغيير قواعد اللعبة" الذي ينظمه معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب بان إيران وحزب الله يمثلون خطراً رئيسيا لأمن الكيان الصهيوني، وبالتالي فانه من غير الممكن ان تعقد صفقات نووية من هذا النوع من دون الاخذ في عدة اعتبارات أهمها الحصول تطمينات من الجانب الإيراني بعدم المساس بالقضايا الجوهرية للأمن الإسرائيلي وقد تكون إيران وافقت ضمنيا على ذلك بعد ان ذاقت حلاوة الانفتاح الاقتصادي وتحولها الى مركز استقطاب عالمي.

ووقد يكون من غير الضروري ان تعطي إيران تطمينات بشأن امن إسرائيل، فالولايات المتحدة الامريكية دولة عظمى ولا يمكن ان تتوقف مشاريعها الاستراتيجية من اجل مخاوف غير منطقية من قبل مسؤولين في تل ابيب.

* مصادر الطاقة لم تعد بيد الخليجيين وخاصة السعودية فالنفط في طريقه للتراجع ضمن قائمة المصادر الثانوية، والبحث يدور اليوم عن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة النووية او الطاقة الشمسية والطلب على الغاز الطبيعي في تزايد مستمر. فعلى مستوى الطاقة النووية كان توقيع الاتفاق التاريخي بين إيران والدول الغربية اعلانا لدخولها النادي النووي العالمي، كما انها تملك مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي إذ تملك ثاني أكبر احتياطات الغاز في العالم بعد روسيا.

ويشكل الغاز الطبيعي حاليا حوالي 24% من خليط مصادر الطاقة العالمي مقابل حوالي 32.5% للنفط و30% للفحم الحجري. وتشير التقارير الاقتصادية الى ان نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيكون ضعف نمو الطلب على النفط والفحم مجتمعين بحلول عام 2040. وهنا تأتي أهمية إيران على مستوى مصادر الطاقة المستقبلية، ما يعني حتمية دخول الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة في اتفاقيات اقتصادية معها.

* إذا كانت إيران تمتلك كل هذه المميزات الاقتصادية فضلا عن ثقلها السياسي والعسكري المتصاعد فليس من السهولة ان تفرط فيها الدول الغربية لتكون صيدا سهلا لجارتها العظمى روسيا، وبالتالي تكوين حلف شرقي إيراني روسي يزاحم الغرب من خلال مصادر الطاقة، وهنا تكمن لعبة غربية أخرى تتمثل بسحب البساط من تحت هذا الحلف الذي يتوقع ان يتشكل في حال ابتعاد الاتحاد الأوربي وامريكا عن الساحة الإيرانية الغنية بمواردها الطبيعية وباستثماراتها الاقتصادية المربحة، وهو ما يعني محاولة تحييد ايران عن روسيا او ضرب العلاقات المشتركة بينهما.

وعلى كل الأحوال فان السياسة الامريكية وعلاقاتها الخارجية لا تستند الى تأثير شخص الرئيس كما توحي بذلك تصريحات المسؤولين الخليجيين بان التحولات الامريكية في السنوات الماضية كانت بسبب مجيء باراك أوباما، ورغم انه (باراك أوباما) كان له تأثير مهم في هذه المتغيرات لكن لا يمكن ان نفصل ذلك عن السياسة الامريكية القائمة على التخطيط الاستراتيجي وان أوباما قد وضع موضع التنفيذ هذه الاستراتيجيات المرسومة في مراكز القرار الامريكية، وبالتالي فمن المستبعد ان تنقلب السياسة الحالية رأسا على عقب في حال انتخاب رئيس جمهوري متشدد.

أمريكا خسرت الكثير من الأموال في حروبها في العقد الأخير إذ كشف تقرير سابق لجامعة براون الامريكية في صورة مشروع لتكاليف الحرب، أن إجمالي تكلفة الحروب في كلٍ من العراق وأفغانستان وباكستان يبلغ (4 تريليونات دولار) على الأقل. وليس هذا فحسب بل ان الولايات المتحدة خسرت سمعتها كدولة راعية للديمقراطية من خلال تحالفها مع دول تصفها وسائل الاعلام الغربية بانها تحكم بأساليب تعود للقرون الوسطى فضلا عن سجلها السيء في مجال حقوق الانسان والمقصود هنا دول الخليج النفطية.

لا نستبق الزمن بالتأكيد على إمكانية عقد تحالف غربي مع ايران، لكن المعطيات تشير الى تغيرات جذرية تجاه الجمهورية الإسلامية، فعندما تاتي مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغريني الى ايران مع سبعة مفوضين اوربيين وتقول ان وفدا اوروبيا كبيرا كهذا لم يزر أيا من بلدان العالم لحد الآن فهذا يؤكد ان السنوات القادمة ستكون مختلفة تماما وان التحالفات الحالية في طريقها لرفوف المتاحف.

اضف تعليق