q

يمر العراق بظروف استثنائية، تتمثل باستمرار الحرب ضد جماعة داعش الارهابية التي كلفت البلد الكثير من الابرياء فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي تزداد سوءاً مع استمرار تراجع أسعار النفط الذي تمثل عائداته المورد الرئيسي لاقتصاد الدولة الأمر الذي يضاعف من المشاكل المالية للبلد لتلجأ الحكومة الى اجراءات تقشفية كان المواطن هو ضحيتها الاكبر، ما ادى الى تزايد الاحتجاجات لانتشال البلد من المفسدين الذين حولوا العراق الى دولة شبه فاشلة.

التظاهرات الشعبية التي انطلقت في صيف العام الماضي فشلت فشلا ذريعا لاسباب عدة اهمها ضياع بوصلة الاهداف لدى المتظاهرين ودخول الاحزاب المتنفذة لتشتيت الجهد الشعبي، بالاضافة الى التتقاطعات الاقليمية التي تحاول الحفاظ على مكتسبات المحاصصة الطائفية في البلد ، ومع تلاشي اصوات المتظاهرين انسحب الجميع الى الخطوط الخلفية حتى ان المرجعية الدينية سحبت دعمها لحكومة العبادي بعد فشلها في تحقيق المطالب الشعبية، الا ان التيار الصدري الذي هو جزء من الحكومة العراقية دعا الى تظاهرات مليونية لاقتلاع الفساد من جذوره .

عاد السيد مقتدى الصدر الى الواجهة السياسية بقوة بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي بلغت ذروتها باعتصام انصاره امام مداخل المنطقة الخضراء وسط بغداد. وقال الصدر الذي دعا انصاره الى التظاهر ومن ثم الى الاعتصام امام بوابات المنطقة الخضراء "هذا هو يومكم لقلع الفساد والمفسدين"، وعلى اثر ذلك توجه توجه الالاف من انصار التيار الصدري للتظاهر والبدء باعتصام مفتوح عند المداخل الرئيسية للمنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة ومجلس النواب وسفارات اجنبية بينها الاميركية والبريطانية بالرغم من الرفض الحكومي والاجراءات الامنية المشددة.

وأكد عقيد في الشرطة العراقية لوكالة الأنباء الفرنسية أن "قوات الأمن أغلقت جميع المداخل الرئيسية لمدينة بغداد وقطعت طرقا رئيسية وجسورا تؤدي إلى المنطقة الخضراء" حيث مقر الحكومة وسفارات أجنبية وسط بغداد أبرزها سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا. الا ان الالاف من أنصار التيار الصدري تمكنوا من عبور جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، بعد قطع أسلاك شائكة وضعتها قوات الأمن من الوصول إلى أحد مداخل المنطقة الخضراء للبدء بالاعتصام، كما تجمع عشرات آخرين على مقربة من مدخل جسر 14 تموز أحد المداخل الرئيسية الثلاثة التي يجري أمامها الاعتصام، وافترش أغلبهم الأرض وحمل البعض منهم أعلاما عراقية وجلس آخرون تحت ظلال أشجار.

واكد الصدر عبر بيانات متكررة، ان الهدف من الاحتجاجات والاعتصام، تشكيل حكومة تكنوقراط بدلا من الحكومة الحالية التي يقودها سياسيون على شكل محاصصة طائفية، ويعملون من اجل مصالح الاحزاب السياسية التي تسيطر على البلاد وفي هذا السياق قامت الرئاسات الثلاث في البلاد، الجمهورية والوزراء والبرلمان، باجراء مباحثات بهدف التوصل الى اتفاق سياسي يرضي جميع الاطراف وفي تقرير لوكالة فرانس برس قالت فيه ان الاحزاب السياسية ترفض خلف الكواليس التخلي عن نفوذها وصلاحياتها ومناقشة اقتراح رئيس الوزراء حيدر العبادي لبحث تغييرات حكومية، لكنها تؤكد علنا دعمها للاصلاحات، وادى الاعتصام الذي انطلقت منتصف اذار الجاري الى شل الحركة في عموم بغداد وقد وصفت تلك الخطوة بالتصعيد غير المسبوق .

زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر حث اتباعه الذين نزلوا للشارع مطالبين بالاصلاح حثهم بالمطالبة لاعطاء حصة من عوائد النفط لكل مواطن وقال الصدر في خطاب متلفز تضمن مقترحات للقضاء على الفساد وتحسين الخدمات العامة وانعاش الاقتصاد انه ينبغي "تخصيص حصة لكل مواطن عراقي من إيرادات الخام ، فيما لم يوضح الصدر كيفية توزيع عوائد النفط لا سيما وان اسعاره انخفظت بشكل كبير حتى باتت لا تكفي لسد الموازنة العامة للدولة العراقية .

وقد دعت بعض الكتل السياسية الى الغاء الاعتصامات لما تمثله من مخاطر على وحدة النسيج الاجتماعي فضلا عن تشتيت الجهد العسكري ضد جماعة داعش الارهابية الا ان السيد مقتدى الصدر رفض هذه الدعوات ونشر الصدر بيانا على موقعه الالكتروني رفض فيه دعوات من سياسيين ناشدوه إلغاء الاعتصام بسبب مخاوف من أن يؤدي إلى أعمال عنف قرب المؤسسات الحكومية في المنطقة الخضراء وقال الصدر "سوف يعتصمون اعتصاما سلميا أمام بوابات المنطقة الخضراء التي تعتبر معقلا لدعم الفساد."

وأضاف في بيانه "لدينا غير الاعتصام أساليب أخرى ..ستكون فاعلة بما لا يقل عن الاعتصام أثرا ونفعا." لكنه حذر أنصاره قائلا "لكن لا صدام ...لا سلاح... لا قطع طرق...لا اعتداء ...لا عصيان للجان المسؤولة عن الاعتصام." وهدد الصدر بالدعوة لإجراء تصويت بحجب الثقة في البرلمان ما لم يُعين وزراء تكنوقراط في أقرب وقت. وتقول بعض التحليلات ان عجز التيار الصدري الذي يملك 34 نائبا في البرلمان عن سحب الثقة جعله يلجأ لاحتجاجات الشوارع لمواصلة الضغط على رئيس الوزراء معتمدا على شعبيته في الأحياء الشيعية الفقيرة ببغداد.

في هذه الاثناء دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي زار بغداد مؤخرا الكتل السياسية الى دعم مشروع الاصلاحات التي يقوم بها رئيس الوزراء حيدر العبادي.وشدد بان خلال زيارته الثامنة الى العراق كامين عام للامم المتحدة على الحاجة الى مصالحة وطنية ، وقال في كلمة امام مجلس النواب بحسب فرانس برس "ادعو كل قادة البلاد هنا اليوم الى المضي قدما في جهودهم تجاه رؤية موحدة للتقدم في مشروع المصالحة الوطنية في العراق".

وقال بان كي مون للنواب "يجب التاكد من ان السلطة التنفيذية والتشريعية وبينها الكتل السياسية تعمل سوية لدعم رئيس الوزراء في الوقت الذي يقوم فيه بتطبيق الاصلاحات المطلوبة لمواجهة الازمات المتعددة التي تواجهونها"، واضاف كي مون ان هذه الزيارة "المشتركة هدفها اظهار دعمنا لجهود الحكومة العراقية التي يتوجب عليها اولا احلال السلام والاستقرار من خلال مصالحة وطنية واصلاحات اجتماعية اقتصادية".

ومع استمرار موجة الاحتجاجات الشعبية يزداد الوضع السياسي تعقيدا مع عدم امكانية تحقيق اصلاح حقيقي يشمل اقتلاع جذور الفساد من خلال معالجة اصل المشكلة والمتمثلة بالمحاصصة الحزبية والسياسية ، حيث تمثل التوافقات السياسية الركيزة الاساسية لتغلغل الفساد والمحسوبية في اغلب الدوائر الحكومية في العراق وهو ما حذرت منه المرجعية الدينية في السابق اكثر من مرة الا ان الكتل السياسية لم تستجب لهذه الدعوات وواجهتها باجراءات شكلية تضمنت تدوير بعض المسؤولين بين دوائر الدولة ، ويبقى التساؤل هنا عن مدى قدرة التيار الصدري على مواجهة ضغوطات من الاحزاب السياسية العراقية وضغوطات اقليمية؟ وما هي الخيارات المطروحة لدى التيار الصدري في حال عدم تنفيذ مطالبه خاصة مع استنفاذ اغلب اوراق الضغط السلمية لديه؟ فهل سيلجأ التيار الى المواجهة العسكرية ام انه عجلة التظاهر ستبقى تسير على السكة السلمية؟.

اضف تعليق