q

تطورات جديدة تشهدها الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة الامريكية، حيث تفاقمت الخلافات وتصاعدت لهجة التسقيط والاقصاء بين المرشيحن الديموقراطيين والجمهوريين، لكن ما يميز هذه الانتخابات وكما يقول بعض المراقبين هو المرشح الجمهوري المثير للجدل، دونالد ترامب الذي تحول من كونه قطب عقارات إلى مرشح رئاسي هو الآن في مقدمة المتنافسين الجمهوريين، حيث اصبح هذا المرشح وبسبب تصريحاته الغريبة والعنصرية، التي لاقت إدانة دولية ومحلية واسعة واحرجت الحزب الجمهوري في حرب مفتوحة حتى مع الزملاء، فقد أسهمت تصريحات ترامب وكما يرى البعض، في انتشار وتصاعد حلات العنف الداخلي وقد شهدت مهرجانات ترامب الانتخابية عددا متزايدا من الحوادث كان اخرها في شيكاغو، عندما جرت اشتباكات بين انصاره ومتظاهرين بينهم العديد من السود والمتحدرين من اميركا اللاتينية.

وهو ما اثار بعض المخاوف والانتقادات، حيث دعا الرئيس الاميركي باراك اوباما المرشحين الرئاسيين الى الابتعاد عن اشعال التوتر من خلال اطلاق الاهانات والخطاب التحريضي، وذلك غداة الغاء تجمع انتخابي للجمهوري دونالد ترامب بعد حدوث صدامات عنيفة. وقال اوباما في لقاء لجمع التبرعات في دالاس بتكساس "يجب على المرشحين لمنصب الرئاسة التركيز على كيفية جعل الامور افضل وليس على الاهانات والمماحكات واختلاق الحقائق وزرع الانقسام على اساس العرق والدين، وبالتاكيد ليس على العنف الموجه ضد الاميركيين الاخرين".

واتهم خصوم ترامب الجمهوريون المرشح الاوفر حظا بانه يحصد نتائج خطابه الشديد اللهجة، وقال ترامب "انا لم احرض على العنف بالتاكيد"، محملا من سماهم "مثيري شغب محترفين" المسؤولية. وازدادت حدة هذه الاحداث في الاسابيع الاخيرة وباتت تواكب كل ظهور للملياردير الذي يعمل على تحريكها بخطاباته. ففي الاول من شباط/فبراير، دعا انصاره الى "الضرب" مؤكدا انه سيدفع بدل المحامين. وفي 23 شباط/فبراير، اعلن متحدثا عن شخص تسبب ببلبلة في تجمع ان بوده "تلقينه لكمة في وسط وجهه".

تأجيج اعمال العنف

وفي ما يخص بعض هذه التطورات وبعد تصريحاته النارية والهجومية، ساهم دونالد ترامب في تحويل الساحة السياسية الاميركية الى ميدان للمعركة حيث يتهمه خصومه بتشجيع الميول العدائية وتأجيج مستوى النقاش، بحسب خبراء. وقال ستيفن شميت استاذ العلوم السياسية في جامعة ايوا "اتوقع تصاعد التوتر وازدياد مستوى العنف خلال التجمعات السياسية المقبلة". وفي المنافسة الطويلة للوصول الى البيت الابيض التي تثير استياء العديد من المراقبين، ستبقى نهاية الاسبوع الماضي نقطة تحول جديدة ملحوظة لنوعية النقاش..

كماهدد ترامب بإرسال مناصريه للإخلال بتجمعات خصمه الديموقراطي بيرني ساندرز. فهل هذا يعني ان الصدامات والاهانات والمرافقين والهراوات باتت جزءا لا يتجزأ من مشهد الانتخابات الرئاسية الاميركية في 2016؟ يخشى البعض ان يكون الامر كذلك. وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" ان "ترامب اشعل حريقا فهل يمكن اخماده؟". وقال شميت "الان سيتوجه انصار ترامب الى مهرجانات ساندرز الانتخابية للاخلال بها. ثم سيرد مناصرو ساندرز بالمثل وسيحصل عراك بالايدي وستقع اصابات".

ومع خطابه الناري ضد واشنطن واهاناته لخصومه وهجماته على المسلمين، يتعرض ترامب لانتقادات ويتهم بتأجيج الاحقاد وتشجيع مناصريه على العنف. وفي مقال كتبت صحيفة "واشنطن بوست" ان "خطابه العدائي يشجع التجاوزات العنيفة في تجمعاته" الانتخابية. وتعرض جون ماكغرو الرجل المسن في ال78 من العمر فجأة بالضرب لمتظاهر اسود خلال تجمع لترامب في كارولاينا الشمالية. وقال ماكغرو "لقد اعجبني الامر ان اغلق فمه الكبير" مضيفا "المرة القادمة علينا ربما قتله".

ورفض ترامب تحمل المسؤولية في هذه القضية واستمر في التأكيد بان تجمعاته غير عنيفة حتى وان كان يتلاعب شخصيا بالخطوط الحمر. وقال معلقا على رجل قاطعه اثناء القاء خطاب "اود ان الكمه في وجهه". وبرر ترامب تجاوزات بعض انصاره باسم "الغضب" الذي يحق لهم ان يشعروا به. وبالتالي من الطبيعي ان تصبح الاماكن التي يتوجه اليها ترامب ملتقى الناشطين العنصريين او المدافعين عن المقيمين في البلاد بصورة غير مشروعة.

وقال المحلل السياسي ماك ماكورلي ان "ترامب يجذب المحتجين - الذين ليسوا من انصار بيرني ساندرز - المهمشين والناشطين العدائيين". واضاف "كأننا نواجه مارد القمقم، اعتقد ان المتظاهرين سيستمرون في حضور تجمعاته لكننا نجهل كيف نعيدهم الى القمقم". وكان من السائد حتى الان ان يقاطع متظاهر تجمعات ترامب الانتخابية فيتم لاحقا طرده من القاعة. لكن في شيكاغو كان عددهم الجمعة بالالاف. ودان ترامب "مثيري الشغب المحترفين" الذين نفذوا "هجوما مخططا له". ودعا الرئيس باراك اوباما المرشحين الى الكف عن "الاهانات والخطاب التحريضي". بحسب فرانس برس.

من جهتها، اتهمت المرشحة عن المعسكر الديموقراطي هيلاري كلينتون ترامب ب"اشعال الحرائق". اما المرشح الجمهوري حاكم ولاية اوهايو جون كاسيتش فاتهم ترامب ب"خلق اجواء ضارة". ويرى ماكورلي ان هذه الاستراتيجية المفرطة قد "تتيح لترامب تحقيق مكاسب قصيرة الاجل" لكن ليس على المدى الطويل اي بعد المؤتمرات الحزبية العامة الصيف المقبل. وفي حال كانت المواجهة النهائية بين كلينتون وترامب يتوقع شميت "اصعب حملة رئاسية منذ حملة توماس جيفرسون" مطلع القرن التاسع عشر.

الى جانب ذلك الغى ابرز المرشحين الجمهوريين في سباق البيت الابيض دونالد ترامب تجمعا انتخابيا في اللحظة الاخيرة في مدينة شيكاغو (شمال) "لتجنب اصابات خطيرة"، لكن اعمال عنف اندلعت بين انصاره ومعارضيه. وتجمع عدد كبير من المتظاهرين المؤيدين للمرشح الديموقراطي برني ساندرز والحركة المناهضة للعنصرية "حياة السود مهمة" (بلاك لايفز ماتر) داخل القاعة الرياضية لجامعة ايلينوي في شيكاغو حيث كان يفترض ان يتحدث رجل الاعمال الثري.

وتصاعد التوتر تدريجيا داخل حرم الجامعة وخارجه حيث تجمع مئات الاشخاص بينهم طلاب احتجاجا على قدوم ترامب. واعلن مسؤول الغاء التجمع مما اثار هتافات غاضبة قبل تبادل شتائم ولكمات بين مؤيدي ترامب ومعارضيه. وردد مناصرو ساندرز هتافات بينما كان رجال الامن يحاولون الفصل بين المجموعتين واخلاء القاعة.

لكن اعمال العنف استمرت في الخارج حيث قامت الشرطة باعتقال عدد من الاشخاص بالقوة. واغلق ناشطو الحركة المناهضة للعنصرية طريقا سريعا قريبا. وبرر دونالد ترامب الغاء التجمع بالقول لشبكة ام اس ان بي سي ان "الناس كان يمكن ان يصابوا بجروح خطيرة". واضاف "لم يعد بامكاننا ان ننظم تجمعا في مدينة كبيرة في هذا البلد بدون عنف او عنف محتمل". واوضح ترامب انه قرر تأجيل التجمع بعدما شاور قوات الامن عند وصوله الى شيكاغو. وقال لشبكة سي ان ان "اعتقد اننا اتخذنا القرار الصائب بالالغاء (...) وان كانت حريتنا في التعبير انتهكت بالكامل".

ورفض تحميله مسؤولية التظاهرات والتوتر بسبب "لهجته" بينما يؤكد خصومه انه يشجع انصاره باستمرار على مهاجمة مثيري الاضطرابات. وقال "بالتأكيد لم ادع الى العنف"، ملقيا باللوم على "مثيري شغب محترفين". من جهتها، ذكرت شرطة شيكاغو انها "ابلغت من قبل مسؤولين بان حملة ترامب الغت التجمع المقرر"، مؤكدة انها ستعمل مع الاستخبارات وشرطة الجامعة "لحمايو حقوق كل فرد التي ينص عليها التعديل الاول (للدستور الذي يحمي حرية

خسارة مدوية

من جانب اخر مني دونالد ترامب بخسارة مدوية في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في العاصمة الأمريكية واشنطن وولاية وايومنغ. وإن كان رجل الأعمال الثري متصدرا في استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني ومن حيث عدد المندوبين الجمهوريين، إلا أن سيناتور فلوريدا، ماركو روبيو، ألحق به هزيمة سهلة في المجالس الناخبة الجمهورية في العاصمة الأميركية.

وحصل روبيو على 37,3 في المئة من الأصوات، في مقابل 35,5 في المئة لحاكم أوهايو جون كاسيك، بحسب وسائل إعلام أمريكية. وحل ترامب ثالثا بحصوله على 13,8 في المئة. وفاز روبيو بعشرة مندوبين من أصل 19، فيما حصد كاسيك التسعة الآخرين، ولم يحصل ترامب على أي مندوب. وتعتبر واشنطن ذات غالبية ديمقراطية، حيث فقط ستة في المئة من الناخبين مسجلين كجمهوريين.

وفي ولاية وايومنغ في غرب البلاد، حقق تيد كروز انتصارا سهلا على دونالد ترامب الذي حل ثالثا خلف ماركو روبيو. وفاز كروز بتسعة من المندوبين الـ12 لهذه الولاية الواقعة غرب الولايات المتحدة، بحصوله على نحو 66,3 في المئة من الأصوات، بحسب وسائل الإعلام الأمريكية. وحصل روبيو على 19,5 في المئة من الأصوات وترامب على 7,5 في المئة. وجاءت هذه النتائج بعدما واجه ترامب سيلا من الانتقادات من خصومه الجمهوريين الذين أخذوا عليه خطابه الناري بعد صدامات شديدة وقعت بين أنصاره ومعارضيه على هامش تجمع انتخابي ألغي في شيكاغو. بحسب فرانس برس.

لكن ترامب لا يزال متقدما بشكل مريح على مستوى إجمالي عدد المندوبين في سباق المرشحين الجمهوريين التمهيدي للانتخابات الرئاسية. من جهة أخرى، فازت هيلاري كلينتون في أول مجالس ناخبة ينظمها الحزب الديمقراطي في جزر ماريانا الشمالية. وحصدت وزيرة الخارجية السابقة أربعة مندوبين، بينما فاز منافسها سيناتور فيرمونت بيرني ساندرز بمندوبين، وفقا لوسائل إعلام أمريكية.

وقف المناظرات

في السياق ذاته دعا الملياردير الاميركي دونالد ترامب الحزب الجمهوري الى التجمع خلف ترشيحه ووضع حد للمناظرات التلفزيونية، مبديا ثقة في قوة موقعه. وفي لقاء صحافي دعا اليه رجل الاعمال في نادي "مار آ لاغو" الذي يملكه في منطقة بالم بيتش بفلوريدا، اطل برفقة جراح الاعصاب المتقاعد بن كارسون الذي انسحب من السباق لنيل ترشيح الحزب. وطوى الرجلان صفحة المواجهات بينهما والهجمات الكلامية والتلميحات التي وجهها دونالد ترامب ضد كارسون حين كان لفترة وجيزة الخريف الماضي منافسا شديدا له في استطلاعات الراي.

واشاد بن كارسون الذي يحظى بالتقدير في اوساط المحافظين المسيحيين الانجيليين، بشخصية المرشح الاوفر حظا وميزاته القيادية، مشددا على ان ترامب هو في الجلسات الخاصة مختلفا تماما عن الصورة التي يعكسها في المواقف العامة. وقال كارسون "هناك شخصيتا دونالد ترامب، ذاك الذي ترونه على المنصة، والآخر العقلاني الذي يمكن اجراء حديث جيد معه"، واضعا المرشح في موقف حرج.

ووافقه ترامب الراي في بادئ الامر معلنا "هناك على الارجح شخصيتا دونالد ترامب، الصورة العامة التي يراها الناس (...) وهي على الارجح مختلفة عن دونالد ترامب في الجلسات الخاصة"، غير انه عاد بعد اكثر من عشر دقائق وصوب كلامه، مدركا انه قال اكثر مما ينبغي. واكد "لا اعتقد ان هناك شخصيتا دونالد ترامب. انني مفكر كبير، لطالما كنت مفكرا". واستعرض ترامب انتصاراته منذ بدء الانتخابات التمهيدية في الاول من شباط/فبراير ودعا الى هدنة في حرب الاشقاء الجارية في صفوف الحزب الجهوري والتجمع حول ترشيحه.

وابدى ترامب الموقف ذاته خلال مشاركته الهادئة في المناظرة التلفزيونية التي جرت في ميامي. وقال ترامب "اقبلوا بدل ان تحاربونني"، متحدثا عن حركة سياسية نشات من حوله. وقال "يجدر بالحزب الجمهوري ان يغتنم ذلك، وسنحقق انتصارا كما لم نفعل من قبل". واكد رئيس اللجنة الجمهورية الوطنية رينس بريباس حرصا منه على تفادي انشقاق في صفوف الجمهوريين، ان الحزب سيدعم الفائز "مئة بالمئة" كائنا من كان، غير ان المعسكر المعادي لترامب يواصل تجنيد شخصيات محافظة ضد المرشح وتمويل حملات اعلانية معادية له. بحسب فرانس برس.

والمح ترامب الى انه لن يشارك بعد الان في اي مناظرة تلفزيونية ضد خصومه، مع ان الحزب اعلن عن مناظرة اخيرة في 21 اذار/مارس في سالت لايك سيتي. وقال "سأكون صادقا، حان الوقت لوقف المناظرات". وياتي انضمام بن كارسون الى ترامب بعد انضمام حاكم نيوجيرزي كريس كريستي الذي انسحب من السباق في شباط/فبراير. اما سناتور تكساس تيد كروز الذي ياتي في المرتبة الثانية من السباق لنيل الترشيح الجمهوري، فحصل على دعم كارلي فيورينا الرئيسة السابقة لمجلس ادارة شركة هيوليت باكارد.

اضف تعليق