q

اعلن تنظيم "القاعدة" في جزيرة العراب، مسؤوليته المباشر عن الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، واسماها "غزوة فرنسا المباركة" التي جاءت "ثأرا لنبينا"، على حد قول "نصر بن علي الأنسي" الناطق باسم التنظيم، ليحسم الجدل القائم حول الجهة التي تقف خلف الهجوم بعد ان تضاربت الاقوال بين القاعدة وتنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش)، وجاء هذا الموقف في وقت تصاعدت فيه موجة الاستياء بين المسلمين مع صدور العدد الجديد من الصحيفة الساخرة "شارلي ايبدو"، والذي تضمن رسوما مسيئة للرسول محمد (ص)، وطبع منها 3 ملايين نسخة، نفدت جميعها من الاسواق فور صدورها، بعد ان كانت الصحيفة قبل الاعتداء، تصدر 60 الف نسخة، وتعاني من ضائقة مادية كادت ان تطيح بها، وقد تفاعلت العديد من الصحف العالمية ووسائل الاعلام الاوربية مع العدد الاخير، وروجت بشكل كبير للصفحة الاولى (التي احتوت على الرسم المسيء للرسول)، فيما ترجمت المقالات والعبارات الواردة في الصحيفة الى عدة لغات حية منها اللغة العربية.

بالمقابل، امتنعت وسائل اعلام وصحف عالمية اوربية وغربية عن الخوض في تفاصيل العدد الاخير او نشر الرسم المسيء بصورة مباشرة، كصحيفة الديلي تلغراف وصحيفة يلاندز بوستن الدنماركية، اضافة الى امتناع العديد من الصحف المنتشرة في روسيا واستراليا وتركيا وغيرها، منعا لخلق المزيد من الاجواء المتوترة، وقد تحول "الصراع الساخر" الذي ولدته رسوم "شارلي ايبدو" الى معركة حقيقية حول المساس بالأفكار الدينية وحرية المعتقد، او كما اشار نائب رئيس الوزراء البريطاني "نيك كليغ"، في معرض دفاعة عن الرسم الذي تصدر العدد الاخير بانه يندرج في اطار "معركة ايديولوجية" من اجل مجتمع حر، وكان الحرية تعني الاستمرار باستفزاز مشاعر المسلمين "غير المتطرفين" عبر تواصل الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص)، بغض النظر عن مدى إساءتها لمفهوم احترام الاخر وعدم المساس بمشاعره ورموزه الدينية، حتى ذهب القول بالصحفية في مجلة "شارلي إيبدو"، زينب الغزوي، التي تساءلت باستغراب "لماذا يطلب المسلمون أن تحترم المجلة التي تعلن أنها مجلة ملحدة الالتزام بتعاليم الإسلام؟".

الامر المستغرب، ايضا، ما قامت به السلطات الامنية الفرنسية، وبعد حادثة الصحيفة الساخرة، هو اعتقال صاحب البرنامج الفكاهي (مبالا مبالا)، "ديودونيه"، تهمة "تمجيد الإرهاب"، بعد ان علق بسخرية حول الاحداث الجارية بالقول "أشعر أنني شارلي كوليبالي"، خالطا بين الصحيفة واسم الجهادي الذي نفذ الاعتداء الثاني الذي تم في باريس، وهو تعليق لا يخلو من السخرية بعد ان اختلطت المفاهيم بين الحرية والاساءة للأخرين، وكما عبر احد المراقبين بان "الطلب من الاخرين احترام ان اسيء اليك باسم الحرية امر غامض وغير مفهوم"، ويبدو ان فرنسا التي بدئت بمحاصرة من يفكر بصوت عالي بتهمة "تمجيد الارهاب"، فقدت "بوصلة الحكمة" او الاعتدال، على الاقل، في احتواء ملايين المسلمين من رعاياها ومواطنيها، من الذين تضاربت مشاعرهم بين الخوف من الانتقام، والاستياء من الاستمرار في استفزاز مشاعرهم الدينية، وهو خوف واستياء قد يولد شعور الغربة في بلاد اعتادوا العيش فيها والشعور بالتسامح الديني والفكري بلا خوف او قيود.

وقد تناولت الصحفية الألمانية "بيرغيت كاسبر" في مقال طويل، العلاقة بين المسلمين وغيرهم، في فرنسا بعد احداث شارلي ايبدو بالقول "الأمر يتعلق الآن وفي الأسابيع القادمة بما هو أكثر بكثير من حرية الصحافة (حيث سيتعلق أيضا بالسؤال عما إذا كان الفرنسيون سوف يتمكنون سوية مع مسلمي فرنسا البالغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة من العمل يدًا بيد على مواجهة الجهادوية في بلدهم)، أو إذا كان سوف يتم تحويل المسلمين ودينهم مرة أخرى في نهاية المطاف إلى كبش فداء، وإذا كان سوف يتم (في حالة الشبهة) وضعهم مرة أخرى تحت اشتباه عام، واضافت "شارلي إيبدو لم تجعل الجميع يضحكون، ولا حتى يبتسمون في بعض الأحيان، ولكن بحسب مفهوم الديمقراطية الغربي لا يمكن ولا يجوز أن يتم تقبل الرقابة، ومع ذلك يتعين في وقت لاحق أن يتم طرح السؤال عما إذا كان لا ينبغي أيضا أن تطالب السخرية بمقدار معين من المسؤولية عن تأثيرها في بيئة تعتبر على أية حال بيئة اجتماعية وسياسية مشحونة بمعاداة الإسلام، وضمن سياقات دينية أخرى حساسة أيضا يتم ذلك على ما يبدو بشكل أقل صعوبة".

ومع التأكيدات التي جاءت على لسان كبار القادة والمسؤولين الاوربيين، (امثال الرئيس الفرنسي "هولاند" ورئيس الحكومة الفرنسية "مانويل فالس"، والمستشارة الالمانية "ميركل" والرئيس الالماني "يواكيم غوك") التي اشارت بان حرب اوربا ليست ضد الاسلام وانما ضد الارهاب والاسلام المتطرف، الا ان الخلط بين الاستمرار في الاساءة وتصعيد المواقف ضد الاسلام من دون تمييز (الذي جعل جميع مسلمي اوربا تحت الشبهة والاستهداف) وبين محاربة الارهاب والمتطرفين من المسلمين، احاط المشهد الاوربي بالكثير من الضبابية، في حين ان الجميع يحتاج الى بوصلة تحدد اتجاه الحكمة وبالأخص في فرنسا.

اضف تعليق