q

هناك قضية مشروعة تسعى إلى تحقيقها جميع الدول في العالم، تتمثل بحماية مصالحها وجعلها مصانة من أي تهديد بغض النظر عن مصدره، هذه القضية أو هذا الهدف الجوهري للدول يبدو لنا مشروعا ومقبولا، ولكن ينبغي أن يرتبط هذا الهدف بالوسائل والطرق التي تستخدمها الدول من اجل ضمان مصالحها، بمعنى هناك دول تنتهج طرقا وسبلا ووسائل مشروعة لا تتسبب بأذى للآخرين، وهناك دول على العكس من ذلك، إذ أنها لا تهتم ولا تعتني بجانب مشروعية حماية المصالح وإلحاقها الأذى بالآخرين بقدر اهتمامها بالنتيجة النهائية والحتمية لضمان مصالحها، بمعنى أن هناك دولا تضع نصب عينيها حماية مصالحها بالوسائل المشروعة وغير المشروعة!!. وقد تلجأ مثل هذه الدول إلى أساليب لا إنسانية تؤذي الدول والشعوب الأخرى لكنها تضمن لها مصالحها السياسية والاقتصادية وسواها!.

تُرى هل يصح مثل هذا الأسلوب في سعي الدول لضمان مصالحها، وهل يحق لها أن تلحق الأذى بالشعوب والدول من اجل تحقيق هدفها هذا؟، المنطق يقول عكس ذلك، والتصريحات الرسمية وسواها تقف بالضد من ذلك، ولكن ما يحدث على أرض السياسة، يؤكد بما لا يقبل الشك أن هناك دولا معروفة تسعى إلى ضمان مصالحها حتى لو تم ذلك على حساب الآخرين، يحدث مثل هذا في منطقة الشرق الأوسط بنحو واضح، وبالتحديد في المنطقة التي تشمل العراق والدول الإقليمية المقاربة له، بعض هذه الدول وهي معروفة للمراقبين، تذهب إلى أهدافها بطرق غير مشروعة، فالمهم لديها في آخر المطاف هو تحقيق مآربها.

من هذه الطرق غير المشروعة، إثارة الفتن واعتماد سياسة التأجيج الطائفي لقطف الثمار المتعلقة بضمان المصالح للدول المثيرة للفتن، حتى لو تم ذلك على حساب مصالح وأمن واستقرار دول أو دولة إقليمية بعينها، وهذا ما يحدث في العراق وسوريا على سبيل المثال، بل وما يحدث في دول عديدة تنتمي جغرافيا إلى منطقة الشرق الأوسط، علما أن هذه السياسة لا تعتمد الوضوح، ولا تظهر على السطح بصورة علنية إلا ما ندر، بمعنى أن الدول الإقليمية التي تنتهج أسلوب إثارة الفتن والعنف والتأجيج الطائفي، غالبا ما تتخفى بأساليب مخادعة، وتُظهِر غير ما تُبطن، وتقول غير ما تفعل، فتذهب إلى أهدافها على حساب أرواح قد تصل إلى مئات الآلاف، وقد يتم ذلك على حساب حاضر ومستقبل دول، كما يحدث الآن مع دولة العراق!

فهذه الدولة التي انتقلت (في محطة محورية)، من (الفردية الدكتاتورية إلى التعددية) قبل عقد من السنوات، أثارت حفيظة الدول الإقليمية بهذا الانتقال الدراماتيكي، وأصبحت أرضا لحرائق العنف، وبات شعبها وقودا للعنف الطائفي، كل هذا وغيره مصدره الدول الإقليمية التي لا يروق لها تطور واستقرار العراق، لذلك لا تجد هذه الدول ضيرا في إثارة الفتن والتأجيج الطائفي بين العراقيين، وإزهاق المزيد من أرواحهم وتدمير ممتلكاتهم وإضعاف اقتصادهم، وتحويلهم إلى شعب مستهلك بلا إنتاج، وسوقا تستقبل وتعرض منتجات تلك الدول، أما الجانب الإنساني فإن الدول الإقليمية غير معنية به، المهم لديها كيف تحصل على اكبر حصة ممكنة من (الكعكة)، والمعني بها هنا دولة العراق، التي تعرضت ولا تزال للنهب المنظّم لخيراتها وثرواتها، من خلال إشغال الحكومة والشعب العراقي بالفتن والحروب والمعارك الطائفية، حتى يتسنى المجال الكافي للدول الإقليمية كي تحصل على اكبر قدر من الفائدة لها، حتى لو تم ذلك على حساب أرواح الأبرياء من العراقيين.

ولم تألُ الدول الإقليمية جهدا ولا أسلوبا إلا واستخدمته من اجل فرض سيطرتها وتحقيق مصالحها، وكان الدين ولا يزال أسلوبا يتم من خلاله خلط الأوراق، وتدعيم السياسة لتحقيق الأهداف المرسومة، حتى لو تعرضت حرمة الدين إلى التشويه، فالدين كما هو معروف أهم بكثير وأنقى بكثير من السياسة، لذا لا يصح أن يتبع للسياسة، ويتم زجه فيها بطرق تسيء للدين وحرمته وقدسيته، لكن هذا ما حدث ويحدث فعلا في الصراع الإقليمي بالشرق الأوسط، وتحديدا في المنطقة التي يتواجد فيها العراق وسوريا، كل ذلك من اجل تحقيق مصالح بعض الدول الإقليمية بغض النظر عن الضحايا الكبيرة.

لذلك لابد من السعي إلى بلورة موقف سياسي ضاغط، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ايضا، للحد من الصراعات الإقليمية في هذه المنطقة، واللجوء إلى أسلوب إدارة الصراعات والأزمات بالأسلوب الذي لا يلحق الأذى بشعب او دولة بعينها، مع ضمان حقوق الجميع بالطريقة القانونية الشرعية التي لا تفرط بحرمة الإنسان.

لذلك لابد من القيام بوضع الخطوات الإجرائية التي تضمن إلغاء وإطفاء أسلوب التأجيج الطائفي، على أن تتفق عليها الدول المعنية في المنطقة، وينبغي أن تعتمد جوانب عملية وفعلية منها:

- عدم اعتماد سياسة خلط الأوراق فيتم التداخل بين السياسة والدين خدمة لأهداف سياسية.

- الدين أرقى من السياسة بكثير.. لذا ينبغي على السياسة أن تتبع الدين وليس العكس.

- اشعار الدول الاقليمية التي تنتهج هذا الاسلوب بأنها مكشوفة هي واهدافها من خلال الاعلام والقنوات الدبلوماسية وما شابه.

- محاولة اقناع حكومات الدول الاقليمية بأن سبل التعاون أجدى من الصراع وهي أسرع في تحقيق الافضل لها وحماية مصالحها وتطويرها.

- هناك ارادة شعبية قد تكون ضعيفة او غير واعية لكنها تقوى مع الزمن وهذا يؤدي إلى ظاهرة شعبية جماعية من الكره للدول الإقليمية التي تستخدم العنف والخداع طريقا لتحقيق أهدافها.

- لابد ان يكون هناك أسلوب دبلوماسي فعال وقوي للوقوف ضد أسلوب تأجيج العنف والتطرف.

- واخيرا لابد من اتخاذ الخطوات الاجرائية السيادية المستقلة، والتي تحد بقوة من سطوة بعض الدول الاقليمية وتدخلاتها وتأجيجها للعنف في بعض دول المنطقة ومنها العراق.

اضف تعليق